من الثوابت في الجماعة الإسلامية الأحمدية هو توقير جميع العلماء واحترامهم واتخاذهم مثالاً في العلم والطهارة، وقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يُجل العلماء جميعاً حتى الذين هم اليوم في دائرة الشبهات والانتقاد عند غير الأحمديين، وهو ما نهجته الجماعة من بعده أيضا عبر خلفاء المسيح رضوان الله عليهم أجمعين.
الواقع أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تُجلُّ العلماء ومن بينهم شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ وتلميذه النجيب ابن القيم ؒ، وكذلك المجتهد محمد بن عبد الوهاب ؒ الذي كان في نظر كثير من المسلمين هو مجدد وقته لعلمه الغزير وورعه الشهير، وقد تعرَّض للتكفير من قبل علماء زمنه خاصة علماء الحرم المكي وألّفوا ضده الكتب التي تكفّره وتخرجه من الملة ككتاب “الدرر السنية في الرد على الوهابية” تماماً كما ألَّفوا الكتب التكفيرية ضد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته المباركة. ويمكن الإطلاع على ذلك في كتاب “رجال الله والمشايخ المتعصبون” الذي ألفه العالم الأحمدي حضرة الحافظ دوست محمد شاهد. وكذلك كتاب “مع الحب لمسلمي العالم” للخليفة الرابع رحمه الله.
وقد وَصَفَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام العلماءَ كابن القيم وابن تيمية وغيرهم بأكابر الأمة وفضلائها، فقال حضرته:
“إن الإمام مالكًا وابن قيم وابن تيمية والإمام البخاري وكثيرًا من أكابر الأئمة وفضلاء الأُمّة قالوا بوفاة المسيح.” (سر الخلافة)
وقال عَلَيهِ السَلام:
“المحدِّث الفاضل والمفسر ابن تيمية وابنُ قيم اللذان كان كل واحد منهما إمام عصره يؤمنان بوفاة المسيح عليه السلام“. (كتاب البرية)
ويقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن علماء المتصوفة:
“ومنذ عصر سيدنا ومولانا محمد المصطفى ﷺ وإلى يومنا هذا قد بعث الله في الإسلام أولياء في كل قرن ليُظهر بواسطتهم الآيات والمعجزات التي يهتدي بها أصحاب الأديان الأخرى كأمثال السيد عبد القادر الجيلاني، أبو الحسن الخرقاني، أبو يزيد البسطامي، جنيد البغدادي، محي الدين بن عربي، ذو النون المصري، معين الدين جشتي الأجميري، قطب الدين بختيار الكعكي، فريد الدين الباكبتني، نظام الدين الدهلوي، شاه ولي الله الدهلوي، الشيخ أحمد السرهندي رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ورضوا عنه. ويصل عدد هؤلاء الصلحاء آلافاً، وآياتهم ومعجزاتهم مدونة في كتب العلماء الأفاضل بكثرة بحيث إذا درسها أي معاند للإسلام فلا بد له من الاعتراف بأن هؤلاء الأقطاب كانوا أصحاب المعجزات والخوارق، والآيات السماوية التي ظهرت ولا تزال تظهر بواسطة أولياء الأمة في الإسلام لتأييد سيدنا مُحَمَّد ﷺ وإظهار صدقه، لن نجد لها مثيلا في الأديان الأخرى.” (كتاب “البرية”، “الخزائن الروحانية”، مجلد 13، صفحة 91 92)
وعن صلحاء الشيعة وخلاف العلماء الشيعة مع السنة يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“يبدو لي عند التدبر في هذا الموضوع أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة في هذه المسألة ليس ناتجا عن خطأ تاريخي، بل الحق أن روايات الشيعة تبدو مبنية على كشوف دقيقة لبعض السادات الأكارم. ولما كان الأئمة الاثنا عشر من المقدسين والصالحين العظام ومن الذين تُفتح عليهم أبواب الكشوف الصحيحة، لذا من الممكن، بل الأكثر معقوليةً أن يكون بعض أكابر الأئمة قد بيّنوا هذه المسألة بإلهام من الله بالأسلوب نفسه الذي بيّن به النبي ملاخي عودَة النبي إيليا كما هناك ضجة عن عودة المسيح.” (إزالة الأوهام، ص 367)
ويقول خليفة المسيح الرابع رحمه الله حول موضوع الكثرة والقلة كدليل على صدق الجماعة:
