بسم الله الرحمن الرحيم.. نحمده ونصلي على رسوله الكريم.. وبعد

هذه رسالة حب ووفاء وتجديد عهد مع الله تعالى، وهي أيضا تهنئة قلبية لمقام الخلافة الراشدة الثانية وإمامها حضرة مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز.

ثم هي إضاءات عاجلة أذكر بها نفسي وإخواني الأحمديين في زمن الفتن.. فقد استدار الزمان كهيئته وسرى قانون التناظر بصورة واضحة بين الخلافة الأولى بعد وفاة الحبيب محمد ﷺ وبين الخلافة الراشدة الأخيرة بعد وفاة خادم الحبيب محمد ﷺ حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي ؏، فكلا الخلافتين تعرضتا لهجمات إبليسية متكررة لنقضها وتقويض أركانها. وتلك سنة الله الجارية في التدافع بين الحق والباطل، ولتعلم الدنيا من كان الله معه يؤيده وينصره ويحوطه ويحفظه ويرزقه تقدما إثر تقدم ونصرا تلو نصر ونجاحا بعد نجاح. وتعلم أيضا من كان الله ضده يخذله ويكله إلى نفسه ويمحق كيده ومكره ويجعله من وهن إلى وهن ومن ضعف إلى ضعف ومن ذبول إلى ذبول.

بيد أن ثمة فارقا جوهريا بين الخلافتين يتمثل في بشرى خاتم النبيين محمد ﷺ باستمرار نظام الخلافة الراشدة في الزمن الأخير إلى قيام الساعة. فبينما تحولت وجهة الخلافة في الزمن الأول من خلافة راشدة إلى ملك عضوض بعد ثلاثين سنة من وفاة النبي الأكرم ﷺ وبنبوءة واضحة صريحة من حضرته ﷺ (الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً)، إلا أن الأمر في زمن الخلافة الثانية سوف يكون مختلفا. فلن تتحول وجهتها بفضل الله تعالى إلى قيام الساعة، وهو مصداق نبوءة من حضرته ﷺ أيضا قال فيها: (ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَت) وفيها دلالة واضحة على استمرارية نظام الخلافة في الزمن الأخير، وأنه لن يكون ثمة نظام آخر يخلفه إلى قيام الساعة، وهذه نقطة جديرة بالاعتبار والتأمل العميق.

إن هذا المعنى الذي تضمنته البشارة النبوية باستمرارية نظام الخلافة الراشدة في الزمن الأخير، واستعصائه على كافة محاولات الالتفاف أو التفتيت أو النقض أو الإسقاط لهو كفيل بطمأنة قلوب أهل الإيمان واستعصامهم بحبل الخلافة في كل وقت وحين وتضرعاتهم المستمرة أيضا بأن يحفظ الله دوما خليفتهم ويؤيده بنصره وألا يحرمهم نعمة الاستظلال بظلال الخلافة الراشدة.

كما أن هذا المعنى كفيل بفضح أي محاولة للالتفاف حول نظام الخلافة إن بسوء نية أو بحسن نية. فمادام الله تعالى حيا وقيوما وقد اختار خليفته بأيدي المؤمنين، فهو سبحانه عليم حكيم يعلم السر وأخفى. ويحول علمه الأزلي السابق دون ظهور أمر كان خافيا عنه من قبل – والعياذ بالله – كما تحول حكمته البالغة دون الرجوع في اختياره ونقض تدبيره لجماعته.

