تحقق نبوءات المسيح الموعود عليه السلام ح 16
قواعد الحكم على النبوءات كما بيّنها المسيح الموعود عليه السلام
عند البحث في نبوءات الأنبياء لا بدّ من التنويه إلى كيفية التعامل مع هذه النبوءات الغيبية وفهمها وتفسيرها، فيقول المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد ما يلي:
“ لقد كتبتُ مرارا، كما هو مذهبي، أنه لا يمكن الجزم في النبوءات على وجه القطعية بأنها ستتحقق على جانب معين واحد فقط، بل من الممكن أن يختار الله العليم الحكيم لإظهارها جانبا آخر يضم في طياته العظمة والقوة والهيبة نفسها التي تدل عليها النبوءة. (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية مجلد 21 ص 270)
ويقول أيضا عليه السلام : الحق أن الزمن الذي تظهر فيه النبوءات العظيمة هو الذي يكشف حقيقتها، والأتقياء والصالحون هم أولئك الذين يؤمنون بالأنباء الإلهية قبل ذلك الزمن ولكن يفوِّضون أمر تفاصيلها إلى الله. أما الذين يتدخلون فيها من عندهم قبل الأوان ويتعنّتون فإنهم يتعثرون.( حقيقة الوحي)
وقال أيضا: الدهر هو المفسر الحقيقي للنبوءات. لقد صارت النبوءات كلها المتعلقة بيأجوج ومأجوج والدجال ونزول المسيح وغيرها مفهومة في العصر الراهن بكل جلاء. ( الملفوظات)
ويقول أيضا عليه السلام: الحق أن مذهب الأنبياء جميعا كان أن يفوِّضوا حقيقة النبأ إلى علمِ الله الواسعِ. ولذا لم يُهمِل هؤلاء المقدسون الدعاءَ قط مع تلقيهم البشارات – كما وُعد بالفتح والانتصار في معركة بدر، ومع ذلك ظل سيدنا ومولانا – صلى الله عليه وسلم -، ظل يدعو متضرعا – ظنا منهم أنه قد تكون في النبأ أمور مكنونة أو مشروطة بشروط ما أُخبِروا بها.( إزالة الاوهام)
ويقول أيضا عليه السلام: إن سنة الله الجارية منذ القدم أن جزءا من نبوءاته يتضمن المتشابهات، وجزءا آخر منها يحتوي على البينات. وأحيانا تكون بعض النبوءات من قبيل المتشابهات فقط. فالجاهل ينظر إلى المتشابهات فقط فيكذِّب النبوءة .. ولكن إن لم تتحقق نبوءة منها حسب فهم الملهَم فيجب ألا يقال في هذه الحالة إنها نبوءة كاذبة، بل يجب القول بأن الملهَم أخطأ في فهمها، كما يدل عليه الحديث “ذهب وهلي” ( يقصد حضرته الحديث الذي يتحدث عن هجرة الرسول إلى المدينة رغم أن تاويل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث كان باليمامة أو هَجر ). صحيح أن المتشابهات في نبوءات الأصفياء تكون أقلَّ والبينات أكثر ولكن لا بد من وجود المتشابهات على أية حال حتى يميز الله بها الصالح من الفاسق. وإن أصفياء الله يُعرَفون بكثرة البيّنات. ( حاشية حقيقة الوحي)
وقال أيضا: وذلك لأنه ليس هناك أسلوب موحد في سنة الله لتحقق النبوءات، فهي تتحقق أحيانا حرفيا وأحيانا أخرى من حيث تأويلها. (مجموعة إعلانات مجلد1 )
وفي موضع آخر يقول حضرته عليه السلام : إن تأخر الأوقات والمواعيد سنة إلهية لا يرفضها غير جاهل عنيد. انظروا أن موسى – عليه السلام – وُعد بنزول التوراة في ثلاثين ليلة ولم يكن معه أي شرط، لكن ذلك تأخر وزيدت عليها عشرة أيام ووقع بنو إسرائيل خلال ذلك في فتنة عبادة العجل، فما دام ثابتا قطعا من هذا النص أن الله – سبحانه وتعالى – يؤخر الوعد أيضا الذي ليس معه أي شرط فإن تأخير موعد تحقق الوعيد عند الرجوع يدل على لطفه تعالى. (مجموعة إعلانات مجلد1 )
وقال أيضا: من المؤسف أنهم لا يعلمون سنن الله وقوانينه أيضا التي تتعلق بالنبوءات بل النبي يونس أيضا كان كاذبا بحسب زعمهم إذ قد حدد أربعين يوما في نبوءته القاطعة ولكن قومه عاش أكثر من أربعين عاما، ولم تنكسر ولا قشة في نينوى إلى أربعين يوما ولا يقتصر هذا الأمر على النبي يونس بل توجد نظراء ذلك في نبوءات جميع الأنبياء. (مجموعة إعلانات مجلد2 ).
