لم يخطئ من يؤمن أن خير القرون هو القرن الأول للهجرة، وخير ما فيه هو الرسول ﷺ والصحابة رضوان الله تعالى عليهم.

وكلنا نغبط الصحابة رضوان الله عليهم  لأنهم رأوا النبي عليه الصلاة والسلام وتلقوا القرآن الكريم منه واستنوا بسنته ﷺ من دون واسطة. وهذا الشرف ناله هؤلاء بفضل عميم من الله تعالى ولفطرتهم السليمة وجذورهم الطيبة التي أهلتهم أن يستقبلوا مطر الوحي بالاهتزاز في ذكر الله والربو والعلو وطلب القرب من الله تعالى، فرفعهم الله عز وجل وقربهم إليه وأعز ذكرهم في القرآن الكريم، وما بغضهم إلا منافق حاقد.

ولكن بمقابل هذا الشرف العظيم هناك نظرية خاصة بي أسميها  “الوقع الأول” وهي نظرية أحلل من عبرها حركات ذلك المجتمع اليومية وأحاول أن أتلمس واستشعر بما شعر به المسلمون الأوائل وما واجهوه من معارضة وأحقاد وحروب وتنكيل واضطهاد وتمزيق لعوائلهم وتشريدهم وأقول في نفسي هل كنا لنؤمن بهذا النبي عليه الصلاة والسلام لو كنا في زمنه؟

قد جاء رجل ليقول لنا كلام لم نعهده بحياتنا، وهذا الرجل الذي يتكلم بهذا الكلام كان عرضة استهزاء ومطاردة من قومه فهو يوصف بالشعر والجنون والتقول على الله. فهل كانت لأنفسنا تطيق أن تطلق ما تعودت عليه لتنصت لهذا الرجل ولقوله؟

هل كانت لأنفسنا بعد أن تؤمن أن تثبت ضد هذا الكم من المعارضة والاضطهاد الذي واجهه من آمن بصدق الإسلام؟

هل كنا لنصبر على كم الاعتراضات التي تواجه مسيرة هذا النبي وكم الاعتراضات المثارة ضد الوحي المنزل عليه وعلى القرآن الكريم؟

هل كنا لنصبر على العقل الذي لا يتوافق مع بعض الآيات المنزلة عليه في سورة الكهف مثلا وقتل الغلام الذي لم يذنب بعد؟

هل كنا لنصبر على المتناقضات التي يراها الكفار في كلامه والمنافقون والتي يتهمون النبي ﷺ بها والإسلام، والصحابة لا يرون فيه إلا ضرورة من ضروريات صيرورة البناء التشريعي؟

ماذ لو كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يرفض أن يُفضّل على يونس بن متى في بادئ أمره؟

ماذا لو كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام وهو مأمور بأن يُنذر عشيرته فقط في بادئ الأمر، وبعدها بفترة نزل عليه وحيٌّ بأن ينذر أم القرى ومن حولها، وبعدها بفترة يؤمر بأن يبلغ الناس كافة، وبعدها يوحى له بأنك يا محمد خاتم النبيين؟

وعندما علم النبي بأنه أفضل البشر وقال “أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ” أكنا لنتهم النبي عليه الصلاة والسلام بالتناقض والاختلاف في أقواله؟

نزلتا سورة الكهف ومريم في منتصف العهد المكي وفيهن ذكر للدجال، غير أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتقد في بداية الأمر ٲن الدجال هو رجل يضل الناس وظل إلى بعد الهجرة يظن ٲن الدجال هو ابن صياد، إلى أن بعد فهم حقيقة الدجال وبدأ يخبر الناس به ويقول “وَسَأَحْكِي لَكُمْ مِنْ نَعْتِهِ مَا لَمْ تَحْكِ الأَنْبِيَاءُ قَبْلِي لِقَوْمِهِمْ” وبدأت تتواتر أحاديث النبي ﷺ عن الدجال بأنه أمة وٲنه قوم يغزوه المسلمون ويفتحون أراضيه كما ورد ذلك في الأحاديث.

ماذا كنا سنعتبر هذا أيها المسلمون الكرام؟

لو رفضناه لكانت حجتنا  أن الله تعالى قال: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا

فهذا كان ثقل الصحبة الذي لا تطيقه النفوس الضعيفة، لذلك ما اختص الله تعالى بهذا الشرف وهذه المكانة إلا الجبال من الناس فوصف صحب الأنبياء:

إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ

هؤلاء الجبال الشُمخ من استطاعوا صبرًا مع الأنبياء فقط، أما المنافقون والذين في قلبهم زيغ توالت عليهم الفتن لتسقطهم من الشجرة الطيبة، فهم كالأوراق الصفراء لا مكان لها مع تلك الشجرة الغناء.

يأتي زمانٌ على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار، وهؤلاء هم الجبال في الآخرين، والآخرين منهم لما يلحقوا بهم، وقد ٲتاهم الله فضله، فلا راد لفضله! أما لمن لم يصبر قال ٲلم ٲقل ٳنك لن تستطيع معي صبرا!