بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ملخص النبوءة:

أنبأ سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام في عام 1898 عن تفشي الطاعون في البنجاب بالهند كآية على صدقه، ثم عقد اجتماعات مع الجماعة وأعدَّ العدة وقام بتحضير دواء لمقاومة المرض. وكان عمله هذا محط استهجان وسخرية من الآخرين في البداية، إلى أن انتشر الطاعون وزادت حدته في عام 1902 وبدأ يفتك بالمدن والقرى في البنجاب. فأخبر عليه السلام أن الله تعالى أنبأه بأنه سيحمي قريته من الطاعون الجارف، وسيحمي بيته خاصة، وسيحمي جماعته المخلصين حماية إعجازية تكون آية. وقد حاولت الحكومة الحد من الوباء من خلال مصل ابتكر للتطعيم، فشكر حضرته الحكومةَ على تدابيرها، ولكنه بيَّن بأنه لن يتطعم هو وأصحابه بأمر خاص من الله لكيلا يلبس الآية، أما غير الأحمديين فقد حضّهم على أخذ التدابير اللازمة بما فيها التطعيم والأدوية الأخرى، لأن ترك الأسباب معصية، ولكنه بيَّن أيضا بأن سبيل النجاة هي الرجوع إلى الله والتوبة الحقة، ولا سبيل غيرها.

وقد بيَّن حضرته أن نبأ الطاعون هذا قد ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (النمل 83)، حيث إن الطاعون هو المقصود هنا بدابّة الأرض، وقد ورد هذا النبأ أيضا في الحديث الشريف.

ثم بعد ذلك أنبأ حضرته بأن الطاعون سيشتدّ في المستقبل وسيتخذ أبعادا وأشكالا أخرى لا تقتصر على الوباء المعروف؛ ومِن ضمنها بعض الأمراض والأوبئة الخطيرة التي ستجتاح العالم وآثارها التي تترك أثرا شبيها بقروح الطاعون مثل الإيدز وغيره، هذا إضافة إلى الحروب الكبرى والعالمية التي ستستخدم فيها الأسلحة الفتاكة النووية وغيرها والتي تبيد الناس كإبادة الطاعون وتترك جروحا شببيهة، وقد تحقق هذا كله بكل جلاء وما زال يتحقق.

 

تفصيل النبوءة:

نبأ عظيم عن تفشي الطاعون في البنجاب على خلاف التوقع

 

نتيجة لانغماس الناس في سيئاتهم، ونتيجة لإعراضهم عن الحق، بل وأيضا مخالفتهم ومعارضتهم لإمام الزمان الذي أنبأ بمجيئه النبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله تعالى لإنقاذ البشرية من مصيرها البائس ولهدايتها إلى الإسلام، ظهر الطاعون في أواخر 1896 في “مومباي” ووصل تدريجا إلى “هردوار” في أطراف البنجاب. وكانت منطقة البنجاب حتى ذلك الوقت محفوظة من هذا الوباء، وكان المسئولون الإنجليز يوقنون، نظرا إلى تدابيرهم الوقائية، أن البنجاب ستبقى محفوظة منه. لكن الله عز وجل قد كشف على المسيح الموعود عليه السلام في 6/2/1898 في الرؤيا أن الطاعون يوشك أن يتفشى في البنجاب. فنشر حضرته فور تلقي هذا النبأ إعلانا وأخبر به أهل البنجاب ونصحهم بإصلاح الأحوال بحزم وعزيمة.

ولقد كتب حضرته في هذا الإعلان:

“… رأيت في المنام يوم الأحد 6/ 2/1898م أن ملائكة الله يغرسون في شتى مناطق البنجاب أشجارًا سوداء كريهة الشكل مخيفة المظهر وقصيرة الطول، فسألت بعض هؤلاء الزارعين: ما هذه الأشجار؟ فقالوا: إنها أشجار الطاعون الذي سيتفشى في البلاد عن قريب. ولكن اشتبه عليّ الأمر إنْ قالوا إن هذا المرض سيتفشى في فصل الشتاء القادم أم في الذي بعده، ولكن ما رأيته كان منظرًا مخيفًا جدًا. وقد تلقيتُ قبْله إلهامًا عن الطاعون وهو: “إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم، إنه آوى القرية”، أي لن يزول هذا الوباء الظاهر ما لم يزُلْ وباء المعصية من القلوب، وأن هذا القدر يمكن أن يلغى بالدعاء والصدقات والتبرعات والأعمال الصالحة والتوبة النصوح، فاقتضت مواساتي أن أُطْلِع عامة الناس على ذلك.” (مجموعة الإعلانات، إعلان بتاريخ  6/ 2/1898م)

 

سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام يعقد اجتماعا خاصا لمواجهة الوباء ومواساة الخلق قبل تفشيه حسب النبوءة

 بعد الإعلان المذكور آنفا، طلبَ حضرته عليه السلام اجتماع مخلصيه في 2/5/1898، وأخبرهم عن خطر الوباء المتوقع، وأعطاهم توجيهات مهمة. وبصفته خادما صادقا مخلصا للدين والملة قال لهم: على أبناء جماعتي أن يظهروا نموذج برّهم وسلوكهم الحسن ونصحهم من خلال المواساة الصادقة لبني البشر واتّباع توجيهات الحكومة بصدق القلب. (رسالة الإنذار ص 54 – 73، الملفوظات ج1 ص224 – 242)

 

استخفاف الجرائد في بداية الأمر ثم اضطرارها للإقرار بصدق نبوءة حضرته عليه السلام

 

الإعلان الأول الذي نشره حضرته عن النبوءة بالطاعون، كان قد أرسله إلى الجرائد الوطنية أيضا، لكن المؤسف أنه إضافة إلى العلماء المكفِّرين فإن الجرائد قد وظَّفت أقلامها لنقد قانون الحكومة عن الطاعون بدلاً من توجيه الناس التوجيه الصحيح، فقد أثارت جريدة “بيسه أخبار” اليومية الصادرة في لاهور عدة اعتراضات على إعلان حضرته رغم اعتبارها جزءا منه معقولا جدا ومؤثرا ومفيدا ومقرونا بأدلة وذا اقتراحات رائعة.

(الحكم 20/2/1898 صفحة 6-7، حياة أحمد تأليف حضرة شيخ يعقوب علي عرفاني مجلد 5 صفحة 24 (سوانح 1898-1900)).

 

وفعلا ووفق إعلان حضرته عليه السلام وبينما كان المعارضون مشغولين بالمعارضة إذ اقتحم الطاعون البنجاب سريعا. وفي البداية لم يكن هجومه قويا، لكنه ظل يشتد تدريجا، حتى اشتدت وطأته كثيرا في عام 1902 ومن 1903 إلى 1907، ولقد سبب الدمار في ولاية البنجاب كلها، حتى رأى الناس مشاهد أشبه بيوم القيامة، إذ قد خرّب آلاف القرى، كما قد خلت حارات متعددة من مئات البلدات والمدن من السكان، وقد حل الدمار في بعض المواضع بحيث لم يكن يتوفر مَن يدفن الموتى، وكانت الجثث تتعفن مبعثرة على الشوارع والطرقات. فحين بلغ الأمر هذا الحد بدأت الجرائد تكتب علنًا، مثل جريدة غلزار الهند: “كل هذه الأمور تثبت أنه كان في علم الله تعالى أن البنجاب ستتضرر كثيرا من هذا الوباء”. كما اضطرت للقول تصديقًا لما أنبأ به حضرة المسيح الموعود عليه السلام حرفيا، “إذا كان هناك علاج للطاعون فهو حصرا يكمن في أن يقوم سكان كل قرية باللجوء إلى أعتاب الله بصدق القلب تاركين أعمالا سيئة مبتهلين، حتى يفور نهر رحمته ويطفئ نار غضبه هذه.” (غلزار الهند لاهور نقلا من الحكم 30/4/1904)

 

جوانب تحقق النبوءة بصورة جلية

إن ويلات الطاعون ليست خافية على أحد، ولا يجهل أحد كيف حصد الطاعون الجارف قرى كثيرة. وإن حماية الأحمديين من هذا الطاعون الجارف مقارنة مع معارضيهم تثبت أنه قد ميّز بين المؤمنين وغيرهم. ولو هلك الأحمديون بكثرة لأثار المعارضون ضجة وقاموا بإعلانات كثيرة ونشروا في الجرائد أخبارا وتعليقات كثيرة بهذا الشأن، ولقالوا: انظروا، لقد هلك الأحمديون بكثرة على النقيض من إعلان مؤسس جماعتهم، ولكنهم لم يفعلوا. وإن عدم قيام المعارضين بكل ذلك يبين أن حالات الإصابة بالطاعون في الأحمديين كانت قليلة جدًّا لدرجة لم يجرؤ المعارضون حتى على ذكرها. وإن حماية الأحمديين من الطاعون مقارنة مع غيرهم يثبت أن الطاعون ميّز بين المؤمنين وغيرهم.

لقد أخبر الله تعالى المسيح الموعود عليه السلام في خضم هذا الطاعون ما يلي:

(1) إن قاديان ستكون محمية من شدة الطاعون مقارنة مع القرى الأخرى. وهذا يعني أن الطاعون سيضرب قاديان، ولكن لن يحل بها طاعون جارف مثل بقية المدن والقرى. وهذا ما كان.

(2) على الرغم من وصول الطاعون إلى قاديان سيكون حضرته عليه السلام وسكان بيته كلهم البالغ عددهم إلى 80 شخصا تقريبا محفوظين من الطاعون. وهكذا كان بالضبط إذ بقي المسيح الموعود عليه السلام وسكان بيته كلهم محفوظين من الطاعون بحسب وعده تعالى.

(3) كان أتباعه عليه السلام أيضا محفوظين منه مقارنة مع غيرهم، وانضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية آلاف الناس برؤية هذه الآية.

 

 شهادة الخصوم على تحقق النبوءة

كانت أسماء المبايعين الجدد مع أسماء آبائهم وعناوينهم تُنشر في زمن المسيح الموعود عليه السلام في جريدتَي “الحكم” و”البدر” الصادرتين في قاديان. فلو رأى المعارضون أن هذا خلاف للواقع، وأن خبر انضمام فلان وفلان من مدينتهم وقريتهم إلى الجماعة الأحمدية ليس صحيحًا، لقالوا: (1) لا يوجد في مدينتنا أو قريتنا أناس بهذه الأسماء. أو قالوا: (2) إن هؤلاء الناس موجودون ولكنهم لم ينضموا إلى الجماعة الأحمدية. ولكن بعدم ذكرهم هذين الأمرين قد أثبتوا عمليا أن بيان المسيح الموعود عليه السلام بهذا الخصوص صحيح تماما.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ]أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ[ (الأنبياء 45) .

 

وفي تلك الفترة ازداد عدد المبايعين بصورة كبيرة، حتى قال عليه السلام حول ذلك: “من دواعي الشكر لي أن أربعمائة ألف شخص تقريبا تابوا على يدي عن المعاصي والذنوب والشرك.” (التجليات الإلهية، ص3، الطبعة الأولى، الخزائن الروحانية ج 20)

 

لو رأى المعارضون أن بيان المسيح الموعود عليه السلام كان كاذبا لأثاروا ضجة وقالوا إن الناس منهم يموتون بعدد قليل وأفراد الجماعة يموتون بعدد أكبر. لقد خصص أشدُّ أعداء الجماعة الأحمدية المولوي ثناء الله الأمرتسري الصفحة 11 كاملة من جريدته “أهل الحديث” العدد 26/4/1907م لمقال بعنوان: “انتخاب الأخبار”، وذكر فيها دمارا أحدثه الطاعون وأورد فيها أعداد الذين ماتوا بالطاعون كما يلي:

“حساب الميتات نتيجة الطاعون”

في عام 1896م…  1704 شخصا.

في عام 1897م…  56055 شخصا.

في عام 1898م… 101853 شخصا.

في عام 1899م… 134789 شخصا.

في عام 1900م… 93150 شخصا.

في عام 1901م   273679 شخصا.

في عام 1902م  577427 شخصا.

في عام 1903م  8510263 شخصا.

في عام 1904م  1022299 شخصا.

في عام 1905م  950863 شخصا .

من يناير 1906 إلى أبريل 1906م فقط 170000 شخص.

ثم يقول المولوي الأمرتسري ذاكرًا الوفيات التي حدثت في غضون أسبوع واحد:

“الوفيات التي حدثت في البنجاب في الأسبوع المنتهي بتاريخ 6 أبريل تفصيلها كما يلي في محافظات مختلفة:

محافظة حصار: 100 شخص. رُهتك: 1979 شخصا. غورغاؤن:  137 شخصا. دلهي: 577 شخصا. كرنال: 733 شخصا. أنبالة: 1678 شخصا. هوشيار بور: 815 شخصا. جالندهر: 2415 شخصا. لودهيانه: 2411 شخصا. فيروز بور: 1790 شخصا. مونتغمري: 269 شخصا. لاهور 2170 شخصا. أمرتسر: 1132 شخصا. غورداسبور: 2275 شخصا. سيالكوت:3781 شخصا. غوجرانواله: 5254 شخصا. غوجرات: 2659 شخصا. شاهبور: 1184 شخصا. جِهلُم: 527 شخصا. راولبندي: 436 شخصا. اتك: 231 شخصا. ملتان: 1 شخص. ولاية بتياله: 1236 شخصا. كفورتهله: 764 شخصا. مالير كوتله: 106 شخصا. جنيد: 200 شخص. كليسه: 119 شخصا. فريد كوت: 117 شخصا. نابهه: 177شخصا. العدد الإجمالي: 34436 شخصا.

ففي الأسبوع الذي سبقه مات 29154 شخصا، وفي الأسبوع نفسه من العام المنصرم مات 4275 شخصا. (إن محافظة النبي القادياني أي محافظة غورداسبور جديرة بالانتباه بشكل خاص)

الحاكم المحترم مشغول في هذه الأيام في التنـزه والترفيه في منطقة “ديره دون”. المدرسة المحلية مغلَقة في لاهور بسبب شدة الطاعون. (نستعيذ بالله تعالى) (جريدة أهل الحديث، أمرتسر، عدد: 26/4/1907م، ص11)

باختصار، فقد هلك 34436 شخصا بالطاعون في أسبوع واحد فقط، وفي الأسبوع الذي سبقه هلك به 29154 شخصا باعتراف هذا العدو اللدود للأحمدية.

لاحظوا كم كانت هجمة الطاعون شديدة يومها، ومع ذلك يعترف ألدّ أعداء الجماعة في العدد المذكور من جريدته على الصفحة نفسها بأنه لم يهلك في قاديان إلا 35 شخصا، ولم يصرح  كم كان منهم من الأحمديين وكم من غير الأحمديين. لو كان شخص واحد من هؤلاء الهالكين أحمديًّا لأثيرت ضجة كبيرة حتما. وهذا يدل على الحفاظة الخاصة لقاديان عموما من الطاعون الجارف كما أنبأ حضرته، وعلى حفاظة الأحمديين خاصة أيضا.

 

أعلاه صورة الجريدة التي تعلن أن عدد الوفيات في قاديان كان 35 شخصا .

 

 

أكاذيب المعارضين المتنوعة لم تصمد أمام الحقائق

لقد أعلن بعض الناس -وكان منهم محرر جريدة “بيسه”- كذبًا وزورًا أن أشخاصًا قد ماتوا في قاديان بالطاعون. لقد أماط المسيح الموعود عليه السلام اللثام عن كذبه في كتابه “نزول المسيح” قائلا ما تعريبه:

” أما ما كتبه محرر جريدة “بيسه” وغيره من المحررين المتسرِّعين، أنه قد حدثت إلى الآن سبع حالات من الإصابة بالطاعون في قاديان، فإن أقوالهم هذه تنطوي على ثلاثة أنواع من الأحداث:

أولا: الأقوال المبنية على الكذب والافتراء البحت. إذ قد نشروا دون أدنى مبرر أخبارا كاذبة بموت أشخاص لا يزالون على قيد الحياة، ولم يمرضوا ولم يصابوا بالطاعون قط؛ وهذا أشنع أنواع الكذب. وبارتكابه قد نالت جريدة “بيسه” حظا وافرا من الخيانة، وجرّحت بغير حق قلوبَ الأشراف والنبلاء من الناس. كان من واجب المحرر أن يفكر؛ ألن يصدم الحزن أقاربه إذا ما أُخبروا، خلافَ الواقع، أن السيد “محبوب عالم” محرر جريدة “بيسه” قد مات مصابا بالطاعون؟ ثم عليه أن يجيب لماذا كذب هذا الكذب الصريح، وإلامَ كان يهدف من ورائه؟ ولماذا آذى أشراف الناس بأكله نجاسة الزور؟ أليست ملعونةً حياةُ مَن يكذب بدافع البغض والضغينة بغير وجه حق؟ والواقع أن الذين أدخلهم المحرر بكل وقاحة في عداد الأموات ما مرضوا أصلاً وما أُخرِجوا من قريتهم ولا ليوم واحد. فمثلا نشرت جريدة “بيسه” عن أخي الكريم المولوي نور الدين أن إحدى قريباته قد ماتت بالطاعون، وأشاعت جريدة أخرى أنها كانت حماته، وأشاع بعض الخبثاء أنها كانت زوجته، مع أنه لم تمتْ بالطاعون لا حماته ولا زوجته ولا أحد من أقاربه، ولم يُنفَ أحدهم من القرية. فما أسوأَ هذا الخبثَ والخيانة بأن يُنَشر الكذب الصريح الذي لا أصل له في جريدة تُطبَع بالآلاف كل أسبوع!

… ثم كتب المحرر في العدد نفسه أن زوجة البواب “مولا” أيضا ماتت بالطاعون، مع أنها لا تزال حية تُرزق وموجودة في قاديان. فليفكّر كلُّ شخص في التصرف الذي قام به هذا المحرر، إذ شرع يعدّ الأحياء أمواتا. أليس نشر هذا النوع من الكذب الخطير بقلم المحرر وتجريح القلوب مما ينقض الأمن؟ يجب تقدير مدى إيذاء هذا الشخص القلوبَ البريئة ونشره الفساد في الناس بنشره أخبار الموت الزائفة في جريدته التي تطبع بالآلاف كل أسبوع…

ثانيا: وطريق الافتراء الآخرُ الذي اختارته الجريدة المذكورة هو أنها نشرت أسماء افتراضية وقالت إن الناس يموتون بالطاعون في قاديان، بينما لم يمت فيها شخص من هذه الأسماء. فمثلا كتب المحرر أن ابنة المدعو “مولا” ماتت بالطاعون، مع أن الشخص المذكور لم يُرزَق بابنة قط.

وكتب كذلك أن المدعو “صدرو” الحائك قد مات بالطاعون، بينما لا يوجد في قاديان حائك بهذا الاسم ليكون قد مات بالطاعون. لا ندري ما الذي خطر ببال هذا المحرر إذ سجل أسماء افتراضية وأدخلهم في قائمة الذين ماتوا بالطاعون…

 

ثالثا: طريق الافتراء الثالث الذي اختاره صاحب الجريدة هو أن بعض الناس قد ماتوا فعلا، ولكنهم ماتوا نتيجة سبب آخر وليس بالطاعون، ولكن صاحب الجريدة سجّلهم مخادعةً ووقاحة منه في عداد ضحايا الطاعون. فمثلا كتب في جريدته عن الزيّات “بدها” أن ابنه قد مات بالطاعون، مع أن أهل القرية كلهم يعرفون أنه مات بعضّة كلب مسعور؛ وكما هو معمول به في الدوائر الحكومية فقد أعِدَّت شهادة رسمية بوفاته ذُكر فيها تاريخ عضّ الكلب وغيره من البيانات…

ومن افتراءاته قوله بموت “نتهو” بالطاعون، مع أن هذا المسكين كان قد توفي قبل فترة طويلة بقدر الله إثر إصابته بالحمى لبعض الوقت. وقد ذُكر في السجل الحكومي أن سبب موته وموت البواب “مولا” كان الحمى فقط. (نزول المسيح، ص 10-14، الطبعة الأولى، الخزائن الروحانية ج18)

 

شهادات تاريخية محايدة عن الطاعون وعن فتكه بما يزيد عن 12 مليون شخص في ذلك الوقت

 

ورد في الموسوعة ويكيبيديا ما يلي:

الطاعون في الهند

انتشر الطاعون من الصين إلى شبه القارة الهندية في عام 1896م. وعلى مدى 30 سنة، حصد الطاعون الدبلي حياة 12.5 مليون شخص.

كانت بدايات الطاعون في المدن القريبة من الموانئ، ابتداءً من بومباي (الآن مومباي)، وظهر لاحقاً في بونا (الآن بون)، كولكاتا، وكراتشي (الآن باكستان).

بحلول عام 1899م، انتشر الوباء إلى مجتمعات أصغر والمناطق الريفية في شتى مناطق الهند. بشكل عام، أثر وباء الطاعون كان الأعظم في غرب وشمال الهند – في المناطق التي تم تسميتها لاحقاً ببومباي، بنجاب، والمناطق المتحدة – بينما شرق وجنوب الهند لم يتأثرا بتلك الشدة. في النهاية، أكثر من 12 مليون شخص ماتوا في الهند (بما في ذلك باكستان وبنغلاديش) والصين بسبب الطاعون الدبلي. (المصدر: ويكيبيديا)

 

اعتراضات على الطاعون والرد عليها

 

اعتراض 1: يدعي الخصوم أن الطاعون كان منتشرا في البنجاب قبل النبوءة عام 1898، حيث كان في أطراف البنجاب في هردوار، وقد جاءت هذه النبوءة بعد أن حدث الانتشار!

كذلك فإن الطاعون كان قد انتشر في بومباي من قبل النبوءة منذ عام 1896، ألم يكن متوقعا الوصول إلى البنجاب ما دام الطاعون موجودا؟

 

الرد:

بداية، لو كانت النبوءة قد أُعلنت بعد انتشار الطاعون، لسخر الخصوم من ذلك، ولما صمتوا. ولكن الواقع أن النبوءة قد سبقت الانتشار بما يقارب السنتين، وكان اكتساح الطاعون الفتاك قد بدأ في عام 1902 حيث قضي على مئات الألوف من الناس جراءه.

أما حدوث بعض حالات في هذه المناطق النائية مع بدايات عام 1898 فكان في حكم المعدوم، وحسب التوقعات الحكومية فإن انتشار الطاعون في البنجاب كلها وفتكها بالمقاطعة بتلك الصورة الرهيبة كان مستبعَدا جدا، رغم وجود هذه الحالات. ولقد أقر الخصوم بأنفسهم بأن النبوءة قد تحققت بصورة مذهلة.