وقال عليه السلام أيضا:
وإضافة إلى ذلك، لا أنكر أن حقيقة النبوءة لا تنكشف بالكامل قبل الأوان، ويمكن أيضا أن يخطئ الإنسان في شرحها. لذا لم يسبق في الدنيا نبيّ لم يصدر منه خطأ قط في فهمه معنى أية نبوءة من نبوءاته. وإذا أخطأ النبي في الاجتهاد في بيان معنى نبوءته فهذا لا يحطّ من شأن النبوءة وعظمتها، لأن النبوءة الربانية تكون خارقة للعادة وأعلى من نظر الإنسان وأسمى من أفكاره. فهل لك أن تدّعي أن ذلك يمسّ بعظمتها؟ إذا كان الحال على هذا المنوال فأستطيع أن أقدّم قائمة طويلة من النبوءات التي أخطأ الأنبياء أولو العزم في فهمها….من المعلوم أنه إذا تحققت النبوءةُ وشرحتْ معناها بظهورها، وتبيَّن بالبداهة بمقارنة كلماتها مع ذلك المعنى بأن ذلك هو المعنى الصحيح، فإن الطعن فيها ليس من الإيمان في شيء. (البراهين الأحمدية الجزء الخامس)
وكل هذه المبادئ مبنية على نبوءات الأنبياء السابقين وطريقة تحققها!
ونذكّر هنا بقوله عليه السلام في هذا الصدد حيث قال : فما مِن نبوءة من نبوءاتي إلا وتحقّقت أو تحقّق أحد جزءيها على الأقل، ولن يعثر أحد على أي نبوءة خرجتْ من فمي يستطيع القول إنها أخطأتْ ولو مات بحثًا عنها (سفينة نوح).
خلاصة هذه القواعد:
- النبي ممكن أن يخطئ في فهم الوحي والنبوءة ويؤوّلها خطأ
- النبوءات لا يمكن أن تُؤخذ بحرفيتها تماما، بل لا بدّ أن تؤخذ بالإجمال
- وجوب عدم الخوض في تفاصيلها الدقيقة بل تفويضها لله عز وجل
- النبوءات تُفهم بشكل صحيح حين تحققها، ويكشف الزمن معناها الحقيقيّ
- تأخر نبوءات الوعيد أمر طبيعي في سنة الله تعالى.
- إن أهم وجه في النبوءات هو الوجه الإجمالي الخارق للعادة وأعلى من نظر الإنسان
- ليس من المفروض أن تتحق النبوءة وفق وجه أو جانب واحد فقط، بل قد يكون لها جانب ومفهوم خفيّ آخر لتحققها.
- النبوءات كثيرا ما تحوي بعض الإشارات الخفية، وتكون لها أبعاد مختلفة في تحققها، فقد تتحقق بعض جزئياتها بطريقة معينة لتعود وتتحق ثانية بطريق أخرى.
