بسم الله الرحمن الرحیم نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود

“جاء في الدنيا نذير”

حُذِّرت ملكة فكتوريا والحكومة البريطانية والكنيسة من الآفات

كان الدكتور “أنتوني فاوتشي“، العالِـمُ الأميركي المعروف وأهم مستشاري الرئيس دونالد ترامب في الأمور العلمية، قد حذّر قبل ثلاث سنين أن هناك خطرا لانتشار وباء غامض الهوية فجاءة على المستوى العالمي في غضون بضعة أعوام مقبلة. وقد تنبأ الدكتور المذكور بكل وضوح في أثناء خطابه في حفل عقده المركز الطبي التابع لجامعة جورج تاون أن إدارة الرئيس ترمب ستواجه تحديا غير عادي بصورة مرضٍ مُعدٍ.

وبعد تفشي وباء الكورونا في إقليم “ووهان” في الصين، ثم انتشارِه أسوأ انتشار في الغرب وفي الولايات المتحدة الأميركية لم تُدَوِّ كلمات الدكتور فاوتشي في آذان الأميركان فحسب بل دوّت أيضا في آذان الدوائر المطّلِعة في العالم كله، وقد ذكّرت بكلماتِ الدكتور فاوتشي وسائلُ الإعلام الدوائرَ الأقل إطلاعا أو الناس الذين كانوا غير مهتمين بأميركا نسبيا. والآن تجد الكلَّ مركّزا انتباهه إلى النبوءة المذكورة عائشا في حالة الحجر الذاتي، ويتساءل: كيف علم هذا الشخص بهذا الأمر؟ وأنّى له أن يتنبأ به قبل الأوان؟ ولماذا لم يُعطَ انتباها لائقا؟

فترى أن هذه الأسئلة وما شابهها تخالج أذهان الناس الذين فقدوا وظائفهم، أو الذين يرون تجاراتهم تواجه الدمار كليا، أو الذين يرون أولادهم جالسين في البيوت بدلا من ذهابهم إلى المدارس على الرغم من مرور فترة لا بأس بها من السنة الأكاديمية، وكذلك في أذهان الذين يقضون- في حالة ملأها الشك والريبة- فترة الابتعاد عن أحبائهم المتقدمين في السن.

هذا، وهناك حكاية مماثلة متداولة في بريطانيا أيضا. فقد أماطت الجريدة “The Sunday Telegraph” في عددها 19/4/2020م اللثامَ عن أن الخبراء في مجال الأمراض المعدية في كلية لندن الجامعية (UCL) كانوا قد حذروا الحكومة في عام 2016م من إمكانية تفشي وباء سريعا. وبيّن العلماء بأدق التفاصيل (وبصورة نبوءة) كيفية وقوع كل هذه الأحداث. الوضع المزعج الذي يشاهده كل واحد منا اليوم في الأخبار لا يختلف كثيرا عما تنبأت به كلية لندن الجامعية المذكورة، إذ نشاهد المشافي، والغرف لإيداع الأموات، والمرافق الاجتماعية والاقتصادَ في مواجهة حالة مزرية حقيقية يُرثى لها بل هي على شفاء جرف هار.

التوجيهات الوجيزة التي قُدّمت للبرلمان في عام 2016م محفوظة بعنوان: Exercise Cygnus  اليوم أيضا في سجلات البرلمان.

وقد رفضت الحكومة رفضا باتا تحت طائلة قانون “حرية المعلومات” طلبَ الجريدة The Sunday Telegraph أن تظهر للعيان بحثَ Exercise Cygnus.

كيف اطلعت كلية لندن الجامعية بهذا الأمر؟ يتبين من التوجيهات الموجّهة إلى البرلمان أن تقرير الكلية المذكورة يحمل شيئا من الأهمية حتما، ولكن لماذا لم يتم إطلاع الناس على هذا الخطر؟ ولماذا لم تُنشر تفاصيله؟ يطرح عامة الناس المساكين هذه الأسئلة البسيطة مرة أخرى!

لماذا تنبذ هذه القوى الدنيوية التي تواصل سيرها على جسر ضعيف لازدهار الاقتصادي المزعوم مثل هذه التبنوءات وراء ظهورها؟

إن فيلمًا أخرجه سكوت برنر في عام 2011م بعنوان: Contagion أيضا صار محور انتباه الناس أنه كيف استطاع أن يتنبأ بانتشار وباء على مستوى العالم؟ وكيف نجح أن يُري في فيلمه دمارا شاملا نتيجة هذا الفيروس يشبه تماما دمارا يحدث حاليا نتيجة فيروس كورونا. لقد قال سكوت برنر في مقابلة أنه كثُر عنه الكلام في وسائل الإعلام، لدرجة يُظنّ عنه أنه “واصل إلى الله”.

فلو رأينا إلى فيروس كورونا من هذا المنظور لاستغربنا أن الفيروس MEV-1 الذي أُري في الفيلم المذكور، أيضا انتقل إلى الناس من طائر صغير “أبابيل”. وعند السؤال في المقابلة قال سكات برنر أن المستشارين من العلماء زوّدوه بمعلومات عن أخطار حقيقية لدى تأليف قصة الفيلم.

نبوءات يعود تاريخها إلى قرن من الزمن

لكل أوجه الحيرة هذه أهميتُها، ولكن الفيروس -كورونا- يمثل حقيقة جديدة حتما، غير أن غض الطرف عن الأنباء من هذا القبيل عادة قديمة للناس. إن تاريخ تنبيه الدكتور فاوتشي وتنبوءات كلية لندن الجامعية يعود إلى ثلاث سنين فقط. أما الفيلم Contagion فيعود تاريخه إلى عشر سنين تقريبا، في حين كانت هناك مجموعة من النبوءات عن تفشي الأوبئة من هذا القبيل والآفات السماوية وقد أُدلي بها قبل قرن من الزمان تقريبا، ولكن الناس نبذوها وراء ظهورهم بسبب نشوة قوتهم وسلطتهم وبحسن ظنهم بقدرتهم على تسخير كل ما في الأرض والبحار والسماوات.

تعالوا الآن، نتوجه إلى نبوءات أدلى بها قبل أزيد من قرن سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني الساكن في البنجاب التابع للهند البريطانية، الذي كان معروفا كثيرا بين الناس وعند الدوائر الحكومية العليا لنبوءاته بالآفات المستقبلية في العالم.

لقد ذكرت الحكومة المحلية لمحافظة غورداسبور في مجلة Gazzette of the Gurdaspur District (1891-92) (أي جريدة محافظة غوردارسبور) سيدَنا مرزا غلام أحمد القادياني بألقاب: “فصيح اللسان البالغ درجة الكمال” و”داعية عظيم“، و”مدعي كونه مسيحا ومتلقي الأنباء من الله“. هذه المجلة كانت تُنشر تحت إشراف الحكومة على مستوى كل محافظة، وقد أصدرت المجلة قيد البحث من قبل حكومة البنجاب.

حذرت ملكة فكتوريا

نشرت الحكومة البريطانية هذه الوثيقة الهامة إبان دعوة سيدنا المسيح الموعود u، إذ قد أعلن حضرته u دعاويه رسميا في 1889م، ونبه العالَـم عن الآفات والمصائب التي كانت ستحل بالعالم، بسبب عدم ترك الناس السيئات والذنوب. ويتبين من ذكره u في هذه المجلة أن دعوته كانت قد أصبحت معروفة بين عامة الناس والحكام بعد عامين فقط من بدايتها.

تحذير للملكة:

لقد ادّعى المسيح الموعود u أن رسالته هي رسالة عظيمة للتنبيه عن الآفات والإرشاد إلى طريق النجاة منها، والتي لا تقتصر على رقعة معينة، بل موجهة إلى العالم كله.

كان المسيح الموعود u بحاجة إلى مواكبة الاختراعات المعاصرة لتعميم هذه الرسالة العالمية. فعلى الرغم من الإمكانيات الضئيلة جدا أسس u لهذا الغرض مطبعة في قاديان وبدأ بسلسلة التأليف. إن أول كتاب طُبع في هذه المطبعة كان بعنوان: “مرآة كمالات الإسلام” في عام 1893م. وقد تضمن الكتاب إلى جانب مواضيع أخرى رسالة إلى قيصرة السلطنة البريطانية، الملكة فكتوريا. وبعد التعريف بالإسلام، الذي هو السبيل الوحيد لنجاة العالم من المشاكل والمصائب والآفات المحدقة به، وجّه حضرته u الدعوة إلى ملكة فكتوريا بالكلمات التالية:

فما لك لا تَرَينَ في الضحى؟ أيتها الجليلة، اعلمي – أيدك الله – أن دين الإسلام مجمع الأنوار، ومنبع الأنهار، وحديقة الأثمار…ثم بعد ذلك أرسلني ربي لدعوة الخلق، وآتاني من آيات بينة، لأدعو خلقه إلى دينه، فطوبى للذين يقبلونني“.

كان المسيح الموعود u بصفته أحد أفراد الرعية ينظر إلى الملكة فكتوريا بالاحترام والتقدير دائما، لأن أصحاب جميع الأديان في الهند نالوا في ظل حكومتها حرية كاملة للعيش عاملين بمعتقداتهم. كان u يذكّر المسلمين والهندوس والسيخ دائما تلك المظالم والمعارضة التي كان أهل الأديان يواجهونها من قِبل أصحاب الأديان الأخرى قبل الحُكم البريطاني.

وبسبب هذا الإكرام، ولإبداء عواطف الشكر، أمر سيدنا المسيح الموعود u بعقد حفل في قاديان بمناسبة يوبيل الملكة فتكوريا الماسي. لم يكن هذا الحفل حفلا دنيويا عاديا لإبداء الأفراح فحسب، بل احتُفل به لأداء شكر الله تعالى على أنه وهب أصحاب الأديان كلها الموجودة في الهند قيصرة عادلة ومسامحة في تعاملها.

حذرت ملكة فكتوريا

لقد اشترك في هذا الحفل الذي عُقد بتاريخ 21-22/6/1897م 225 من أتباع المسيح الموعود u الذين سافروا إلى قاديان من أقصى الهند إلى أقصاها، وأُلقيت في الحفل محاضرات بالأردية والعربية والفارسية والإنجليزية والبنجابية والأفغانية وأشيد فيها بمواقف الملكة اللطيفة القلب، ووُجّهت إليها الدعوة إلى سبيل النجاة الوحيد للبشرية أي الإسلام.

وقد سجل المولوي عبد الرحيم درد مجريات هذا الحفل في سوانح سيدنا المسيح الموعود u بعنوان: “سيرة أحمد” كما يلي:

في يوم العشرين أُرسلت إلى الحاكم اللورد “أيلغن”، برقية التهنئة. وبهذه المناسبة غير العادية أُرسل تأليف سيدنا المسيح الموعود u بعنوان: “التحفة القيصرية” (الهدية للقيصرة) بمجلد جميل إلى ملكة فكتوريا بواسطة نائب الحاكم، وأُرسلت نُسَخُها إلى الحاكم العام للهند ونائب الحاكم في البنجاب“.

كان الكتاب يتضمن في طياته التعريف بالإسلام وذكر المصائب والآلام الملحوظة في العالم، ودعوة الملكة فكتوريا إلى الإسلام، والتحذير من الآفات السماوية، حيث قال u:

…إن أنواع عذاب الله التي تنـزل على العالم في صورة الأوبئة يمكن أن تزول دون شك بدفْع الصدقة والدعاء والتوبة والخشوع والخضوع. لذا عندما تضطرم نار الوباء بشدة تنصرف جميع شعوب العالم بالطبع إلى الدعاء والتوبة والاستغفار ودفْع الصدقة وتنشأ حركة طبيعية للرجوع إلى الله.

فمن هنا يَثبت أن رجوع الطباع الإنسانية إلى الله عند نزول العذاب أمرٌ طبيعي، وأن فائدة التوبة والدعاء عند نزول العذاب متحققة للناس، أعني أن العذاب يزول بالتوبة والاستغفار كما زال عن قوم النبي يونس. كذلك قد زال العذاب عن بني إسرائيل مرارا ببركة دعاء موسى u… إن أهل الدنيا لن يدركوا هذا الأمر لأن إيمانهم بالأسرار السماوية قليلٌ، أما الذين سوف يجربونه فهم يفوزون بهذا الحق حتما.” (التحفة القيصرية، الخزائن الروحانية المجلد 12، الصفحة: 262-273)

تحذير للحكومة البريطانية

ثم حلّ عام 1898م وكان الطاعون فيه ينتشر بسرعة هائلة بحسب نبوءة المسيح الموعود u تماما، وراح ضحيته مئات آلاف الناس في مقر الحاكمية في مومباي وضواحيها، وكان متوجها بعد ذلك إلى البنجاب. وكان سيدنا المسيح الموعود u قد نشر النبوءة عن الطاعون سلفًا في 6/2/1898م بواسطة إعلان. وفي هذا الإعلان نصح u أتباعه ومواطنيه بالالتزام بإجراءات وقائية وجّهت إليها الحكومة، كما نصح بأن يتعاونوا مع ممثليها على وجه أكمل. وإلى جانب ذلك أرشد u أيضا إلى سبيل النجاة في المستقبل من هذه الآفة ومثيلاتها، فقال:

لقد تلاشت خشية الله جل شأنه من معظم القلوب، وعُدَّت الأوبئة أذى بسيطا يمكن أن يزول بخطط بشرية، وبالتالي تُرتكب أنواع الذنوب بمنتهى التجاسر… اعلموا أنه قدر معلَّق ويمكن صرفه بالتوبة والاستغفار والأعمال الصالحة وترك المعصية ودفع الصدقات وبإنشاء التغير الطيب، لذا أخبر جميع عباد الله أن يسلكوا مسلكا حسنا بصدق القلب وينشغلوا في الخير ويتخلوا عن جميع طرق الظلم والسيئة. يجب على المسلمين أن يعملوا بأوامر الله بصدق القلب، ويلتزموا بالصلاة ويجتنبوا كل أنواع الفسق والفجور، وليتوبوا ويعكفوا على الحسنات وخشية الله وذكره، ويحسنوا إلى الفقراء والجيران واليتامى والأرامل والمسافرين والمساكين ويدفعوا الصدقات ويصلّوا جماعةً ويدعوا في الصلاة باكين ليسلموا من هذا البلاء. فلينهضوا في الهزيع الأخير من الليل وليدْعوا في الصلاة.

باختصار، ينبغي أن يكسبوا الأعمال الحسنة من كل نوع، ويجتنبوا كل أنواع الظلم ويتقوا الله الذي يقدر على أن يهلك العالم كله بغضبه في لحظة واحدة.” (مجموعة الإعلانات، ج 3، ص 6)

لم يُوزَّع هذا الإعلان على عامة الناس فقط بل وُزِّع على الأوساط الحكومية أيضا بكثرة.

ظل الوباء يستشري أكثر فأكثر، فأمر سيدنا المسيح الموعود u بعقد جلسة في قاديان بعنوان: “جلسة الطاعون”، ودُعي للاشتراك فيها أتباع المسيح الموعود u وغيرهم.

وقد أذاع حضرته خبر هذه الجلسة وأهدافها بواسطة إعلان وُزّع بكثرة على عامة الناس والمسؤولين في الحكومة، وجذب الإعلان انتباه الصحف الهندية أيضا.

ذُكرت أهداف هذه الجلسة في إعلان نُشر في 22/4/1898م، كما يلي:

  1. إطلاع عامة الناس على إجراءات وقائية وجّهت إليها الحكومة، وإقناعهم للعمل بها
  2. إيصال هذه الرسالة بواسطة المشاركين في الجلسة إلى الذين لم يشتركوا فيها
  3. حث الحكومة على أن تتخذ إجراءات لازمة على الرغم من مقاومة الناس
  4. حث الحكومة على إطلاع الرعية أكثر لتكون هذه الإجراءات فعالة
  5. الدعاء في حضرة الله لنهاية هذا الوباء

عُقدت جلسة الطاعون هذه في قاديان يوم عيد الأضحى بتاريخ 2/5/1898م، حيث أدلى سيدنا المسيح الموعود u في خطابه بنصائح قيّمة حول وضع الطاعون المخيف وردّ على اعتراضات أثيرت حول الإجراءات حكومية المتعلقة بالحجر الصحي والعزل الذاتي. وبيّن u أمورا تجعل الإجراءات الحكومية المذكورة ضرورية، وكيف كان من شأن هذه الإجراءات أن تفيد للحد من الوباء المنتشر. فقد نصح u الناس أن يعملوا بكل ما يطلبه المسؤولون في الحكومة.

كانت الفكرة الأساسية في خطاب المسيح الموعود u أن يتوجه الناس جميعا بمن فيهم الشخصيات الحكومية أيضا إلى الله تعالى طالبين مغفرته U لينقذ البشرية من ويلات هذا الوباء. فقال u: كما أن النظافة الجسدية ضرورية للتخلص من هذا الوباء، كذلك يجب على كل واحد أن يطهّر نفسه على المستوى الأخلاقي والاجتماعي والروحاني.

لقد ركّز المسيح الموعود u على أن الآفات من هذا القبيل تحل بشخص أو أسرة أو قوم بسبب الذنوب، وأن هناك حاجة إلى فضل الله تعالى ورحمته ليكون العلاج الطبي ناجعا في الدنيا، فمن “الأفضل أن يتوجه الناس كلهم في هذا الوقت إلى الله تعالى لتكون العاقبة خيرا.

أعدّ الشيخ رحمة الله المحترم تقريرا حول الجلسة وأرسله إلى الجرائد ونائب الحاكم في البنجاب.

وقد نشرت جريدة Civil & Military Gazette الصادرة في لاهور في عددها 10/6/1898م، وقائع الجلسة المذكورة وخطاب المسيح الموعود u بما يلي:

كان الخطاب يتلخص في أن الحكومة تعمل في إجراءاتها للقضاء على المرض بروح الإنسانية تماما لأن هذه الإجراءات ضرورية. أما القصص القائلة بأن الحكومة تريد تسميم الناس فهي كاذبة ولا أساس لها مطلقا، ويجب ألا يثق أيّ شخص بمثل هذه الإشاعات.

حذرت ملكة فكتوريا

بعد وصول هذا التقرير إلى مكتب نائب الحاكم في البنجاب أُرسل الرد التالي إلى سيدنا المسيح الموعود u:

لقد أمرني معالي نائب الحاكم أن أخبركم أنه قرأ ببالغ السرور وقائعَ الجلسة المنعقدة في قاديان بتاريخ 2/5/1898م، وخطابَ (حضرة) مرزا غلام أحمد، زعيم قاديان حول إجراءات الحكومة بشأن القضاء على الطاعون. وقد أبدى معالي نائب الحاكم رغبته أن أعرب عن شكري نيابة عنه بأن جماعتكم قد أبدت تعاونها الكامل مع الحكومة بعقد هذه الجلسة.

المخلص

(التوقيع) أيتش جيه مينارد. السكرتير الأول، لحكومة البنجاب.

في شهر أيلول 1898م نشر السيد شيخ يعقوب علي عرفاني، محرر جريدة “الحَكَم” الصادرة في قاديان مجريات الجلسة بصورة كتاب بعنوان: “الإنذار”، ووُزّع على عامة الناس والدوائر الحكومية.

