عمل الخلافة الراشدة هو عمل النبوة؛ وهو الذي اختصره القرآن الكريم في قوله تعالى:
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة 152)
فالعمل هو تلاوة آيات الله؛ أي الاهتمام بالقرآن الكريم وبتفسيره وبتوضيح الدلائل والآيات التي تدل على وجود الله وتبيّن صفاته وأسمائه الحسنى. وهو التزكية التي هي التطهير والتنمية للمؤمنين؛ أي تنقية فكر المؤمنين وسلوكهم وإرشادهم إلى ما ينفعهم، وكذلك توجيههم إلى ما ينمي قدراتهم ومواردهم. وهو تعليم الكتاب والحكمة؛ أي تبيان أحكام الله وشريعته والحكمة من وراء هذه الأحكام والشرائع، وكذلك هو تعليم الناس ما لم يكونوا يعلمون؛ أي قيادة وإدارة تعليم الناس ما ينفعهم ويصلح أحوالهم وشئونهم في كل ما يتعلق بمناحي الحياة.
هذا العمل يصلح القيام به في كل الظروف؛ سواء عندما تتبع الخليفة جماعة من المؤمنين لا حول لهم ولا قوة، أو عندما يصبح المؤمنون أصحاب سلطة وحكم. فالمؤمنون سواء كانوا رعايا أم حكامًا ينبغي أن يخضعوا لسلطة الخلافة طوعا؛ وذلك لأنها الصلة بينهم وبين الله ورسوله، وهي المحافظة على تقواهم، والموجهة لهم لما فيه خير دينهم ودنياهم.
هذا العمل ليس عملا معنويا روحيا غير متصل بشئون الحياة والسياسة، بل هو في الواقع عمل شامل ديني ودنيوي يشمل جميع مناحي الحياة بالنسبة للمؤمنين. وما يتميز به الإسلام هو أن الدين فيه لا ينفصل عن الدنيا؛ فكل الأعمال المادية يكون الهدف منها الارتقاء بروحانية الإنسان، لذلك فهي لا تنفصل عن واجبات الدين. ولأجل ذلك ينظم الإسلام جميع شئون الإنسان ويقوده نحو التقدم والازدهار في هذه الدنيا، وهذا يهيئه للحياة الآخرة استنادا إلى ما حققه وجناه في هذه الحياة الدنيا.
وهكذا، فإن الحاجة إلى الخلافة هي حاجة ماسة لقيادة المؤمنين على طريق إصلاح دينهم ودنياهم. وهي في الواقع الضمانة لتحقيق الأمن والسلام والطمأنينة للمؤمنين وللبشرية جمعاء. فكلما ازداد عدد الخاضعين لها من المؤمنين كلما أمكن حلّ المشكلات والمعضلات وأمكن رفع الظلم والجور من الحكام على شعوبهم، ومن فئات الشعوب بعضها على بعض، أو من بعض الشعوب على غيرها. فالخليفة يعمل على صيانة تقوى الشعوب والحكام، وهذا سيجعلهم أكثر قدرة على تأدية حقوق الله وحقوق العباد. وبسبب خضوعهم جميعا لسلطته الروحية، فإنهم يشعرون أن الانفصال عنه ومخالفته إنما هو مخالفة لله ورسوله، مما يشكل نوعا من الوازع المعنوي الذي يجعلهم يحرصون على الحفاظ على هذه الرابطة معه. كذلك هم يثقون بحكمه المنصف الذي لا يمكن أن يكون فيه ظلم متعمد لفئة على فئة، وهم مستعدون للتسامح وللتنازل عن بعض حقوقهم محتسبين ذلك عند الله.
وهكذا فإن هذه الصلة المعنوية القوية التي هي ليست مفروضة عليهم بقوة القانون والسلطة ستلعب دورا قويا وحاسما في تصحيح المسارات ورفع المظالم وحشد القوى لمحاربة الظالمين. وفي الحالات التي لا تطيع فئة باغية حكم الخليفة فيمكن للخليفة أن يوجه