الوقوع في فخ الإحالة إلى المصادر المختلفة ..
كتب أحدُهم بأنني أفتري وأكذب على النحو الوافي والمصادر النحوية، ولم أعرف ماذا يقصد إذ لم أتنبّه إلى أنه قد ادعى ذلك سابقا. ورغم أنه هو واعتراضه ليس مما يجب أن يُلتفت إليه أصلا؛ غير أنني قد سُررت حين رأيت أنه عاد الكرّة في نفس هذا الاتهام موردا الإثباتات على ذلك.
والإثبات عنده، أنني في مقال”الإيجاز في مظاهر الإعجاز4” قد ذكرت هنالك أحد المصادر وهو النحو الوافي مع رقم الصفحات، بعد أن كنت قد كتبت فقرتين. فما كان لهذا المسكين إلا أن يرجع إلى النحو الوافي ليرى أين وردت هاتان الفقرتان؛ فلم يجدهما، فظن أنه اكتشف أمريكا كمعلمه الأكبر، بإمساكي متلبسا بالكذب والافتراء.
لقد سررت من كل هذا، وقررت أن أكتب هذا المقال التوضيحيّ لكي يعلم الجميع كيف وقع هؤلاء المعارضين وعلى رأسهم المعترض الأكبر الذي علمهم الدجل والكذب وسوء الظن؛ كيف وقعوا جميعا في فخ الإحالات للمصادر المختلفة في كلام المسيح الموعود عليه السلام.
كيف وقع هذا المسكين في هذا الفخ؟
الحقيقية أنني في سلسلة مقالات ” الإيجاز في مظاهر الإعجاز” كنت أحاول قدر الإمكان الاختصار. وفي ذلك المقال كنت قد كتبت فقرتين من كلامي الخاص وكتبت بعدها “النحو الوافي” مع أرقام الصفحات؛ قاصدا أنه للتحقق من صحة ما أقول يجب الرجوع إلى هذا المصدر في الصفحات المذكورة. فلم يتنبه هذا المسكين أن هاتين الفقرتين ليستا اقتباسا من النحو الوافي بل هي كلامي الشخصي، خاصة أنني لم أضعها بين علامتي تنصيص واقتباس. كما أنه لم يتنبه إلى أن الاقتباسات الحقيقية ذات الصلة والمقصودة مذكورة في المقال التفصيلي وهو “المظاهر الإعجازية ..30” وفق نفس المصدر ونفس الصفحات. ولو كلف نفسه عناء البحث أكثر لفهم القصد ووجد النصوص. خاصة أنني في كل مقالات الإيجاز أكتب في نهايتها وجوب مراجعة المقال التفصيلي من أجل الوقوف على تفاصيل الأمور والبحث الشامل.
لماذا سررت من هذه الحادثة؟
لأنها تبين كيف أن هؤلاء المعارضين وخاصة معلمهم الأكبر وقعوا دائما في نفس هذا الفخّ، بما يتعلق بكتابات المسيح الموعود عليه السلام؛ واتهموا المسيح الموعود عليه السلام بشتى الاتهامات، وانه يكذب – معاذ الله- في إحالته إلى المصادر المختلفة، مثل القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وكتب التراث وحتى كتبه الخاصة ونبوءاته المختلفة. حيث كُنت قد لمست نفس هذا العمى الذي أصاب قلوبهم، في بحثي عن هذه الاتهامات ضد المسيح الموعود عليه السلام.
فلقد حدث مرارا أن المسيح الموعود عليه السلام يختصرحديثه ويتحدث باختصار ودمج للمعاني، ويحيل إلى نفس المواضيع السابقة الذكر بالمعنى، فلا يجدها المعارضون بحذافيرها كما هي، فيظنون أنها كذب.
فعلى سبيل المثال، قال المسيح الموعود عليه السلام، في كتاب حقيقة الوحي عن نبوءتَي عفت الديار وهزة الزلزال ما يلي: “وكلمات النبوءة كانت: “هزّة الزلزال، عفت الديار محلها ومقامها.”
فادعى المعارضون بأن هذا كذب، ولا يوجد نبوءة بهذه الكلمات لحضرته عليه السلام، كما ذكرها حضرته في حقيقة الوحي. غير أنه بعد البحث والتحري رأينا أن حضرته عليه السلام قد فسر سابقا أن نبوءتي “هزة الزلزال” و ” عفت الديار محلها ومقامها” متعلقتان بنفس الحدث، وتحققتا في وقوع زلزال 4-4-1905. ومن هنا فقد تبيّن أن هاتين النبوءتين المنفصلتين هما في الحقيقة نبوءة واحدة ولا تنفصلان عن بعضهما البعض؛ ولذا فعندما تحدّث حضرته عنهما في حقيقة الوحي أي بعد تحققهما ببضع سنوات دمجهما في نبوءة واحدة وتحدث عنهما بالمعنى الإجمالي. وهذا هو نفس الفخّ الذي وقع فيه المعارضون الحَرْفيون الذين لا يفهمون شيئا إلا إذا جاء بحرفيته واضحا شديد الوضوح، كأتباع موسى عليه السلام الذين أصروا على رؤية الله جهرة.