 

لا بد من التأكيد على أن المسيح الموعود عليه السلام، بنفسه يقرّ ويعترف أن نبوءته جاءت في الوقت الذي كان الطاعون موجودا في البنجاب نفسها في مكان واحد أو اثنين. حيث قال:

“الآية السادسة والأربعون: هي أن الله تعالى أنبأني بتفشي الطاعون في البنجاب كلها، وذلك حين لم يكن له أي أثر إلا في مكان واحد في البنجاب. وقال تعالى إن الطاعون سيتفشى في كل منطقة، وتحدث وفيات كثيرة، ويكون ألوف من الناس صيدا للطاعون، وستخرب قرى كثيرة. وأُرِيتُ أغراس الطاعون السوداءَ قد زُرعتْ في كل مكان وفي كل محافظة. فنشرتُ هذه النبوءة في البلد كله عبر ألوف الإعلانات والمجلات. ثم تفشى الطاعون بعد فترة وجيزة في كل محافظة، ووصلت الخسائر في الأرواح إلى ما يقارب ثلاث مئة ألف شخص ولا تزال هذه الخسائر مستمرة. وقال الله تعالى إن الطاعون لن يزول من هذا البلد ما لم يغير الناس ما بأنفسهم. ” [حقيقة الوحي]

ويقول أيضا:

“لقد أُنبِئ بهذه النبوءة في زمن، أي في شباط 1898م، لم يكن فيه للطاعون أي أثر إلا في محافظتين من البنجاب فقط.” (انظروا جريدة “أخبار عام” 2 آب/أغسطس 1902م وقد نُشرت فيها هذه الشهادة الحكومية)

 

ولكن كون الطاعون قد بدأ في بومباي قبل النبوءة، أو قد وُجد في البنجاب قبل النبوءة بصورة مقيَّدة جدا، كل هذا لا يقدح في عظمة النبوءة؛ وذلك لأن هذه النبوءة تجلّت بعظمة وهيبة وقوة لا ينكرها أي عاقل. حيث إن الطاعون قد ضرب البنجاب بالذات أكثر من أي مكان آخر في الهند؛ فكانت البنجاب أكثر المقاطعات التي تضررت من هذا الطاعون، وبلغت عدد الوفيات فيها جرّاء الطاعون أربعة أضعاف المعدل العام لكل الهند. وليس هذا فحسب بل قد كان وباء الطاعون أشد فتكا في البنجاب من أي وباء آخر تفشى فيها مثل الكوليرا والملاريا والجدري. (يُنظر مقال: EPIDEMICS IN COLONIAL PUNJAB, 218  للمؤلفة ساشا تاندون)

 

وحتى فيما يتعلق ببداية انتشاره في بومباي أولا، فالعجيب أن حضرته كان قد أنبأ بذلك في نبوءة ضمنية تشير إلى تفشي الوباء في البلاد قبل تفشي الطاعون في بومبي بالفعل. فقد ذكر المسيح الموعود عليه السلام هذا الوباء في قصيدته العربية في كتاب حمامة البشرى منذ سنة 1894 أي قبل سنتين من تفشي الطاعون في بومبي والذي حدث في سنة 1896 حيث قال:

فلما طغى الفسق المبيد بسيله … تمنّيتُ لو كان الوباءُ المُتَبِّرُ

فإن هلاك الناس عند أولي النهى … أحبُّ وأولى من ضلال يُخسِّرُ

وقول حضرته عليه السلام هو بمنزلة نبوءة أو إرهاص لنبوءة الطاعون التي تنبأ بها بشكل تفصيلي سنة 1898. وقد أشار حضرته عليه السلام إلى علاقة هذه الأبيات الشعرية بنبوءة الطاعون في كتاب حقيقة الوحي عند حديثه عن الآية الحادية والسبعين. ومعلوم أن بومبي تبعد آلالاف الأميال عن البنجاب، وانتقاله وتفشيه في البنجاب منها وفقا لظروف المواصلات في ذلك الوقت كان مستبعدا جدا.

ثم، لقد كان بالإمكان قبول هذا الاعتراض لو أن الطاعون قد تفشى بشكل طبيعي في البنجاب كباقي المقاطعات والأوبئة الأخرى، أو بشكل عابر أقل مما هو في باقي المقاطعات والأوبئة الأخرى؛ ولكن تفشيه بهذه القوة والهيبة والجلال لدليل واضح على أن النبوءة ما كانت مجرد رجم بالغيب وتحققت صدفة؛ أو مجرد تلمّس المستقبل بناء على ما يحدث في الوقت الحالي؛ بل لا شك أنها من علّام الغيوب الذي ينذر قومه بواسطة مسيح آخر الزمان؛ فشهد الله تعالى بنفسه على صدق هذه النبوءة بتحققها بشكل غير اعتيادي مقارنة بباقي المناطق الهندية.

وكلمات النبوءة نفسها تؤكد هذا الأمر، فهي تتحدث عن غرس غراس الطاعون في البنجاب، مما يدل على أن الطاعون سيستوطن تلك المقاطعة، ويُحدث فيها دمارا كبيرا ولن يكون وقوعه فيها أمرا عابرا.

فكون النبوءة تتحدث عن البنجاب خاصة، وكونها تتحدث عن خراب شامل فيها جراء الطاعون، يدل في الحقيقة على أن المعنى الأساسي للنبوءة هو تفشي الطاعون والدمار والموت منه بشكل كبير ومميز؛ وهذا هو وجه الإعجاز الذي يضم في طياته العظمة والقوة والهيبة؛ وهذا بالفعل ما تحقق كما وضّحناه.

إضافة إلى ذلك فإن وجود الطاعون في مكان معين ليس بالضرورة أن يجعله يتفشى في كل البلاد. فعلى سبيل المثال فإن المناطق الشرقية والجنوبية من الهند لم يتفش فيها الطاعون بشكل كبير وجارف كما في باقي المقاطعات، وذلك لأن تفشي مثل هذا الوباء الذي يُنقل عن طريق لسعات البعوض للفئران والأشخاص، تعمل فيه عوامل عديدة مثل جغرافيا المنطقة والوضع البيئي فيها المؤثر على حياة وحركة البعوض والفئران، بالإضافة إلى طبيعة حياة الناس أنفسهم وتطور الاتصال ووسائل النقل في المنطقة واتصالها بأماكن أخرى من العالم المحيط بها (ينظر :SPATIOTEMPORAL MODELING AND MAPPING OF BUBONIC PLAGUE EPIDEMIC IN INDIA    للكاتبين هوا لونج يو وجورج كريستاكوس). فليس بالإمكان لمجرد وقوع بعض حالات الطاعون في البلاد، التنبؤ بانتشاره وتفشيه دون أن يكون الله عز وجل هو المنبئ بهذا الأمر. لذا فإن اعتراض المعارضين مبني على فرضية واهية وهي أن وجود حالات الطاعون الأولية لا بدّ أن تؤدي إلى تفشي الوباء في كل المناطق المجاورة؛ إلا أن هذه الفرضية خاطئة أصلا ولا تستند إلى فهم كامل لطبيعة تفشي هذه الأوبئة.

هذا ناهيك عن كون انتشار الطاعون في شمال بومباي وجوارها قبل النبوءة في شباط 1898 كان موسميا، فيشتد تارة ويخف تارة أخرى. فلو كان انتشاره مطّردا لكان بإمكان أي شخص التنبؤ رجما بالغيب بحتمية انتشاره إلى المناطق الشمالية المجاورة لبومباي بما فيها البنجاب؛ إلا أن الأمر لم يكن بهذه الصورة. فكون انتشاره موسميا ومتقطعا؛ يجعل من إمكانية التكهن بتفشيه في البنجاب بشكل جارف صعبة بل ومستحيلة؛ حيث كان بالمقابل من الممكن التنبؤ بإمكانية زواله كلية، بسبب خُفوته في بعض الأوقات. (يُنظر المصدر السابق)

إذن، فالمسيح الموعود عليه السلام لا ينكر كون الطاعون موجودا في البنجاب وقت النبوءة، غير أن الإعجاز في النبوءة هو تحقق التفشي والدمار الهائل والمميز والذي هو أمر ليس مفهوما ضمنا وحتميا إذا وقع الطاعون في منطقة او اثنتين مجاورتين.

 

اعتراض 2: يدعي الخصوم أن المسيح الموعود عليه السلام قد تنبأ بأن الهلاك سيصيب الأحمديين أكثر من غيرهم، وقد حذرهم من ذلك. وعدم موت الأحمديين بهذه الكثرة إنما يدل على أن النبوءة قد تحققت عكسيا!

الرد:

من السخف في الواقع تقديم هذا الاعتراض، فالنصوص القطعية عن حماية الأحمديين خاصة كثيرة بحيث تكون هذه آية للناس، وهذه الأنباء كانت معروفة، وكانت سببا لانضمام عشرات الآلاف للجماعة في ذلك الوقت ممن سماهم المسيح الموعود عليه السلام بالطاعونيين على سبيل الطرفة، لأنهم قد آمنوا بسبب هذه الآية.

 

أما الاعتراض الذي يقدمونه فهو مبني على النص التالي:

 

يقول عليه السلام: “يجب على جماعتنا ألا تكتفي بالادعاء فقط ولا تعتزّ بالبيعة فحسب، بل عليهم أن يُحدثوا في أنفسهم تغيرا. لقد تفشى الطاعون مرارا في جيش موسى عليه السلام، ولا بد أن يكون الأعداء مسرورين، ولكن كم واجه موسى من الندم. لقد ورد أن ثمانين ألفا ماتوا نتيجة دعاء بلعام عليهم. لا شك أن الناس الآخرين أيضا كانوا مذنبين، ولكن المسؤولية على قوم موسى حينذاك كانت مضاعفة. قليل ما هم الذين يطهّرون قلوبهم”. (الملفوظات ج 4 الطبعة القديمة ص 68-69)

 

وفي هذا النص نصح الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام جماعته لإحداث تغيير طيب في أنفسهم، كما هي عادة الأنبياء. فقد قال القرآن الكريم أن من واجبات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه: ]يزكّيهم[ (آل عمران: 165)، وجاء في سورة الأعلى: ]قد أفلح من تزكّى[، ولم يقل: قد أفلح من بايع فقط.

كذلك يتبين من مطالعة سِير الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم أن كل نبي نصح قومه للالتزام بالاستغفار والتوبة، كذلك نصح المسيح الموعود عليه السلام أتباعه لخلق تغيير حسن في أنفسهم، وقال ضاربا مثل تفشي الطاعون في قوم موسى عليه السلام إنه لو لم يعمل المؤمنون بنبي بتعليمه لأمكن أن يحل بهم العذاب.

لقد قال المسيح الموعود عليه السلام: “يجب على جماعتنا ألا تكتفي بالادعاء فقط ولا تعتز بالبيعة فحسب بل عليهم أن يُحدثوا في أنفسهم تغيرا”. وإذا لم يحدثوا في أنفسهم تغيرا فإنهم لن يعدوا حقا من جماعة المؤمنين وبالتالي لن ينجو.

ومضمون هذا الكلام لا يفيد بأن احتمالية أن يموت من الأحمديين أكثر من غيرهم، بل كان حضرته يحذِّر وينبه لأهمية الالتزام.

 

 

اعتراض 3: يدعي الخصوم أن المسيح الموعود عليه السلام قد نهى عن التداوي من هذا الوباء، ومنع منه جماعته! وأن الذي يتداوى متجاسرٌ ووقح ٌويستحق غضب الله تعالى!

 

الرد:

لم ينْهَ حضرته عن التداوي مطلقا، بل هو بنفسه بعد النبوءة وقبل انتشار الوباء كان قد أعدّ دواء لعلاج هذا المرض باسم “الترياق الإلهي”، وكان إعداده مكلفا جدا. كما قد أثنى على جهد الحكومة في الوقاية والعلاج من هذا المرض. أما الذي امتنع عنه المسيح الموعود عليه السلام فهو التطعيم له ولأفراد جماعته، وكان هذا استثناء خاصا برره ووضحه بأنه لو تطعّم فسيحدث لبسٌ في الآية، لأن الله تعالى قد وعده بحفاظته وجماعته من الطاعون. ولم يكن حضرته ضد التداوي عموما، بل قد بيَّن في كتبه أن عدم التداوي وعدم اتخاذ الأسباب معصية.

 

أما النص الذين يبنون عليه اعتراضهم المشوه فهو:

“الطاعون الحالي ليس مرضا بل جاء لتقويم الناس، فلا تقوِّموا أنفسَكم بتقويمه بل قوِّموها بتقويم الله، تبرَّأوا من الشرك. يعترض بعض الناس ويقولون بأن الفقراء فقط هم الذين يموتون. هذه شقاوة أخرى إذ يعترضون بدلاً من أخذ العبرة. يقول البعض إنه مرض فحسب ولا علاقة له بالصلاة والصوم والأعمال الحسنة أو السيئة، ويجب علاجه عند الأطباء. فقد بلغ تجاسرهم هذا الحد. الحق أن الطاعون مرآة الله تعالى وسيُري الله وجهه من خلالها.”

 

لم يقل حضرته فيه أن الذي يُقدم على علاج الطاعون فهو متجاسر أو وقح، بل أثنى على علاج الطاعون الذي بدأت به الحكومة، فقال في ذكر مصل الطاعون الذي أقدمتْ عليه الحكومة: “لا ريب أن أعظم وأفضل ما استطاعت هذه الحكومة تدبيره في عالم الأسباب حتى الآن هو هذا المـَصْل، ولا ريب أن التجارب قد أثبتت نفْعَ هذا التدبير”. (سفينة نوح، ص 1، الطبعة الأولى، الخزائن الروحانية ج19)

وما عدّه عليه السلام تجاسرا هو كالتالي: “يقول البعض إنه مرض فحسب ولا علاقة له بالصلاة والصوم وعمل الحسنة أو السيئة، ويجب علاجه عند الأطباء. فقد بلغ تجاسرهم هذا الحد.” (الملفوظات ج4، ص 233)

فقد عدّ عليه السلام تجاسرا سلوكَ المعارضين الذين يقولون إنه لا علاقة للطاعون مع الصلاة والصوم والحسنة أو السيئة، بل يجب التوجه إلى العلاج على يد الأطباء ولا حاجة إلى ترك الذنوب ولا حاجة إلى التوبة والاستغفار. فيقول حضرته عليه السلام أن علاجه الحقيقي هو تركُ الذنوب والتوبةُ والاستغفارُ، وخلقُ تغيير حسن في القلوب، والإنابةُ إلى الله تعالى. والذي يقول بالعلاج الطبي فقط دون الإنابة إلى الله تعالى فهو يرتكب الجسارة.

 

اعتراض 4: ورد في الحديث الشريف {الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (صحيح البخاري، كتاب الأذان)، وفيه أن المطعون أي الذي يموت بمرض الطاعون شهيد. ويقول المعارضون أن المسيح الموعود عليه السلام لم يعدَّ المطعون شهيدا، بل اعتبر الطاعون عذابا ورجزا على المذنبين، وبذلك فقد استخف بهذا الحديث الوارد في صحيح البخاري!

 

الرد:

لم يعارض حضرته عليه السلام الحديث ولم يخالفه ولم يستخفّ به، فهذا الحديث هو عن المؤمنين الذين يموتون بالطاعون أو بأمراض البطن أو بالغرق أو بالهدم، وليس عن كل من يموت بهذه الطريقة سواء كان مؤمنا أو كافرا أو صالحا أو مجرما.

وما يؤكد ذلك وجود أحاديث أخرى في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعم كلامه عليه السلام حيث جاء: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ). (صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار)

وجاء :

(عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ). (صحيح البخاري؛ كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار)

وجاء :

)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ). (صحيح البخاري؛ كتاب الحج؛ باب لا يدخل الدجال المدينة)

فكل هذه الأحاديث النبوية تبين هي الأخرى بأن الطاعون عذاب ينزله الله بالكفار ، فلنا أن نسأل هنا هل استخف الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي قاله هو بنفسه ويعرضه المعارضون؟ أو هل ناقض نفسه والعياذ بالله؟

إذن، فالقضية متعلقة بمن ينزل عليه الطاعون، ففي الوقت الذي يكون فيه الطاعون عذابا للكافر على معاصيه، فإنه قد يكون ابتلاء للمؤمن يرفعه إلى درجة الشهادة.

 

فالمؤمن المطعون في الجنة، وليس لعاقل أن يعتقد أن الذين صاروا عرضة لعذاب الله نتيجة معارضتهم الأنبياء كانوا شهداء؟ وكذلك وُصف صاحب الهدم أيضا شهيدا، ولكن لن يعتقد عاقل أن معارضي الأنبياء الذين هلكوا تحت الأنقاض نتيجة الزلازل كلهم كانوا شهداء.

يتبين من القسم الخامس للشهيد في سبيل الله في الحديث المذكور هو أن يكون المرء مؤمنا لينال أية مرتبة من الشهادة المذكورة في الحديث الشريف، وإلا فإن جميع الهالكين بعذاب الله تعالى من معارضي الأنبياء سواء كانوا من المطعونين أو المبطونين أو الغرقى سيعدون شهداء، والحق ليس الأمر كذلك بل هم حصب جهنم حتما.

يقول حضرته عليه السلام:

“أرى أن الموت العالمي الذي يحل هكذا لا علاج له قط إلا صقل الإيمان واليقين. هذا الطاعون ليس شيئا أرضيا لتعالجه الأرض، بل إنه ينـزل من السماء ولا يمكن أن يحول دونه أحد. إنه رجزٌ من السماء. وقد تفشى في أزمنة الأنبياء السابقين أيضا كآية عذاب. إذًا، إن علاجه هو أن تبلّغوا إيمانكم غايته العليا وتَصالحوا مع الله تعالى قبل حلوله واستغفروه وتوبوا إليه، وأكثروا من الدعاء. ليس للطاعون دواء. الدواء ممكن للمرض ولكن الطاعون عذاب الله وغضبه. فما علاجه إلا التقوى؟ اعلموا أنه إذا كان في البيت تقيّ واحد ينقذ الله البيت كله. بل إذا كانت تقواه كاملة لأمكن أن يكون شفيعا لحارته كلها. ولو مات المتقي لدخل الجنة مباشرة. أما في هذا الوقت حين كان الموت نموذج غضب الله وينـزل على الأرض كآية لا يشهد قلبي قط أن يموت المتقي بهذا الموت بالخزي، بل المتقي سينقَذ حتما.

لقد نصحتُ جماعتي مرارا ألا يعتمدوا على مجرد البيعة. لن تنالوا النجاة ما لم تصلوا إلى حقيقتها. الصابر بالقشر يُحرم من اللُبّ. إن لم يكن المريد ملتزما لن ينفعه صلاح المرشد. فإذا وصف الطبيب وصفة واحتفظ بها المريض في الخزانة لن تنفعه قط لأن الفائدة إنما تتحقق نتيجة العمل بما هو مكتوب عليها ولكنه حرم نفسه منها. اقرأوا “سفينة نوح” مرارا واعملوا بما ورد فيه.] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[ هناك آلاف اللصوص والزناة ومرتكبو المنكرات وشاربو الخمر والأشرار الذين يدّعون أنهم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هل هم كذلك بالفعل؟ كلا، ليس من أمته إلا من يلتزم بتعاليمه تماما.

الطاعون الحالي ليس مرضا بل جاء لتقويم الناس، فلا تقوِّموا أنفسَكم بتقويمه بل قوِّموا أنفسكم بتقويم الله، تبرَّأوا من الشرك. يعترض بعض الناس ويقولون بأن الفقراء فقط هم الذين يموتون. هذه شقاوة أخرى إذ يعترضون بدلا من أخذ العبرة. يقول البعض إنه مرض فحسب ولا علاقة له بالصلاة والصوم وعمل الحسنة أو السيئة، ويجب علاجه عند الأطباء. فقد بلغ تجاسرهم هذا الحد. الحق أن الطاعون مرآة الله تعالى وسيُري الله وجهه من خلالها. اعلموا أن الله لم يسمِّ الطاعون رحمة حتى يُعَد الهالك به شهيدا، هذا الزمن هو زمن التحدي وقد جاء الطاعون كآية ولن يزول إلا بعد أن يميّز بين المؤمن وغيره. اسمه رجزٌ، وقد سُمّي غضبا في إلهامي أيضا. وقد ورد الخبر عنه في القرآن الكريم قبل 1300 عام: ]أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ….[ أي عندما يحلّ زمن الضلال يكون عندئذ إيمان الناس بالله تعالى كلعبة الأطفال فقط، عندها نُخرج لهم دابّة تكلِّمهم. باختصار، هذا الطاعون غضب من الله ولاجتنابه يجب على كل واحد أن يهتم بنجاته بنفسه”. (الملفوظات ج4، الطبعة القديمة، ص 233-233)

 

 

الحديث من صحيح البخاري الذي أشار إليه المعترضون جاء فيه: ” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ. (صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير)

 

إن المسيح الموعود عليه السلام لا يعارض ما ورد في صحيح البخاري ولا علاقة لتلك العبارة من حيث مضمونها مع الحديث المشار إليه لأن المسيح الموعود عليه السلام ذكر هنا طاعونا تفشى في زمنه هو وحلّ بمعارضيه هو بصورة عذاب بحسب نبوءات الأسفار السابقة والقرآن الكريم ونبوءات رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن هذا الطاعون – بالذات- قال عليه السلام: “اعلموا أن الله لم يسمِّ الطاعون رحمة حتى يُعَد الهالك به شهيدا”.

لقد عُدّ كل غريق شهيدا في حديث صحيح البخاري، فهل هذا يعني أن معارضي سيدنا نوح عليه السلام الذين هلكوا غرقا في الطوفان كانوا شهداء كلهم؟ وقد هلك فرعون وجيشه غرقا، فهل كانوا كلهم شهداء؟

لقد اعتُرض ذات مرة أن بعض الناس يقولون إن الطاعون ليس عذابا من الله بل الموت به شهادة فقال المسيح الموعود عليه السلام:

“الشهادة تكون للمؤمن الذي يكون قد ضحى بنفسه في سبيل الله سلفًا، فموته شهادة في كل الأحوال. ولو كان كل مَن يموت بالطاعون شهيدا كقانون عام فهل كل من يموت بالطاعون من الصعاليك والهندوس والآريين والنصارى والملحدين بالآلاف حائزون على مرتبة الشهادة؟ باختصار، إن الشهادة هي مرتبة للمؤمنين الذين كرّسوا حياتهم سلفا في سبيل الله. لقد حلّ عذاب الطاعون في زمن موسى أيضا بمعارضيه، كذلك حلّ العذاب نفسه بعد عيسى عليه السلام أيضا على أعدائه، والآن أيضا أنزل الله تعالى هذا العذاب كآية.” (الملفوظات، ج 9، الطبعة القديمة ص 194-195)

 

 

اعتراض 5: يقول المعترضون إن المسيح الموعود عليه السلام قد جعل الطاعون عذابا وأمرا مخزيا لا يمكن أن يمسّ المؤمنين من الدرجة العليا، وبهذا فقد أساء لكبار الصحابة الذين ماتوا بالطاعون كمثل أبي عبيدة رضي الله عنه الذي كان أحد العشرة المبشرين بالجنة!

