لا عقاب للمرتد عند المسيح الموعود ؏
نشرنا قبل سنوات مقالاً أو اثنين حول مفهوم الردة عند مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام (يرجى القراءة من هنا: هل تناقض مؤسس الأحمدية بقضية الإكراه في الدين؟) أثبتنا فيه من خلال كتبه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وحدها بأن الردة أي تغيير الدين عند المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لا تستوجب أي عقوبة دنيوية على يد البشر بل العقاب والحساب الوحيد يكون في الآخرة على يد الله وحده ﷻ، أما إذا قام المرتدُّ أو المرتدّون بقتل ومحاربة الناس والإعانة على قتلهم ونشر الفساد في الأرض فيترتب على ذلك العقاب لهذا السبب أي الحرابة والعدوان وليس لمجرد ردّته وتغييره لدينه.
أثر الردة عن الإسلام في الهند البريطانية
ربما بعد مرور بعض الوقت نهض أحد أو بعض الخصوم لنشر المزيد من التزييف والتشويش على عقيدة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حول الردّة وعقوبتها، ويسرنا أن نقدم لهم ذات المقالين الذين نشرناهما من قبل لتفنيد هذه الفرية، ولكن نظراً لإثارة المرتدّين من خصوم جماعتنا المباركة هذه الشبهة من جديد فقد ارتأينا أن نُسْكِت هذه القصة الكاذبة إلى الأبد من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قبل وفاته بأيام قليلة وتحديداً في شهر مايو من عام 1908 الذي توفي حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في آخره أي في يوم السادس والعشرين منه، حيث نشر حضرته مقالاً بعنوان “أثر الردة عن الإسلام في الهند البريطانية” وذلك في مجلة حضرته المعروفة “مقارنة الأديان Review of Religions” التي أسسها بنفسه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وشدّد على أن الغرض من تأسيسه لها هو فقط نشر مقالاته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ومقالات الجماعة الإسلامية الأحمدية التي اشترط حضرته أن لا تُنشَر إلا تحت إشرافه وموافقته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. وقد تأسست مجلة “مراجعة الأديان” بعد رؤيا للمسيح الموعود ؏ أنه كان يخطب على منبر باللغة الإنكليزية في مدينة لندن قبل سنوات من تأسيس المجلة، وفي 15 يناير 1901 نشر عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام إعلاناً أعلنَ فيه عن إنشاء مجلة بعنوان “مقارنة الأديان” تصدر باللغة الإنگليزية ويتم توزيعها في دول الغرب، فقال عَلَيهِ السَلام -بترجمتي الخاصة:
“لقد كان مصدر قلقي الشديد دوماً هو أنَّ جميع الحقائق والمعارف الصافية والحجج القوية المُقنعة لصالح الإسلام وسبل إحلال السلام في النفس البشرية التي كُشفَت ولا تزال تُكشَف عليَّ لَمْ يستفد منها بعد المثقفون في هذا البلد والباحثون عن الْحَقِّ في أوروبا. لقد كان هذا الألم كبيراً لدرجة أنه أصبح لا يطاق. ولكن الله تعالى يُرِيدُ إكمال مهمّتي قبل أن أغادر هذه الدنيا الفانية… اليوم، لَفَتَ بعضُ الإخوة انتباهي للبدء بإصدار مجلة تصدر باللغة الإنگليزية لنشر مقالاتي التي كتبتُها في نصرة الإسلام تحقيقاً لخدمة الأهداف المذكورة. ومن الممكن أيضاً نشر مقالات دينية وغير دينية لكُتّاب آخرين بشرط قبولنا لها قبل أن تُنشَر“. (إعلان للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في 15 يناير 1901، الناشر مطبعة ضياء السَلام مجمع اشتهارات قاديان، المجلد2، ص 393-395)
أما هذا المقال “أثر الردة عن الإسلام في الهند البريطانية” الذي نشره حضرته قبل وفاته بأيام أو أسابيع فقط في مجلة “مقارنة الأديان” فهو مقالٌ مفيدٌ وحاسم لهذه المسألة، وقد قمتُ بترجمة بعض الأسطر القليلة والكافية التي توضّح عقيدة المسيح الموعود والجماعة الإسلامية الأحمدية حول موضوع الردّة التي نشرها أثناء حياته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، وهي كالتالي:
“إن الآيات المتعلقة بالمرتدّين عن دين الإسلام في القُرآن الكَرِيم واضحةٌ تمام الوضوح لدرجة أن مجرد ذِكرها يحسم هذه المسألة بكل سهولة. لقد ورَدَ في سورة البقرة قوله تعالى {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، حيث تصرّح هذه الآية بوضوح بأن معارضي الإسلام وخصومه هم الذين يُجبرون المسلمين قدر ما استطاعوا على ترك دين الإسلام، وكذلك يوجد ذِكْرٌ للعقوبة بحق هؤلاء المرتدّين. ولكن ما هو نوع هذه العقوبة؟ الآيةُ لا تقول أن المرتدّين يجب أن يُقتلوا أو يُحرموا من جميع حقوقهم، بل ما تقوله الآية ببساطة هو أن أعمال هؤلاء المرتدّين لن تكون ذات جدوى وأنهم سيُعذّبون في نار جهنم لابتعادهم عن الدين الحق. وقد تمّ الإشارة إلى أنهم يموتون موتًا طبيعيًا، والكلمة المستخدمة “فَيَمُتْ” مشتقةٌ من “موت” مما يثبت أن مجرد تغيير الدين لا يعاقب عليه بالقتل وفقًا للقرآن الكريم. ((ثم ذَكَرَ حضرته ؏ عدداً من الآيات وبَيَّنَ انها لا تدعو لقتل المرتد على الإطلاق))… باختصار، لا يوجد في القُرآن الكَرِيم عقوبة القتل ولا أي عقوبة أخرى على الذين ارتدّوا عن الإسلام. … إذن يتضح من آيات القُرآن الكَرِيم عدم وجود أي عقوبة على المرتدّين باستثناء العذاب الذي ينتظرهم في الحياة الآخرة.” (مقارنة الأديان، المجلد السابع، مايو 1908، رقم 5)
أما الناسخ والمنسوخ أي الإلغاء لآيات القُرآن الكَرِيم فقد نفاه المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بكل أنواعه جملة وتفصيلاً كما أثبتنا ذلك في مقالنا من هنا: الناسخ والمنسوخ حسب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام
والآن وقد بات هذا الموضوع من الوضوح الغاية فقد طُويَتْ هذه الشبهة إلى غير رجعة.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