رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عاش قبل أكثر من 1400 عام، إلا أن أعداءه ما زالوا يتميزون من الغيظ ويحاولون الإساءة إليه بكل ما في وسعهم، ويجنِّدون لذلك جيوشا من الإعلاميين والمزورين والمزيفين. ولكن جهودهم كلَّها على مدار تاريخ الإسلام قد باءت بالفشل ولم تضرَّ الإسلام شيئا، وما زال الإسلام هو الدين الأكثر نموا في العالم، وما زالت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم الآسرة ملهمة لمفكري العالم، وما زال تاريخه الناصع وسيرته الطيبة وأثره على الإنسانية والحضارة يقرُّ به المنصفون من العلماء الفضلاء الذين لم يعمهم التعصب.
أما لماذا كل هذا الحقد والغيظ من النبي صلى الله عليه وسلم ودينه، فهذا لأن الشيطان وأعوانه من المعارضين هم أكثر من يدركون قوة هذه الدعوة وأثرها واستمرار حياتها وبقائها وأن الزمن لم يزدها سوى قوة ونصوعا، لذلك يسعون جاهدين ليصدوا عنها ويبغونها عوجا. ولكن النتيجة الحتمية أن هؤلاء كانوا يزولون ويندرسون، بل لا يبقى من ذرياتهم من يستمر على نهجهم، وفي كثير من الأحيان يؤمن ذرياتهم ويصبحون وصمة عار بالنسبة لهم ويتمنون لو لم يكونوا من أصلابهم. وتكون الموجات اللاحقة ممن لا تتبعهم بل كثيرا ما تكون تعاديهم، ويصبحون مصداقا لمشهد دخولهم النار الذي يصوره الله تعالى في قوله: { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأَعراف 39).
وفي الواقع فإن هذا الاستمرار في محاولة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم العاقبة التي تنال هؤلاء المسيئين إنما هي نبوءة عظيمة وآية واضحة تدل على صدق الإسلام الحتمي، فقد ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } (الأحزاب 57-58)
أي أن محاولات الإساءة ستستمر، ولكن الله تعالى وملائكته يرفعون من شأن النبي صلى الله عليه وسلم يوما بعد يوم ولن تضره هذه المحاولات، وأن واجبكم أيها المؤمنون أن تصلّوا وتسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم لتتوافقوا مع فعل الله وملائكته، ثم الله تعالى بنفسه قد تكفَّل بهؤلاء المسيئين وأعد لهم العذاب المهين في الدنيا والآخرة. فما أعظم هذه النبوءة! وما أوضح هذا الدليل المتجدد!
أما الدعوات الباطلة الكاذبة فهي ميتة من يومها الأول، ولا يلتفت إليها أحد ولا يهتمُّ بها، والله تعالى بنفسه قد تكفل أن يفشلها ويخسّرها، إذ قال تعالى:
{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } (يونس 70)
وهذا يشمل الذين ينسبون شيئا أو أشياء إلى الله تعالى أو الذين يعارضون الأنبياء ويكذبونهم، إذ يقول تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (الأَنعام 22)
ورغم أن الله تعالى قد تعهد المفترين بالفشل والخذلان عامة، إلا أنه قد تعهَّد خاصة بأن يُهلك من يدعي النبوة كذبا بالهلاك وقطع الوتين وهذا إما بعذاب مهين من الله تعالى بحيث يموت في مهانة ويتفرق عنه أتباعه ولا يعبأون به، أو بأن يُسلمه إلى أيدي أعدائه فيقتلوه ويقضوا على دعوته وجماعته. وقد أقرَّ الله تعالى بهذا المصير الحتمي وأعلنه بل وقدَّمه دليلا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ *وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } (الحاقة 45-52)
فلا يصلح هذا الإعلان القرآني دليلا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كانت هذه سنة الله تعالى مع المتنبئين الكاذبين، إذ كان دوما يقضي عليهم ويقطع وتينهم بنزول عذاب مهلك لهم وموتهم موتا مخزيا وكثيرا ما يكون ذلك بيد أعدائهم بحيث لا يستطيع إنقاذهم من هذا الهلاك أحد. فلولا أن هذا ما كان يحدث دائما مع المفترين، وهذا ما سيحدث أيضا في المستقبل أيضا وفقا لسنَّة الله المستمرة، فما كان هذا يصلح مطلقا دليلا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لو كان الله تعالى سيبقي المفتري ويبقي دعوته! ولتوضيح هذا الأمر سأقدم مثالا وهو أن يعلن تاجر مثلا أنه يجب على الناس أن يثقوا ببضاعته وبسعره لأنه لو غشَّ فإن صاعقة ستنزل لتحرقه. فهل سينظر الناس إلى دعواه بجدية وهل سيصدقونه إلا إذا كان الناس قد اعتادوا أن يروا كل تاجر يغش في بضاعته تنزل عليه صاعقة فورا!! لو لم يكن هذا يحدث فإنهم سيستهزئون بهذا التاجر ولن يقيموا لكلامه هذا وزنا. فكيف يمكن أن يكون الله لا يعاقب المفترين من قبل ولا من بعد لو ادعوا النبوة كذبا وتقولوا عليه تعالى ثم يصلح هذا دليلا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
وهكذا، وفيما يخص دعوة الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي أعلن أنه مبعوث من الله تعالى، وأنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء وفقا لأنبائه وأنباء القرآن الكريم، فإن عدم هلاكه بهذه الصورة التي ذكرتها الآية إنما يشكل دليلا قاطعا على صدقه. فقد توفي حضرته وحظي بالتكريم من أتباعه، ولم يُسلمه الله تعالى لأعدائه ولم يمكنهم منه رغم كثرتهم وقوتهم، وما زال أتباعه يزدادون ويزداد عندهم كرامة ومكانة، وما زالت دعوته مستمرة متعاظمة تغيظ المعارضين تجعلهم كالسكارى والمجانين لفرط حقدهم وغيظهم، وصمدت جماعته أمام جبال من المعارضة والأهوال والظروف القاهرة وكانت تزداد قوة بعد كل موجة وتتبدد المعارضة أمامها كالعهن المنفوش. فمن يراه مفتريا بعد ذلك فيجب أن يكفر بالقرآن الكريم أو ينكر الله تعالى ويعلن إلحاده.
لذلك لا مجال أمام المعارضين من الفرار من هذه الآية القاطعة الواضحة. أما إذا حاول بعض المعارضين المزيفين تحريف الكلم عن مواضعه وتقديم فهم غير ما ذكرنا كقول بعض سفهائهم مثلا أن إنما يعني وجود أمثالهم من المعارضين الذين يمدون ألسنتهم بالسوء والفحش والبذاءة ويتيح الله تعالى لهم أن يفعلوا ذلك ولا يعاجلهم بالعذاب! فهذا في الواقع دليل يفيد عكس ما يريدون، إذ أن وجودهم هو دليل حياة الدعوة لا انقطاع وتينها وموتها، وإلا فالأمر الميت لا يلتفت إليه أحد ولا يهتمُّ به أحد. وسعارهم إنما مرجعه الغيظ والحنق والإحباط بسبب فشلهم وعدم قدرتهم على إبعاد الناس عن الحق رغم لهاثهم المتزايد.
ستمضي الأيام ويزول معارضون ويأتي آخرون إلى يوم القيامة، ولكن سيكون مصيرهم الخزي فئة تلو فئة، وسيكون ظهورهم وعاقبتهم دليلا متجددا؛ وهذا لأن الإسلام العظيم ونشأته الثانية قد كتب لها الحياة الأبدية، وسيرى العالم ذلك اليوم الذي وعد به القرآن الكريم في قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة 33)
فليستمر المعارضون وليبذلوا كل ما في وسعهم، وليثبتوا بمعارضتهم وبذاءتهم وفحشهم وحقدهم وغيظهم صدق الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، فلو لم يخرجوا هم لأخرج الله غيرهم. ولكن طوبى لمن كان في المؤمنين والخيبة والخسران لمن كان في المعارضين.