تردّدَ على نحو متكرّر زعم خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية بأن دليل صِدق المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الذي بَيَّنَهُ حضرته من القُرآن الكَرِيم وهو الذي نشرناه سابقاً بأن المتقول الكاذب على الله تعالى يهلك مع دعوته مع تأييد الحافظ ابن القيم رحمه الله له من الصميم يزعم الخصوم بأنه لا يصلح كدليل صِدق لحضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام والسبب هو ألا ترون انتشار دعوة مؤسس البهائية حسين علي النوري أو بهاء الله حول العالم الذي يَرَوْن أنه ادّعى النبوة وليس الألوهية وأن عدد البهائية يصل لبضعة ملايين ولديهم مقرات ومؤسسات يلتقون بها وينشرون منها ديانتهم، وبهذا يبطل الدليل الذي ذكره المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لصِدق دعوته لانتشارها وازدهار جماعته.
من الطبيعي قبل أن نعطي الرد الشاطب لهذا الكلام أن يلاحظ القاريء الكريم الحال المؤسف الذي وصل له خصوم الجماعة بسبب انعدام الدليل ضد الجماعة لدرجة لجوء الخصوم إلى معارضة أحد أهمّ أدلة صِدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو التأييد الإلهي وانتشار الدعوة وازدهارها من بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مما يضع أساساً مهماً لأسس تصديق النبيين الصادقين، فلجأوا إلى تكذيب دليل صدق النبي ﷺ -بجهل أو عن قصد- بل والاستدلال ضد هذا الأساس بانتشار دعوة مؤسس الديانة البهائية بهاء الله ولو بشكل غير مؤثر ولكن مجرد انتشار دعوة البهاء عند خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية تعني فشل دليل الصدق الذي أثبته الله تعالى للنبي ﷺ في القُرآن الكَرِيم والذي أصبح أساساً ومعياراً لمعرفة المدّعين الصادقين. هذا ولا شك حال مؤسف لن يفوت على القاريء الفطين الانتباه إليه. أما ردّنا على هذا القول المؤسف فيبيّنه المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كما يلي:
“لنتذكّر أيضاً أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قد قال هنا: إنَّ المفتري لا يفلح في هدفه، ولم يقل: إنَّ المفتري لا يمكن أن يجمع حوله فريقاً من الناس أو أنه لن يزدهر ازدهارًا ماديًا. كلا، بل من الممكن تماماً أن يجمع حوله طائفة من الناس أو أن يحقّق ثراءً ماديا. ذلك أنَّ لا أحد من المدّعين يقوم لمجرد جمع زُمرة من الناس حوله، وإنما يذكر كُلّ واحدٍ منهم هدفاً روحانياً من نشْر شرْعٍ جديدٍ أو تجديد شرعٍ قديم، فما لَمْ ينجح في نيل هدفه الحقيقي هذا فلن يُعَدّ مفلحاً. وهذا مقياس عظيم لمعرفة صدق المدّعين أو كذبهم، ولا يمكن أن يستغله أيّ كذاب، كما أنه يُبرّئ الصادقين منهم مما يثارُ ضدّهم من طعن واعتراض. فمثلاً قُتِلَ النبي يحيى عليه السلام، ولكن هذا لم يُخلّ بهدفه شيئاً، ولم يقدح في كونه مفلحاً، لأن غاية بعثته كانت تتمثل في أن يعرِّف النَّاسَ بالمسيحِ ويمهّد السبيل لتصديقه. وقد نال غايته هذه رغم قتله حيث كان حضرته بمثابة عالَمٍ برزخي بالنسبة للأمة اليهودية، وقد بُعث إليهم ليهيئ النفوس لقبول المسيح عليه السلام، وقد حقّق غاية بعثته هذه حيث بدأ اليهود فعلاً بانتظار ظهور المسيح بينهم، وقام كُلّ أتباع يحيى ؑبتصديق المسيح ؑحتى لم تعد له جماعة مستقلة، بل كلهم انضموا إلى جماعة المسيح عليهما السلام. وكما ذكرتُ آنفاً فإن هذا المقياس يكشف زَيف وكذِبَ المتنبئين الكذابين، ومثال ذلك زعيم البهائيين “بهاء الله”. فلنفترض أنه كان في الحقيقة قد ادّعى النبوّة، وليس الألوهية، وأنَّ عددَ أتباعه وصلَ إلى مئات الآلاف، فإنه مع ذلك لن يُعَدَّ صادقًا بهذا الدليل. ذلك أن غاية بعثته كما بيّن هو بنفسه هي أن يبرهن على أنَّ الشريعة الإسلامية ناقصة ومنسوخة، وأنه قد جاء مكانها بشرعٍ جديدٍ؛ الشرع البهائي. ولكن لَمْ تتحقّق له هذه الغاية في أي بيت ولا في أي يوم، بل على العكس من ذلك فقد ازداد إقبالُ النَّاسِ على القرآن الكريم، حتى بدأ كثيرٌ من الأوروبيين يصدّقون القرآنَ الكريم اليوم وقد كانوا بالأمس القريب يكذبونه ويكفرون به. فالشريعة الإسلامية التي جاء البهاءُ لإلغائها ونَسْخها على حدّ زعمهم تنال كل يوم رضاً وقبولاً لدى الناس، ولكن شريعته هو قد طُويتْ بيدِ النسيان. ولو أنَّ أميركا كلّها اعتنقت البهائية فلن يُعتبر البهاء أيضاً مفلحاً ما لم تنتشر شريعته وتتوطّد في العالم كلّه.” (التفسير الكبير، سورة يونس، الآية 18)
