المعترض:
حين يسخر رابعُهم من ثانيهم وينتقده بشدّة.. شهادة المرأة نموذجا
أوجب خليفةُ الميرزا الثاني على المرأة تغطية الوجه كليا، وكان يرى أنّ شهادة المرأتين تساوي شهادة رجل واحد، فقد قال في تفسير آية {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}
1: أنّها ذكرتْ “سبَبَ النَّصِّ على امرأتين بدلا مِن رجل واحد، وهو: إذا نسيت واحدةٌ منهما ذكَّرتها الأخرى.” (التفسير الكبير سورة البقرة، الآية: 282)
2: ثم ذكر “الحكمة في اعتبار شهادة امرأتين معادلة لشهادة رجل واحد”.
3: ثم قال: “لذلك اعتبر الله شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد”. (المرجع السابق)
فواضح من 3 عبارات أنه يرى أنّ شهادة الأمرأتين تساوي شهادة رجل واحد، بل سعى لتبرير ذلك بقوله: “النساء يعملن في البيت عموما، فيحفظن ما يتعلق بالخصومات العائلية أكثر، ولكن لا يكون لهن دخل عادة بالمعاملات الخارجية الأخرى ولا يعرِفْنَ كيف تجري الأمور في المحاكم. لذلك يمكن أنْ لا تَحفظ المرأةُ بعض الأمور حفظا كاملا، ومن أجل ذلك اعتبر الله شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد”. (المرجع السابق)
أما خليفتهم الرابع فقد عاش في بريطانيا بداية حياته وآخر عشرين سنة منها، فما كان له إلا أن يرفض قول أبيه، وأن ينتقده بشدّة، ويصفه بأنه من أقوال أهالي القرون الوسطى، وأنْ يرى أنّ شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل، وأنّ الآية إنما تطالب بامرأة ثانية لتساعد الشاهدة، لا أكثر، حيث يمكن للشاهدة أن ترفض هذه المساعدة إذا شاءت!
فيقول:
“ومن المهم جدا تذكُّر أنّ هذه الآيات قد أسيء تطبيقها تماما، واستعملت بكيفية تخرج عن سياقها على يد علماء ينتمون إلى مدرسة القرون الوسطى، ويصرون على أن شهادة امرأة واحدة لا تكفي بحسب شريعة الإسلام بزعمهم”. (الإسلام والتحديات المعاصرة)
ويتابع:
“وهذا المفهوم غير واقعي ومُناف للتعاليم القرآنية لدرجة أن المرء يشتد سخطه عندما يرى موقف أهل القرون الوسطى هؤلاء من هذه المسألة القضائية الهامة. والنقاط التالية جديرة بالملاحظة حول هذه الآيات:
1- الآيات لا تطلب أبدا شهادة المرأتين كلتيهما.
2- دور المرأة الثانية محصور في المساعدة كما تبينه الآية في وضوح.
3- إذا رأت المرأة الثانية -وهي التي لا تقدم شهادتها- أن جانبا من الشهادة على لسان الشاهدة لا يدل على فهم تام لروح الصفقة.. فإنها تذكِّرها وتساعدها في مراجعة فهمها أو تنعش ذاكرتها.