 

الرد:

هذا ليس صحيحا على الإطلاق، فلم يسئ حضرته عليه السلام للصحابة الذين ماتوا بالطاعون، ولم يعتبر هذا علامة على تدني مستواهم الروحاني. بل كل ما في الأمر هو أن هناك بعض الأمور التي لا تصيب فئة خاصة جدا؛ وهم الأنبياء والخلفاء وبعض كبار الصحابة والأولياء، لأن هؤلاء يحظون بعصمة خاصة، وسيعرفون بها عند هذه البلايا. ولكن لا يعني ذلك أنها لو أصابت بعض الصحابة الكبار فهذا يعني أن منزلتهم دنيا، وخاصة لو كانت منزلتهم قد حددها النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليهم، بل ممن مات بالطاعون أحد كبار الصحابة الذي هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، ولكنه قطعا كان أدنى مرتبة من عمر رضي الله عنه  الذي كان الخليفة، ومن عثمان وعلي رضي الله عنهما اللذين أصبحا خلفاء فيما بعد.

والواقع أنه يتبين من القرآن الكريم أن الله تعالى ذكر أن للمؤمنين مراتب مختلفة كما في قوله تعالى: ]فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ[ (فاطر 33)

وقال في آية أخرى: ]وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[ (النساء 70)

ففي هذه الآيات قسم اللهُ تعالى عباده الأحباء والكمّل في درجات مختلفة، ويتبين من ذلك أن جميع العباد لا يدخلون في فئة واحدة بل يُصنَّفون في فئات مختلفة. وبعد هذا التمهيد نقدم مرة أخرى مقتبسا من كلام المسيح الموعود عليه السلام، فقد ورد تحت عنوان “الطاعون والأحمديون”:

عندما ذكر شيخ متعنت الطاعونَ وقال للمسيح الموعود عليه السلام: لماذا يموت أتباعك، وما علاج ذلك، قال عليه السلام: إن يؤمن إيمانا كاملا سوف يُنقَذ حتما، ولكني لا أدري مَن هو المؤمن الحقيقي. أنا لا أشق صدور الناس لأرى ما فيها. لقد استُشهد حزب من الصحابة أيضا بالطاعون، ولكن لم يمت به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. لقد وضع الله تمييزا بين عباده كما يقول: ]فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ[ (فاطر: 33). (الملفوظات ج7، الطبعة القديمة ص 141)

هذا الكلام لحضرته عليه السلام يعود إلى 21/8/1904م، وقد ذكر فيها فئتين من الصحابة y. فئة تضم الخلفاء الراشدين، وفئة أخرى تشمل الصحابة العاديين. ويقول عليه السلام في هذا المقام أنه لا شك أن الصحابة العاديين استشهدوا بالطاعون، ولكن الخلفاء الراشدين كلهم حُفظوا منه، لأن الله تعالى يضع تمييزا بين عباده. وليس هناك أدنى إساءة أو سخرية من أيّ صحابي أو حتى من أيّ شخص غيرهم. الكلام واضح وصريح تماما ولا تترشح منها أية إساءة إلى الصحابي أبي عبيدة رضي الله عنه.

لقد بيّن المسيح الموعود عليه السلام هذا الموضوع في مكانَين آخرين أيضا ونقدّمهما من أجل توضيح موقف المسيح الموعود عليه السلام، فقد جاء تحت عنوان: “الموت بالطاعون”:

“إن اعتراض معارضينا بأنه لماذا يموت أفراد جماعتنا بالطاعون لا يصح بأيّ حال. لم أتنبأ قط أنه لن يصاب بالطاعون قط من بايع على يدي، غير أنني أقول بأن الناس من الطبقة الأولى لا يموتون بهذا المرض، فلم يمت بالطاعون نبي أو صدّيق أو وليّ قط. لقد تفشى الطاعون في عهد عمر رضي الله عنه، ولكن هل أثّر في عمر رضي الله عنه؟ لم يصب به أحد من الصحابة العظام أيضا. لقد خلا مئة وأربعون ألفا من الأنبياء، فهل لأحد أن يقول بأن أحدا منهم مات بالطاعون؟ غير أنه مما لا شك فيه أن بعض المؤمنين من الطبقة الأدنى يصابون بمثل هذا المرض، ولكنهم يكونون شهداء. وبذلك يغفر الله تقصيراتهم وذنوبهم كما فعل في الحروب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار. فمع أنه كانت هناك نبوءة سلفا أن الكفار يُلقَون في الجحيم نتيجة هذه الحروب، ولكن قُتل فيها بعض المسلمين أيضا، ولم يُستشهَد أحد من الصحابة من الطبقة العليا مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يُستَشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. يتبين من هنا أن الناس من الدرجة العليا لا يشتركون في الشهادة في مثل هذه الحروب. كذلك لو أصيب أحد من جماعتنا بالطاعون فيكون شهيدا وسيعطيه الله أجره.” (الملفوظات ج 9، الطبعة القديمة، ص283-284)

تاريخ هذا المقتبس يعود إلى 5/5/1907م، والتدبر فيه يكشف أن المسيح الموعود عليه السلام ذكر فيه فئتين، فئة تضم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر (أي الخلفاء الراشدين) y، وفئة ثانية ذكر فيها الصحابة الآخرين. وقد ذكر عليه السلام هنا الفئة الأولى أي الطبقة العليا أو “من الدرجة العليا”، وذكر الفئة الثانية بتعبير: “الطبقة الدنيا”.

يتبين من كلام المسيح الموعود عليه السلام المذكور آنفا أنه لم يطعن قط في حمزة بن عبد المطلب والإمام الحسين وأبي عبيدة بن الجراح y ولم يرتكب أية إساءة في حقهم، وليس في الكلام المذكور أدنى إشارة إلى الإساءة إلى أيّ صحابي قط. بل الكلام واضح تماما وقد وُصف فيه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من الطبقة العليا، ووُصف بقية الصحابة y من الطبقة الدنيا. وهذه ليست بقسمة ضيزى ولا غير مفهومة قط. فمكانة الصحابة الآخرين كلهم لا تساوي مكانة الخلفاء الراشدين. والأهم من ذلك أن حضرته عليه السلام يعتبر كل هؤلاء الصحابة الذين ماتوا بالطاعون شهداء كالأحمديين الذين ماتوا بالطاعون أيضا.

.

“الصغير والكبير” أو الأعلى أو الأدنى تعبيران نسبيان. فمثلا عندما يكون الكلام عن الله وعن الإنسان فالله تعالى كبير والإنسان صغير. وعندما يكون الكلام عن الله تعالى والأنبياء الكرام فسيكون الله تعالى كبيرا والأنبياء يُعدّون صغارا.كذلك عندما يكون الكلام عن الأنبياء الكرام والناس العاديين فيُعدّ الأنبياء كبارا والناسُ العاديون صغارا. كذلك عندما يكون الحديث عن الصحابة y فإن الخلفاء الراشدين الذين جعلهم الله تعالى أئمة وقدوة للصحابة الآخرين فإنهم يُعَدّون كبارا مقارنة مع غيرهم من الصحابة لكونهم تحت إمرتهم.

ويقول عليه السلام في كتابه المنيف “حقيقة الوحي”:

“لم يمت نبي بالطاعون منذ أن خُلقت الدنيا. نعم، يمكن أن يموت به أحيانا بعض المؤمنين الذين ليسوا خلوًا من الذنوب، فيكون هذا الموت كفارة لذنوبهم. وهذا نوع من الاستشهاد لهم. ولكن لم يسمع أحد قط أن أحدًا أُصيب بالطاعون مع كونه موسى. ومن اعتقد أن نبيا أو خليفة الله مات بالطاعون فهو خبيث ونجس وسيئ من الدرجة القصوى. فلو كانت هذه الشهادة محمودةً ولا يقع عليها اعتراض لكان الأنبياء والرسل أول المستحقين لها. ولكن كما بيّنا قبل قليل لا يسع أحدا إثبات أن نبيا أو رسولا أو أحدا من أصفياء الله من الدرجة الأولى الحائز على مكالمة الله ومخاطبته مات بهذا المرض الخبيث منذ أن خُلقت الدنيا. إن أول المعرَّضين لهذا المرض دائما هم مرتكبو أنواع المعاصي والفجور أو الكافرون الذين لا إيمان لهم. ولا يجيز العقل قطعا أن يصاب أنبياء الله ورسله والملهَمون أيضا بالمرض الذي قدّره الله لمعاقبة الكفار منذ القِدم. لقد أجمعت التوراة والإنجيل والقرآن الكريم على أن الطاعون ينـزل لمعاقبة الكفار دائما، وأن الله تعالى قد أهلك مئات الألوف من الكفار والفساق والفجار بالطاعون دائما كما يتبين من كتب الله والتاريخ. والله تعالى أعلى وأسمى من أن يُنـزِّل على عباده المقدسين العذاب والبلاء الذي قدّره للكفار منذ القِدم، وأن يسلط على أنبيائه المصطَفَين بلاءً مات به آلاف الفساق والفجار في عهود الأنبياء دائما.” (حقيقة الوحي، ص107، الطبعة الأولى، الخزائن الروحانية ج 22)

ثم يقول عليه السلام: “يتبين من القرآن الكريم والتوراة أن الطاعون علامة غضب الله ولا يصيب المؤمنين والأصفياء من الدرجة الأولى. ولا يمكن لأحد أن يثبت أن أحدا من الأنبياء والصديقين قد أصيب به في زمن من الأزمنة الخالية، لأن هذا رجز من الله وينـزل عقابا على الكفار والفساق والمصرّين على الذنوب فقط، ولا يُشارَك الأصفياء في هذا العقوبة قط”. (المرجع السابق، ص126).

 

وأخيرا نقول، إن كلام حضرته  عليه السلام كان في سياق الحض على الترقي في الروحانية، عسى أن ينال الإنسان مقاما محمودا ويحظى بهذه العصمة، ولا يمكن أن يُفهم كلام حضرته عليه السلام بالصورة التي حاول المعارضون المغرضون عرضها به.

 

 

اعتراض 6: يقول المعارضون إن المسيح الموعود عليه السلام قد قال إن عدد الأحمديين سيزداد نتيجة لهذه الآية وعدد غير الأحمديين سينقص، وهذا لم يتحقق!

 

الرد:

يمكن لمن يملك شيئا من العقل أن يدرك أن وصول عدد الجماعة إلى أربع مئة ألف في بضعة أعوام حين كان الطاعون يحصد مئات آلاف الناس، ومقابل ذلك هلاك مئات آلاف المسلمين الآخرين أو انضمامهم إلى الجماعة دليل بيّن على صدق المسيح الموعود عليه السلام.

لقد ذكر المسيح الموعود عليه السلام في 28/8/1904م تعرُّض المعارضين للطاعون، وذكر جماعته أيضا فقال:

“أما المعارضون فقد واجهوا خسارة مضاعفة إذ قد دخل بعضهم القبور وبعضهم جاؤوا إلينا. وإذا واجهنا خسارة بسببه لهلكت نهائيا جماعتي التي كانت صغيرة وقليلة العدد سلفا ولما عرفها أحد اليوم. يجب على المعترض أن ينتبه إلى هذه الأحداث ثم يرى هل تبقى لاعتراضه أدنى أهمية؟” (الملفوظات ج7، ص 161)

ملاحظة: المسيح الموعود عليه السلام لم يقل في أي مكان أن عدد غير الأحمديين سينقص مقابل عدد الأحمديين ولم يقل أن عدد الأحمديين سيربو على عدد غير الأحمديين الإجمالي، بل قال إن عدد غير الأحمديين سينقص وعدد الأحمديين سيزداد رويدا رويدا. فهل ازداد عدد غير الأحمديين أو قلَّ نتيجة هلاك مئات الآلاف منهم بالطاعون؟ وهل ازداد عددهم أو قلّ نتيجة انضمام مئات الآلاف من المسلمين إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ وهل ازداد عدد الجماعة الإسلامية الأحمدية أو قلّ بعد انضمام مئات آلاف المسلمين إليها؟

 

اعتراض 7: يقول المعارضون إن المسيح الموعود عليه السلام أنبأ أن الطاعون سيمتد ويستمر، فمما قاله في مواهب الرحمن: “فالحاصل أن الطاعون قد لازم هذه الديار ملازمة الغريم، أو الكلب لأصحاب الرقيم. وما أظنّ أن يُعدَم قبل سنين، وقد قيل: عمر هذه الآفة إلى سبعين.”