إلى هذا كانت حكومة الهند وبريطانيا قد اطلعتا على الآفات الطبيعية وكونها من الله، وعلى كلام المسيح الموعود u حول النجاة منها. وتوجهت الصحافة البريطانية بوجه خاص إلى نشر مبادئ المسيح الموعود u وتحذيراته والحلول المقترحة.

حذرت ملكة فكتوريا

كان الدعاة النصارى يعرفون المسيح الموعود u جيدا منذ أيام المناظرة العظيمة المعروفة ب”الحرب المقدسة”، التي عُقدت في أمرتسر والتي أوقع فيها حضرتُه بالدعاة المسيحيين هزيمة نكراء، فذُكر حضرتُه u بـ “إنسان غير عادي” في تقارير سرية وصلت إلى “منظمة الكنائس المسيحية”، واعتُرف فيها أنه u قدم أدلة علمية دامغة وقوية جدا لم يواجهها الدعاة المسيحيون من قبل قط.

التحذير للكنيسة

في الفترة الأخيرة من حياة المسيح الموعود u ألّف قسيس معروف اسمه:H D Griswold عن المسيح الموعود كتابا بعنوان:  The Messiah of Qadian وقرأه كاملا أمام Royal Philosophical Society of the Great Britain  وفي عام 1905م قرأ Griswold مسودة هذا الكتاب في مجلس شخصيات علمية معروفة برئاسة Colonel Thomas Hobein CIE والكلمات الواردة في نهاية هذا الكتاب جديرة بالانتباه بوجه خاص. لقد ذكر Griswold – من خلال عبارات المسيح الموعود u – تلك الآفات كعلامات الزمن الأخير وقرب القيامة، ثم استنتج:

القوة والحماس اللذین بهما ينشر المسيح القادياني رسالته ومعتقداته ويذيعها، يُخضع رؤوسنا خجلا نحن الذين ليس لنا عمل إلا أن ننشر اسم يسوع المسيح الذي هو المسيح والمخلّص الحقيقي للعالم.

وإن تقدیم المرزا القادياني حلولاً لمساوئ أخلاقية وروحانية معاصرة يُجبرنا على أن نفتح عيوننا، وندعو الله تعالى: اللهم إما أن تنزل على الأرض بنفسك أو أرسل مسيحك الحقيقي حتى لا نظن أن مسيحا حقيقيا قد جاء في صورة المرزا القادياني ونشكرك عليه“.

بعد هذا الخطاب جرى بين الحضور نقاش طويل وانتهى على أفكار مختلطة.

بعد أن أدلى الحضور كلهم بأفكارهم أبدى شخص اسمه J O Corrie انطباعاته واعترف من خلالها أن دعاوى سيدنا المسيح الموعود u: “تشير إلى ضرورة مرشد روحي للبشرية“.

ثم طرح على المجلس سؤالا: ألا تشير دعاوى السيد المرزا وتحذيراته إلى ضرورة مرشد روحاني”؟

كان هنالك قسيس ألماني معروف اسمه: Julius Richter، وكان مؤرخا أيضا. ولقد تجول في بلاد كثيرة أثناء عملية تدوين تاريخ مركز المسيحية، وَجَمَعَ المعلومات من عدد لا يُحصى من القساوسة. ثم سجل ملخص تجاربه في تأليفه: A History of Missions in India وذكر أيضا تعاليم سيدنا المسيح الموعود u وتحذيراته عن الآفات المستقبلية.

وقد اعترف المؤلف أن حضرة مرزا غلام أحمد القادياني u شخصية غير عادية ذات مواهب متعددة الجوانب، فقد تشرب من علم الكلام الإسلامي كما أنه مطلع جيد على التراث المسيحي أیضا ثم قال المؤلف:

إن المرزا غلام أحمد شخصية غير عادية، ويؤلف الكتب بالأردية والفارسية والعربية الفصيحة والبليغة بكل ذكاء، ولإثبات نجاح مهمته الربانية يتحدى معارضيه بتأليف مقالات علمية بالعربية.

ثم قال المؤلف: “لم يكتف المرزا غلام أحمد بقراءة الكتاب المقدس قراءة مفصلة بل هو مطلع جيدا على إنجيل برنابا أيضا. ولا يدّعي فقط بأنه جاء بحسب وعد الله تعالى ولا أنه مسيح للنصارى فقط، بل إلى جانب ذلك يدّعي أيضا كونه مهديا للمسلمين. والأدلة التي يقدمها بهذا الشأن غير عادية إلى حد كبير.

لقد ذكر Richter بكلمات واضحة ادعاء المسيح الموعود u أن الله تعالى أرسله وحده لهذا العصر ولا بد أن تتحقق جميع النبوءات في شخصه حصرا.

بعد وفاة المسيح الموعود u ظل خلفاؤه يذكّرون العالم بالأوبئة والزلازل والآفات الأخرى، ليتوجه الناس إلى الإلـه القادر مجددا بعد أن نسوه.

عندما قام “أيدوارد” أمير ويلز بجولة الهند في 1921-1922م، ألّف سيدنا الخليفة الثاني t كتيبا بعنوان: “هدية لأمير ويلز” وأهداه إياه، وتضمن هذا الكتيب تعاليم الإسلام ودعاوى المسيح الموعود u، فقال t فيه:

لقد نشر المسيح الموعود u إلهاما أنبأ فيه بتفشي الأمراض في المستقبل والوفيات الناتجة عنها، وادّعى u أن الله تعالى هو الذي أخبره… أن وباءً من نوع جديد سيتفشى… فيتساءل الناس عنه قائلين: ما هذا الذي يحدث؟ فإن طاعونا جارفا سيتفشى في الهند وفي بلاد أخرى أيضا ويترك الناسَ مذعورين، وسيحل هذا الوباء بوجه خاص بأوروبا وبلاد مسيحية أخرى.

وقد عدّ سيدنا المصلح الموعود t في الكتيب المذكور الإنفلونزا الإسبانية المنتشرة في عام 1918م أيضا مصداقا للنبوءة المذكورة، وحذّر أيضا أنه إن لم يتم الانتباه إلى هذا التحذير فستحل آفات أخرى.

تحذيرات خلفاء المسيح الموعود u

ففي 28/7/1967م ألقى سيدنا مرزا ناصر أحمد الخليفة الثالث للمسيح الموعود u محاضرة في حفل في لندن ونبه العالم عن الأنباء بحلول الأوبئة والآفات الأخرى كعذاب من الله تعالى، فقال:

يجب ألا ننسى أن هذه النبوءة أيضا تحذيرٌ مثل نبوءات أخرى. يمكن أن يتأخر تحققها، أو يمكن أن تزول كليا أيضا بشرط أن يرجع الناس إلى ربهم ويغيروا من سلوكهم. فلو تخلى الناس عن عبادة ما اتخذوه من الآلهة الباطلة مثل الثروة والقوة والجاه، وأنشأوا علاقة صادقة مع الله القادر، وتركوا السيئات كلها وأدوا حقوق الله وتعلّموا خدمة البشرية خدمة صادقة لأمكن أن يزول هذا العذاب الإلهي. وكل ذلك يعتمد على أقوام العالم، تلك الأقوام المنتشية بنشوة الثروة والقوة والجاه.

حذرت ملكة فكتوريا

كذلك بيّن سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله أيضا للعالم أن الآفات الطبيعية ليست حوادث فجائية بحتة، بل إنما تمثل تحقُّق نبوءات أدلى بها المسيح الموعود u، فقال:

لقد حذر المسيح الموعود u العالم بواسطة الأنباء الواضحة والصريحة قبل الأوان أنه… إن لم يخضع العالم أمام تعاليم النبي r فسينزِّل اللهُ تعالى الآفات، واحدة بعد الأخرى ليوقظ العالم من رقود الغفلة ويهزّه.

