هل الضريبة حلال أم حرام في الإسلام؟
الضريبة هي النظام الذي قدّمه الإسلام باسم جباية أموال الزكاة التي تجب على كل من يمتلك قدراً من الذهب والفضة تصل للنصاب فتجبى الزكاة بنسبة معينة وكذلك الأموال التي تبلغ الحَوْل، وأيضاً العُشر الذي يُفرض على الأراضي الزراعية في صدر الإسلام لتغطية نفقات مثل الغزوات ومساعدة الفقراء وغير ذلك، وفي حسابها اجتهاد أيضاً عند الفقهاء حول مسائل كثيرة منها؛ هل تُسقى هته الأراضي بمياه الأمطار أم بجهود خاصة من الفلاح؟ وهل تجب نسبة جباية المال نفسها في الحالتين أم تختلف؟ وفي زمننا يتضح أن السقاية بالجهود الخاصة هي أسهل بكثير من انتظار مياه الأمطار خصوصاً بتوفر المضخات الحديثة للري ومياه الأنهار القريبة ومياه الري الطبيعية وطُرق حديثة للسقي وري الأراضي، وبالتالي يحصد أصحاب الري بالجهود الخاصة محاصيل أكثر من أولئك الذين يعتمدون على ماء المطر. ففي هذه الحالة وغيرها اجتهد الفقهاء في احتساب النسبة الواجبة على الفلاحين. هذه الأموال تتبع نظام الدولة (ولي الأمر) وفي كل عصر تستحدث ضرائب جديدة وفق المتغيرات وهي واجبة على الجميع حسب القانون، وقد أمرنا الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بطاعة ولي الأمر وعدم مخالفته. نقتبس من كلام المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“قال تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} -النساء:60. فهنا أوجبَ اللهُ علينا طاعة الرسول وأولي الأمر إضافةً إلى طاعة الله، وَلَكِنَّ بشرط هو {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} .. أي أطيعوا العباد ولكن لوجه الله تعالى، بمعنى أنَّ على المؤمنين أن يطيعوا شخصًا أو جماعةً بالقدر الذي يأمرهم الله بطاعته. عندما سُئل المسيح ؑعن الضريبة قال: “أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ” -مرقس 12: 17، فقوله عَلَيهِ السَلام هذا يعني: أن إخلاص الطاعة لله تعالى لا يعني أن طاعةَ غيرِ الله حرام، بل يعني: عليكم أن تطيعوا من يأمركم اللهٰ بطاعته وبقدر ما يأمركم بطاعته، ولو أطاع المرءُ أحدًا بأمر الله تعالى لعُدَّتْ طاعته له طاعة لله تعالى. باختصار، إنَّ إخلاص الطاعة لله تعالى يعني أن لا يطيع الْإِنسَانُ اللهَ تعالى مِن أجْل الناس بل من أجله سبحانه، وإذا أطاع العبادَ فلا يطيعهم إلا لوجه الله فقط.” (التفسير الكبير، سُوْرَة البيّنة)
إذن طاعة ولي الأمر واجبة، والطاعة لولي الأمر هي عبر طاعة القانون، فالدولة عندما تسن القوانين على الجميع إنما يكون ذلك لمنفعة المجتمع ككل. فطاعة القانون واجبة على الجميع. وقد حثَّ القُرآن الكَرِيم المسلمين في مواضع كثيرة على الإنفاق طاعة لله تعالى. لذا فإن إنفاق المال واجب شرعي في الإسلام. وقد تجلّى ذلك في أحاديث كثيرة منها ما ذكر تبرّع ابي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بكل ماله وتبرع سيدنا الفاروق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بنصفه وتبرّع سيدنا عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ المستمر بالخيل والمؤن وغير ذلك وتبرعات المؤمنين المختلفة. كل هذه كانت بدايات النظام المالي في الإسلام الذي اتسع باتساع البلاد والعباد والثروات والمصادر الحياتية المختلفة.
ما هو المكوس؟
أما المكس فهو جباية المال أو العُشر بالظلم أي بدون مقابل، فجباية الأموال هي من أجل مصلحة كالجهاد أو التكافل الاجتماعي بينما المكس يجبى بدون مقابل للناس، ولذلك فهو حرام.
فباختصار، طالما أنَّ الله تعالى أمرَنا بطاعة ولي الأمر أي الدولة، ولمّا كان ولي الأمر (الدولة) تفرض الضرائب بعدالة أي أنَّ الجارَ وجميع الناس يدفعون ذات الضريبة في نفس الظروف مقابل تحسين الخدمات كبناء المشافي وتعبيد الطرق وبناء وصيانة المدارس والجامعات والكهرباء والماء والغاز الخ، فهو حقٌّ واجب على المسلمِ طاعةً لأمر الله تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ) (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ! ولما كان الإنفاق واجباً والزكاة على الأموال والمدخرات والزروع والأراضي الخ، فلا تعارض بين هذا مع اتساع الحاجات للدولة.
هل يجوز العمل في الغرب وعدم دفع الضرائب حسب فتوى بعض المشايخ؟
أما بعض المشايخ فهموا بأن الدولة تفرض المكوس أي الدفع مقابل لا شيء، وهذا لا ينادي به دستور أي دولة. لذلك تقوم الثورات والفساد للأسف. وبالطبع ليس الذنب على الناس وحدهم بل الحكام أيضاً بسبب تدني الخدمات. أما في الدول المتقدمة فهنالك كشوف على كل مليم ينفقه المواطن فيعرف أين يذهب المال وكيف تديره الدولة. فالعمل والكسب المادي بدون دفع ضرائب والتهرب منها في دول الغرب هو حرام قطعاً لأنه يخالف القُرآن الكَرِيم ويدعو إلى أكل مال الناس بلا مقابل، وهذا فساد وخداع مُحرَّمٌ بدون شك.
فالخلاصة هي أنَّ الإسلام يحثّ على طاعة أولي الأمر فيما لا يخالف أوامر الله تعالى، وقد أمرنا اللهُ تعالى بالانفاق والزكاة والتبرعات والضرائب المختلفة. فكلٌّ مصالح الناس هي داخلة في هذا الأمر. وقد ضرب السيد المسيح عَلَيهِ السَلام مثالاً عظيماً حين قال “أعطوا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله.“. أي أدّوا واجباتكم تجاه الحكومة وتجاه الله تعالى.
فالضريبة تجب وفق القانون ويحث عليها الإسلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