حدثت في هذا العام 1974م مناظرة كبرى على مستوى باكستان بدعوة رسمية من رئيس الدولة ذو الفقار علي بوتو شخصياً حيث أرسلَ دعوة إلى كبار علماء المسلمين من الفرق الإسلامية كافة لعقد هذه المناظرة والحُكم بموجبها على الجماعة الإسلامية الأحمدية بالكفر أو بالإسلام. فتمّت المناظرة وكان صوت الجماعة الإسلامية الأحمدية فيها هو خليفة المسيح الثالث حضرة مرزا ناصر أحمد رحمه الله، وقد أصدرت باكستان في نهاية المناظرة الحُكمَ بتكفير الجماعة الإسلامية الأحمدية ومنع أبنائها من الانتساب إلى الإسلام، وبخلافه يُعاقَب كل أحمدي يقول بأنه مُسْلِم أو حتى يلقي تحية الإسلام “السَلامُ عَلَيْكُم“. فمَن هو الطرف الفائز في هذه المناظرة؟ هل هُم المشايخ حقاً، أم هو خليفة المسيح الثالث ؒ؟
الجواب البديهي لخصوم الجماعة هو؛ “بالطبع مشايخ الفرق الإسلامية هم الطرف الفائز. ألا ترون نتيجة المناظرة أنها الحُكم بتكفير القاديانية؟”.
أمّا جوابنا نحن ولأننا لَمْ نكن في الدنيا آنذاك وَلَمْ نشاهد أيّ تسجيل لهذه المناظرة لحد الآن -إذْ تمّ التكتم الغريب عليها وعدم عرضها على الناس بلا داعي معقول سوى الخوف من افتتان المسلمين بأجوبة خليفة المسيح الثالث ؒ- جوابنا هو ببساطة:
اسألوا المشايخ أنفسهم الذين حضروا المناظرة والمقرّبين منهم وهُم الذين يجيبون على هذا السؤال!
نعم هذا صحيح. ولنبدأ بأحد أهمّ المعارضين من مشايخ الباكستان ألا وهو الشيخ العلّامة أحمد شاه نوراني رئيس جمعية علماء باكستان (منشورنا حوله من هنا) حيث يقول ما ملخصه أنَّ علماء المسلمين من الفرقة الديوبندية التي تشكل نسبة كبيرة جداً من علماء باكستان قد خسرت المناظرة مع خليفة المسيح الثالث ؒحول موضوع ختم النبوة:
وهذا الشيخ حنيف قرشي أحد علماء باكستان المؤثرين على الساحة هناك يعترف بأن خليفة المسيح الثالث ؒلم يستطع أحدٌ هزيمته وخسروا جميعاً أمامه في مناظرة 1974 ببرلمان باكستان:
وهذا شيخ الديوبندية المفتي محمود رئيس جمعية علماء الإسلام بباكستان ووالد الشيخ فضل الرحمن يعترف بأنه عانى كثيراً بسبب هذه المناظرة وأنَّ جميع المشايخ الحاضرين في المناظرة كانت أعصابهم متوترة ومشدودة للغاية بسبب مواجهة خليفة المسيح الثالث ؒوإعجاب أعضاء البرلمان بخطاب الخليفة رحمه الله:
وشيخ آخر هو المولوي سيد شاه عرفاني يعترف ويسخر من موقف مشايخ الديوبندية الضعيف وخسارتهم في مناظرة 1974م أمام خليفة المسيح الثالث ؒ:
وهذا شيخ علماء الشيعة بباكستان المولوي عرفاني الحيدري يقرّ ويعترف بأن جميع مشايخ السُنّة من ديوبنديين وبريلويين خسروا خسارة شنيعة في تلك المناظرة أمام خليفة المسيح الثالث رحمه الله:
وهذا الشيخ المعروف طاهر القدري يعترف ويُقسِم بأن خليفة المسيح الثالث رحمه الله هزمَ جميع علماء الفرق المسلمة من ديوبندية وأهل الحديث ومجلس ختم النبوة في مناظرة 1974م أثناء محاكمة الأحمديين:
وهكذا يعترف علماء جميع الفرق الإسلامية الـ 72 بباكستان بأن الفائز في مناظرة البرلمان الباكستاني عام 1974م هو خليفة المسيح الثالث رحمه الله أي أنَّ الفائز في المناظرة مع جميع الفرق المسلمة هي الجماعة الإسلامية الأحمدية، وهي صاحبة الحجة الأقوى بلا منازع. وهذا في الحقيقة يعني أنَّ قرار التكفير بحق الجماعة الذي أصدرته باكستان عقب هذه المناظرة لم يكن بسبب الفوز أو الخسارة في المناظرة لأن الفائز هي الجماعة الإسلامية الأحمدية، ولكن بسبب ضغوط خارجية على الحكومة الباكستانية لمصالح سياسية بحتة. وقد اعترف عددٌ من الشخصيات السياسية المعروفة في باكستان بهذه الحقيقة، ومنهم على سبيل المثال الدكتور مبشر الذي كان وقتها وزيراً اتحادياً في حكومة باكستان الذي يقول بأن الضغوط في الواقع أتت من المملكة العربية السعودية على حكومة بوتو لإعلان تكفير الجماعة الإسلامية الأحمدية دستورياً للتخلص من أي وجود لهذه الجماعة كما يلي:
وهذا الأستاذ عبد الحفيظ بيرزاده الذي كان وزير العدل وأحد مستشاري الرئيس بوتو يقول بأن تكفير الأحمدية في برلمان باكستان 1974م ما هي إلا لعبة سياسية تمّت تحت ضغوط المملكة العربية السعودية على الرئيس بوتو:
ويوافقه الوزير محمد علي دراني كما يلي:
هذا ما كتبته صحيفة “نوع وقت” الباكستانية عند هذه المناظرة:
“One of the special importance of this decision has been that on it the consensus of Ummah has been in substantially correct manner. Throughout the history of Islam, such an overwhelming complete consensus has never been reached on any important topic. Other than the big religious scholars, holders of Shar’a, all the political leaders and political leaders of each group have agreed on this consensus. Other than these, all sufia karam, aarifeen Billah, the leaders of Tassawaf and practices had complete agreement. Excluding Qadianis all the rest of 72 sects which are considered to be of Muslims, agreed and are happy on the solution of this affair. Among the leaders of the nation and a’maideen, there does not appear to be any group which does not have a joyous attitude towards this decision. Nation should take a notice of this.” (Daily “Nawai Waqt”, Lahore Pakistan, 10th October 1974 p4)
أي أن هذه المناظرة تحدث لأول مرة حيث يجتمع 73 فرقة لتكفير فرقة واحدة بالإجماع هي الأحمدية.
