الدعوة للمباهلة وفرار المشايخ ثم إصابتهم بالآفات والعذاب جراءها آية عظيمة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام
بأمر من الله تعالى، دعا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام المشايخ والعلماء وأصحاب الزوايا من أدعياء الولاية الصوفية وغيرهم للمباهلة بذكر أسمائهم. كان هذا في عام 1896م وهذا بعد أن مرَّ على تلقي حضرته الإلهام الكثيف ما يزيد على عشرين عاما، وفي السنة الخامسة عشرة من مأموريته التي بدأت عام 1882م. كان موضوع المباهلة هو صدق حضرته عليه الصلاة والسلام في أنه مبعوث من الله تعالى وأن إلهاماته هي حقا من الله تعالى، وكان نصُّ المباهلة يتضمَّن أنه سيقسم أنه تلقى هذه الإلهامات من الله تعالى، وإن كان كاذبا فسيميته الله تعالى خلال عام، وعلى الطرف الآخر أن يقسموا على أنه كاذب في دعواه، وأن هذه الإلهامات ليست من الله تعالى، وإن لم يكونوا على الحق فإنهم سيصيبهم بلايا مختلفة ومتنوعة خلال عام من ضمنها الموت، وقد ذكر حضرته نماذج من هذه الآفات في نصِّ المباهلة.
فرَض حضرته في هذه المباهلة شروطا قاسية عليه، بينما جعل شروط الفريق الآخر ميسَّرة للغاية؛ إذ طلب منهم أن يجتمعوا جميعا في ميدان حتى ولو كانوا ألفا أو ألفين، وأن يقف ويتلو نصَّ المباهلة حاملا إلهاماته المطبوعة، ثم يقسموا هم. فإن لم ينزل عليهم جميعا العذاب خلال عام، وإن استثنى العذاب شخصا واحدا فقط من هؤلاء وأصاب الجميع سواه، فإنه سيعد نفسه خاسرا لها. بينما يكفيهم هم أن يموت هو خلال هذا العام ليثبتوا أنه كاذب والعياذ بالله وبذلك يرتاح العالم من المسالة برمَّتها.
تهرَّب المشايخ من هذه الدعوة، وأخذوا يقدمون الأعذار، فخفف عنهم شرط الحضور، وقال إنهم يمكن أن يشاركوا فيها عن طريق المراسلة، ولكنهم تهربوا أيضا. ولكن كانت قوة هذه الدعوة كافية لإثبات صدقه عند اثنين من كبار المشايخ والصوفية وهما الخواجة غلام فريد وأحد كبار الصوفية وهو بير صاحب العلَم الذي كان له أتباع كثر بمئات الآلاف في الهند، فآمنا به وصدقاه.
كان من ضمن المدعوين للمباهلة الشيخ البطالوي والشيخ ثناء الله الأمرتسري إضافة إلى قائمة طويلة من المشايخ، ولكيلا يتحجج أحد بأنه لم تصله دعوة المباهلة فقد أرسل حضرته الدعوة في رسالة مسجلة لكل واحد منهم، ودعا أيضا في الإعلانات المتنوعة أن يبلغهم الناس بهذه الدعوة ليشهدوا بذلك عليهم.
وهكذا فقد تمَّ الأمر، وظهرت هذه الآية العظيمة، وصمَتَ المشايخ عن الاستجابة لهذه الدعوة للمباهلة، بعد أن كانوا من قبل يتسرَّعون في عرضها على حضرته منذ عام 1891م، وكان مترددا فيها لإيمانه بأنه لا بد أن تقام عليهم الحجة أولا ولأنها تحتاج إذنا من الله تعالى ثانيا، ثم إنه لم يكن يرى من اللائق عموما أن يتباهل المسلمون فيما بينهم وخاصة على بعض المسائل الفرعية، لأن بعضهم قد يكون على الحق في بعض المسائل وليسوا على الحق في الأخرى وهكذا، فلو أوقع الله تعالى العذاب بالمخطئين لاجتُث المسلمون عن وجه الأرض، لذلك لا بد أن يقدِّم المباهلة مأمور من الله تعالى على مسألة رئيسة كدعواه كلها، ويحق للمشايخ بعد ذلك أن يقفوا في وجهه ويقبلوا مباهلته إن كانوا واثقين من كذبه. أما طلبهم المباهلة وهم ليسوا بمأمورين ولا مأذونين من الله تعالى أو للفصل في أمور فرعية فهو حمق وتهوُّر لا أكثر ويدل على جهلهم بحقيقة المباهلة.
ومن عجائب هذه الآية العظيمة للمباهلة أن حضرته قال فيها: سأدعو في المباهلة: “يا إلهي العليم الخبير، إذا كنت تعلم أن جميع هذه الإلهامات التي أمسكها بيدي قد ألهمتَها إلي أنت وأنها كلامك، فأصِبْ هؤلاء المعارضين الموجودِين هنا خلال سنة بأشدِّ الآفات، فأعْمِ بعضهم وأصِب بعضهم بجذام وبعضهم بفالج وبعضهم بجنُونٍ وبعضهم بصرع، واجعل بعضهم لديغَ الثعبان أو عضيضَ الكلب العقور المسعور، وأنزِلْ على أموال بعضهم آفةً وعلى نفوس بعضهم، وعلى شرف بعضهم.“
ومع أن المباهلة لم تحدث على أرض الواقع – ولو حدثت لكان واجبا أن يصاب الجميع بهذه الآفات ولن يبقى منهم شخص واحد دون إصابة – نرى من أعاجيب قدرة الله تعالى أن الكلمات الصادرة من لسانه المبارك لم تبق غير مؤثرة ودون نتائج، بل قد واجه المشايخ المعاندون وأصحاب الزوايا الذين أصروا على معارضتهم إحدى هذه العقوبات حتما؛ فقد عمي المولوي رشيد أحمد الكنكوهي أولا وبعده مات إثر لدغة ثعبان، والمولوي عبد العزيز والمولوي محمد اللدهيانوي وهما كانا من المكفرين المشهورين قد ماتا بعد ثلاثة عشر يوما فقط من المباهلة واحدا بعد آخر، وخربت بيوتهما. والمولوي سعد الله اللدهيانوي والمولوي رسل بابا أصابهما الطاعون وماتا فيه، كان المولوي غلام دستغير قد دعا على المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في كتابه “فتح رحماني” فبطش به الله تعالى ومات قبل نشر كتابه. وباختصار فإن غالبية المصرين على المعارضة والعداء قد هلكوا وأبيدوا في حياة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. فكانت غالبية هؤلاء المعارضين قد انقرضوا حتى عام 1906م. أما الذين كانوا على قيد الحياة منهم فكانوا مصابين بالآفات والمصائب. أما المولوي محمد حسين البطالوي والمولوي ثناء الله الأمرتسري فعاشا طويلا بعد وفاة حضرته عليه الصلاة والسلام وكانت آفتهم أن يشاهدوا بحسرة ازدهار الأحمدية ورقيَّها وأخيرا رحلا من هذا العالم مصابين بفالج بعد مواجهة الكوارث المتتالية.
يجدر هنا ذكر المولوي ثناء الله الأمرتسري خاصة الذي عاود طرح مسألة المباهلة مراوغة منه خداعا عندما أعلن حضرته عام 1905 قرب أجله في كتاب الوصية، فكان من حضرته أن قبل المباهلة التي شرطها أن يموت الكاذب خلال سنة في حياة الصادق، فعاود هذا الشيخ المرواغة وتهرَّب وقال إن معيار موت الكاذب في حياة الصادق غير مقبول لأن مسيلمة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم! وهذا الكلام ليس سوى التهرُّب بعينه، وكان الأجدر به أن يقبل المباهلة مع المشايخ الآخرين عندما أعلنها حضرته في حينه وفرَّ هو مع الفارِّين، ولكن قال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام عندما سمع بذلك إنه إن كان يريد هذا المعيار فله ذلك. وهذا ما حدث، حيث عاش إلى عام 1948 وقتل ابنه أمام عينيه في حرب انفصال باكستان عن الهند وأحرقت مكتبته ثم عاش لفترة قصيرة في باكستان مصابا بالفالج وغادر هذه الدنيا بالحسرات.
وأخيرا، فقد كانت هذه الدعوة للمباهلة آية عظيمة على صدق حضرته وعلى بعثته ومأموريته وتأييد الله تعالى له، هذا التأييد الذي أثمر استمرار جماعته التي تزداد قوة وازدهارا يوما بعد يوم، بينما هلك معارضوه جميعا ولم يبق لهم أثر. فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.