4- الأمر متروك تماما للمرأة الشاهدة لتوافق أو ترفض المساعدة. وتبقى شهادتها مستقلة، وكلمتها هي الأخيرة في حالة أي خلاف مع شريكتها”. (المرجع السابق)
هذا هو حال جماعة التمزّق التي لا تكاد تتّفق على شيء، وتُرعِبُها نصوص الأقدمين فيها؛ فإذا سلِمَت مِن قول الميرزا، فاجأها قولُ محمود!! انتهى
الرد:
1. يقول الخليفة الثاني حضرة المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} … أي إذا لَمْ يتوفّر رجلان فيمكن الاستشهاد برَجُل واحد وامرأتين .. على أن يكونوا جميعاً ممّن ترضون. وذكرَ سبب النص على امرأتين بدل رجلٍ واحد، وقال: إذا نسيت واحدة منهما ذكَّرتها الأخرى. وقوله تعالى (إِحْدَاهُمَا) يدل على أنَّ أيّ وَاحِدَةٍ منهما قد تنسى، ولا يمكن الجزم والتحديد أيتهما التي سوف تنسى. وبناء على هذه الآية من الممكن اتخاذ امرأتين كشاهدتين على حدث واحد أمام المحكمة في وقت واحد، فتقول إحداهما إنَّ الحدث جرى هكذا، وتؤيدها الأخرى في قولها أو تصحّحها. فكما يجيبُ الشاهدُ على أسئلة المحكمة بعد تفكّرٍ وتدبّر .. كذلك تتفاهمُ المرأتان معاً وتتّفقان على رواية الحدث لتنقلاه للقاضي. والحكمة في اعتبار شهادة امرأتين معادلةً لشهادة رجلٍ واحدٍ هي أنَّ الذي اعتاد ممارسة عمل في مجال ما يكون أكثر خبرةً فيه من الآخرين. والرجل عموماً يمارس من الأعمال ما يتّصل بالمعاملات التجارية والشئون العامة والقضائية ويُدرك مسئولية الإدلاء بالشهادة. لذلك فهو يحفظ تفاصيل الأحداث بدقّة، ويُدلي ببيانه بحذرٍ واحتياط. أما النساء فإنهن يعملن في البيت عموما، فيحفظن ما يتعلق بالخصومات العائلية أكثر، ولكن لا يكون لهنَّ دخل عادة بالمعاملات الخارجية الأخرى ولا يعرفن كيف تجري الأمور في المحاكم. لذلك يمكن أن لا تحفظ المرأة بعض الأمور حفظاً كاملاً، ومن أجْل ذلك اعتبرَ اللهُ شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجلٍ واحد.” (التفسير الكبير، البقرة)
2. يقول الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد رَحِمَهُ الله:
“وَمِنَ المُهمِّ جداً تذكُّر أنَّ هذه الآيات قـد أسـيء تطبيقهـا تمامـاً، واستُعملت بكيفية تُخرَج عن سياقها على يد علماء ينتمون إلى مدرسـة القرون الوسطى، ويُصِرّون على أنَّ شهادة امرأة واحدة لا تكفي بحسب شريعة الإسلام بزعمهم. يقولون إنه يلزم في جميع الحالات أن يكون هناك شاهدتان من النساء في مقابل رجلٍ واحدٍ تصلح شهادته. ولمّـا حملـوا الآيات على غير محملها فإنهم أخطأوا وأخذوا بظاهر دور شهادة الرجـل والمرأة في الشريعة الإسلامية، فظنّوا أنه إذا طلبَ القُرآنُ رجـلاً واحـداً شاهداً فإنه يمكن إحلال امرأتين شاهدتين محلّه. وإذا كان المطلوب شهادة رجلين يمكن أن يقوم مقامهما أربع نساء، وإذا كان عدد الشهود المطلوب هو أربعة رجال يجوز أن يحلّ محلهم ثماني نساء. وهذا المفهوم غير واقعي ومنافٍ للتعاليم القرآنية لدرجة أنَّ المرء يشتدُّ سخطه عندما يرى موقف أهل القرون الوسطى هؤلاء من هذه المـسألة القضائية الهامة. والنقاط التالية جديرة بالملاحظة حول هذه الآيات:
- الآياتُ لا تطلب أبداً شهادة المرأتين كلتيهما.
- دور المرأة الثانية محصورٌ في المساعدة كما تبيّنه الآيةُ في وضوح.
- إذا رأت المرأةُ الثانية -وهي التي لا تقدم شهادتها- أنَّ جانباً مـن الشهادة على لسان الشاهدة لا يدلّ على فَهْم تامٍّ لروح الـصفقة، فإنها تُذكِّرها وتساعدها في مراجعة فهمها أو تنعش ذاكرتها.
