البحث في حال الشخص الذي ينقل النبأ، وبخاصة إذا كان متعلقا بأمر خطير كمسألة الكفر والإيمان والعقائد، أمر ضروري ومطلوب ولا ينبغي إغفاله، لأن الصادق الأمين ينبغي أن يُصدَّق ويؤتمن، أما الكاذب الخائن فلا ينبغي أن يكون موضع ثقة، بل يجب ألا يؤخذ منه خبر ولا علم ولا صرف ولا عدل، لأن شخصا مثله من المتوقع أنه سيكذب في أخباره وسيزوِّر.
لأجل ذلك جعل الله تعالى صدق وأمانة النبي وكونها مشهودةً معلومةً دليلا من أهم دلائل صدقه، لأن الصادق الأمين من المتوقع أن ينقل لنا أنباء الغيب بأمانة، ويكون تصديقنا له وإحسان الظن به جزءا من إيماننا أيضا الذي نثاب عليه حينئذ.
ومن أجل ذلك أيضا نهانا الله أن نأخذ الأخبار من فاسقين ثبت كذبهم وخيانتهم، لأنه من المتوقع أن يكذبوا ويزوروا ويخونوا، إذ يقول تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (الحجرات 7)
ومن أجل ذلك، وبناء على هذا المبدأ القرآني الراسخ، لجأ المسلمون إلى علم الجرح والتعديل وطبقات الرجال، وبحثوا في شئون وأحوال رواة الأحاديث، واعتبروا ثبوت عدالتهم وصدقهم مبررا لقبول رواياتهم، أما من ثبت كذبه أو خيانته فقد اعتبروه مجروحا مردودا، وشخص كهذا رفضوا روايته وعلمه وحكمه.
وعندما خرج علينا بعض المرتدين، وقدموا شبهات واهية، وقلنا بأن هؤلاء قد ثبتت خيانتهم وكذبهم، وقدَّمنا بعض الأدلة على ذلك، رفعوا عقيرتهم هم وبعض معاونيهم وممالئيهم من المرتدين والمنافقين، وقالوا بأن هذه “شخصنة”، وينبغي النظر فقط فيما يقدمون، وعدم التطرق لأحوالهم هم! علما أننا لم نتطرق إلى تفاصيل أحوالهم الشخصية فعليا، بل بينَّا حالهم مع الجماعة، وكيف أن هذا المرتد الأخير مثلا –وفقا لتوصيفه لحالته- قد قسم فترة انضمامه للجماعة إلى قسمين؛ الأول كان فيه ساذجا جاهلا ومع ذلك آمن بالمسيح الموعود مبعوثا من الله ونبيا وبايعه قبل أن يتبين له صدقه حسب تعبيره، والثاني أنه كان منافقا لا يؤمن بحضرته عليه الصلاة والسلام ومع ذلك بقي في الجماعة إلى أن طُرد من عمله فيها طردا! وبينَّا بأن هذا الشخص قد ارتكب الخيانة إذ كان يُظهر أنه أحمدي مخلص من ناحية، ومن ناحية أخرى يتراسل مع من يثق بهم ويبث كفره بالمسيح الموعود ومعاداته للجماعة لهم، وليس هذا سوى النفاق الصارخ. فهل يُرجى من شخص كهذا الأمانة والصدق؟ وهل يؤخذ من شخص كهذا علم؟ فهذا الشخص قد ثبت نفاقه وأنه لم يقدِّم الصدق والحقيقة على مصالحه الشخصية، ووفقا لتوصيفه لنفسه أيضا قد حكم على نفسه أنه لا يوثق بعقله ولا بإيمانه؛ لأن قد استسهل الإيمان في البداية قبل أن يعقل ويطلع على الأدلة وصدَّق مدعيا كاذبا للنبوة – حسب زعمه- وانضم إلى جماعته ولم يخش الله تعالى، ثم بعد ذلك لم يصحح خطأه فورا عند اكتشاف كذبه المزعوم، بل استمر في النفاق لثمان سنوات متكسِّبا حتى استقرت أحواله وأوضاعه وحصل على الجنسية والمعونة وغيرها، فباع دينه بمتاع الدنيا. لو كان صادقا لكان من الواجب أن يخرج فورا من الجماعة عندما تبين له كذبها، ولما بالى بأي خسارة مادية، لو كان بالفعل لا يهمه سوى الصدق والشهادة به، كما يزعم!
والواقع إننا رغم تذكيرنا بأنه مجروح كذوب لا ينبغي أن يُصدَّق، فإننا لم نكتف بهذا الدليل، بل لاحقنا أكثر ما قدَّمه من شبهات إلى فترة من الزمن ورددنا عليها تفصيلا، وبينَّا كيف ارتكب الخيانة والكذب والتزوير في شبهاته، وكيف أن شبهاته كلها كانت مبنية إما على تحريف وتزييف أدناه اقتطاع نصوص من سياقها النصي والزماني، أو على تفاصيل وأمور غير جوهرية لكي يدخل الناس في دوامة يصبح من المتعذر عليهم تلمُّس الصحيح من الخاطئ منها، وأن من أهدافه أن تستمر هذه السلسلة من الأراجيف والأكاذيب إلى ما لا نهاية لأنها سلاحه الوحيد. فبعد هذا كله، قد أصبح واضحا من هو وماذا يريد، وبذلك سقطت قضيته كلها، وأصبح الآن مصنَّفا حيث اختار لنفسه في زمرة المكذبين محترفي الكذب والتزوير من أعداء الجماعة الذين كانوا منذ اليوم الأول وسيستمرون إلى يوم القيامة، ولكنهم لن يضروا الجماعة شيئا، بل سيكونون سببا في قوتها وفي نفض المنافقين عنها لتبقى شجرة خضراء يانعة بعد إزالة الأغصان اليابسة والمتعفنة عنها.