وقال في الملفوظات “وإن صولات الطاعون تمتد إلى سبعين عاما أيضا.”

كذلك قال عليه السلام: “أرى أن جولة الطاعون تمتد إلى سنوات تساوي أعداده بحساب الجُمّل.” (الملفوظات، ج 4، ص80) كيف نفهم النص.. خاصة أن تاريخ هذا المقتبس يعود إلى 18/10/1902م، وكلمة طاعون بحساب الجمل 136 سنه يعني أن الطاعون سيستمر 136سنة أي يجب أن يكون مستمرا الآن وحتى سنة 2038، فكيف ذلك؟

 

الرد:

 

المقتبس الأول المأخوذ من كتاب “مواهب الرحمن” الذي نُشر في يناير عام 1903م.

“ثم بعد هذا عَمَّ الطاعون طوائفَ هذه البلاد، ووقع الناس صرعى كالجراد، وافترسهم هذا المرض كالأسد الغضبان، أو كذئب عائث في قطيع الضأن. وكم من دار خربت وصال الفناء على أهلها، والأرض زُلزلت وصبّت الآفة على وعرها وسهلها. وما ترك هذا الداء مقاما بل جاب الأقطار، وتقصَّى الديار، ووطّأ البدو والحضر، وأدرك كل من حضر، وما غادر أهلَ حُللٍ ولا أطمار، ودخل كل دارٍ، إلا الذي عُصم من رب غفار. وكذلك حضر أفواج منهم مأدبة الطاعون، ورجعوا بمائدة من الـمنون، وجاؤوا كأضياف دار هذا الوباء، فقدّمت إليهم كأس الفناء.

فالحاصل أن الطاعون قد لازم هذه الديار ملازمة الغريم، أو الكلب لأصحاب الرقيم. وما أظنّ أن يُعدَم قبل سنين، وقد قيل: عمر هذه الآفة إلى سبعين. وإنها هي النار التي جاء ذكرها في قول خاتم النبيين، وفي القرآن المجيد من رب العالمين، وإنها خرجت من المشرق كما رُوي عن خير المرسلين، وستحيط بكل معمورة من الأرضين، وكذلك جاء في كتب الأولين، فانتظر حتى يأتيك اليقين. فلا تسأل عن أمرها فإنه عسير، وغضبُ الرب كبير، وفي كل طرف صراخ وزفير، وليس هو مرض بل سعير. وتلك هي دابّة الأرض التي تكلّم الناسَ فهم يجرحون، واشتد تكليمها فيُغتال الناس ويُقعَصون بما كانوا بآيات الله لا يؤمنون، كما قال الله تعالى: ]وَإِن من قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَومِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا[،فكذلك تشاهدون..” (مواهب الرحمن، الطبعة الأولى، ص 26 إلى 28، الخزائن الروحانية مجلد 19)

 

والمقتبس الثاني هو كما يلي مع السياق: “ذُكر أحد المشايخ من أمرتسر بأنه يقول: لا بأس إذا انقضت سنة، ولنر ماذا سيحدث في المستقبل؟ فقال عليه السلام: هو يقول سنة واحدة، أما أنا فواثق أن وعد الله حق وصدق تماما وأن صولات الطاعون تمتد إلى سبعين عاما أيضا، فلينتظر ولير ماذا سيحدث، ونحن معه من المنتظرين. إذا كان قد تلقّى خبرا من الله بحقي فلينشره، أما أنا فقد نشرتُ ما أخبرني الله ويعلم العالم كله.” (الملفوظات، ج 7، ص17)

وبيان الأمر: إن تاريخ الكلام المذكور آنفا يعود إلى 9/5/1904م، ومدة سبعين عاما توحي بشيء آخر تماما فيما يتعلق بالأوبئة. إن معنى الطاعون بحسب معجم عربي معروف “المنجد” هو: الطاعونُ: الوباء، المعروف أو الموت من الوباء. (انظر: تحت مصدر: طعن)

كذلك ورد في الصحاح: والطاعونُ: الموت الوَحِيُّ من الوَباء.

وبالمناسبة نذكر بدءا من عام 1905م إلى يومنا هذا الأوبئة والآفات التي حدثت. ولكن قبل التطرق إلى تفاصيل تلك الأوبئة نظن أن ذكر وباء الهيضة التي تفشت في اليمن سيزيد المشاهدين إيمانا. لقد بدأ هذا الوباء بالانتشار في أوائل آذار عام 2017م. وقد تفشى بصورة رهيبة لدرجة أصيب به إلى الآن أكثر من ثلاثمئة ألف نسمة وقد صار فريسته 1706 شخصا. فقد نُشر عن هذا الوباء مقال في موقع جريدة بريطانية Independent تحت عنوان:

Yemen cholera epidemic: 300,000 cases confirmed but vaccine plans ‘on hold

وجاء فيه ما يلي:

More than 300,000 people are now infected with cholera in Yemen, a burgeoning health crisis adding to the war, famine and state  collapse currently facing the country.

The UN’s aid coordination agency confirmed this week there are now 313,000 cases and 1,706 deaths across Yemen’s 22 provinces since the outbreak began in March.

(http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/yemen-cholera-epidemic-300000-cases-confirmed-vaccine-plans-un-ocha-who-civil-war-a7837406.html)

والآن نقدم تفاصيل بعض الأوبئة التي أحدثت دمارا شاملا في العالم في القرن العشرين وحصدت الناس حصدا.

الطاعون:

لقد تفشى الطاعون في الصين في فترة بين 1901م إلى 1912م وأودى بأربعين ألف نسمة. وتفشى في الصين مرة أخرى في عام 1946.

وتفشى في الهند عام 1994م وهلك به 52 شخصا. https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_epidemics#20th_century)

وتقول بعض التقارير أن عدد الذين هلكوا بسبب الطاعون في عام 1907م فقط قد بلغ قرابة مليون شخصا.

ومن عام 1919م إلى 1928م كان عدد الوفيات هو مئة وسبعون ألفا سنويا. ومن 1929 إلى 1938 كان عدد الوفيات 92000 سنويا. ومن 1939 إلى 1948 كان عدد الأموات هو 22000 سنويا. ومن عام 1948 إلى 1953 46000 سنويا. وقد ظل من ألف إلى ثلاثة آلاف شخص يصابون بالطاعون في العالم كل عام، ومات به قرابة 200 شخص كل عام. إن أكثر البلاد المتضررة بالطاعون في هذه الأيام هي أمريكا الشمالية والجنوبية، وآسيا الجنوبية، وأفريقيا الشرقية. وأكثر حالات الإصابة حاليا تحدث في أفريقيا.

(Encyclopedia Britannica under word: Plague edition: 2016)

وتفشى الطاعون في عام 2003م في الجزائر، وفي 2006م في كونغو، وفي 2014م في مدغشقر.

(https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_epidemics#21st_century)

الإنفلونزا:

لقد تفشى هذا الوباء في العالم كله بين فترة 1918م إلى 1920م، ومات بها 75 مليون شخص.

ثم تفشى في عام 1957 و1958م في العالم كله ومات به مليونَي شخص.

ثم عاود انتشاره في 1958 و 1959م في العالم كله ومات بها مليون شخص.

وفي عام 1972م- 1973م تفشى هذا الوباء في أميركا.

https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_epidemics#20th_century

وفي عام 2009م انتشرت الإنفلونزا في العالم كله وهلك بها 14286 شخصا.

(https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_epidemics#21st_century)

الملاريا: في القرن العشرين مات بهذا الوباء من 150 مليون إلى 300 مليون شخص في العالم. وكانت نسبة الوفيات بهذه الوباء ما بين 2 بالمئة إلى 5 بالمئة من الوفيات في العالم كله.

(https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK215638/)

الكوليرا/الهيضة

لقد هجم هذا الوباءُ العالَمَ للمرة السادسة بدءا من 1900م إلى 1923م وهلك بها نصف مليون شخص في روسيا وحدها.

ومات بها من 1899م إلى 1932م ثمانمائة ألف شخص في الهند وحدها. وفي عام 1910م و1911م مات بها 12 شخصا في أميركا.

ثم هجم هذا الوباء للمرة السابعة من 1961م إلى 1975م، وبدأ هجومه من إندونيسيا ثم انتشرت إلى باكستان الشرقية، والهند والاتحاد الروسي، شمال أفريقيا، اليابان، جنوب المحيط الهادئ واستنبول والبلاد الأخرى.

كما انتشر هذا الوباء من كانون الثاني 1991م إلى أيلول 1994م، في أميركا الجنوبية وأصيب بها أكثر من مليون نسمة، ومات قرابة 10 آلاف شخص.

وقد انتشر في آسيا أيضا من عام 1992م إلى 1995م.

وفي يوليو عام 1994م مات بهذا الوباء 12000 شخص في كونغو. وبحسب أحد التقارير كان يهلك بها ثلاثة آلاف شخص كل يوم في الأيام التي كان الوباء على أشده.

 

وقد تفشى هذه الوباء في العراق من يوليو إلى أيلول عام 2007م ومات به 22 شخصا وأصيب 4569 شخصا.

في آب/أغسطس 2007م انتشر هذا الوباء في منطقة أريسه بالهند وتضرر بها 2000 شخص في ثلاث محافظات.

وفي أغسطس إلى أكتوبر 2008م تم العثور في العراق على 644 حالة إصابة وهلك به 8 أشخاص.

في يناير 2009م عُثر على 381 حالة إصابة وهلاك 19 شخصا في أفريقيا الجنوبية.

وقد تفشّى هذا الوباء في أغسطس 2008م إلى أبريل 2009م في زمبابوي وتضرر به 96591 شخصا وهلك 4201 شخصا.

وفي أكتوبر 2010م تفشت في هايتي وجمهورية الدومنيكان، وأصيب بها 16700 شخص وهلك 1034 شخصا.

وتفشت في عام 2012م في بعض البلاد الأفريقية وتضرر بها 21500 شخص وهلك 290 شخصا.

وفي عام 2011م و2012م تفشت في غانا وأصيب بها 6000 شخص وهلك 194 منهم.

وفي عام 2013م أصيب بها في غانا 11000 شخص وهلك 100 منهم.

في يناير 2017م تفشت في الصومال ولا تزال متفشية، أصيب بها إلى 50000 شخص وبلغ عدد الهالكين 880 شخصا.

(https://en.wikipedia.org/wiki/Cholera_outbreaks_and_pandemics#Seventh.2C_1961.E2.80.931975)

 الايدز: مات به في العالم 117 مليون شخص في العام في فترة بين 1981م إلى 1998م.

(http://necrometrics.com/all20c.htm#AIDS)

الجدري: في القرن العشرين هلك بهذا الوباء 300 مليون نسمة في العالم.

(http://necrometrics.com/all20c.htm#Smallpox)

فللعقلاء التفكير والإقرار في استمرار الوباء والدمار.

 

 

وأما قوله عليه السلام:

“أرى أن جولة الطاعون تمتد إلى سنوات تساوي أعداده بحساب الجُمّل.” (الملفوظات، ج 4، ص80)

فالمعلوم أن الطاعون ما زال موجودا في مختلف البلاد في العالم. فإذا أبقى الله العليم الخبير الطاعونَ جاريا إلى  هذا الوقت بحسب نبوءة المسيح الموعود عليه السلام، فسيثبت تعالى صدق نبوءته عليه السلام في المستقبل أيضا أي إلى العام 2038 أيضا وبذلك سيظل إيمان جماعة المؤمنين يتقوى بإذن الله تعالى.