فكل هذه الأمور لا بدّ أن تؤخذ بالحسبان من أجل فهم النبوءات الغيبية، أيا كانت هذه النبوءات، ولا سيما نبوءات المسيح الموعود عليه السلام.
فمثلا بالنسبة لنبوءة المسيح الموعود ” زلزلة الساعة” والزلازل الخمسة المتعلقة بها كبريق لها، فإن مفهوم تفاصيلها الجزئية لا بدّ أن يفوّض لعلم الله تعالى وسيُفهم معناها الحقيقي التام مع مرور الوقت، فعلامَ الاستعجال!؟ أوَلم يقل الله تعالى في كتابه العزيز: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (48) } (الحج 48)؛ كما ليس من المفروض أن يكون معناها الزلزال الأرضي، بل الجانب الآخر الذي ظهر فيها ويحمل في طياته العظمة والقوة وهو الحروب العالمية، كالحرب العالمية الأولى.
وذلك لأن الشيء الأكيد فيها والبيّن، هو وقوع الدمار والهلاك بشكل خارق للعادة بما لم يسبق له مثيل ولم تره عين من قبل، وهذا ما تحقق بالحروب العالمية، أما باقي التفاصيل فهي في عداد المتشابهات، ونحن يجب أن نركز على البينات. فمثلا عندما قال حضرته أن الزلزلة أي “زلزلة الساعة” ستحدث بعد أيام، في القصيدة الأردية، فالتعبير مجازي يجب أن لا يُفهم بحرفيته ويعني في الحقيقة أنها قريبة الوقوع..
وعندما قال حضرته عليه السلام إن “زلزلة الساعة” ستحدث في حياته، وظن المعترضون أنه لا بدّ أن تحدث قبل وفاته جزما، غير أنها تأخرت لبضع سنين بحيث كان معنى النبوءة وقوعها في المدى الأقصى المتوقع لحياة حضرته عليه السلام وهو 86 سنة، وفق نبوءة سابقة كان قد تلقاها عن مدى حياته . هذا رغم أنه لا تأخير في هذه النبوءة، ولكن إذا رأى المعترضون تأخّرا فيها فليعتبروها كتأخر تحقق نبوءات سيدنا موسى ويونس عليهما السلام.
فالتركيز في هذه النبوءة لا بدّ أن يكون على الوجه الخارق للعادة الذي تحويه،، وهذا الوجه هو وقوع الدمار والهلاك بشكل خارق للعادة بما لم يسبق له مثيل، وهذا ما تحقق بالحرب العالمية، أما باقي التفاصيل فهي أقل شأنا.
وهنا، وبناء على كل هذا، لا بدّ أن نتطرق إلى الاعتراض بأن أقوال حضرته عليه السلام في تأويل الرؤى متناقضة أو أنه يتاقض نفسه:
فنقول: إن ما قد يبدو تناقضا في عين المعترضين ليس هو بتناقض البتّة، وإنما اختلاف في الفهم والتأويل للنبوءات مع مرور الزمن، وفق ما قد بيّنه وأقرّه حضرته عليه السلام في مبادئ فهم النبوءات بأن معناها الحقيقي يتبين مع الوقت ومرور الزمن، فالنبي يجتهد لفهم وتأويل وتطبيق النبوءات على الأحداث بقدر ما يُطلعه الله تعالى عليه من الغيب؛ إذ لا يمكن لنا أن ننسى أن النبي ليس بعالم للغيب، حيث يقول الله تعالى: { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (51)} (الأَنعام 51)
وقد أوردنا في حلقة سابقة بعض الأمثلة على تغيّر تأويل الوحي وفهمه مع مرور الوقت عند الأنبياء وبالأخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالإمكان الرجوع والتحقق منها.
وهذا ما نوه عنه القرآن الكريم للتاكيد على ذلك اذ قال الله عزوجل وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحيا يوحى