من المغالطات التي يثيرها منكرو السنة وأمثالهم مغالطة نفي الصَلاة على النبي محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) بالمعنى اللفظي ، حيث يقولون أن الصَلاة على النبي ليست هي باللفظ الشائع بين الناس كقولنا “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ” لأن الله تعالى يقول “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” وأن ذلك بيان إلهي واضح بأن الله تعالى يصلي على النبي فلا داعي لطلب الناس من الله أن يصلي عَلَيْهِ مادام أن الله يصلي فعلاً وأن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) غير محتاج لصلاة الناس عَلَيْهِ أي طلب الرحمة له مادام الله يصلي عَلَيْهِ. وتستمر المغالطة ليقولون أن الدليل على عدم صحة الصَلاة اللفظية المذكورة والتي ((يقوم بها المسلمون الأذكياء)) -على حد قولهم- هي الأوامر الإلهية التالية “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم” و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” حيث أن أيا منها لا تعني أن نقول “اللّهُمّ لقد انفقنا وصبرنا” وإنما الفعل من ذلك لا مجرد القول اللفظي الفارغ. ثم بيّنوا أن الصَلاة في القرآن الكريم واللسان العربي لا تعني التلفظ بل العمل والتأييد فحسب وقد انحرف معناها اللساني من بطون كتب اللغة بسبب من تلك ((( اللوثة  ))) أي الصَلاة اللفظية على النبي. فلا يعقل أن يصلّي الله ويسلم للنبي كما هو الأمر بالنسبة للناس.

الرد:

 بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة لغةً أصلها من الجذر الثنائي صل الذي يفيد الحركة من التواصل والصلة وهو معنى ثابت ولم يختفي كما يتصور البعض والصلة بين الله تعالى والعبد تقتضي العمل مع القول أي أننا لا ننفي القول ونكتف بالفعل فالاثنان متلازمان كل منهما له دور في الرقي الروحي للمؤمن كما أن المؤمن يعمل بأوامر القرآن الكريم إلى جانب القراءة والتدبر فيه لفظا ويتواصل بينه وبين الآخرين عن طريق اللفظ واللسان ولا يعد ذلك أمراً سيئاً بل تكامل مادي ومعنوي. لقد كانت أول الأوامر الربانية التي تلقاها النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) من ربه عز وجل هي “اقرأ” و “قل” أي تعلّم وتكلّم وهذا هو التبليغ الحق الذي يتطلب القراءة والتدبر والتواصل اللفظي مع العمل بالأوامر بدون تضارب بين الإثنين. إن قول الله تعالى “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ” تعني أن الله سبحانه يرحم وينصر ويؤيد نبيه مع ملائكته فيسخّر سنن الكون لصالح نصرة هذا النبي الذي اصطفاه وفق معايير أخلاقية وروحية على العالمين بكل تأكيد، ولكن ذلك لا يخالف طلب الناس من ربهم أن يرحم وينصر ويؤيد نبيه كقوله تعالى “أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” مع أن الله تعالى هو ناصر المؤمنين وهو ما كان يطلبه النبي من ربه أيضاً مع علمه ووثوقه بوعد ربه الذي أكد أنه ناصره معه أينما حل والأمثلة على ذلك كثيرة، فتكون بذلك صلة مترابطة بين العبد وربه كقوله تعالى “كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” و  “وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا” ولا تعارض بين هذا التأكيد الإلهي بالغلبة والنصر وبين الدعاء وطلب الغلبة والنصر منه تعالى لأن الدعاء يعني التواصل بين العبد وخالقه بشكل شبه مستمر “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ”  وهو ما يجرنا أيضاً إلى مسألة الخشوع وصدق الدعاء حتى يكون لائقا فيُقبَل. أما عدم حاجة النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) لصلاة الناس عَلَيْهِ فهو موضوع ذو دلالات مختلفة منها أن الصَلاة على النبي طلبا للرحمة والبركة له ولأمته ليست لحاجة النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) بل لتجسيد التمسك بتعاليمه وشكر الله تعالى والدعاء له عرفانا وتقديرا. فموضوع الحاجة هذا ليس بنقطة هامة لدحضه إذ أنه يتكشف لكل باحث بلا أدنى جهد. أما التسليم للنبي فهذا من المغالطات الصارخة إذ أن الصَلاة من الله تعالى ليست للنبي بل على النبي وهو أمر من الأعلى إلى الأدنى وكذلك التسليم يكون على النبي كقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” أي التحية والتأييد وليس الاستسلام للنبي كما يذهب بعض الإخوة، وهذه من أغرب ما فاتهم من نكات.

والمسألة الثانية في عدم جواز الصَلاة اللفظية على النبي عندهم هي قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم” و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” إذ لا يصح أن يكون المعنى أن نرد على الله بالقول صبرنا وانفقنا بل نصبر وننفق فعلا، وهذا مردودٌ بداهة إذ أن الإنفاق والصبر من الأفعال التي لا تتطلب القول والتلفظ بتاتاً وإنما  الصبر والإنفاق عملاً فحسب، بينما في الصَلاة يشمل الحال القول والفعل معاً حيث يقول تعالى “فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” ومن الواضح أن اداء الصَلاة يكون قولا وفعلا ولا ينتفي القول (فاذكروا الله) أي اجعلوا الله تعالى على لسانكم وفي قلوبكم واعملوا بتعاليمه.

وأخيراً نقول أن الصَلاة على النبي محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) التي أمرنا بأدائها تكون بالعمل أي الاتباع والتأييد والتطبيق لهدي الرسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) أي التعليم الذي قال عنه تعالى “لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ” فيقرأ عليهم كلمات ربه ويعلمهم دلالاتها وتأويلها فق التأييد الإلهي. هذا التطبيق يكون باتباع السنة النبوية التي لا تعني إلا التطبيق العملي للقرآن الكريم حيث أن السنة هي الطريقة كما يقول تعالى : “لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ” أي طريقة حياة الأولين من الأمم وتاريخهم، ثم نتجه إلى الحديث الشريف الذي يعتبر توثيقاً لهذه السنة العملية أي التعليم النبوي وقد نقل لنا رجال الأمة جزاهم الله خيراً أحاديث النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) وفق أسانيد وقواعد صارمة وهو الأمر الذي نلجأ إليه عندما نجد تأويلات محتملة للنص القرآني فيكون القول الفصل فيها للنبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً” حيث أن رد الاختلاف يكون لله تعالى (القرآن الكريم) ثم للرسول (السنة العملية والحديث الشريف) ومع ذلك لا نتعامل مع الأحاديث بنفس الثقة التي نتعامل بها مع القرآن الكريم بل نُخضع الأحاديث للقرآن الذي هو الأصل في كل شيء عند المسلم. فالصلاة على النبي باختصار هي العمل والقول معا حيث يتبع المسلم هدي نبيه ويطبق ما تواتر عنه من عمل كما أن عَلَيْهِ أن يدعوا ربه مصاحبة للعمل بالقول : “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ” وذلك طلباً للرحمة الإلهية والبركة لهذا النبي وأمته لنشر رسالة السلام التي جاء بها للبشرية جمعاء ويكونون بذلك في صلة مع خالقهم لا يتلفظون بغير الرحمة وَالسَلام من الله تعالى للناس أجمعين . القول والعمل شيء مهم لكل منهما دوره في نشر الخير.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد