ما الذي يحدّد يوم صيام شهر رمضان الكريم وكذلك بدء عيد الفطر؟ وهل يجب أن يختلف يوم الصيام والعيد عند المسلم الأحمدي عن باقي المسلمين الآخرين؟ ولماذا تصوم جماعة في بعض البلاد وتُفطر جماعة في بلاد أخرى مع أن المرجعية واحدة للجماعة؟ وماذا يجب فعله إذا حدث خطأ في تحديد يوم الصيام وعيد الفطر في دولةٍ ما نتيجة عدم رؤية الهلال والاعتماد بدلاً عَنْهُ على الحسابات الفلكية المسبقة؟ هل يتبع المسلم الأحمدي دولته إذا أعلنت بدء شهر رمضان والعيد؟
جميع هذه الأسئلة يُجيب عليها حضرة خليفة المسيح الخامس أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز بناء على حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم المتّفَقُ عَلَيهِ: “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ” فيقول حضرته:
“يسْأَل بعضُ الإخوة، وبعضُ الصغار أيضاً: لماذا نختلفُ مع المسلمين الآخـرين في بـدء الصـيام أو الاحتفال بالعيد. فالجواب أنه ليس ضرورياً أن نختلف معهم في ذلك دوماً، ثم إننا لا نختلف معهم عمداً في بدء شهر رمضان أو في تحديد يوم العيد. فهناك سنوات عديدة نبدأ بالصيام ونحتفل بالعيد في اليوم نفسـه الذي يبدأ فيه المسلمون الآخرون الصيام أو الذي يحتفلون به بالعيد. ففي باكستان وغيرهـا مـن البلاد الإسلامية لجانٌ مُشكّلة لرؤية الهلال من قِبل الحكومات، وعندما تُعلن هذه اللجانُ بأن الهلال قد رُئي وأنَّ الشهود قد شهدوا على ذلك، فإن المسلمين الأحمديين أيضاً يصومون ويفطرون ويحتفلون بالعيد أيضاً وفق هذا الإعلان الحكومي. ولكن في هذه البلاد الأوروبية والغربية لا توجد أيّة لجان حكومية لرؤية الهلال ولا يتم أي إعلان عن رؤيته، لذلك نبدأ الصيام أو نحتفل بالعيد على أساس حتمية رؤية الهلال. أما إذا حصل خطأٌ في حساباتنا وتقديراتنا ورُئي الهلال قبل ذلك بيوم، فيمكن أن نبدأ صيام شهر رمضان مبكّراً أيضاً، شريطة أن يشهد شهود مؤمنون عاقلون بالغون على أنهم قد رأوا الهلال فعلاً. ليس ضـرورياً أن نلتـزم بالتقويم الذي أعددناه سلفاً ونبدأ رمضان بحسبه فقط. إلا أنه لا بد من رؤية الهلال رؤية واضحة مؤكدة. كما لا يصح أيضاً القول أن علينا أن نبدأ الصيام أو نحتفل بالعيد طبقاً لإعلان المسلمين الآخرين عن بداية الصيام حتى وإنْ كان الهلال لمْ يُر بعد. هذا خطأ. لقد بيَّنَ الْمَسِيحُ الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هذا الأمرَ في كتابه “كحل عيون الآريا” أيضاً، حيث إنه لَمْ يرفض هذه التقديرات والحسابات، بل قال إنه أيضاً عِلْـمٌ مـن العلوم، غير أنه عَلَيهِ السَلام قد ركَّزَ على أن الرؤية أفضل. يقول المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: لقد بيَّنَ الله للناس من أجل تيسير أحكام الدين وتسهيلها طريقاً قويماً وسديداً، وَلَمْ يعرّضهم عبثاً للأمور الدقيقة والمعقّدة، وعلى سبيل المثال لَمْ يقل لهم بخصوص بدء الصيام بألا يثقوا برؤية الهلال أبداً ما لَمْ يتأكدوا باتّباع قواعد الفَلك الظنية مغمضي العيون أنَّ الشهر 29 يوما أو 30. (يعني حضرته: ليس ضرورياً دائماً اتّبـاع القواعد التي وضعها علماء الفلك والنجوم بحسب تقديراتهم وحساباتهم، فليس ضرورياً أن تروا على أساس قواعدهم القياسية ما إذا كان الشهر 29 يوما أم 30، فتهملوا محاولة رؤية الهلال ولا تعيروا لرؤيته اعتبارا، وتغمضوا العيون عن رؤية الهلال. فهذا خطأ). فقد قال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: مِن الواضح أنَّ إلزام الناس بالتمسـك دوماً بحسابات الفَلك المعقدة يُعَدُّ حرجاً لهم دون مبرّر وتكليفاً لا يُطاق. (أي: أنَّ القول بأن تقديراتنا تقول كذا وكذا، لذا يجب أن نلتزم بحسب هذه التقديرات فقط، دون اللجوء إلى طريقة أخرى، فهذا يمثّل للناس حرجاً كبيراً لا داعي له) ولا شك أنَّ هذه التقديرات والحسابات تَحدث فيها أخطاء كثيرة دوماً، لذا فالأمر الأبسط والأنسب لفهم العامة ألا يظلوا محتاجين إلى المنجمين وعلماء الهيئة، بل يؤسسوا معرفة طلوع الهلال على رؤيتهم. غير أنَّ عليهم أن يتذكروا من الناحية العلمية أنَّ عليهم ألا يتجاوزوا عدَدَ الثلاثين. (يعني: أنَّ رؤية الهلال ضرورية، فإذا حاولوا وَلَمْ يتمكنوا من رؤيته، فيمكنهم الاعتمـاد علـى هـذه الحسـابات والتقديرات، غير أنَّ عليهم أن يضعوا في الحسبان ألّا يتجاوزا عددَ الثلاثين.) ثم قال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: ولـيكُن معلوماً أيضاً أنَّ الرؤية تفوق الحسابات الرياضية عند العقل (أي: أنَّ العقل أيضاً يُفتي بأن رؤية الهلال بالعين أفضل من التقديرات الحسابية في كل حال)، فإن حكماء أوروبا أيضاً حين فكّروا ووجـدوا الرؤيـةَ أولى بالثقة، ابتكروا ببركة هذه الفكرة الجيدة وبتأييد القوة الباصرة أنواع الآلات كالمنظار والمجهر (أي: أنَّ أهل العقل والعلم من أوروبا لمّا رأوا أن الرؤية أفضل من الحسابات التقديرية فإنهم اخترعوا المجاهر والتلسكوبات لرؤية هذه الأجرام الفلكية). كما قلتُ آنفاً، قد يحصل الخطأ أحياناً في هذه الحسابات والتقديرات، وقد بيَّنَ لنا الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كيف نتصرف إذا حصل مثل هذا الخطأ، كأن يرى الهلالَ في ليلة يوم قبل الموعـد الـذي حدّدَته الحساباتُ التقديرية، وهذا يعني أنَّ صوم يومٍ يفوت القوم. لقد سُئل المسيحَ الموعودَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مَرّةً لو ثبت أنَّ الهلال قد رُئي في ليلة يوم قبل أن يبدأ القوم صيام رمضان فماذا يفعلون؟ حيث ورد أن أحـدَ الإخوة من سيالكوت قال: لقد رُئي الهلال عندنا في مساء الثلاثاء، وكان الواجب أن نبدأ الصـيام يـوم الأربعاء ولكن بالخطأ بدأناه يوم الخميس، فماذا نفعل الآن؟ فقال المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: علـيكم أن تصوموا يوماً بعد شهر رمضان عوضاً عن اليوم الفائت.” (من خطبة الجمعة في 30/6/2016)
إذن، لا يجب أن يخالف المُسلمُ الأحمدي باقي المُسلمين في بدء شهر رمضان ويوم العيد بل يتبع دولته أذا هي أعلنت ذلك، ولا غضاضة من اعتماد بلد ما على الحسابات الفلكية المسبقة لتحديد أيام الشهور القمرية ولكن لا يجب إغفال الرؤية العينية للقمر والهلال فهو الذي يحدد بالفعل أيام الصوم والفطر كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، بل أن تُقدم الرؤية على الحساب إذا كانت ممكنة، ولكن إذا تعذرت الرؤية وأعلن الخبراء تعذر ذلك رسمياً فيمكن الاعتماد على الحسابات العلمية الفلكية شريطة أن لا يتجاوز الشهر 30 يوماً. فالدين يسير ليس فيه من حرج وَعَلَى جميع المسلمين اتّباع إعلان دولهم لهذه المسألة، فإن لَمْ يوجد إعلان كما في دول أوروبا وغيرها فيمكن الاعتماد على الجماعة في ذلك البلد. نسأل اللهَ تعالى أن يبارك أوقاتكم جميعاً ويرزقكم وإيانا العافية في الدنيا والدين، اللّهُمّ آمين.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