لقد أدى فشل معظم تجارب الحركات الإسلامية سواء الإخوانية منها أو السلفية، إلى ظهور تيارات فكرية مختلفة بين المسلمين تكاد تجمع على شيء واحد هو رفض كل انتماء ديني داخل الإسلام وربطه بشكل مباشر بإطالة عمر الكهنوتية في الإسلام وتفريق وحدة الأمة.

هذه الفئة من المفكرين الجدد وأتباعهم يتفقون أيضا في توصيف مشاكل الإسلام ويقرون بفشل المسلمين على جميع الأصعدة، وتذيلهم شعوب العالم في كل المجالات. وهم يرون كذلك أن الوحدة شرط أساسي لتقدم الأمم، وأن نهضة هذه الأمة لا يمكن أن تتأتى إلا بتوحيد صفوف المسلمين.

لكن المفارقة، هي أن هؤلاء أنفسهم يقفون في الصفوف الأولى للرافضين و المستصغرين لكل نواة تسعى لإقامة هذه الوحدة، وإن كانت هذه النواة تتفق معهم في منظورهم بضرورة توحيد الأمة كشرط لا بد منه لأي عملية إصلاحية.

وعندما تسألهم عن الحل ما داموا يرفضون دعم هذه النواة، يكتفون بتعداد تجارب حركات الإسلام السياسي والسلفي، ولا يجدون حرجا في القيام بإسقاطات عمياء لهذه التجارب على تجربة أخرى وإن إختلفت هذه الأخيرة بالتجارب الفاشلة سواء من حيث النشأة أو المنظور الإصلاحي و لا العقيدة ولا الفكر.

من هؤلاء الفضلاء من يرى أن الجماعة الإسلامية الأحمدية لا يمكن أن تضيف إلا تكريسا لفكر مبني على ولاء الأتباع للمرشد. وهذا فكر ماضوي لا يمكن إلا أن يزيد تفريق المسلمين لا جمعهم.

هذا الإسقاط ساقط في نظري من وجود عديدة:

– أولا:
—–

هذه الجماعة لا تسعى لحكم الأرض و لا إلى تأسيس الدول، و لا ترى الإشكال في عدم وجود دولة إسلامية أساسا حتى تسعى لإقامتها.

– ثانيا:
—–

الجماعة تقر مسبقا بفشل كل محاولات الوحدة السياسية والإقتصادية والعسكرية في ظل وجود قوى عظمى لا يمكنها أن تتنازل عن مصالحها لمن هم كراكيز في يدها. فلا يمكن أن تحارب صانع السلاح بسلاحه ولا واضع سياسات الدول بسياسته، كما لا يمكنك أن تدخل في حرب إقتصادية مع من يبيعك خبزك اليومي. وهذا يعد تحققا لنبوءات الرسول صلى الله عليه وسلم حول الدجال وقوته وتحكمه في مقدرات الأرض، ومعلوم أن وصية الرسول الأعظم كانت : “لا يدان لأحد منكم بقتاله”.

ثالثا:
—-

الجماعة تؤمن أن الوحدة الوحيدة التي يمكن أن تقيمها الأمة حاليا هي الوحدة الروحانية، وهذه لا يمكن أن تتأتى إلا على يد مبعوث رباني لا نحتاج لبذل مجهود كبير لمعرفته، ما دام هو نفسه الدواء الذي تنبأ به الرسول صلى الله عليه وسلم لداء الدجال و تسلطه، وهو الإمام المهدي والمسيح الموعود.

وهكذا فالجماعة تدعي أنها أنشأت طبقا لبشارات الرسول صلى الله عليه و سلم، على يد الحكم العدل، وبالتالي فإن صح إدعاؤها، فخطتها خطة ربانية لا بشرية، وتحقق هذه الخطة هو تحقق لنبوءة الرسول صلى الله عليه و سلم.

رابعا:
—-

معلوم أن الدجال الأعور هو بصير بالأمور المادية، لكنه أعور عن تحسس الأمور الروحانية، وبالتالي فإقامة الوحدة الروحانية في أمة الإسلام هي الشرط الأساس لإحياء الأمة لتصير بعد ذلك من حيث لا يدرك الدجال قادرة على إضعاف الدجال ومنافسته في ميدان قوته ألا وهو السياسة والإقتصاد.

خامسا:
——

من حيث التنظير الفكري، فالجماعة بدل نهج أسلوب الدفاع في مهاجمة الدجال، نهجت أسلوب الهجوم، وذلك بعد أن رصت صفوف الدفاع. أما عن رص صفوف الدفاع، فقد عملت الجماعة على يد المسيح الموعود عليه السلام وخلفائه على تطهير الإسلام من كل شبهة تلصق به كما نزهت الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل اعتراض. أما عن أسلوب الهجوم، فيكفي الجماعة فخرا أنها كسرت صليب الدجال بإثبات وفاة من جعلوه ربا معبودا.

إلى جانب ذلك، لم تكتف الجماعة بتقديم فكر إسلامي راقي رصين يجيب بقوة المنطق والواقع على كل حاجيات العصر، بل تجاوزت ذلك إلى الإقرار بأن هذا الفكر ليس إلا فكر الرسول صلى الله عليه وسلم وليس إلا تلك المحجة البيضاء التي ترك الناس عليها. فبدل السير وراء محاولات البعض لتجميل الإسلام و تقديم التنازلات من أجل إظهار محاسنه، كان موقف الجماعة حاسما حازما من حيث الإقرار بجمال الإسلام الذاتي في شموليته وكماله وليس فقط في بعض جزئياته.

وبهذا تكون الجماعة قد قدمت أساسا فكريا قويا لنهضة حقيقية تشمل جميع الميادين. وهو الأساس الفكري الذي افتقدته كل المحاولات السابقة التي تركز إنتاجاتها الفكرية على محاربة الحكام وخطط الوصول إلى الحُكم.

فيتضح مما سبق أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تختلف مع التجارب السابقة الفاشلة سواء من حيث النشأة، أو الأهداف، أو حتى المنظور الإصلاحي. وبالتالي فكل محاولة إسقاطية هي بالضرورة باطلة خاطئة.

و بذلك يبقى سؤال واحد يجب أن يطرحه العقلاء، وهو ما مدى صدق المسيح الموعود عليه السلام وحقيقة بعثته من لدن الله تعالى. فإن كان صادقا فإن اللحاق بسفينته هو مساهمة في إنجاح مشروع الله تعالى في إحياء هذه الأمة المريضة. وردا على هذا السؤال أدعو القراء المنصفين أولا إلى الإكثار من الدعاء طلبا الهداية من الهادي الحقيقي وثانيا إلى قراءة كتب المسيح الموعود عليه السلام واستكشاف حاله.

نسأل الله الهداية والثبات.