بعدما وجد أن شبهاته المبنية على التغابي لا تجدي نفعا، وأنه ليس حوله سوى حفنة من المرتدين أو من معارضي الجماعة الذين لا يتجاوزون أصابع اليدين والذين لم يجمعهم هو بل اجتمعوا على بغض الجماعة ومعارضتها، يبدو أن المعترض المرتد عن جماعتنا أراد أن يصعِّد الوتيرة ليس بزيادة جرعة السب والشتم والتنابز بالألقاب والإساءة التي كشفت عن هشاشة وضعه وصعوبة حالته النفسية فحسب، بل أراد بحمق أن يستدعي غضب الله تعالى عليه بأن يجترئ بجعله تعالى راضيا عن أفعاله وشريكا فيها؛ ودليله على ذلك ليس إلا أنه لم يصب بأي أذى -كما يقول- منذ خروجه من ستة أشهر، ثم ادعى أن الله تعالى قد بارك له في وقته وعمله! وأخذ يتبجح بإنجازات وهمية ودعاوى كاذبة ويظهر غرورا وكبرا وكأنه قد أتى بالذئب من ذيله وفتح العالم في ستة أيام!
وربما لا يعرف هذا المسكين أن هذه المدة القصيرة جدا ليست بشيء، وأن الله تعالى يملي للظالمين ليس بشهور فحسب، بل يمدهم في غيهم سنوات قد تطول، ولكنه بعد ذلك يأخذهم بعذابه وبأسه إن لم يتوبوا ويرجعوا إليه. والغاية من إعطاء هذه الفرصة عموما هو أن يظهروا كل ما لديهم من سيئات فتقام عليهم الحجة فسيتحقوا العذاب بعد أن يُظهر الله حقيقتهم مما يجعل الناس يقتنعون بأنهم يستحقون هذا العذاب.
فهذا الشخص قبل خروجه من الجماعة -الذي اضطر إليه بعد طرده من عمله بسبب خيانته، وإلا لا نعلم كم كان سيطول به العمر متكسبا ومنتفعا من جماعة لا يؤمن بها- كان يحظى بثقة الأحمديين، وكثير منهم لم يفهم ولم يستوعب ما حدث معه، فكان ضروريا أن يعطيه الله تعالى الفرصة ويرى الناس حقيقة أخلاقه وحقيقة ما في قلبه، وبالفعل، لم يقصِّر هذا الشخص وأخرج كل ما في جعبته، ولم يبق في قلوب الأحمديين المخلصين أدنى تعاطف معه بعد أن آذاهم إيذاء شديدا بالإساءة البالغة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والخلافة بل ولهم جميعا. ولهذا كان لا بد أن يأخذ هذه الفرصة، ولا نعلم كم سيمهله الله تعالى أيضا، لأن نزول العذاب ليس بمشيئتنا ولا يعلمه أحد إلا الله، ولكن مما يظهر فإنه قد بلغ الغاية ولم يترك لنفسه فرصة أو مفرا، بل دفعه كبره وغروره وتهوره إلى هذا الإعلان الأخير الذي لا يجرؤ عليه تقي.
هو في الواقع يردد تجرؤًا وحماقة قالها أمثاله من قبل، وسجَّل القرآن الكريم قولهم، إذ قال تعالى:
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (الأَنْفال 33)
كذلك سجل الله تعالى أنهم كانوا يرون أنهم ما داموا لم يعذبوا فهذا يدل على صحة موقفهم، ولذلك كانوا يقولون، بنفس منطق هذا الشخص، أنه لو لم يكن الله راضيا عنا، أو لو كنتم على الحق، لنزل علينا العذاب، فيقول تعالى:
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (العنْكبوت 54)
ويرد الله تعالى على حجته هذه التي يتبع فيها سنن المكذبين للأنبياء والمبعوثين والكافرين من قبله، الذين رأوا كأن هذه المهلة القصيرة التي حصلوا عليها هي خير لهم وأنها دليل على أنهم على الحق:
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } (آل عمران 179)
ومع أن هذه الحجة ترد عليه أيضا، وهي أنه لو كانت الجماعة على الباطل، فلماذا يمهلها الله تعالى كل هذه السنين، وينشرها ويبارك في عملها؟ ألم يتعهد الله تعالى خاصة أن يجتث مدعي النبوة ويهلك جماعته حتما في وعيده المتضمن في دليل التقول الذي قال فيه الله تعالى:
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (45) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (46) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (47) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } (الحاقة 45-48)
علما أن هذا وعيد خاص من الله تعالى لا يمكن أن يتبدل، وقد ظهر أثره في كل من ادعى النبوة كذبا، إذ أهلكه الله وأهلك جماعته. فالواقع أن عدم هلاك الجماعة بل والبركة التي تحظى بها على الحقيقة وليس بالادعاءات الفارغة هو دليل حتمي على صدقها. ولكن قد يفاجئنا هذا المسكين الغارق في الأوهام بقوله إن الله تعالى قد أبقى الجماعة كي يأتي اليوم الذي يأتي فيه هو ويقضي عليها!! فقد ذكر ذلك من قبل بصورة ما، ولا نستغرب منه شيئا كهذا.
باختصار، هي ذات القلوب المتشابهة لأعداء الأنبياء والمبعوثين، وهي الحجج الواهية ذاتها، وهي العاقبة ذاتها أيضا حتما، إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله تعالى. فهذه هي قصة القرآن الكريم حول هؤلاء وأمثالهم.