يثير البعض شُبهةً سخيفة ضد جماعتنا المنيفة تتلخص في أن عمر الجماعة حسب إحدى النصوص من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام محدودٌ بالصحابة أي صحابة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام والتابعين لهم وتابعيهم فقط، وأن هذه الأجيال إذاً من المؤسس حتى تابعي التابعين لن تبقى إلى يوم القيامة بل ستنتهي بعد فترة قريبة وفق النص التالي من كلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“ليكُن معلوماً أيضاً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد حدّد لأمته حَدَّيْن؛ فقال لن تضل أمةٌ أنا أوّلها والمسيح الموعود في آخرها. أي في طرفٍ هناك جدارٌ فولاذي لوجود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم المبارك، وفي الطرف الآخر جدارٌ قاتلٌ للأعداء لوجودِ المسيح الموعود المبارك. يتبين من الحديث المذكور آنفاً أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَمْ يعتبِر الذين يأتون بعد زمن المسيح الموعود مِن أمته. إنَّ عصر المسيح الموعود ممتدٌ إلى زمنٍ فيه أصحابه والتابعون أو تبع التابعين، ويكونون ثابتين على تعليمه. قصارى القول: لا بد أن تعود القرون الثلاثة على منهاج النبوة، ثم تتلاشى الحسنة والطهارة، ثم يجب انتظار ساعة الفناء التي لا يعلمها إلا الله، حتى الملائكة أيضاً لا يعلمونها.” (ترياق القلوب، ج15، ص 343)
هل يحتمل النص أعلاه عزيزي القاريء ما فهمه معارضو جماعتنا؟ بالطبع لا، إذْ إنَّ هذا النص يذكر فقط وجه التشابه بين جماعة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أي جماعة الآخرين وبين جماعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الأولى حيث كانت القرون الثلاثة الأولى حسب الحديث الشريف هي خير القرون. فهل انتهى الإسلام بعد القرون الثلاث الأولى حسب فهم المعارضين للجماعة؟ أم على العكس حيث بدأ عصر ظهور وانتشار الإسلام في أرجاء الأرض وبقي المسلمون غالبين للألف سنة التالية؟
إن جواب هذا السؤال يرد كليةً على أصحاب هذا الفهم السقيم لكلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، لأنه إذا كان المعنى زوال الإسلام نهائياً وعدم بقاء أحدٍ فيه إلا بضعة أفراد كما يتوهم المعارضون فهو كلامٌ بعيد عن الواقع إِذْ الجميع يعلم بأن الإسلام لَمْ ينقرض على الإطلاق بعد القرون الثلاث الأولى بل انتشر وازداد عدد المسلمين بوضوح. فالمقصود إذن عند كل عاقل يقرأ النص أعلاه للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو أن نوعية المؤمنين الخاصة أو المستوى الأعلى للإيمان والتقوى والطهارة ستكون في الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهذا أمرٌ طبيعي. وهكذا قصدَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام في النص أعلاه نوعية المؤمنين الخاصة أو الخواص في الإيمان والتقوى، وليس أنَّ من جاء بعدهم سيكون فاقداً للإيمان والتقوى والطهارة، بل فقط أنَّ مستواهم في ذلك كله لن يكون بنفس الدرجة مع صحابة وتابعي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام تماماً كما أنَّ سلفنا الصالح وعظام العلماء والصلحاء عبر التاريخ لم يبلغوا مستوى صحابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وتابعيهم. وقد تعلّمنا ذلك من السلف أنفسهم عليهم رحمة الله ومثاله حين سُئل الإمام ابن المبارك رحمه الله: أيهما أفضل معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أو عمر بن عبد العزيز؟ فأجاب:
“الغبارُ الذي دَخَلَ في أنفِ فَرَسِ معاوية مع النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خيرٌ من مثل عُمر بن عبد العزيز كذا وكذا مرة.” (مرقاة المصابيح على مشكاة المصابيح)
وهو ما قاله الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
“وأما ما اختصّ به الصحابة رضوان الله عليهم وفازوا به من مشاهدة طلعته ورؤية ذاته المشرّفة المكرّمة فأمرٌ من وراء العقل، إذ لا يسع أحداً أن يأتي من الأعمال وإنْ جَلّت بما يقارب ذلك فضلاً عن أنْ يماثله.” (الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي)
وهكذا فقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام: “ثم تتلاشى الحسنة والطهارة، ثم يجب انتظار ساعة الفناء التي لا يعلمها إلا الله” لم يذكر حدوث ذلك فوراً، بل سيحدث تدريجاً؛ إِذْ ستبدأ بذرة الفساد عندها بالنمو كما هي سُنة الله تعالى دائماً، حتى تأتي القيامة بغتةً وتقوم على شرار الناس -تماماً كما حدث بعد القرون الأولى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذ بدأ الفسادُ بعد القرون الثلاثة وكان تدريجياً حتى بَلَغَ مبلغاً عظيماً بعد ألف عَامٍ رغم انتصار الإسلام وازدهاره المادي خلال هذه المدة- وحينئذ تكون فئة خُلَّص المؤمنين الصادقة المُلتفّة حول الخلافة بكل إخلاص قليلة، رغم أن الجماعة ستكون ظاهرة على الأرض منتشرة في كل مكان. فالذين لا يعتبرون من أمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فهم الفاسدون من غالبية الناس الذين سيكونون قبيل يوم القيامة، وليس الذين سيأتون بعد عصر تابعي التابعين مباشرة.