بهذه الكلمات القليلة والعميقة قَلَبَ المُصْلِحُ المَوْعودُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ موازين خصوم الجماعة وأعاد الأسس الصحيحة إلى أصلها، إذ إنَّ البهاء جعل نفسه في مواجهة الإسلام لا يصح إلا أحدهما، فإن كان الإسلام صالحاً وشريعته القرآن صالحة ما كانت حاجة لبعثة البهاء كي ينسخه ويأتي بدين جديد وشريعة جديدة، وهكذا العكس أيضا. وبهذا جعل البهاء نفسه في محك البقاء أما دينه وشريعته هو أو الإسلام وشريعة القُرآن الكَرِيم، وبذلك تصبح المقارنة هي بين دين اليهاء ودين الإسلام. فهل انتشرت البهائية وصارت تنافس الإسلام ؟ طبعاً لا يوجد عاقل يجيب بنعم، فأنى للإسلام بملياريه ومساجده ودوله وعظمته أن يُقارَن بالبهائية التي لا تصل لجزء من الواحد بالمائة من المسلمين دع عنك الدول والنفوذ وكل جوانب العظمة والانتشار ! وبهذا يفشل استدلال خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية ضد الدليل القرآني الذي لا مجال للطعن فيه بحال من الأحوال.
مهمة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام
أما رسالة وغاية بعثة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام فيلخصها حضرته كالتالي:
“لقد بُعثْتُ لهدفٍ وحيدٍ وهو إبلاغُ خَلْقِ الله أنَّ الدين الحق والمرتَضى عند الله مِن بين جميع الأديان المعاصرة هو الدينُ الذي جاء به القُرآنُ الكريمُ، وأنَّ البابَ للدخول في دارِ النجاة هو: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ” فقط.” (حُجّة الإسلام، ص 58)
وهكذا يكون تأييد الله تعالى للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنشر دعوته حول العالم وازدهار جماعته ثابت من القُرآن الكَرِيم لأنه لا ينافس الإسلام ولا يضطر أحدٌ إلى وضعه في مقارنة مع الإسلام لأنه ببساطة خادم الإسلام ودعوته هي إثبات صِدق الإسلام، هذا الدليل القرآني غير القابل للطعن، بعكس البهاء الذي جعل من نفسه غريماً للإسلام مهما قال لصالح الإسلام وادّعى بأنه يحترمه وما إلى ذلك، لأنه ببساطة جعل لُب دعوته هي إثبات حاجة الوقت لشريعة تنسخ الإسلام والقرآن ولذلك جاء بدين البهائية وشريعتها الجديدة الناسخة للقرآن، فوضع نفسه في مقارنة ناسفة مع الإسلام والقرآن. فشتّان بين مَن كانت بعثته هي إثبات صِدق الإسلام وبين الذي كُلّ مُهمته هي نَسْخ الإسلام وإثبات عدم أهلية وصلاحية شريعة القُرآن العظيم. فالبهاء يُقارَن بالإسلام بينما المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يكون في الحقيقة أحد دفاعات الإسلام نفسها التي تكفي لوحدها في نسف البهائية وجميع العقائد الباطلة التي تحارب الإسلام وشريعة القُرآن العظيم. وهذا هو الهلاك بعينه، سواء ادّعى البهاء النبوة أو الألوهية، فبعد أن هلك الباب مؤسس ديانة البهاء رمياً بالرصاص وانتهت دعوته وبعد هلاك البهاء في السجن وانتهاء دعوته بالمقارنة مع الإسلام، فقد انتهى أمره وفق المعيار القرآني الثابت. وهكذا وببضعة أسطر فقط ردَّ المُصْلِحُ المَوْعودُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بضاعة الخصوم إلى رحالهم ومعها نصيحة مخلصة:
لا تعبثوا بأدلة صدق النبيين عليهم السَلام!
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مقالات ذات صلة: فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون