يتقاطر اليوم الملحدون ومن خلفهم المنافقون ويثيرون الشبهات حول قضايا الإيمان – والاعتقاد ببعثة الأنبياء ، فقد أثاروا في الآونة الأخيرة اعتراضا تقاطر فيه معهم أحد الضالين المضلين الذي إتهم فيه حضرة المؤسس المسيح الموعود بالحقد على الناس وإتهم الجماعة الإسلامية الأحمدية بأنها تأمل وقوع البلاء على الناس والعذاب لدموية نفوس ابنائها، وبالرغم من سخافة هذا الطرح إلا إن التصدي له قد وجب بفعل تساؤلات ظهرت من بعض الأخوة حول كيفية التوفيق بين رحمة الله وبعثة الأنبياء باعتبارهم مظاهر عظيمة لرحمات الله تعالى وبين العذاب الذي يقع على الكافرين والمعاندين لهم بل وغيرهم أيضا الذين لم يسمعوا مثلا ببعثة ذلك النبي.

وفي بداية الجواب علينا أن ننوه أولا إلى أمر مهم ألا وهو إن العذاب هو يرجع إلى التعذيب والتصفية والتنقية فهو بالمجمل يقع تحت بند الرحمة لما فيه من أمور تخفى على السطحيين والمتسرعين كما هو ديدن الكافرين بالأنبياء والمعاندين لهم

(قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
[سورة النمل 46]

ولكن هل بالفعل إن الله تعالى يرسل الرسل من إجل ايقاع العذاب بالكافرين ؟
وأين هو بحسب هذه الحالة مظهر الرحمة في بعثة الأنبياء ؟

والمطالع للقرآن الكريم يستطيع أن يحصي العشرات من الآيات التي تصف إرسال الرسل وشخصية الأنبياء بالرحمة فعلى سبيل المثال لا الحصر

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
[سورة اﻷنبياء 107]

(وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ)
[سورة القصص 86]

(وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)
[سورة مريم 53]

(وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)
[سورة مريم 50]

وغير ذلك من الآيات التي تدلل على أن الأنبياء بعثوا من فيض الرحمة الإلهية لا رغبة بايقاع العذاب على الناس، لكن فما السر وراء ارتباط بعثتهم بالعذاب الذي يقع على الكافرين المكذبين للأنبياء ومن حولهم من الناس ؟!

لنعلم في البداية إن الله تعالى يبعث الرسل والأنبياء عندما تظهر الحاجة إلى إرسالهم بسبب غي الناس وانغماسهم بالفساد والكفر والعناد
يقول الله تعالى واصفا حال الإنسانية ومجتمعاتها قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
[سورة الروم 41]

ووصفت الملائكة حال البشرية عند بعثة آدم النبي عليه السلام

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
[سورة البقرة 30]

فالأنبياء يبعثون مبشرين منذرين من عذاب استحقته الإنسانية بسبب ضلالها وتماديها بالكفر والفسوق والعصيان فيرسل الله الرسل لتصحيح الأوضاع فمن سنة الله تعالى الكونية استئصال الفساد وأهله من الأرض

(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)

فهؤلاء الكفار يستحقون العذاب بسبب أفعالهم التي تجعلهم يخربون بيوتهم بأيديهم ويشيعون الفساد فيرتد إليهم فعلهم وعملهم ويحق القول فيهم إنما هي أعمالكم ردت إليكم
فهم إن ثاروا ضد حاكم معين سلط الله عليهم ذاك الحاكم كي يكسر شوكتهم ويطمس جبروتهم ويذيقهم وبال أمرهم وها أنت اليوم ترى بأم عينك ضلال عوام المسلمين المبتعدين عن المنهج القويم والرافضين لعلاج الحكيم الخبير والراغبين عن هدي الإسلام القويم الذي حث على الطاعة وتجنب إوار الفتنة وألزم الناس إن أرادوا إصلاح أحوالهم بإصلاح ما في داخلهم

(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)
[سورة الرعد 11]

فهذه الوصفة الإلهية في علاج المجتمعات الإنسانية لا مناص منها ولا فكاك منها فهذا هو حكم الطبيب الخبير فما بال من رفض تلك الوصفة وعمد الى وصفات العطارين الجاهلين والسحرة والكهان المارقين!
فهل يلام هنا الطبيب الذي كتب الوصفة وحاد عنها المريض الذي فضل ترهات المكذبين والسحرة المارقين؟
هنا يصيب هؤلاء أفعالهم ويصيبهم سوء عملهم وهم يحصدون ما زرعوا بأيديهم

(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)
[سورة الشورى

فما كان لها من زرع سوى حنظل
وخاب سعي الزارع المستهام

ولذلك فكل الأمم التي أرسل الله تعالى إليها الرسل ومن حولها من الامم قد بلغت في أعلى مراحل الفساد وغابت في زمانها ملامح الهداية الربانية وتعالوا وتأملوا مثلا ماذا قال لوط لقومه

(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
[سورة النمل 54 – 55]

وقال شعيب لقومه ان لا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تخسروا الميزان

(وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة اﻷعراف 85]

فالكافر بالله تعالى وباختصار هو بعيد عن الوصفات الالهية في علاج سقم المجتمعات الإنسانية لذلك هو فاسد مفسد يخرب بيته بيديه ، لذلك يوكله الله تعالى إلى أعماله ولكن قبل أن يوكل الله تعالى الناس الى أفعالها يرسل الله تعالى طوق نجاة أخير للبشرية وسفينة نوح قبل حلول العذاب ليحق الحق وليقيم الحجة على المعاندبن ،لذلك تتلمس في القرآن الكريم آيات عديدة أنذر فيها الأنبياء قومهم من العذاب القادم إليهم بسبب كفرهم السابق وفسادهم القديم

(قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)

وقال صالح لقومه لما تستعجلون بالسيئة اي بالعذاب قبل الحسنة ألا وهي التجاوز عنه فقال
فلولا تستغفىون الله لعلم ترحمون

كما إن حضرة النبي عليه الصلاة والسلام جاء بين يدي عذاب شديد بعد ان ظهر الفساد في البر والبحر]
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ۖ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)
[سورة سبأ 46]

لذلك فهؤلاء الأنبياء هم رحمة للإنسانية فهم طوق النجاة لأخير الذي يرسله الله لإنقاذ الصالحين المؤمنين
لذلك يقول الله تعالى واصفا حال الأنبياء ومن معه بالناجين من العذاب

(فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ)
[سورة اﻷعراف 64]

(ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ)
[سورة اﻷنبياء 9]

(فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ)
[سورة النمل 57]

من هنا نستطيع أن نفهم بحسب هذه الرؤية قوله تعالى
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
أي أن الله تعالى لا يعذب الناس إلا بسبب فسادهم القديم

(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
[سورة هود 117]

ولا يعذبهم ألا بعد إرسال طوق النجاة الأخير ألا وهم الرسل

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته