ذكر اسم سيدنا محمد ﷺ في التوراة والإنجيل

منذ أن أعلن القرآن الكريم نبوءة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل في قوله تعالى:

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأَعراف 158)

منذ أن أعلن هذه النبوءة، وأكَّد أنها مكتوبة ومدونة في التوراة والأنجيل، واليهود والمسيحيون يعترضون قائلين إنه لا وجود لهذه النبوءة مطلقا لديهم، وما زالوا يعترضون إلى يومنا هذا. فهل يصحُّ اعتراضهم؟ وما الذي قصده الله تعالى في قوله ” يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ“؟

الواقع أن هذا الاعتراض مرجعه الجهل والتعصب. فإذا كانوا يتوقعون أن القرآن الكريم يقول: تفحَّصوا التوراة والإنجيل وستجدون هنالك اسم النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وموطنه وتاريخ بعثته تحديدا وأسماء أزواجه وأصحابه ودار هجرته وأنه سيحرِّم الخمر والخنزير وما إلى ذلك، فحتما لن يجدوا شيئا من هذا. وما قصده القرآن الكريم ليس إلا أنهم سيجدون ذلك مكتوبا بعد تدبُّرٍ واستنباط وتأويل، لأنه نبأ غيبي، وشاء الله أن تكون الأنباء الغيبية تتضمن نوعا من الاستتار لحكم كثيرة من أهمها الابتلاء كي يؤمن الطيبون وينصرف الخبثاء ويطردوا، وكذلك لكي يحافظ الله عليها مكنونة محمية من أيدي العابثين المحرفين الذين لو عرفوها قبل الوقت لحرُّفوها حسدا وغيظا. ثم لو كانت التوراة والإنجيل تتضمن الوصف الدقيق للنبي صلى الله عليه وسلم وبعثته بصورة حرفية جلية لا تتطلب بحثا ولا استنباطا، فهذا يعني أن جميع اليهود والنصارى كانوا سيؤمنون منذ اليوم الأول! ولكن هذا الإيمان القائم على التسليم بالمسلَّمات ليس هو الإيمان الذي يريده الله تعالى، بل هو ليس إيمانا حقيقة، وإنما إدراك للمدرك الذي لا يستحق صاحبه ثوابا أو عقابا.

 نبوءة بعثة النبي محمد في التثنية

الكعبة الشريفة

أما كيف كُتب في التوراة والإنجيل نبأ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإننا عندما نُسأل نرشد إلى مواضعها ومصادرها، ثم نشرحها، وعلى رأسها النبوءة الشهيرة في سفر التثنية التي تقول:

{أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ. وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيّ } (اَلتَّثْنِيَة 18 : 18-20)

فبالتدبُّر في هذه الفقرة من التثنية نجد أنها تتضمن أن النبي سيكون من إخوة بني إسرائيل؛ أي من بني إسماعيل، وسيكون مثيلا لموسى؛ أي سيكون نبيا صاحب شريعة، وسيكون كلام الله في فمه؛ أي سيقدُّم وحيا حرفيا منسوبا إلى الله تعالى بكلماته، وأنه سيكلُّمهم بكل ما يوصيه الله تعالى؛ أي أنه سيقدم شريعة كاملة، وأن هذا الكلام سيبدأ باسم الله؛ أي أن آيات القرآن الكريم ستبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، كما أن هذا النبي لن يهلك هلاك المتقولين الذين إما أن يهلكهم الله تعالى بأسباب مخزية أو يمكِّن منهم أعدائهم فيقتلونهم قتلا مهينا وينهون دعوتهم، بل سيعيش ثم يموت ميتة طبيعة معززا مكرما.

وهكذا نجد أن هذه الفقرة تتضمن كل هذه المعاني التي ترسم صورة متكاملة لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد الاستنباط والتفكر والتدبر.

ولا يقتصر الأمر على هذه الفقرة، بل هناك فقرات متعددة متعلقة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأصافها في التوراة والإنجيل؛ كمثل أنه سيبعث في برية مكة التي اسمها “فاران” في التوراة، وكمثل أن الإنجيل يتضمن نبوءة بعثته بصفته المعزِّي أو “الفارقليط” الذي يحمل روح الحق ويخبرهم بكل الحق، وغيرها الكثير، ولكنها كلها تصطبغ بذات الصبغة؛ أي أنها تحتاج تفكرا وتدبرا واستنباطا.

وهذه ليست الإحالة الوحيدة للقرآن الكريم على الكتاب المقدس، كما أن اليهود والنصارى إلى يومنا هذا ما زالوا يعترضون على هذه الإحالات كلها لأنهم أن يكون الكلام ظاهريا لا يحتاج بحثا ولا تدبرا ولا تفكرا ولا استنباطا! وهذه الأمور التي كان ينبغي أن تكون سببا لهدايتهم أصبحت الآن حجابا لهم وسببا للاعتراض وانعكس تأثيرها بسبب تعنتهم وتعصبهم، مع شديد الأسف.

وبما أنه كان واجبا أن يتبع المسلمون أيضا سنن اليهود والنصارى ويتخذوا مواقف مشابهة لمواقفهم، فإننا نجد هذا الأمر مكررا أيضا وظاهرا وواضحا في سلوك المعارضين من المسلمين. فبنفس الطريقة قد تضمَّن القرآن الكريم والحديث الشريف أنباء بعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، ولكنها جاءت على النسق والسنَّة نفسها للنبوءات. فقد أخبر القرآن الكريم عن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الثانية في سورة الجمعة، وفسر الحديث نبأ هذه البعثة ببعثة رجل فارسي نائبا للنبي صلى الله عليه وسلم وليس بعثته صلى الله عليه وسلم بشخصه وبنفسه. وجاءت أحاديث كثيرة تسمي هذا المبعوث المسيح بن مريم وتقول بأنه سينزل في الأمة، ووردت الأحاديث المتنوعة عن المهدي أيضا وأوصافه، وجاء في صحاح الأحاديث أن المهدي هو المسيح نفسه، ووردت إشارات في الأحاديث إلى وقت البعثة وزمانها ومكانها بصورة مذهلة، ولكن هذه الأمور والعلامات القيمة لا تُعرف إلا بعد الاستنباط والتفكر والتدبر. ولهذا حُجب كثير من المسلمين عن الإيمان بالمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام نتيجة تعنتهم وتعصبهم وإصرارهم على الباطل كما كان موقف أسلافهم من اليهود النصارى.

لذلك ليس عجيبا أن يعترض معترض اليوم -بعد أن نوضح ونبين هذه الأنباء ونشرحها – ويقول إنني لا أجد اسم الإمام المهدي والمسيح الموعود صراحة في القرآن الكريم ولا الأحاديث، ولا أجد مكان بعثته ولا تاريخها، ولا أجد كل ما تقولون به؟! فهذا لا يدلُّ إلا أننا على الحق وتحت ظلال القرآن الكريم وهو على الباطل وعلى سنة أسلافه من أعداء الحق من اليهود والنصارى.

الواقع أن هذا الاعتراض إنما هو بحدِّ ذاته دليل على صدق الجماعة وعلى بطلان دعوى من يرفع عقيرته به حمقا وغباوة. خاصة بعد أن استقام المنسم وظهرت آيات النصرة والتأييد الإلهي بعد أن سطعت شمس الأدلة الساطعة المتألقة في عنان السماء. والحمد لله رب العالمين.

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة

One Comment on “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل”

Comments are closed.