كنت قد قلت مرارا من قبل لهذا المعترض المرتد عن جماعتنا، قبل خروجه بعد طرده بسبب خيانته ونفاقه، إن كل ما يراه أنه تناقضات ليس تناقضات مطلقا، وفي كثير من المناسبات أوضحت له ذلك، وأن المسألة لا تعدو كونها أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كان يستخدم ظاهر الآيات للدلالة على أمر هام في سياق معين دون الدخول في تفسيرها، بينما تحدث الخليفة الثاني عن وجوه التفسير العديدة في معرض جلوسه للتفسير الذي جمع لاحقا في التفسير الكبير وغيره. ولو دقق النظر لاكتشف هذا الأمر بسهولة، ولكن كبره وغروره وإحباطه لما رآه من صلابة في الجماعة من تدخُّل الشياطين فيها هو الذي أودى به، وكان سببا في عدم فهمه لهذه القاعدة البسيطة الواضحة، وإصراره على الغباء أو التغابي لإثبات وجهة نظره.
وأخيرا جاء بعدة أمثلة ليؤكد أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كان يقول بالتفسير التقليدي ويناقض تفسير الخليفة الثاني رضي الله عنه، ولتوضيح أنه بالفعل لم يدرك هذه القاعدة البسيطة فسأعلق على هذه الأمثلة التي ساقها. وسأوضح أنه اعتمد التزييف والتحريف والتدليس، وأغفل وأو تغافل عن أمور واضحة في النص أو نصوص أخرى.
يقول: “1: انشقاق القمر:
فما دام معروفا ومسلَّما به في معجزة انشقاق القمر أن جزءا من القمر ظل على حالته المعهودة وانشق عنه الآخر وذلك أيضًا لدقيقة أو نصفها، أو أقل من ذلك، فأي استبعاد عقلي في ذلك؟ وحتى لو كان هناك استبعاد عقلي على سبيل الافتراض لقلنا: متى كان في وسع العقل الإنساني الناقص أن يتوصل إلى كنه كل عمل رباني. (كحل عيون الآريا 1886)”
أقول :وهنا لم يجزم المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بأن القمر انشق على الحقيقة، وإنما كان يستدل بأن سنن الله تعالى لا تحيط بها العقول. ولكن حضرته ذكر في نفس الكتاب في مكان آخر مكان آخر أن القمر لم ينشق على الحقيقة بل كان كشفا، حيث قال:
“من الممكن أيضا أن يكون الراءون قد أُعطوا عيونا كشفية نتيجة تأثير القوة القدسية للنبي – صلى الله عليه وسلم -، حيث أراهم الله تعالى بهذا الحادث كيفية الانشقاق الذي سيحصل عند قرب القيامة. وإنه من الحقائق الثابتة أن قُوى المقرّبين الكشفية تؤثّر أحيانًا في الآخرين أيضا عند شدّتها وحدّتها، وهناك نظائر كثيرة لذلك في وقائع أرباب المكاشفات، حيث أرَى بعضُ الأكابر نفسه في بلدين مختلفين ومكانين متغايرَين في آن واحد بإذن الله سبحانه وتعالى”. (كحل عيون الآريا- الخزائن الروحانية مجلد 2 ص 277 – 278)
أليس هذا تدليسا وكذبا واضحا؟!! ألا يكفي ذلك لإثبات أن هذا الشخص يمارس الدجل والتدليس فيظهر ما يشاء ويحاول إخفاء ما يشاء ويحرف الكلم عن مواضعه؟ ألا يكفي هذا لإسقاطه وإغلاق قضيته إلى الأبد؟
يقول: “2: عبور البحر
أَلا تعلم كيف خلق الله آدم وعيسى، وتتلو ذكرهما في القرآن ثم تنسى؟ أنسيت قصة الكليم وفلق البحر العظيم، إِذْ أَجاز البحر وأُغرِقَ فرعون اللئيم؟ فبَيِّنْ لنا أي فُلْكٍ كان ركِبه موسى؟ وما قص الله هذه القصص عبثًا بل أودعها معارف عُظمى، لتَعلمُوا أَنّ قدرة الله ليستْ مُقيّدةً في الأَسباب. (مواهب الرحمن)”
أقول: وهنا لم يوضح حضرته كيفية شق البحر، بل بيَّن بأن قدرة الله هي التي قامت بذلك، وأن لله تعالى أسبابا خفية. أما التفسير الكبير فحاول تبيان ما الذي حدث، وأنه نوع من المد والجزر في مكان ما من البحر، ولكن لو كان الأمر مدا وجزرا فهذا لا يقدح أن في الأمر معجزة وأسبابا خفية لله تعالى، لأن وجود موسى وقومه على طرف البحر من ناحية، ثم دخولهم في وقت محدد تماما، ثم دخول فرعون وقومه بعدهم وقدوم المد يدل على أن يد قدرة الله تعالى هي التي كانت تعمل. فهل في هذا تناقض مع ما جاء في التفسير الكبير؟
يقول: “3: تدخل الشيطان بوحي الأنبياء
وأحيانا يحدث هذا التدخل (الشيطاني) في وحي الأنبياء والرسل أيضا، ولكنه يُنسَخ فورا. هذا ما يشير إليه الله جلّ شأنه في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ…}. (إزالة الأوهام)”
أقول: وهذا ما تقوله الآية القرآنية بوضوح، وهو أن الشيطان يتدخل في وحي الأنبياء، ولكن حضرته بين بأن المقصود ليس أن الشيطان يشوش الوحي النازل ويلقي كلمات يظنها النبي من الله تعالى، بل بيَّن بأن هذا إنما يشير إلى الخطأ الاجتهادي الذي قد يقع فيه النبي نتيجة لحماسه وأمنياته الطيبة، وكيف أن بعض المنافقين والشياطين المتخفين قد يلقون إليه بمشورات غير صحيحة ويقبلها، كما حدث مع آدم عليه السلام، ولكن الله تعالى يجعل فائدة من هذا الخطأ الاجتهادي، ويحكم آياته أي يتبين أن الله تعالى كان مع النبي عاصما من البداية إلى النهاية، وأنه كانت هنالك فائدة من هذا الخطأ الاجتهادي، وهذا ما أوضحه حضرته في كتابه “مرآة كمالات الإسلام” وفي مواضع أخرى. أما هذا المدلس فحاول أن يوحي أن حضرته يقول بأن وحي القرآن الكريم قد أدخل عليه الشيطان بعض الكلمات كمثل حادثة الغرانيق، وهذا كذب وتدليس واضح منه.
يقول: “4: دابة الأرض بمعنى الدودة
البحوث الحديثة أيدت دابة الأرض كثيرا وكشفت معانيها بأنها دودة فقط وهي دقيقة جدا كما جاء في قصة سليمان عليه السلام ( تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ). كانت دقيقة فظلت تأكل المنسأة داخليا دون أن يُعلم عنها. (ملفوظات 4، نقلا عن البدر 19/10/1902م)”
أقول: وهنا يحاول المدلس الإيهام بأن حضرته يؤمن حقيقة بأن قصة العصا والدودة كانت قصة حقيقية، ولكن حضرته لم يفعل شيئا سوى أنه استفاد معنى الدودة من القصة لإثبات أن دابة الأرض تعني الدودة، ولم يفسر الآية ويبين ما المقصود. فهنا حاول إدخال المجاز في الحقيقة والخروج بتدليس وتغابٍ يثبت فيه أن حضرته يقول ذلك على الحقيقة، ولكن أين ذلك؟ أليس هذا الذي ناقشه حضرته واستدل به في سياق إثبات أن دابة الأرض تعني الدودة هو ظاهر الآية القرآنية؟
يقول: “5: إحياء أربعة من الطير
أما ما ورد في القرآن الكريم أن أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ جٌعلت أجزاء ووُضعت على أربعة جبال منفصلة ثم أتت عندما نودي عليها ففي ذلك أيضا إشارة إلى علم التِّرب، لأن تجارب هذا العلم توحي أن الإنسان يملك قوة مغناطيسية قادرة على جذب جميع كائنات الأرض إلى نفسه. ويمكن أن تتطور قوة الإنسان المغناطيسية لدرجة يتمكن بواسطتها من جذب طير أو دابة إلى نفسه، وذلك بمجرد التركيز عليها. فتدبّر ولا تغفل. (إزالة الأوهام، الجزء الثاني، ص752-753، عام 1891)”
أقول: وهنا أيضا يتضح من النص أن حضرته لم يقل بأن الطيور قد قُطِّعت، بل قال إن أجزاء منها قد وضعت على أربعة جبال، وكلمة “جزء” هي الكلمة التي استخدمها القرآن الكريم، فأين في هذا النص يقول حضرته إنها قُطعت ثم مزجت، ثم وزعت أعضاؤها المقطعة على الجبال ثم دُعيت فاجتمعت هذه الأجزاء المقطعة المتفرقة كما في التفسير التقليدي؟ إن سياق الكلام يبين بأن حضرته يتحدث عن تأثير الإنسان على الكائنات الحية والدواب، وأن الإنسان يمكن أن يؤثر عليها، وهذا واضح كل الوضوح، ولكن المدلس المتغابي يتغافل عن هذا كله.