ورغم ذلك الوضوح الذي ينبغي أن يعمر قلب كل مبايع للخلافة الراشدة، تبرز على السطح كل حين دعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب تتلخص في ادعاء ظهور مجدد أو مصلح أو حائز مقام نبوة متلحفة بلحاف من فهم خاطيء لكلمات حضرة المسيح الموعود ؏، ومتدثرة بدثار من رؤى وكشوف وإلهامات يظنها أصحابها من وحي الرحمن، ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان هينا ولا غرابة فيه، إذ علامة الدين الحق وصال مستمر بين أبنائه وبين الله تعالى، وأمتنا خير أمة أخرجت للناس، ولن تعدم ملايين الأولياء والصالحين والمحدثين على مر عصورها، لكن أن يحيد أمثال هؤلاء عن سبيل الخلافة ويناطحون من شرفه الله تعالى باختياره لقيادة جماعة المؤمنين وخلافة المسيح الموعود ؏، فهنا مكمن الخطر وموطن العثار والزلل. وليس الخطر أبدا على الخلافة الموعودة بالبقاء والاستمرارية في الأحاديث النبوية إذ لا يخلف الله وعده، وإنما الخطر على أولئك المنادين بتلك الدعاوى ومن يلتفون حولهم، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

وفيما يلي أحببت أن أقدم لإخواني الأحمديين خواطر سريعة تتعلق بأمثال هذه الفتن والموقف منها في ضوء التوجيهات النبوية الشريفة لتكون معيارا لنا نحاجج به كل من يستدرجه الشيطان للسقوط في هوة مفارقة الخلافة الراشدة بأي حيلة من الحيل وتحت أي سبب من الأسباب:

 أولا: ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَت

صدق رسول الله ﷺ! ووجب على أتباعه الصادقين الكمل أن يسكتوا كما سكت حضرته. وكل متكلم بعد سكوت حضرته ﷺ فهو بلا شك ناطق باللغو والهذر، مقدم بين يدي الله ورسوله، واضع نفسه في آتون الخطر. فحذار ثم حذار إذ ليس هذا من شيم أهل الإيمان، ولا من سيماء أهل التقى والعرفان، وهل تطيب نفس أن تتكلم بعد سكوت النبي الخاتم العدنان؟ ومن أين لها بوحي يخالف وحي الصادق المصدوق حبيب الرحمن! ترى هل سيكون رب آخر والعياذ بالله يوحي بوحي جديد ينقض وحي الرب السابق؟! أم هو رب واحد ينسى وحيه الأول فيوحي بعكسه ليكون وحيان متناقضان.. فتأملوا يا أصحاب النهى ولا يستفزنكم الشيطان.

ثانيا: باب النبوة التابعة المستفيضة لم يغلق بعد خاتم النبيين ﷺ:

هذه كلمة حق يراد بها باطل في كثير من الأحيان، وتتلاعب على جنباتها النفوس المحتلة من قبل الشيطان. نعم، أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وعلماؤها كأنبياء بني إسرائيل.. وكما بعث في هذه الأمة المرحومة أشباه اليهود وأظلال النصارى بشكل بروزي في الزمن الأخير، فإنها بفضل الله ورحمته كانت ولا تزال وستظل زاخرة بالمنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وهو مصداق (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، بل بشرنا القرآن الكريم بأنه سيرجع في أمتنا مظاهر كل النبيين السابقين وستتدلى أرواحهم أيضا بصورة ظلية بروزية.. فلن تعدم أمتنا آلافا من أمثال آدم ونوح وإدريس وإبراهيم ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ويوسف وموسى وعيسى ويحيى وإلياس وغيرهم من آلاف الأرواح المطهرة الزكية.

هذا الفهم لا مشاحة فيه، بيد أنه لكي تكتمل الصورة وتتضح وتغلق ثغرات الشياطين لابد من التقرير بأنه لا منتظر بعد المسيح الموعود المحمدي خاتم الأولياء ومؤسس جماعة الآخرين، القائل: (وإنا إذا فارقنا الدنيا فلا مسيح بعدنا إلى يوم القيامة) وبعد وفاته شاء العلي الحكيم أن تتجلى قدرة الله الثانية، وأن يخلفه من بعده خلفاء راشدين على مثال الخلفاء الأولين، يختارهم المولى تبارك وتعالى بأيدي المؤمنين الصلحاء ويكتب لهم الغلبة والنصر والتقدم رغم العقبات والصعاب، وينشر بهم الدين ويبلغ دعوته على أيديهم وبسبب مجهوداتهم إلى أقصى أطراف الأرضين، ويلهمهم ويؤيدهم ويغار عليهم فلا يتركهم أسرى لخطأ ديني أو فساد روحاني دونما توجيه أو إصلاح، حاشاه وهو القيوم على شؤون الكون المادي فلا يغفل عنه لحظة. فكيف يتسنى لقلب مخبت أن يتصور غفلته عن شؤون الكون الروحاني المتمثل في جماعته التي أقامها بيده وغرس غراسها بقدرته المنزهة عن كل النقائص والعيوب!!!

