عندما يقول شخصٌ شيئاً ما وليكن على سبيل المثال غياب أحد الطلاب من الدرس كما غاب الطالب الفلاني من قبل فيأتيه الرد من الأستاذ بأن فلاناً لم يغب بل هو حاضر وأن الجميع من قبله قد حضروا بالفعل بدون استثناء، هل يمكن أن نستنتج من ذلك أن الطالب الذي قيل بأنه غائب من قبل هل يكون بالفعل غائباً أم أن رد الأستاذ بحضور جميع الطلاب بدون استثناء يشمله بداهة ؟ هكذا هو الحال مع الرواية التي يقول فيها سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عندما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في ثورة من الغضب والانهيار على فقدانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنه ﷺ لم يمت بل رُفع كما رُفع عيسى ابن مريم عَلَيْهِمْ السَلامُ فجاءه الرد من الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بتلاوة قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فسكت سيدنا عمر وجميع سادتنا من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقد فاجأته هذه الآية وكأنه يسمع بها لأول مرة ! هذه الآية تقول بوضوح بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وسائر النبيين من قبله قد ماتوا ولم تغادر منهم نبياً على الإطلاق، وهذا الذي فاجأ سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصحح له الصدّيق الأمر بقول صريح من القرآن الكريم مفاده أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وجميع النبيين من قبله قد ماتوا أي قبضت أنفسهم إلى الله تبارك وتعالى بدون استثناء. هل يمكن لهذه الرواية أن تكون دليلاً على استثناء عيسى عَلَيهِ السَلام من الموت، أم هي في الواقع دليل دامغ على أن عيسى عَلَيهِ السَلام وجميع النبيين وعلى رأسهم سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ماتوا بلا استثناء ؟ نترك ذلك لحكم القاريء اللبيب. أما حكم الجماعة الإسلامية الأحمدية فهو أن هذه الرواية هي دليل صريح من القرآن الكريم على أن عيسى وكافة الرسل عليهم السَلام قد ماتوا ومات سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أيضا، وهذا هو الإجماع السكوتي الأول للصحابة على موت عيسى عَلَيهِ السَلام دون أن يستدرك أحد من الصحابة رضوان الله عليهم على قول أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فيقول أن عيسى عَلَيهِ السَلام هو بالفعل حي في السماء فما دخل هذه الآية التي تذكر جميع النبيين بالموت؟ ألا يمكن أن يكون ما حدث للنبي ﷺ هو من جنس ما حدث لعيسى عَلَيهِ السَلام ؟ أما الذي ينادي باستثناء عيسى عَلَيهِ السَلام من الرسل فعليه أن يُقدِّم الدليل على ذلك خاصة وأن الآية جاءت في معرض الرد على عقيدة حياة عيسى عَلَيهِ السَلام فسكت الصحابة جميعاً بلا استثناء أيضا.
هذا هو الموضوع ببساطة شديدة؛ فقد اعتقد سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن النبي ﷺ لم يمت بل رفع كما رفع الله عيسى عَلَيهِ السَلام إلى السماء فردَّ عليه سيدنا أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بصريح الآية أن النبي ﷺ وكل النبيين من قبله قد ماتوا بلا استثناء فصحَّح سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عقيدته وهو الفاروق الذي عُرف بالتفريق بين الحق والباطل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأرضاهُ !
نأتي الآن إلى النقطة الأخرى في موضوع استشهاد سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ برفع المسيح عَلَيهِ السَلام إلى السماء والتي تبيَّنَ معناها آنفا، وهذه النقطة المهمة هي معنى الرفع عند سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي كان يعتقده قبل أن يردَّ عليه سيدنا الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهذا الرفع هو في الواقع صحيح وموافق لقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بأنه رفع النفس وليس الجسد حيث أن كل نفس صالحة تُقبَض تُرفَع إلى الله ﷻ وليس ذلك خاص بعيسى من دون النبيين عَلَيْهِم السَلام. مع كل ما سبق بيانه فإن عقيدة سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حول رفع عيسى عَلَيهِ السَلام إلى السماء لم تكن هي عقيدة المشايخ اليوم الذين يؤمنون أن عيسى رُفع بجسده بل كانت عقيدته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هي رفْع نفس عيسى الى السماء لا غير وهذه عين عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية كما سلف، والدليل على هذا هو تشبيه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رفْع عيسى برفع النبي ﷺ الذي رُفعت نفسه الطاهرة ﷺ إلى الله تعالى ولم يُرفع جسده الشريف ألبتة ! وبهذا تكون هذه الرواية تشهد على صدق المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام بأن الرفع هو للنفس وليس الجسد وأن هذا هو أول إجماع سكوتي على موت عيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