لا بد للكاذب والمفتري من غاية يريد تحقيقها، وإذا ثبتت هذه الغاية ثبت الافتراء، وكانت هذه النقطة باستمرار معضلة معارضي الأنبياء، إذ لم يستطيعوا أن يثبتوا أن الأنبياء مغرضون، وإذا ادعوا مبررا سخيفا مؤقتا فإن مسيرة النبي كانت تبطله وتسحقه سحقا.
وتاريخيا ادعى أعداء الجماعة أن مؤسسها عليه الصلاة والسلام إنما أنشأها خدمة لمصالح الاستعمار البريطاني في الهند. ورغم تهافت هذه التهمة وسقوطها من جوانب عديدة منذ بدايتها، إلا أنها مع الوقت أصبحت أكثر تهافتا بل واندرست بشهادة الواقع؛ لأن الإمبراطورية البريطانية قد زالت منذ أكثر من سبعين عاما، بل وتراجع دور بريطانيا عالميا، أما الجماعة فقد ازدادت قوة وانتشارا ودورا في العالم آلاف المرات، بينما الطبيعي أن يزول العميل بزوال من يعمل له ويخدم مصالحه لا أن يبقى بل ويزداد قوة! لذلك أصبح من لديه شيء من العقل من المعارضين اليوم ينكرون هذه التهمة ولا يقبلون بها.
وهكذا فقد عادت هذه المعضلة إلى الواجهة، وأصبحت اليوم تسوِّد وجوه المعارضين وتوقعهم في حيرة من أمرهم وتجعلهم عاجزين. وهذا العجز بحد ذاته يشكل دليلا إضافيا على صدق الجماعة.
وبسبب إدراك المعارضين لقوة هذا الدليل، وبسبب أنهم مضطرون للإجابة على هذه المعضلة، فإن من يُكثر الكلام والهذر منهم تجده إما يعود إلى تهمة العمالة لبريطانيا التي عفا عليها الزمن أو يدعي شيئا آخر أكثر سخفا كقولهم إن الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إنما قد أسس هذه الجماعة لسلب أموال الناس!! وهذه التهمة الثانية التي اضطر إليها المعارضون بحد ذاتها إهانة بالغة لمن يدعيها وشهادة على سخف عقله. فكيف يمكن لمن يريد أن يَنُصب على الناس ويسلب أموالهم أن يدعي النبوة ويجلب لنفسه المصائب والمخاطر التي لا نهاية لها؟! فمشروع ادعاء النبوة كذبا لغرض النصب على الناس وسلب أموالهم مشروع فاشل لا يُقبِل عليه من لديه ذرة من العقل. لذلك يكثر ادعاء النبوة عند المهووسين والمضطربين نفسيا.
والواقع أن للنصابين أحوالا تتناقض تماما مع أحوال الأنبياء والمبعوثين الربانيين؛ إذ أن النصَّاب لا يحاول مطلقا أن ينشئ علاقات خاصة مقربة من عدد كبير من الناس، وكثيرا من يجعل حياته محاطة بالغموض والسرية لكيلا يطّلع الناس على أحواله، ثم لا يمكن أن يغري الناس إلا باستدراجهم وتطميعهم بمكاسب كثيرة سريعة يوهمهم بأنها أكبر بكثير مما يناله منهم، وكثيرا ما يستدرجهم بإذاقتهم شيئا من هذه المكاسب ليندفعوا ويقعوا في الفخ، لذلك يقال في المثل: “النصَّاب لا ينصب إلا على طمَّاع”. أما الأنبياء فلا يقدمون للناس شيئا من متاع الدنيا ولا يغرونهم بالمكاسب السريعة الآنيَّة، بل تكون شخصياتهم الآسرة سببا في انجذاب الناس إليهم وتقديم أموالهم بل وأرواحهم تحت أقدامهم. ومقابل ذلك ينشئ الأنبياء معهم علاقة سامية تتجاوز القرابات وعلاقات الدم ويبذل الأنبياء جُلَّ وقتهم في رعاية الأتباع والدعاء لهم والاهتمام بشئونهم. لذلك يشعر المؤمنون بأن فضل النبي عليهم أكثر بكثير مما يمكن أن يقدموه لهم، مع أن ما يقدَّم للنبي إنما يرتد على الضعفاء من الأتباع وغيرهم من الناس. لذلك كان قولَ الأنبياء دائما أنهم لا يسألون الناس أجرا ولا مالا، بل يبتغون الأجر عند الله، حتى وإن أخذوا منهم الصدقات التي ستنفعهم في الدنيا والآخرة، لذلك قال تعالى آمرا النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول:
{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (سبأ 48)
لقد أسس حضرة مرزا غلام أحمد عليه الصلاة والسلام الجماعة الإسلامية الأحمدية وأعلن أنه ذلك الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي جاء وفقا للأنباء، وقام ولا تزال جماعته من بعده بعملها في إحياء الإسلام والدفاع عنه ونشره وتبليغه في العالم أجمع. وإن بقاء هذه الجماعة وازديادها قوة يوما بعد يوم بعد مرور ما يزيد على 128 عاما وبعد المرور من مصاعب جمة ومعارضة هائلة وتغيرات عالمية اسقطت دولا وإمبراطوريات وبقيت خلالها الجماعة يشكِّل دليلا دامغا على صدقها يسوِّد وجوه المعارضين ويزيدهم خزيا على خزي، ومهما بذلوا من جهود ومهما حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم، فستنقطع أنفاسهم وسيكون ما يتفوهون به سببا للمزيد من خزيهم، ثم يصبحون حصىً في طريق الأنبياء التي يعبِّدها الله تعالى تحت أقدامهم.