- الأمر متروكٌ تماماً للمرأة الشاهدة لتُوافق أو تـرفض المـساعدة. وتبقى شهادتها مستقلة، وكلمتها هي الأخيرة في حالة أيّ خـلاف مـع شريكتها.” (الإسلام والتحديات المعاصرة)
والآن بعد قراءة النصين معاً جنباً إلى جنب يتبيّن بوضوح أنهما متفقان وكأنهما لكاتب واحد، إِذْ يَقُولُ المُصْلِحُ المَوْعودُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأنَّ المرأتين تتفقان معاً للإدلاء بالشهادة، أي أنَّ هنالك شهادة واحدة لكليهما تتفقان عليها، وهو عين قول الخليفة الرابع ؒ، إِلَّا أنَّ المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يوضّح السبب في وجود امرأتين مقابل وجود رجل واحد وهو لكي تُذكِّر إحداهما الأخرى إذا نسيت خاصةً أنَّ النساء بشكل عام يعملن في البيت بخلاف الرجال الذين يكون عملهم في الخارج أي في قلب الحدث المطلوب الشهادة عليه، ولمّا كان من الممكن أن تكون المرأة أيضاً مُطّلعة على الموضوع ولا يمكن تحديد مَن هي المطّلعة ومن هي غير المطّلعة كان جمع المرأتين معاً لكي تُعينُ الواحدةُ الأخرى في تذكّر تفاصيل الحادثة فقط. وهذا التفسير منطبقٌ تماماً على الواقع لأن العامَّ أولى بالذِكر من الخاص، فالمرأة العاملة حتى اليوم وإلى ما شاء الله تعالى هي أقلّ تواجداً من الرجل في صنوف ومجالات العمل المختلفة كالجيش والأمن والإدارة والتعليم والقضاء وغير ذلك، والأسباب في ذلك مختلفة تتراوح بين القدرة البدنية والنفسية والظروف الصحّية وغيرها، ومع تواجد المرأة في صنوف العمل إلا أنَّ تواجد الرجل أكثر من الناحية العامة، ولننتبه لقول الخليفة الثاني ؓأعلاه: “والرجل عموماً يمارس من الأعمال ما يتّصل بالمعاملات التجارية والشئون العامة والقضائية“، أي أنَّ العامَّ في الحياة هو تواجد الرجال في مجالات العمل أكثر من النساء، وذِكْرُ العامِّ بداهة مُقدّمٌ على الخاص، ولذلك ذَكَرَ اللهُ تعالى العامَّ لأنه هو الأشمل. وقد فَصَّل الخليفةُ الرابعُ بإيجازٍ هذا الأمر فقالَ بأن للمرأة الشاهدة حقُّ الرفض لرأي الأخرى إذا رأت بأنه غير صحيح، فتؤخَذ شهادتها هي فقط، وهذا هو سِرّ قوله تعالى: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ﴾، أي أنَّ الموضوع كلّه عبارة عن إعانة تُقدّمها المرأةُ للأخرى ثم تتفقان على رواية واحدة وليس أنَّ لكلٍّ منهما رواية تؤخذ على حِدة حتى إذا تناقضت مع الأخرى، بل يجب التوصّل إلى رواية واحدة فقط، أي أنَّ المُحصّلة هي شهادة واحدة فقط تكون للمرأة الشاهدة فيها امرأة مساعدة تقوم بتذكيرها إذا نسيت فقط، وذلك للخروج بشهادة واحدة مُتَّفَقٌ عَلَيْهِٰا. وهذا هو معنى شهادة رجل وامرأتين أو أنَّ شهادة رجلٍ مِن جهة تُعادل شهادة امرأتين، وليس شهادة رجلٍ مقابل شهادتين لامرأتين.