والواقع أن هؤلاء المرتدين، الذين يتباكون قائلين أننا نشخصن، وهذا المرتد بعينه، هم بأنفسهم لا عمل لهم سوى الهجوم الشخصي على المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بأكاذيبهم، وغايتهم الوحيدة هي أن يثبتوا كذبه متتبعين كل صغيرة وكبيرة في حياته، وعندما يجدون قضية أو حادثة أو قولا متشابها ليس من الصعب فهم ملابساته فهم يحرِّفونه ويقدمونه دليلا على كذب حضرته أو خيانته أو تزويره المزعوم، ويقولون بأنه إذا ثبت هذا الكذب فلا حاجة للنظر في شيء آخر. فلماذا يرضون أن يسلكوا ما يسمونه ”الشخصنة” في شبهاتهم وهجومهم على الجماعة وعندما نبين أحوالهم هم بالأدلة والبراهين المشهودة يعتبرون أن هذا “شخصنة” ويريدوننا أن نعرض عن هذا الأمر جملة وتفصيلا؟!
ومع ذلك، فإننا عندما نبين كذبهم وخيانتهم، فإننا لا نعاملهم بنفس الطريقة التي يهاجمون بها المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والجماعة، ولا نتتبع أحوالهم الشخصية ولا نبحث في أصلهم وفصلهم وأحوال آبائهم وأمهاتهم وعائلاتهم، بل نُعرض عن كل ما ليس له علاقة مباشرة بصدقهم وأمانتهم أو مستواهم العلمي وفهمهم.
ثم إن الصادق الأمين صاحب السيرة الطيبة لا يجد غضاضة في البحث في أحواله الشخصية، بل يدعو إلى البحث فيها، لذلك نرى أن الله تعالى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ليقول:
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } (يونس 17)
وهذا كان حال الأنبياء دوما كما هو معلوم، إذ كانت نصاعة أحوالهم الشخصية مدعاة لفخرهم واعتزازهم.
والحقيقة أن إثارة مسألة “الشخصنة” هذه هي تكتيك مكشوف للمرتدين والمنافقين، فهؤلاء كما بينت سابقا هم من يطبقون هذا المبدأ ويريدون تكذيب المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بناء عليه، ولو كانوا صادقين في رفضهم للشخصنة المزعومة لنظروا فقط فيما يقدِّم حضرته من أمور عظيمة ولما لجأوا إلى شبهات وأكاذيب فرعية جدا ليثبتوا بها كذبه، والعياذ بالله. فهم يكيلون بمكيالين، ولا يريدون أن يطبق مكيالهم الذي يكيلون به عليهم.
هم للأسف احترفوا الكذب والتزوير والدجل، إذ يدعي آخرهم هذا مثلا أنه يريد نشر الحب وكلامه يقطر بغضا وحقدا على المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والجماعة! وواضح أنه يريد الهجوم وإيذاء مشاعر الأحمديين ثم يقول إنه يريد مواساتهم لأنه يحبهم! ويقول انشروا التراحم والحب ولا تشتموا ولا تسبوا، وهو يشتم بنفسه – مع بعض الحذلقة بترك بعض المصطلحات واستخدام أخرى- ويجمع حوله زمرة من الشتامين والسبابين الذي يستخدمون أقذع الألفاظ والأقوال، وهو يراهم ولا يحرِّك ساكنا!
هذا الذي يدعو إلى الحب والتراحم يعلن أن الجماعة هي أسوأ جماعة في العالم، وأنها تدعو إلى الكراهية، ويحرِّض ضدها مدعيا أنها تسيء إلى الله والرسول والقرآن الكريم والصحابة، ويدعي أنها أسوأ وأفشل جماعة في العالم، وكلامه ينضح بالتوتر والتحامل والبغض الذي يفوق التصوُّر والذي لا مبرر له. أليس هذا الدجل المفضوح بالادعاء أنه يريد المحبة والتراحم من ناحية ويفيض كلامه بالبغض والكراهية من ناحية أخرى، أليس هذا دليلا إضافيا على كذبه وتزويره وتزييفه؟ لماذا يصرِّح ببغضه ويحاول أن يغطيه بادعائه أن هذا البغض حب خالص؟
على كل حال، إن قضية هذا المرتد قد طويت بعد اتضاحها، وقد اتضح فسقه للمؤمنين ورُدَّ كلامه وشهاداته الزائفة، وهو الآن في صف زمرة أعداء الجماعة ومعارضيها، ولن يفلح في إشغال الجماعة بأمره، لأن فقاعته انفجرت ولا يهتم به الآن سوى زمرة الحاقدين من أعداء الجماعة الذين لا يجمعهم سوى بغض الجماعة، هؤلاء الذين كانوا ولا زالوا وسيستمرون في أفعالهم الإجرامية التي سترتد عليهم ولن تضرَّ الجماعة شيئا، بل ستكون سببا لمزيد من قوتها وازدهارها، كما يقول تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } (الفرقان 32)
وقوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (الأَنعام 113)