التحذير المتتالي من سيدنا الخليفة الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز

ثم جاء عهد سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز الخليفة الخامس للمسيح الموعود u، فتولّى الخلافة قبل 17 عاما من الآن في أبريل/نيسان عام 2003م، وبالتحديد حين كانت نبوءات المسيح الموعود متحققة بصورة خارقة للعادة. كانت الآفات الطبيعية تنـزل على العالم باطِّراد. لقد ظلّ حضرته نصره الله يُدعى في العالم كله من قبل دوائر رسمية ذات أهمية وطنية وعالمية، وظل يخاطب زعماء العالم وينبههم بكلمات واضحة وصريحة أنهم يقودون العالم إلى جهة غير سليمة، وأرشدهم أيضا مرارا وتكرارا إلى الحلول الصائبة التي أرشد إليها سيدنا المسيح الموعود u، أي أنه إن كنتم تريدون أن تجتنبوا هذه الآفات فتوجّهوا إلى الله الواحد الأحد.

ففي مناسبة قال حضرته نصره الله: “إن كلمات المسيح الموعود u تحتل الآن أهمية أكثر من ذي قبل في هذا العالم المادي المعاصر لأن الناس يبتعدون عن الدين ويصبحون ماديين بسرعة هائلة….

نحن بحاجة إلى فهم الحكمة وراء تفاقم الآفات الطبيعية في العالم. لعل الناس الماديين لن يفهموا أو لن يقبلوا هذا الأمر ولكن علينا نحن الأحمديين المسلمين أن نفهم جيدا أن هذه الآفات توحي بسخط الله تعالى. وعلينا أن نخبر الآخرين أن المسيح الموعود u قد أنبأ بهذه الآفات قبل أكثر من مئة سنة، وقال إن السبيل الوحيد للخلاص منها هو التوجه إلى الله تعالى.

إذن، إن نبوءات المسيح الموعود u كانت موجودة أمام العالم، بل كانت ملكةُ بريطانيا والحكومة البريطانية ومراكز المسيحية الكائنة في بريطانيا وأميركا والأوساطُ الدينية الأخرى أيضا على علم بها. وإن ممثلي تلك الأوساط ذات النفوذ والتأثير القوي يحضرون اليوم أيضا المجالس التي يلفت فيها سيدُنا مرزا مسرور أحمد الخليفة الخامس للمسيح الموعود u أنظارَ الحضور إلى تحذيرات أُدلي بها قبل مئة عام. إن نصائح سيدنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز وتنبيهاته موجودة في كتابه: “الأزمة العالمیة والطریق إلی السلام” بالإضافة إلى عشرات خطب الجمعة له ولقاءاته مع أصحاب السلطة وممثلي وسائل الإعلام.

لقد غضّتِ القوى العظمى في العالم الطرفَ إلى مدة طويلة عن “نذير” بعثه الله تعالى، ولكن النبوءة التي أدلى بها هذا النذير أمام الجميع اليوم أيضا ومتحققة. وإن جميع الآفات تهاجم البشرية اليوم بكل قوة وشدة وتعيث دمارا شاملا. ولكن لم تفت الفرصة بعد بل يمكن أن يُفعل الكثير والكثير الآن أيضا.

فندعو الله تعالى أن تتذكر القوى العالمية عند استخراجها من الصناديق تسجيلات الدكتور فاوتشي ومسودات بحث: “Exercise Cygnus” ومسودة الفيلم: Contagion أن هناك نبوءات أخرى أيضا وضعوها في صناديقهم وجعلوها في طي النسيان، ألا وهي نبوءاتُ “النذير” التي بيّنها بكل وضوح، ويذكّر بها العالـمَ اليوم خليفتُه سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز.

أنهي كلامي بكلمات مباركة أنزلها الله تعالى على قلب طاهر لمبعوثه سيدنا المسيح الموعود u: “جاء في الدنيا نذير، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله ويُظهر صدقه بصولٍ قوي شديد، صول بعد صول“.

ترجمة: الأستاذ عبد المجید عامر

About السيد آصف محمود باسط

View all posts by السيد آصف محمود باسط