باختصار، فقط من خلال قراءة المقارنة بين جماعة الأولين والآخرين التي كتبها حضرته عليه الصلاة والسلام في النص أعلاه يتوضح المقصود تماماً بلا أدنى عناء.
أما عن مستقبل الجماعة وظهورها وانتصارها واستمرار قوتها وغلبتها إلى يوم القيامة فأقوال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في ذلك كثيرة وقاطعة، وفيها أكّد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأن الأديان والمذاهب ستتضاءل أمام الجماعة تدريجاً لدرجة أنها ستبدو كطوائف الغجر القديمة. وبمرور 300 عام لن يجرؤ أحدٌ على طرح الشبهات السخيفة التي تثار اليوم كحياة المسيح في السماء. وفيما يلي بعض هذه النصوص القطعية من كلام حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حول بقاء الجماعة وغلبتها إلى يوم القيامة:
“قد أرادَ اللهُ تعالى أن يخلق هذه الجماعة ثم يهبها تقدماً ليُظهر جلاله ويُري قدرته لكي ينشر في الدنيا حُبّ الله تعالى والتوبة النصوح والطهارة والبِرّ الحقيقي والأمن والصلاحية ومؤاساة البشر. فهذه الجماعة ستكون جماعته المختارة التي سوف يهبها القوة بروحه الخاصة ويطهرهم من الحياة القذرة، وسوف يُحدث تغييراً طيباً في حياتهم. وكما أنه تعالى قد وعد في أنبائه المقدسة فإنه سوف يجعل هذه الجماعة تزدهر، ويدخل فيها ألوفاً من الصلحاء. إنه تعالى سوف يرويها بنفسه ويكتب لها الازدهار حتى إن كثرتها وبركتها سوف تبدو غريبة للأعين. وسوف ينشرون ضوءهم إلى جميع أرجاء المعمورة مثل المصباح الموضوع في المكان المرتفع، وسيكونون نموذجا للبركات الإسلامية. إنه ﷻ سوف يهب للأتباع الكاملين غلبةً على الفئات الأخرى كلها في مجال كل نوع من البركات، ولسوف يكون في هذه الجماعة إلى يوم القيامة أناس يوهَبون القبول والنصرة. هذا ما أراد اللهُ الرَّبُّ الجليل، إنه لقادرٌ يفعل ما يريد، له القوة وله القدرة. فالحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً أسلمنا له، هو مولانا في الدنيا والآخرة، نعم المولى ونعم النصير“. (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية، مجلد 3، ص 561-563)
فالجماعة باقية إلى يوم القيامة كما في النص أعلاه من كلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عَلَيهِ السَلام. والنص التالي أيضاً من كتاب آخر يتكلم فيه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول ظهوره ونزوله بأمر الله تعالى كالمُجَدِّد الأعظم بين مُجدِّدي الإسلام الذين أخبر النبيُّ ﷺ ببعثتهم على رأس كل قرن وأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام آخرهم، فيقول حضرته بأن:
“المُجدِّدُ الأعظم قد ظهر، والنورُ النازل قد نزل، وإلى هذا أشار سبحانه في سورة القدر وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وما أدراك ما ليلةُ القدر . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. وأنت تعلم أن الملائكة والروح لا ينزلون إلا بِالْحَقِّ، وتعالى اللهُ عن أن يُرسلهم عبثًا وباطلاً. فإرسال الروح ههنا إشارة إلى بعث نَبِيٍّ أو مُرسَلٍ أو مُحدَّث يُلقى ذلك الروح عليه، وإرسال الملائكة إشارة إلى نزول ملائكة يجذبون الناس إلى الْحَقِّ والهداية والثبات والاستقامة، كما قال الله تعالى في مقام آخر: {إِذْ يوحي ربك إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، أي هاتوا قلوبَهم وحَبِّبوا إليهم الإيمانَ والثبات والاستقامة، فهذا فعل الملائكة إذا نزلوا. ففي سورة القدر إشارة إلى أن الله تعالى قد وعد لهذه الأمة أنه لا يضيّعهم أبدا، بل إذا ما ضلوا وسقطوا في ظلمات يأتي عليهم ليلة القدر، وينزل الروح إلى الأرض، يعني يلقيه الله على من يشاء من عباده ويبعثه مجدداً، وينزل مع الروح ملائكةٌ يجذبون قلوب الناس إلى الْحَقِّ والهداية، فلا تنقطع هذه السلسلة إلى يوم القيامة. فاطلبوا تجدوا، واقرَعوا يُفتَح لكم.” (حمامة البشرى)
فهل بعد ذلك يفهمُ عاقلٌ ما فهمه المعارضون؟