يقول: “6: الطير الأبابيل
وفي ذلك نبوءة عظيمة إذ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} أي ردَّ الله تعالى مكرهم في نحورهم وأرسل عليهم طيورا صغيرة لتهلكهم، لم تحمل تلك الطيور بنادق بل طينا فقط لأن “السجيل” يُطلق على الطين…… فكما دَمّرت العصافيرُ أصحابَ الفيل كذلك تعمل هذه النبوءة عملها إلى يوم القيامة، (تفسير الميرزا نقلا عن الحكم، 17/7/1901)”
أقول: وهنا استخدم حضرته ظاهر الآية ولم يدخل في تفصيلها، وبين بأن هلاك أصحاب الفيل كان بسبب طيور صغيرة وحجارة من طين، وهذا ما تقوله الآيات. والسياق هنا هو أن الله تعالى قادر على إهلاك الأعداء بأضعف الأسباب، فلم يرسل عليهم طيورا جبارة يمكن أن تفتك بهم، ولم يجعلها تطلق عليهم قذائف، بل عبارة عن حجارة من طين. وهذا ما حدث بالفعل، وإن كان تفسير الجماعة يبين بأن الحجارة كانت تحمل عدوى الجدري الذي فتك بالجيش، وجاء في التفسير الكبير أيضا أن الطيور أخذت تأكل هذه الجثث الهالكة وتضرب بقاياهم على الحجارة. فأين التناقض هنا وأين الإشكال؟
يقول: “7: تولد الدود من العدم
في موسم الأمطار مثلا تتولد في الأرض آلاف أنواع الحشرات من تلقاء نفسها بدون أب وأم. (البراهين الخامس)”
أقول: وهنا يبين المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أن التوالد لا يحتاج إلى أب وأم دوما في معرض الرد على من ينفي أن يكون المسيح قد ولد دون أب، وأن له مثيلا من قبل وهو آدم أي أول البشر الذي خلق من التراب دون أب وأم. وقدم دليلا مشهودا على أن الحشرات تتولد في مواسم الأمطار من دون أب أو أم. وهنا لم يوضح حضرته كيفية هذا التوالد، وأنه من بيوض كامنة، وقرَّب الأمر لأن هذا التوالد شبيه جدا بالتوالد من العدم المحض. هذا فضلا عن أن هنالك كثير من الحشرات والديدان التي لا تتوالد جنسيا، بل بالتكاثر غير الجنسي الذي هو الانقسام بحيث تصبح الدودة دودتان ثم أربع وهكذا. باختصار القضية هي للتدليل على أن خلق الله تعالى ليس مقتصرا على التوالد، بل لديه أسباب أخرى، فلمَ العجب من ولادة المسيح؟
يقول: “8: تأثير المريخ والمشتري
إن زمن النبي صلى الله عليه وسلم ….. هو الألف الخامس وهو يتبع تأثير المريخ، وهذا هو السر الذي يكمن في كون النبي صلى الله عليه وسلم قد أُمر بقتل المفسدين الذين قتلوا المسلمين وأرادوا القضاء عليهم وعزموا على إبادتهم. وهذا هو تأثير المريخ بأمر الله وإذنه….. إن التجلي الأعظم والأكمل والأتم في البعثة الثانية للنبي صلى الله عليه وسلم هو تجلي اسم أحمد فقط، لأن البعثة الثانية مقدرة في أواخر الألفية السادسة. وإنّ علاقة الألفية السادسة هي بكوكب المشتري، وهو السادس من جملة الخنّس الكنّس. وإن تأثير هذا الكوكب يمنع المبعوثين من سفك الدم، وينمّي العقل والذكاء وموهبة الاستدلال. (التحفة الغولروية 1900)”
أقول: وهنا ينكر هذا المعترض تأثير الكواكب والأجرام التي قال الله تعالى أنه سخرها لخدمة البشر والتأثير على حياتهم بأساليب قد لا تكون مفهومة لكثير من الناس. ولكن سطحيته وقصر نظره وضحالة ثقافته تجعله ينكر هذه الأمور ويستغربها.