إذن يتّضح أنَّ الخليفة الثاني المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان يدافع عن كلام الله تعالى في تسليط الضوء على الآيات التي تحكم القضية وهي تذكير المرأة الثانية -غير محددة- للمرأة التي ستُدلي بالشهادة، وهو ما وضَّحه الخليفة الرابع رحمه الله أيضاً مبيّناً أنَّ الرأي القائل بأخْذ رأي شاهدتين في كُلّ الأحوال ومضاعفة العدد إلى أربع نساء في حال وجود رجلين أو ثمان نساء إذا كان الشهود أربعة رجال هو رأي سقيم مسيء إلى الإسلام وهو سبب المطاعن التي تثار ضد الإسلام اليوم. أما الوصف (علماء القرون الوسطى) فهو وصف دقيق يُقصد به الفترة التي وُلدت فيها هذه الاّراء المؤدّية إلى إثارة الطعون ضد الإسلام. فالقرون الوسطى هو تعبيرٌ عن بُعد زمني فقط للآراء وليس الهدف منه الإساءة إلى أحد بل تخطئة رأي أهل ذلك الزمان فقط والإشارة إلى بُعده عن العصر الحديث الذي تُثبَّت فيه القوانين وتستجد فيه الظروف فتزول الاّراء الشخصية بينما تبقى الآيات الكريمة عاملة ثابتة لا تتغير، وذلك لأن فيها مفاتيح الفهم الخاصة بها وليست كالاّراء التي مهما بدت برّاقة في وقتها ألا إنها تزول برمّتها في حال حدوث ما يبطلها، لأنها آراء واجتهادات وأفهام بشرية وليست كالآيات الإلهية التي تحمل في طياتها مفاتيح فهمها إلى الأبد. أما الخليفة الرابع رحمه الله فقََدْ كتبَ في مدح علماء القرون الوسطى كتاباً أسماه “مع الحب لمسلمي العالم” فيه نصوص لا حصر لها في إجلال وحب علماء الأمة والدفاع عنهم، فيقول حضرته رحمه الله مثلاً:
“لا بُدَّ لأي طالب علم عند دراسة التاريخ الإسلامي أن يستخلص استنتاجاً مأساوياً أنه في كُلّ حقبة وكلّ قرن من التاريخ الإسلامي كان العلماءُ وبعض الصالحين دائماً هم الهدف للاضطهاد والقسوة لدرجة أنَّ مجرّد قراءة ما تعرّضوا إليه يجعل المرء يرتعد. والمذهل أنَّ هؤلاء العلماء المضطهدين في تلك القرون هُم الذين أصبحوا في نظر العالم لاحقاً وحتى اليوم أصبحوا يُعتبَرون أعظم علماء الإسلام في زمانهم.” (مع الحب لمسلمي العالم ص 12)
ثم عدَّدَ حضرته بعضاً من رجال الأمة العظماء الذين تعرّضوا للظلم في زمانهم مع نبذة عن كُلِّ واحدٍ منهم وَعَلَى رأسهم سيدنا الخليفة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وسيدنا الإمام الحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثم بعض التابعين كالإمام مالك ؒ والامام الشافعي ؒ والإمام أبو حنيفة ؒ والإمام أحمد بن حَنْبَل ؒ الذي وصفه الخليفة الرابع بالإمام العظيم العلماء ثم الإمام البخاري ؒ والغزالي ؒ وَالشيخ عَبَد القادر الجيلاني ؒ والإمام الشيخ ابن تيمية ؒ الذي وصفه الخليفة الرابع بالإمام عالي المقام وكذلك الإمام ابن القيم ؒ والإمام تاج الدين السبكي ؒ وشمس تبريز ؒ وجلال الدين الرومي ؒ وبعض علماء وصلحاء الهند وأفغانستان وصولاً إلى الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب ؒ الذي وصفه الخليفة الرابع ؒ بأنه مُصْلِح ومجدّد العصر وغيرهم من علماء الإسلام العظام رحمهم الله الذين وصفهم حضرته بأعظم أبناء الإسلام وأعظم من خدمَ الأُمّة. (انظر كتاب: “مع الحب لمسلمي العالم” ص 12-18)
رابط تحميل الكتاب: With Love to Muslims
هذا هو مقام العلماء عند المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام والخلفاء والعلماء والنَّاس جميعاً في هذه الجماعة المباركة المُجِلّة للعلماء والسلف الصالح رحمة الله عليهم أجمعين.
الخلاصة هي أنَّ لَيّ الأفهام واقتطاع النصوص ليس بسبيل المؤمنين بل هو طريق المتعصبين الذين يُطلقُ عليهم العالَمُ اليوم مصطلح “الملاحدة الجدد New Atheists” وهؤلاء مِن أهمّ ميزاتهم هي عدم تقديم إنتاجهم الخاص للناس بل كُلّ عملهم هو معاداة الدين فقط وقطع النصوص الدينية وتشويه فهمها بقصد بثّ الكراهية ضد من يخالفهم لمرض في أنفسهم بداعي الإصلاح الذين قال تعالى عنهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ البقرة 12-13.
نسألُ اللهَ تعالى العافية لنا وللخصوم أيضاً وأن يخلّصهم من هذا العذاب المهين. اللّهُمّ آمين
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الحمد لله عليكم بصفتكم جنده وبصفتكم الشهب الملقات على الشياطين الذين لا عمل لهم الا معاداة الجماعة الاسلامية الاحمدية .شكرا جزيلا.