وإمعاناً في تأكيد بقاء الجماعة وظهورها ونصرها إلى يوم القيامة نقتبس النص التالي الذي يقول فيه المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“{يَا عِيْسى إنِّي مُتَوَفِّيْكَ وَرَافِعُكَ إلىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا وَجَاعِلُ الَّذِيْنَ اتَّبَعُوْكَ فَوْقَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}. المرادُ من عيسى في هذا الوحي الإلهي هو أنا، والمراد من التابعين هم جماعتي. لقد جاءت هذه النبوءة في القرآن الكريم بحق عيسى عليه السلام. والمراد من المغلوبين هم اليهود الذين ظل عددهم يقلّ يوماً بعد يوم. فإن في إنزال هذه الآية مجدداً بحقي وبحق جماعتي إشارةً إلى أنه من المقدر أن عدد الخارجين من هذه الجماعة سيتضاءل رويداً رويداً، وأن جميع فِرق المسلمين الذين ما زالوا خارج هذه الجماعة سيتضاءل عددهم أيضاً يوماً بعد يوم نتيجة دخولهم هذه الجماعة أو سيُقضى عليهم رويداً رويداً كما قلّ عدد اليهود شيئاً فشيئاً حتى بقيت قلّة قليلة جداً منهم، كذلك تماماً ستكون عاقبة معارضي هذه الجماعة. وسيغلب أفرادُ هذه الجماعة على الجميع من حيث عددهم وقوة مذهبهم.” (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، ص 73-74)
إذن لا مجال إلا الفهم البسيط التلقائي للنص الأول من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، إذْ يفهم كل فطن بل وبسيط العقل من خلال النصوص الأخرى أيضاً أن الجماعة ستبقى إلى يوم القيامة وتظهر على الجميع ولكن لن ينال أحدٌ مقام صحابة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وتابعيهم وتابعيهم. فهذا هو فهم السلف الصالح أصلاً للإسلام كما بيّنا آنفا.
ولقد تناول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هذا الموضوع بخصوصية مؤكداً أن هذه الجماعة هي بذرة الله تعالى الطيبة وسوف لن يتركها على الإطلاق بل سينميها ويربيها حتى تزدهر وتنتشر مهما حاول أهل الدنيا وعبّادها محاربتها ومنعها، فيقول حضرته:
“لا تظنوا أن الله تعالى سوف يضيعكم، أنتم بِذْرةٌ بَذَرَها الله تعالى في الأرض بيده. يقول الله تعالى: إن هذه البَذْرة سوف تَنْمُو وتَزْدَهِرُ وتَتَفَرَّعُ في كل حَدَبٍ وصَوْبٍ، ولَسَوْف تصبح دَوْحَة عظيمةً. فطوبى للذي يؤمن بقول الله تعالى ولا يخاف الابتلاءاتِ الطارِئَةِ، لأنه لا بد من الابتلاءات أيضاً ليميز الله الصادقَ منكم والكاذبَ في ادعائه للبيعة. والذي يَزِلُّ بسبب الابتلاء لن يضر اللهَ شيئاً وإنما يضر نفسه، والشقاوة سوف تُؤدي به إلى الجحيم. كان خيرًا له أن لا يولَد. ولكن الذين يصبرون إلى نِهايَةِ المَطافِ في حين تأتي عليهم زلازل المصائب وتَهُبُّ عليهم عواصِفُ الابتلاءاتِ، وسوف تَسْخَرُ منهم الأقوامُ وتستهزئ، وتُعاملُهم الدنيا بالكراهية، فأولئك الذين سوف يفلحون في آخرِ الأمر، وسوف تُفتَح عليهم أبوابُ البركاتِ على مِصْراعَيْها.” (الوصية، ص 10-11)
وهذا نص آخر للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يؤكد فيه بالقطع بأن “الله سوف يبارك هذه الجماعة بركات كبرى خارقة للعادة، ويخيب كل من يفكر في القضاء عليها، وسوف تستمر هذه الغلبة إلى يوم القيامة” والنص كاملاً كما يلي:
“اِسمعوا جيدًا أيها الناس جميعًا! إنه لمما أنبأ به خالق السماوات والأرض أنه سوف ينشر جماعته هذه في كل أنحاء العالم، ويجعلهم غالبين على الجميع بالحجة والبرهان. إن الأيام لآتية، بل هي قريبة حين لا يُذكر في الدنيا بالعز والشرف إلا هذا المذهب. إن الله سوف يبارك هذا المذهب وهذه الجماعة بركات كبرى خارقة للعادة، ويخيب كل من يفكر في القضاء عليها، وسوف تستمر هذه الغلبة إلى يوم القيامة …. اِعلموا جيدًا أنه لن ينـزل من السماء أحدٌ. إن جميع معارضينا الموجودين اليوم سوف يموتون، ولن يرى أحدٌ منهم عيسى بن مريم نازلًا من السماء أبدًا. ثم يموت أولادهم الذين يخلفونهم، ولن يرى أحدٌ منهم أيضاً عيسى بن مريم نازلًا من السماء. ثم يموت أولاد أولادهم، ولكنهم أيضاً لن يروا ابن مريم نازلًا من السماء. وعندها سوف يُلقي الله في قلوبهم القلقَ والاضطراب، فيقولون في أنفسهم: إن أيام غلبة الصليب قد انقضت، وأن العالم قد تغيَّر تمامًا، ولكن عيسى بن مريم لم ينـزل بعد؟ فحينئذ سوف يتنفّر العقلاء من هذه العقيدة دفعةً واحدة، ولن ينقضي القرن الثالث من هذا اليوم إلا ويستولي اليأسُ والقنوط الشديدان على كل من ينتظر نزول عيسى، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا، فيرفضون هذه العقيدة الباطلة؛ وسيكون في العالم دين واحد وسيد واحد. ما جئت إلا لزرع البَذْرة، وقد زُرعتْ هذه البَذْرة بيدي، والآن سوف تنمو وتزدهر، ولن يقدر أحدٌ على أن يعرقل طريقها.” (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية، مجلد 20، ص 66-67)
وقد بشَّرَ المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام جماعته بدوام الخلافة فيها من بعده:
“فيا أحبائي، ما دامت سُنّة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء .. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سُنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضاً، وإن مجيئها خيرٌ لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإنّ تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله ﷻ: [إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة]. فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إنَّ إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم أنَّ هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آنَ وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها.” (الوصية، الخزائن الروحانية، المجلد 20، ص 305، 306)
فما هي القدرة الثانية؟ الجواب: هي الخلافة، والدليل قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“إنه تعالى يُري نوعين من قدرته: فأولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته العظيمة بعد وفاة النبي عند حلول المحن، حيث يتقوى الأعداء ويظنون أنَّ الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أنَّ نهاية هذه الجماعة قد دنت، حتى إنَّ أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتُقصَم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء منهم، وعندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً، ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث ظنوا أنَّ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد سبقت أوانَها، وارتدّ كثيرٌ من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة لشدة الحزن كالمجانين، فعندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وأظهر نموذجًا لقدرته الثانية، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك، وهكذا أتمّ وعده الذي قال فيه {ولَيُمكِّننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا}.” (الوصية، الخزائن الروحانية، المجلد 20، ص 305، 306)
إذن يؤكد عَلَيهِ السَلام في نفس الحديث أنَّ هذه القدرة الثانية التي ستكون من بعده إنما هي الخلافة التي تماثل خلافة أبي بكر الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للنبي ﷺ وأنَّ الخلافة هذه هي التمكين الذي وعده الله تعالى باستخلاف المؤمنين الصالحين من بعد النبي لاستكمال الدور الذي أنيط بالنبي لتزكية وتعليم ولمّ شمل المؤمنين وإقامة السَلام الروحي وخدمة الخلق، وهي باقية إلى يوم القيامة وإلى الأبد.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
اللطيف في لوحة المنشور أنها مرسومة سنة 1880 أي قبل إعلان تأسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية بقليل جداً دون العشر سنوات فقط وكأنها نبوءة لظهور عصر الرقي الروحاني المصاحب لاختراع الطائرة وتحقيق حلم أو أمل الإنسان العتيد بالطيران مثل الطيور في السماء.