يقول: “9: عمر نوح عليه السلام
سأل أحدٌ نوحا عليه السلام: لقد عشتَ في الدنيا قرابة ألف عام فأخبِرنا ماذا رأيتَ هنالك؟ قال نوح عليه السلام: ما توصلتُ إليه هو كأني دخلتُ من باب وخرجتُ من باب آخر. (ملفوظات 4 بتاريخ5/11/1902)”
أقول: هنا ذكر حضرته هذه القصة التي وردت في التراث كثيرا ليقدم الاستدلال الذي فيها وهو أن العمر مهما طال فهو قصير. ولكنه لم يقل ولم يجزم بأن نوحا قد عاش ألف سنة على الحقيقة، مع أن هذا ما قد يبدو من ظاهر الآية. فإذا كان هنالك اعتراض فيجب أن يعترض هذا المعترض على الآية!! والواقع أن اعترضاته المشابهة لهذا الاعتراض إنما هي اعتراض على الآيات وظاهرها مع عجزه عن تقديم التفسير الصحيح.
يقول: “10: علة أنّ عدة الحامل قد تكون أكثر من ثلاثة أشهر
إنّ عدَّة الحوامل أن يجتنبن الزواج بعد الطلاق حتى الولادة، والحكمة في ذلك أنه إذا عُقد القران في أثناء الحمل فمن المحتمل أن تستقر نطفة الزوج الثاني، وفي هذه الحالة يضيع النسبُ ولن يتبين أي مولود لأي والد. (آرية دهرم)”
أقول: كنا قد بينًّا سابقا أن هذا ما ثبت أنه ممكن علميا، وهو من العلل الخفية التي جعل الله تعالى من أجلها عدة الحامل، وأن حضرته كان يعرف هذه الحقيقة العلمية قبل أكثر من 100 عام، وما زال هذا الشخص ضحل الثقافة ينكر ما لا يعرف ويعترض!
ثم ختم أخيرا بقوله:
“أما الخرافات وحيوانات الشمس والقمر وعظام القمر وطيران الخشبة التي تحمل الناس بمجرد التركيز عليها، وغيرها من خرافات، فحدث ولا حرج.”
وهنا استخدم بخبث وتغابٍ كلاما منزوعا من سياقه – والذي بعضه في معرض إلزام الخصم بما يؤمن ويعتقد، مع تأكيده وإشارته أنه لا يؤمن بذلك على الحقيقة، أو لتبيان بعض العلوم والمعارف والمعارف البعيدة عن إدراك أمثاله – ليقدم الأمر على أنه خرافات.
وأخيرا، ما زال هذا المعترض المرتد عن جماعتنا يكرر بسماجة شبهة تفاسير سيد أحمد خان، حتى بعد أن تبين أنه شاهد زور في هذه القضية ولا يعرف ما قاله سيد أحمد خان ولم يطلع عليه، ومن المرجح أنه لن يطلع عليه في حياته، ولكنه يكرر هذه الشبهة القديمة السخيفة. ولكنه الآن يريد أن يقول إن تفاسير سيد أحمد خان هي التي حملت الجماعة وجعلتها تستمر. ومع أن نسبة التفاسير لسيد أحمد خان عبارة عن كذب محض، ولكن لو فرضنا أن هذا ما حدث بالفعل، فلماذا لم تستطع هذه التفاسير أن تحمل سيد أحمد خان نفسه وتلاميذه وجامعته التي كانت مؤسسة قبل الجماعة، بل اندثروا ولم يبق لهم أثر يُذكر؟ أليس لو كانت هذه التفاسير ستعمل كرافعة ترفع الجماعة ألم يكن أولى أن ترفع سيد أحمد خان نفسه؟
باختصار، استمرار هذه الشخص في اعتراضاته ليس إلا المكابرة التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الإهانة له تحقيقا لوحي الله تعالى للمسيح الموعود: “إني مهين من أراد إهانتك”. ولكن هذا المعترض يبدو أنه لا يؤمن بالله تعالى الذي أقام هذه الجماعة ونصرها وكان معها في كل موطن، وأن جهده أقل من جهد بعوضة تهدد نخلة باسقة بقطع جذعها بعضة واحدة. فليفعل ما يشاء وليعمل على شاكلته، وسيرى مصيره المحتوم الذي بدأ يرى كثيرا منه في قالب الخزي والإحباط والفشل الذريع.