إن وجود الحائزين على مقام النبوة كان ولا يزال وسيظل ممتدا في مسار الأمة المحمدية كنهر دافق فياض بالبركات الروحانية لا ينضب معينه أبدا لأن منبعه هو شمس أنوار سيد الأكوان محمد المصطفى خاتم النبيين ﷺ .. بيد أن واحدا فقط من أولئك الحائزين على هذا المقام هو من أخبرنا القرآن الكريم والسنة الصحيحة بأنه هو المنتظر، وهو المسمى نبي الله عيسى بن مريم، وهو قمر الحائزين على شرف مقام النبوة من أتباع خاتم النبيين، وهو من سيعلن عن وجوده للدنيا بأسرها، وبأنه سيكون هو الموعود الذي طالما انتظرته قلوب الذوي الفطر النقية جيلا بعد جيل. ولا موعود غيره سيبعث مأمورا بتكوين جماعة المؤمنين.. وكل موعود بعده لن يخرج من عباءته ولن ينزع يدا من طاعة لخليفته، ولن يتعدى دوره نشر البركات الروحانية فيمن حوله من المؤمنين مواساة لهم، وإثبات صدق جماعة الله بتشريفها بالملهمين والمكلمين، وبيان خيرية هذه الأمة المرحومة وعلو كعبها بين الأمم حيث حازت فضائل جميع الأمم السابقة وفاقتها بركة وروحانية. فلن يجاوز مقامه مقام لوط مع إبراهيم ؏ .. أو مقام هارون مع موسى ؏ .. أو مقام يحيى مع عيسى ؏ .. أو مقام عمر الفاروق مع خاتم النبيين محمد ﷺ.

هذه معايير قرآنية وحديثية وروحانية فاصلة لئلا تشرئب نفوس لغير مقامها، ولا تتزيى بغير زيها، وحتى لا تكون مفاهيم الإسلام الصحيح أضحوكة للمعارضين المعاندين بسبب سوء فهم من بعض الطيبين.. ليس بعد الحبيب محمد ﷺ سوى موعود واحد شهدت له السماء والأرض، وتضافرت على تصديقه نصوص القرآن والسنة، وأيده العقل والوحي، وصدقت به آلاف النبوءات والرؤى والإلهامات وما زالت بشهادة العدو قبل الصديق، ونادت به ضرورة الزمان بلسان الحال الصريح، وهو كاسر الصليب وقاتل الخنزير كاملا مكملا.. وهو الحكم العدل الذي قطع في الأمة مادة الخلاف والجدل في حياته.. فكل مفتعل لخلاف من بعده مفتئت على خليفته، فليراجع نفسه ومقدار استفاضته بفيوض إمامه، وليراجع إيمانه بقول المصطفى ﷺ عن مسيح هذه الأمة (حَكَمًا عَدْلاً).. فقد شاء الله ببعثته أن تنحسم مادة الخلاف في هذه الأمة على الإطلاق لو صدقوا في اتباعه .

ثالثا: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ…

مثل وحي الله كمثل غيث نافع ينزل من السماء فلا تنتفع به سوى أرض خاشعة هبطت من خشية الله ولم تعرف للشموخ أو العلو سبيلا. ولأجل ذلك اختار الله تعالى آدم لينال بفضله ورحمته مقام الخلافة في الأرض، فآدم من طين والطين إلى الأرض أقرب وأكثر التصاقا. بينما لم يحظ إبليس بذلك المقام لأنه كان من النار والنار نحو العلو والارتفاع تجنح. لقد طاش فهم إبليس لمقام الاستحقاق، فظن أن الأكثر علوا هو الأشد استحقاقا فصرخ بكل حسرة (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ولم يدر التعيس أن العلو ورؤية النفس من أشد موانع الاستفاضة بفيوض السماء الروحانية تماما كما هو مانع للأرض المادية من الاستفاضة بفيوض الغيث المادي النازل من السماء.