وهذه صورة لصحيفة تصدر في المملكة المتحدة تعترف بعدد الفرق في الإسلام والتي شاركت في المناظرة:
“By a constitutional amendment the National Assembly has stripped half a million members of the Ahmadiyya community of their religious status as Moslems. The excommunication of such a large number claiming to be Moslems by a political institution is a unique event in the 1400 years of the history of Islam. The burden of taking the measure fell on the National Assembly because Islam rejects priesthood and the Moslems, although divided into 72 sects, do not have a church or a pope. Religious edicts handed down by muftis or religious scholars are not binding on any individual or body of Moslems.” (Daily “The Guardian” UK, 9th September 1974)
وبهذا يتّضح الحق حول أكبر مناظرة جمعت بين الفرق الإسلامية كلها -وعددها 72 فرقة- وبين جماعة واحدة هي الجماعة الإسلامية الأحمدية وذلك في برلمان باكستان عام 1974م والتي على إثرها تم تكفير الجماعة الإسلامية الأحمدية واعتبارها فرقة خارجة عن الإسلام لا يجوز لأي فرد منها التصريح بشهادة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ بل إنَّ مجرد إلقاء السَلام على الطريقة الإسلامية عقوبته السجن وغير ذلك. اتَّضَحَ الْحَقُّ ولله درّ خليفة المسيح الثالث رحمة الله عليه الذي تحقّقت على يده نبوءة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم القائل:
“«افترقتْ اليهودُ على إحدى وسبعينَ فرقةٍ كلُّها في النارِ إلا واحدةٌ، وافترقتْ النصارى على اثنتين وسبعين فرقةٍ كلُّها في النارِ إلا واحدةٌ، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةٍ كلُّها في النارِ إلا واحدةٌ.»، وفي لفظٍ: «على ثلاثٍ وسبعينَ ملةٍ»، وفي روايةٍ قالوا: يا رسولَ اللهِ مَن الفرقةُ الناجيةُ؟ قال: «من كانَ على مثلِ ما أنا عليه اليومُ وأصحابي»، وفي روايةٍ قال: «هي الجماعةُ يدُ اللهِ على الجماعةِ».” (رواه ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” 3/345. حكم المحدث: صحيح مشهور في السنن والمسانيد)
فكانت الفرق الإثنان والسبعون في طرف والجماعة في الطرف المقابل لتلك المناظرة وشهد الجميع أنَّ كُّلّهم في الجَنّة إلا جماعة واحدة هي في النار وهي الجماعة الإسلامية الأحمدية، وبهذا قلبوا الحديث رأساً على عقب كعادتهم في قلب الحقائق فتحقّق الحديث حرفياً باعترافهم وهو أن كُّلّهم في النار إلا فرقة واحدة هي الجماعة. وهذا سببه أيضاً تفرّق الخصوم وتشتتهم وذهاب ريحهم مقابل جماعة موحدة. ولنتذكر هذا الحديث الذي يوصي فيه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم باعتزال الفرق كلها إنْ لم توجد الجماعة التي على رأسها إمام واحد، فعن حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
“كان الناسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الخيرِ، وكنتُ أسأَلُه عنِ الشرِّ، مَخافَةَ أن يُدرِكَني، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ، فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرٍّ؟ قال: «نعمْ». قلتُ: وهل بعدَ ذلك الشرِّ من خيرٍ؟ قال:«نعمْ، وفيه دَخَنٌ». قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: «قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَديِي، تَعرِفُ منهم وتُنكِرُ». قلتُ : فهل بعدَ ذلك الخيرِ من شرٍّ؟ قال: «نعمْ، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ، مَن أجابهم إليها قَذَفوه فيها». قلتُ: يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا، قال: «هم من جِلدَتِنا، ويتكَلَّمونَ بألسِنَتِنا». قلتُ: فما تأمُرُني إن أدرَكني ذلك؟ قال: «تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم». قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: «فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرةٍ، حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك».” (صحيح البخاري، 7084)
ولنستحضر أهميّة القدرة الثانية أي الخلافة التي بشَّرَ بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كآخر أمر الإسلام ثم سكت بعدها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فعن النعمان بن بشير أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:
“«تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ». ثم سكت.” (حسَّنه الألباني في “تخريج مشكاة المصابيح”، 5306)
فسبحٰن الذي جعل كل هذه الأحاديث تتحقّق في حياتنا كالشمس في رابعة النهار!
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