 

وبالأخذ بعين الاعتبار أن كلمة الطاعون تعبر عن أي وباء متفشٍ فكل الأوبئة المذكورة أعلاه هی فی الحقيقة شكل من أشكال الطاعون المستمر في العالم، ولا يمكننا التغاضي عن تفشي مرض الكورونا مؤخرا منذ بداية عام 2020 والذي لا يعلم مدى استمراره وكيف سوف يضمحل وينتهي من العالم، وقد هز العالم وأوقف مظاهر الحياة الطبيعية فيه بصورة لم يشهدها العالم من قبل؛ فكل هذه الاوبئة المتفشية عالميا هي صور متجددة للطاعون الذي لم ينته بعد، والآن نسأل السؤال التالي: ألم يطل هذا الطاعون إلى سبعين، أليس من المحتمل ان يطول عمره إلى 136 سنة ، أليس كل هذا شاهدا على صدق ما قاله المسيح الموعود عليه السلام في عمر هذا الطاعون؟

 

اعتراض 8: يقول المعارضون إن المسيح الموعود عليه السلام يقول: “لقد أنبأني بتفشي الطاعون بشدة مقارنة مع ما مضى، لا أستطيع القول إنه سيكون بتلك الشدة في العام المقبل أو يهدأ قليلا في عام ثم يشتد مرة أخرى. على أية حال الطاعون المقبل سيكون أشد بكثير مما سبق.” (الملفوظات ج9، ص315)، فكيف هذا؟

 

الرد:

لو ألقينا نظرة على أقوال المسيح الموعود عليه السلام بعد التاريخ المذكور لتلاشى الاعتراض تلقائيا ولانكشفت الحقيقة أيضا. فبمناسبة الجلسة السنوية عام 1907م ألقى عليه السلام خطابا طويلا في 27/12/1907م قال فيه:

اعلموا أن الطاعون قادم. إن الدنيا تقول إنه قد اختفى وانتهت دورته، لكن الله يقول إنه سيتفشى عن قريب بشدة أكثر من ذي قبل. ثم قال عز وجل سيتفشى وباء شديد لا نستطيع أن نُطلق عليه أيّ اسم. لكنني بعد كل هذا وذلك أقول لكم إن رحمة الله أوسع من المحيطات، فإذا كان عز وجل شديد العقاب فهو غفور ورحيم أيضا، فالذي يعكف على التوبة والاستغفار والحوقلة، ويؤثر الدين على الدنيا فهو يُعصم حتما. لقد أجمع مائة وأربعةوعشرون ألف نبي أن الذين يخافون قبل العذاب ويذكرون الله يُعصمون حتما عند نزول العذاب بغتة، أما الذين يبكون ويتضرعون وقت العذاب ويتضرعون ويبتهلون ويتوبون حين يخشى ويرتجف كل قلب قاسٍ شديد أيضا فهم ملحدون ولا يُعصمون. (الملفوظات، ج10، ص69)

كذلك قال عليه السلام في 2/5/1908م أي قبل بضعة أيام من وفاته: “الطاعون هذا العام قد خفّ نوعا ما، لكن ذلك ليس من دواعي السرور، لأن الناس لم يستفيدوا منه، فالهدف من مجيئه لم يتحقق بعد. فالطاعون هو الموت في الحقيقة. الأعراض الخطيرة التي تؤدي إلى الموت قد سُمِّيت في اللغة طاعونا. هذه الكلمة واسعة جدا من حيث معناها اللغوي، فمن المحتمل أن يظهر الطاعون الآن بصورة مختلفة، أو يتفشى في المستقبل في هذه الصورة ولكن بشدة أكثر. فقد ورد في كلام الله “أفطر وأصوم”. أي كما يجوز في الإفطار الأكل والشرب كذلك سيأكل الطاعون الناس باستمرار، لكنه سيأتي وقت كالصوم أيضا حيث يسود السلام. إني مع الرسول أقوم أفطر وأصوم ولن أبرح الأرض إلى الوقت المعلوم.

الناس يخترعون من عندهم أقوالا بسرعة للأمن والسلام ويقولون كان هناك مرض وقد ولّى، فلم يكن آية ولا تنبيها. وبهذه الأفكار يقتنعون. فالطاعون في الحقيقة كلمة واسعة الدلالات جدا. الطاعون: الموت. فكل الأمراض الدورية مثل الجدري وذات الجنب والحمى والورم والقيء والسكتة، تندرج تحت كلمة الطاعون.” (الملفوظات، ص 278)

إن أقوال المسيح الموعود عليه السلام فيها معانٍ واسعة لكلمة الطاعون وذكر الأوبئة المهلكة المستقبلية بما فيها الجدري وذات الجنب، والأورام والحمى والقيء والسكتة.

وفيما سبق قدّمنا إجمالا بعض الأعداد التي تُبين كيف أحاطت الأوبئة الفتاكةُ بالعالَـم كله في غضون القرن السابق. وعلى الرغم من تقدم الطب الهائلِ لا تزال الأوبئة تفتك بالناس إلى اليوم.

 

كذلك، فإن الله تعالى قد أجرى على ألسنة الناس تلقائيا وصف الطاعون لأمور فتاكة مدمرة أخرى.

فمن عجائب الصدف، التي هي ليست بصدف، ولكنها بلا شك آيات تأييد إلهي مستمر، أننا فوجئنا قبل مدة من الزمن بتعبير “الطاعون الذري ” (Atomic Plague). كان هذا وصفا أطلقه الصحفي الأسترالي ولفريد بورشت (Wilfred Burchett) وهو أول صحفي غربي دخل هيروشيما بعد قصفها بالقنبلة الذرية، وقال إن المدينة لا تبدو مقصوفة كما هو معتاد، بل يبدو أن الطاعون الجارف قد اجتاحها، لأن الناجين والجرحى الذين أصيبوا بجروح طفيفة نتيجة سقوط حجارة أو مخلفات عليهم وكان متوقعا أن يشفوا بدأت تظهر عليهم أعراض خطيرة كتقرُّح اللثة، ثم بدأوا يتقيأون دما ثم ماتوا. وقد ظن الأطباء اليابانيون أن القنبلة كانت تحتوي غازا ساما أو مكونات جرثومية وطالبوا الأمريكان بأن يعطوهم المصل المضاد.

وعندما كتب هذا الصحفي مقالته في جريدة الديلي إكسبرس اللندنية بتاريخ 5 أيلول 1945 قال:

“إنني أكتب هذا تحذيرا للعالم”.

وقد وصف الصحفي هذه الكارثة الإنسانية وما رآه في هيروشيما ونغازاكي المنكوبتين، وكان هذا المقال من العلامات الفارقة في الصحافة وفي الضمير الإنساني. ولعل الرعب الذي شهده العالم بسبب ما قامت الصحافة بإطلاع الناس عليه – رغم أن الحلفاء كانوا يرغبون بإخفاء هذه المعلومات – هو الذي أدى إلى عدم تكرار هذه الكارثة مرة أخرى إلى الآن، رغم أن الأسلحة قد تطوَّرت الآن أضعافا مضاعفة، وليست قنبلتا هيروشيما ونغازاكي البدائيتان شيئا يُذكر مقابل الأسلحة النووية الحالية، ولكن وضع العالم الهشِّ الذي ينذر بنشوب هذه الكارثة مرة أخرى، وعندها سيعاين الناس طاعونا لم يشهدوا له مثيلا.

والواقع أن أسلحة الدمار الشامل المتنوعة الآن، وحتى وإن لم تكن نووية، فهي بلا شك تدخل في مسمى الطاعون عموما بسبب هول تدميرها، لأنها لا تقتل فقط من يموت نتيجة للانفجار أو توابعه سواء كانت تقليدية أو كيميائية أو جرثومية، بل إن الدمار والهلاك الهائل يدمِّر البيئة بصورة مذهلة ويؤدي إلى انتشار الأوبئة التي تفتك بالناس أكثر بكثير من الضحايا الذين يموتون مباشرة، هذا بخلاف المجاعات التي تؤدي إلى الموت المباشر جوعا أو إلى ضعف المناعة مما يجعل أبسط الأمراض تفتك بالناس وتقتلهم.

وتقول الإحصائيات إن عدد القتلى في الحروب في القرن العشرين قارب 142 مليون نسمة، ولكن الذين ماتوا نتيجة الأوبئة والأمراض الناجمة عن الحروب بلغ مليارا وسبعمئة وثمانين مليونا (1.78)، هذا بخلاف الذين ماتوا نتيجة السرطان الذي كثير من إصاباته سببها التلوث الفيزيائي والكيميائي والذين بلغوا ما يقارب 580 مليونا. وإذا عرفنا أن الذين عاشوا خلال فترة القرن العشرين كانوا ما يقارب 11 مليارا، والذين ماتوا ما يقارب خمسة مليارات ونصف، فإن الموت نتيجة الحروب والأمراض والمجاعات الناجمة عنها يقترب من نصف الوفيات، وهذه نسبة هائلة بلا شك لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل، ويجب أن تكون ناقوس خطر يدق لتعريف الناس أنهم يتعرَّضون لهلاك وعذاب إلهي. وهذه الإحصائيات متوفرة لمن أراد البحث عنها في الشبكة العالمية.

ومما يؤكد ما نقول من أن وصف الطاعون هو الوصف الأمثل للأمراض والأوبئة المهلكة المرعبة التي ظهرت في هذا العصر، أنه قد حاز فيلم وثائقي عن مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز (AIDS) أنتج في عام 2012 بعنوان “كيف النجاة من الطاعون” (How to Survive a Plague) بجائزة أفضل فيلم وثائقي عام 2012 من قبِل جمعية بوسطن لنقَّاد الأفلام.

وهكذا نرى بأن الله تعالى قد أجرى على ألسنة الناس ما كان قد أنبأ به المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي تحدَّث عن عذاب الطاعون الذي كان وسيستمر آية له، وسيضرب مجددا إلى أن يعرف الناس ربهم ويرجعوا إليه. وليس صدفة أن يجري الله تعالى هذا الوصف الدقيق على ألسنة محايدة من جانب أناس ربما لم يسمعوا بدعوة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، ولكنه قدَرُ الله تعالى الذي يأتي الأرض ينقصها من أطرافها، ويجري على الألسنة ويلقي في القلوب ما يظهر صدق أنبيائه ومبعوثيه ويجعلهم يُذكرون بالعزة والجلال إلى أبد الدهر، ويخزي معارضيهم ومعانديهم الذين كلما تطاول عليهم الزمن غرقوا في الذلة والهوان الأبدي.

 

 

اعتراض 9: يدعي الأحمديون أن الطاعون إنذار من الله تعالى، وقد جاء آية لتأييد مؤسس الجماعة الأحمدية، ولكن، هل كان حضرته يحب أن يفتك الله بالناس ويهلكهم؟ أم أنه كان يحب هدايتهم ورجوعهم إلى الله تعالى؟ وهل في هذا الأمر كراهية أو تمني الشر للبشر؟

 

الرد:

 

لقد وصف الله تعالى الأنبياءَ الذين يبعثهم بلقب: مبشرين ومنذرين كما يقول في القرآن الكريم: ]وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[ (الأَنعام 49-50)

أيْ كل نبي يعلن أن أطيعوني واقبَلوا كلامي الذي أقوله باسم الله تعالى، واعمَلوا بنصائحي وأبشّركم بأنكم ستستحقون أفضال الله تعالى ونِعمه نتيجة طاعتكم لي. وإن لم تقبلوني وأصررتم على إنكاري والاستهزاء بي فإنني أنذركم وأحذّركم بأنكم ستكونون عرضة لعذاب من الله تعالى، لأنكم لا تحاربونني بل تحاربون الله في الواقع.

ثم يقول الله تعالى في الآية التالية أن الذين يؤمنون بالرسل ويعملون الصالحات يُحمَون من العقوبة ويستحقون الإنعامات. أما الذين يكذبون الرسل فيستحقون العذاب نتيجة سلوكهم طريق الفسق والفجور.

كذلك يقول الله تعالى في آية أخرى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ[ (الأَعراف 95)

أي الذين لا ينتبهون إلى دعوة الأنبياء، ولا يُغيّرون سلوكهم نتيجة نبوءات الأنبياء عن حلول العذاب يجعل الله تعالى قرى مثلها عرضة لعذابه، ليتوجه أهلها إلى التوبة والاستغفار. وهذا هو التعليم الذي قدمه المسيح الموعود عليه السلام أمام العالم بحسب سنة الأنبياء جميعا. لقد أعلن عليه السلام بأمر من الله أنه مبعوث من الله عز وجل، وأرى الناس نماذج استجابة أدعيته وأطلعهم على حقائق ومعارف كشفها الله تعالى عليه، وأراهم آيات مبنية على البشارات والإنذار. ولكن لـمّا سلكت أغلبية الناس مسلك ]كذّبوا بآياتنا[ بدلا من ]فمن آمن وأصلح[ أنبأ عليه السلام بإعلام من الله تعالى بتفشي الطاعون، ونصح الناس مرارا وتكرارا ليطهِّروا أنفسهم ويسلكوا مسلك البرّ والتقوى ويتخلوا عن التجاسر والذنوب يتجنبوا العذاب.

قدّمنا خلال هذا الرد مقتبسا يعود تاريخه إلى 2/5/1908م، وإذا قرأنا ما قاله عليه السلام بعد هذا المقتبس المذكور بقليل نرى كيف أُشرب قلبه مواساة البشرية حيث يقول عليه السلام:

“الحق أن هذا الانقطاع المؤقت أيضا ليس مفيدا نظرا إلى سوء أعمالهم بل هو خطير جدا، لأن الناس الآن يتشجعون ويتجرأون على ارتكاب الجرائم، ويستنتجون من هذا الانقطاع أنه قد طرأ مرض مؤقت وولّى، وهو ليس آية لأحد ولا عذابا. باختصار هذا الانقطاع ليس مدعاة للفرحة بل هو مدعاة للخوف. ففي زمن كان غضب الله تعالى قد نزل على العالم بصورة الطاعون تلقيت إلهاما أفطر وأصوم، وكان استعارة وكان المراد منه أن هذا المرض سيشتد أحيانا ويخف أحيانا أخرى. ]إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[، أي لن يترك الله أبدا ما لم يُحدث الناس تغيّرا في أخلاقهم وأعمالهم وأفكارهم.

الحقيقة أنه يشق على هؤلاء الناس أن يُنسب أمر إلى الله، بل يقولون إن ذلك كان وليد صدفة، فما دخل الله فيه. ما يخيفني الآن هو أن الناس سيكوّنون عندهم رأيا بلا مبرر، ثم سيعدونه صحيحا، أن مرضا ظهر صدفة وانصرف، والآن يسود السلام والرخاء. باختصار، سيعرضون عن الله ويطمئنون ويتمادون في التجاسر.” (الملفوظات، ج 10، ص 288)

إن قوله عليه السلام هذا يثبت بجلاء أن إنذاره المتكرر بالطاعون والأوبئة الأخرى كان ناتجا عن عاطفة شفقته على خلق الله في الحقيقة ليستفيد الناس من آيات الله تعالى هذه، ويؤمنوا بالمبعوث منه تعالى. لذا ظل عليه السلام ينصح القوم بالتوبة والاستغفار، كما قال في 4/5/1908م:

“ليس هناك موعد محدد للموت. في كل يوم جديد يهاجم الناسَ الطاعونُ والهيضة والزلازل والأوبئة المختلفة والقحط وشتى الأمراض. وحتى لو لم تحدث هذه الآفات، يصيب الإنسان بطشٌ من الله بغتة أحيانا فلا يقدر على شيء. إذًا، من الضروري أن تضعوا في الحسبان دائما الإقرار الذي أبرمتموه بإيثار الدين على الدنيا، وقدموا بحسبه نموذجا رائعا لحياتكم العملية. فلا ضمان للحياة. ترون مفارقة الأصدقاء والأعداء كل سنة.  لقد أعطاني الله عز وجل بعض الأخبار المخيفة- وهو صادق القول- وهذه الأخبار تقلقني أكثر لأنها خطيرة جدا، فأنواع المخاوف تحيط بنا.

الطاعون هو الموت، فقد ورد في قاموس اللغة: “الطاعون: الموت”. من ذا الذي يعرف إلى أيّ مدى سيثور غضب الله، أعاذنا الله منه. قد يكون شديدا بقدر لا يُحتمل. من المعلوم، كما قلت الأمس أيضا أنه حين يزول العذاب أو الغضب الإلهي سواء كان بصورة الهيضة أو الطاعون أو الوباء أو القحط يطمئن الناس، ويزعمون أن دورته قد ولّت. فتقسو القلوب. لكن ينبغي أن تتذكروا وعود الله المستقبلية وتخشوه وتخافوه وتتداركوا أنفسكم قبل الأوان. توبوا كل يوم توبة جديدة، فالذي يتوب يتوجه إلى الصلاح، والذي لا يتوب يخطو إلى الإثم.

لقد ورد في الحديث أن الله يحب عبدا توابا، والذي لا يتوب يركن إلى الذنب. والذنب يؤدي إلى الكفر رويدا رويدا. من واجبكم أن تخلقوا علامة فارقة بينكم وبين أغياركم. فإذا وجد بينكم وبين غيركم فرقٌ عندها يمكن أن ينصركم الله، وإلا فانظروا إلى بني إسرائيل الذين حين لم يوجد بينهم وبين غيرهم أي فرق كيف واجهوا هزيمة نكراء على أيدي الأعداء مع أن موسى عليه السلام كان موجودا فيهم، وأيد كافرا مقابلهم وعاقبهم. فالنبي كان موجودا والكتاب كان موجودا والأحكام موجودة مع ذلك تصرفوا تصرفا معاديا، فواجهوا الهزيمة أخيرا من الكفار. إن الكفار يجهلون أحكام الله فلا يستحقون مؤاخذة يستحقها المرء بعد الإيمان، ومَن يرتكب المخالفة عن عمد وبعد معرفة.

… اعلموا أن التقوى شيء إذا تحلى به الإنسان يرحم الله الآخرين أيضا بسببه. وتؤثر التقوى في أهله وأعزائه وأقاربه، ومعارفه. وكذلك حين يرتكب أحد جرائم وفسقا وفجورا فهذه الأمور أيضا تترك تأثيرها.

باختصار، إن خشية الله والتحلي بالتقوى أمر عظيم، فبسببها يعصم الله الإنسان من آلاف الآفات… لا يسع أحدا أن يقول إنه لن تصيبه آفة. فيجب ألا يطمئننَّ أحد. الآفات تحل بغتة، فمن ذا الذي يعرف ما هو حادث ليلا؟

لقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم وبكى كثيرا أولا، ثم خاطب الناس وقال يا عباد الله اتقوا. فالآفات والبلايا تلازم المرء كالنمل، فلا سبيل للتخلص منها، إلا أن تنصرفوا إلى الاستغفار والتوبة بصدق القلب.

(الملفوظات، ج10، ص335-337)

إذًا، الاعتراض على شخص مواسٍ للبشرية مثله عليه السلام، والقول بأنه يتمنى هلاك الناس، قول يخالف الحقيقة تماما، وسعي مذموم وفاشل لخداع الناس.

 

اعتراض 10: يعترض المعترضون على المسيح الموعود عليه السلام بتمنيه الوباء المتبر وهلاك الكافرين في قوله عليه السلام:

فلما طغى الفسق المبيد بسيله                          تمنيت لو كان الوباء المتبر

فإن هلاك الناس عند أولي النهى …              أحبُّ وأولى من ضلال يُخسِّرُ

فهل هذه هي سنة الأنبياء؟

 

الرد

أولا،  بالنظر إلى قوله عليه السلام فإنه يتمنى الوباء المتبر عند طغيان الفسق والفجور، ويفسر هذا التمني لأنه يريد صالح البشرية؛ فإذا يهلك الفاسقون أو بعض الناس، هذا من شأنه أن ينجي غيرهم  بأن يستفيق العالم من غفلته. فالهدف أن يرتدع هؤلاء عن فسقهم وضلالهم أولا؛ وإلّا، فإن هلاكهم أفضل، لأن فسقهم وضلالهم من شأنه أن يضلّ الآخرين وينتشر في غيرهم وتستفحل فتنتهم. فالقضية هي لهداية الإنسانية وخيرها بالمحصلة.

ثانيا، هذا مثيله قول الرسول صلى الله عليه وسلم في تمنيه المجاعة والقحط على مضر لمدة سبع سنوات كسبع سني المجاعة زمن سيدنا يوسف عليه السلام. حيث جاء عنه صلى الله عليه وسلم:

{أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَبَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجْهَرُ بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْآيَةَ} (صحيح البخاري, كتاب تفسير القرآن)

ومن أمثلته أيضا دعاء سيدنا نوح على قومه الكافرين حيث قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (27)} (نوح 27) {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (28)} (نوح 28)أي أن سيدنا نوح يريد إبادة هؤلاء الكفار عن بكرة أبيهم. وما ذلك إلا لنفس السبب، ألّا يؤثر كفرهم في غيرهم ويكون فتنة للناس ويزداد الفسق والفجور.

وقد دعا نوح بالتبار للظالمين من قومه أيضا، كما دعا المسيح الموعود بالوباء المتبر، إذ يقول تعالى على لسانه:

{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا } (نوح 29)

 

وهذا كله يؤيده قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ } (سنن ابن ماجه, كتاب الفتن)

فكل هذا يؤكد ان من سنة الله تعالى أن يعاقب الأقوام على طغيانها وفسقها وفجورها بالطاعون والأوبئة والمجاعة والقحط والمحل، وكل ذلك لكي يستفيقوا من سباتهم العميق، ولا يستفحل فسقهم هذا. وسنة الأنبياء أنهم إذا رأوا أن هذا يوافق مشيئة الله تعالى، فإنهم يدعون على أقوامهم، بعد أن يستنفدوا كل الوسائل لهدايتهم، أو عندما يدركون أن عذاب الله قادم لا محالة لمعرفته بحقيقة إجرامهم واستحالة هدايتهم، يقول تعالى:

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } (الإسراء 18)

فيكون دعاء الأنبياء إعلانا أنهم يرضون برضا الله تعالى.

وبالنظر إلى النصوص الكثيرة والمواقف والأعمال التي قام بها حضرته عليه السلام من دعاء في جوف الليل، وإعداد دواء للطاعون، وتنبيه الناس وتوجيههم من قبل ومن بعد، ودعوتهم لاتخاذ التدابير الوقائية، وفيضان مواساته لخلق الله، بل وتحذيره من البداية وطلبه للناس أن يتوبوا إلى الله تعالى وأن يتخذوا التدابير الملائمة بعد التوبة، كل هذا لا يبقي مجالا للاعتراض أصلا عند عاقل منصف؛ فكل هذا يؤكد أن شعوره بالرحمة والمواساة إنما كان شعوره السائد من قبل الطاعون وأثنائه، ولكن الأمنية بهلاك الكافرين إنما كانت لكف يد الظالمين وهداية المؤمنين، وهذا ما كان موافقا للمشيئة والسنن الإلهية، بحسب ما ألقى الله تعالى في روعه وما أنبأه به.