وهكذا سرت دعوى (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) تتردد أصداؤها الإبليسية عبر الزمان والمكان لتكون شعارا ظاهرا أو خفيا لكل من يعارض خليفة الله في الأرض سواء كان نبيا أو خليفة نبي. وما من أمة عارضت نبيها واستهزأت بدعوته إلا لكونها أصيبت بذلك الداء اللعين، داء العجب ورؤية النفس والاستخفاف بمن اختاره الله تعالى.

(مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا)

(لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)

(أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا)

(أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)

(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)

وهكذا كانت تلك الآفة سببا على الدوام لتكذيب المرسلين والتمرد على خلفاء الله من الأولياء الصالحين، فالحذر منها كل الحذر فالله تعالى يخلق ما يشاء ويختار وهو أعلم بالشاكرين، و ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

رابعا: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِه

وهنا أعتب على نفسي وإخواني عتب المحبين الناصحين، وأخص منهم المرابطين على ثغور مواقع التواصل الاجتماعي فأقول لهم ولنفسي: أحبتي في الله، كل واحد منكم في موقعه يمثل صورة وواجهة للأحمديين، ويتكلم بقصد أو بدون قصد بلسان الأحمدية وهكذا يعتبره غير الأحمديين. فما أثقلها من مسؤولية تتطلب الحذر والتأني ومراجعة كلماتنا قبل كتابتها. فرب كلمة تشعل نار الفتنة ورب كلمة خير وبر تطفيها.. وإذا كنا نزعم حقا أننا أتباع خادم الحبيب محمد ﷺ وجنود الخلافة الأحمدية فقد أنعم الله تعالى علينا بنعمة لم يحظ بها غيرنا ويتطلعون بكل حرقة لنيلها. ألا وهي نعمة الخلافة والإمام الواحد، فأنى لنا أن نتقدم على إمامنا وقد جعل الإمام ليؤتم به! من الخطأ البالغ أن يتسرع بعضنا ليدلي بدلوه في قضية سلبا أو إيجابا قبل عرضها على أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز.. فالله تعالى يؤيده ويهديه بفضله للقرار الأصوب على الدوام.. فلماذا نخاطر ونتعجل القول قبل قول الإمام؟ إن هي إلا ثوائر نفسية بايعنا الله تعالى على ألا ندعها تغلبنا. ولنتذكر دوما قول الحبيب محمد ﷺ محذرا من يتعجل رفع رأسه قبل إمامه في الركوع (أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَار) والعياذ بالله. وإذا كان ذلك الوعيد الشديد لمن يتقدم على إمامه بحركة لحظية يعلم يقينا أنه سيؤديها. فما بالنا بمن يتقدم على إمامه بقول أو رأي أو قرار في مسائل عويصة وقضايا تمس الواقع المحيط.

أدعو نفسي وإخواني للتمثل بقول الله تعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) فلنكن خلف إمامنا كما الإبل الرواحل الطيبة تتناغم خطواتنا خلف خطوته ويتبع سيرنا سيره لنكون حقا مثالا للمسلم الحقيقي ونتشرف بالانتساب لجماعة الآخرين.

أسأل الله تعالى أن يجنب جماعتنا والعالم بأسره الفتن ما ظهر منها وما بطن.. وأن يرد الشاردين إلى الحق بنفوس راضية منكسرة مخبتة. وأن يكتب للإسلام العزة والنصر في أرجاء الدنيا بأسرها وأن يوفقنا للوفاء ببيعتنا على أن نكون من أنصار الله وجند خلافته وأن يؤيد أمير المؤمنين حضرة مرزا مسرور أحمد بنصره العزيز وألا يحرمنا نعمة الخلافة الراشدة. آمين

About أسامة محمد عبد العظيم

View all posts by أسامة محمد عبد العظيم