وهكذا الأمر فإن المسيح الموعود عليه السلام، قد يحيل إلى بعض الكتب والتفاسير والأحاديث بالمعنى وبالإشارة، وليس بالضرورة بالحرفية المكتوبة، فيتعسّر على المعارضين العثور عليها. كما أنه عليه السلام قد يحيل إلى مصادر وروايات ليست بالضرورة متوفرة في المصادر التي بين يدي المعارضين، بل قد تكون مصادر غير عربية وروايات فارسية ليس من السهل العثور عليها بسرعة؛ فيظنون لعدم عثورهم عليها ببحثهم المتهور، أنها مجرد كذب من المسيح الموعود عليه السلام.
وأضرب مثالا على ذلك إحالة المسيح الموعود عليه السلام إلى الحديث الذي يقول إن المهدي سيخرج من قرية كدعة ويجمع أصحابه وعددهم 313، ومعه صحيفة مختومة بأسمائهم وبلادهم وخلالهم.
فما قام به المعارضون ما هو إلا عملية بحث سريع متهور في المكتبة الشاملة عن هذا الحديث فلم يجدوه في كتب الحديث؛ وادعوا أن المسيح الموعود عليه السلام يكذب في هذه الإحالة، وأن لا وجود لحديث كهذا وتحدوا الاحمديين جهلا وتهورا أن يأتوا بهذا الحديث.
إلا أنه بعد البحث والتحري الدقيق وجدنا هذه الرواية في كتاب الشيخ الطوسي “جواهر الأسرار” الصادر في 840 هـ كما يلي:
“قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج المهدي من قرية يقال لها كدعه ويصدّقه الله تعالى ويجمع أصحابه من أقصى البلاد على عدة أهل بدر بثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ومعه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وبلادهم وخلالهم {جواهر الأسرار للطوسي، ص 58}. وفق ما بيّنه الأخ فراس عبد الواحد في احد مقالاته(كدعة – القرية التي يخرج منها المهدي ويجمع بها أصحابه).
وهكذا هو الأمر، فقد ظن المعارضون أنهم أحاطوا بكل الكتب والمصادر، وظنوا ان المكتبة الشاملة تحوي كل ما يحتاجونه، وظنوا ان المصادر العربية المتوفرة هي الوحيدة التي استند عليها المسيح الموعود عليه السلام في إحالاته المختلفة. ولم يتنبهوا إلى ما هو اهم من ذلك، إلى أن حضرته عليه السلام كثيرا ما تحدّث بالمعنى والإشارة والإجمال والاختصار؛ مما لا يمكن العثور على حرفيته بسهولة. فقد وصف حضرته عباد الله الكمّل وأسلوب كلامهم بقوله: “فإن أهل المعرفة يسقطون بحضرة العزة، فتمسّ روحهم دقائقَ لا تمسّها أحدٌ من العالمين. فكلماتهم كلمات، ومن دونها خرافات، ولكنهم يتكلمون بأعلى الإشارة حتى يتجاوزون نظر النظّارة، فيُكفّرهم كل غبي من عدم فهم العبارة.” (سر الخلافة)
فإن حضرته عليه السلام كغيره من اهل العرفان يتحدث بأعلى الإشارة، بما لا يستطيع الناظر رؤية حقيقتهبسهولة. فالغبي الجاهل الذي لا يتفطن إلى هذه النكتة، وإلى مستوى هؤلاء الصالحين، لا يفهم هذه العبارات؛ وبناء على عدم فهمه يلجأ للتكفير بدلا من أن يُحسن الظن بالمبعوث السماوي ويفوض الأمر لله تعالى، ويواظب على البحث والتحري لمعرفة الحقيقة وفهم كلام الصالحين.
فهذا ما حدث للأغبياء من معارضي المسيح الموعود عليه السلام، الذين لم يتنبّهوا إلى هذه الدقائق، وغرقوا في الجهل والتهور والحقد الأعمى؛ فاعمى الله أبصارهم وأوقعهم في هذه الفخوخ التي جعلها الله تعالى فتنة للذين في قلوبهم مرض وليميز الخبيث من الطيب. فهكذا يمسخ الله عقول هؤلاء…
فاعتبروا يا أولي الألباب..!