“لقد أثار هذه المسألة حضرة الإمام الرازي وحضرة الإمام ابن تيمية وحضرة الإمام ابن القيم وغيرهم من العلماء الربّانيين، واكّدوا مُجمعين على أن الكثرة العددية لا دور لها في تقرير الحق.” (من خطبة الجمعة التي ألقاها الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد رَحِمَهُ الله بتاريخ 17-5-1985 في “مسجد الفضل” بالعاصمة لندن)
كذلك قال الخليفة الرابع ؒ:
“لقد بدأ مولانا محمد بن عبد الوهاب الجهاد ضد الشرك [أي عقائد الشرك بالله تعالى]، ولكنه في هذا المسعى بالغَ حتى وصلى إلى حد التطرّف.” (كتاب “هل الأحمدية غراس بريطانيا”، ص 35)
إذن، توقير العلماء ثابت عند المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته بما لا يقبل الشك. ومع ذلك فالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وجماعته لا يقرُّون بأخطاء العلماء فالعلماء أولاً وأخيراً هم بشر يصيبون ويخطئون، ودور المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام المأمور بالوحي السماوي هو إلغاء نشر الإسلام بالسيف وإكراه الناس على الدين والثورة على الحاكم وغيرها من مفاسد مما يعارض موقف ذات العلماء إذا ثبتت عليهم أي من هذه المواقف والتصريحات، فلا يقر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته لهم بذلك بل يعترف فقط بمقامهم وعلمهم واحترامهم كعلماء كبار لهم وعليهم كل وفق اجتهاده كبشر، وهذا هو دور النبي؛ أن يصحح العقيدة ويعطي لكل حقه دون إفراط ولا تفريط.
كذلك يقول الإمام المُربّي والعالم الأحمدي في ألمانيا السيد افتخار أحمد عن الإمام ابن تيمية وابن القيم ؒ:
“إنَّ للشيخين الجليلين ؒ مكانةً كبيرة عندنا في الجماعة الإسلامية الأحمدية. ولقد كان خليفة المسيح الأول ؓ يُجلُّ الإمامين ويوقّرهما كل التوقير، ونحن نستخدم الكثير من أقوال الإمامين ؒ في أدبيات الجماعة الإسلامية الأحمدية، هذا لأننا نعُدّهما قدوةً لنا في العلم والتقوى، وقد كان خليفة المسيح الثاني ؓ يصفهما بـ”العالِمَين الربّانيين”. إنَّ الإمام ابن تيمية ؒ عند الجماعة الإسلامية الأحمدية هو مجدد القرن السابع، وكان خليفة المسيح الأول ؓ يُسمَّيه بـ” شيخ الإسلام الإمام العلّامة”. كذلك تلميذه النجيب ابن القيم ؒ غالباً ما نقتبس أقواله لكونه يؤمن بموت المسيح عَلَيهِ السَلام. وقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يسمِّيه بـ”إمام المُحدِّثين”، ولا يُذْكَر اسمه عند خلفاء المسيح إلا وسبقه لقب “الشيخ” و”الإمام”.” انتهى كلام الإمام افتخار أحمد.
وقد نهى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن الإساءة إلى العلماء خاصة علماء السلف وقال بأن لحوم العلماء مسمومة:
“وإنّ لعن الصادقین المرسلین لیس بِہَیِّنٍ، فسوف یرون ثمرۃ ما یبذرون، ویرون من أُخِذَ ومن نجیٰ. وإن اللہ یأتی ینقُص الأرضَ من أطرافہا، فیُری الفاسقین ما أری فی قرونٍ أُولٰی. وإن لحوم أولیاۂ مسمومۃ، فمن أکلہا بالاغتیاب والبہتان علیہم فقد دعا إلیہ الردیٰ. وسیبدی السمّ آثارہ، ولا یفلح الفاسق حیث أتی. وإن اللہ غیور لنفوسہم کما هو غیور لنفسہ، فلا یترک من عادٰی، فانتظروا المدٰی. وإنّ أَشقی النّاس من عاداهم وإن أَسْعدَهم من وَالٰی.” (الخزائن الروحانية. المجلد 19، مَوَاھب الرحمٰن، ص 226)
باختصار، فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية توقّر العلماء جميعاً بلا استثناء ولا تعادي من العلماء أحداً والعياذ بالله بل العكس هو الصحيح، إذ تدعو الجماعة الإسلامية الأحمدية لاحترام وتوقير جميع العلماء، وفي نفس الوقت تنتقد أخطائهم إن وجدَتْ بعيداً عن الشخصنة والإقصاء. وهذا دليل صريح بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية أنصفت الشيخ ابن تيمية وعلماء السلف بل والشيخ محمد عبد الوهاب رحمة الله عليهم أجمعين بما لا نظير له عند أي فرقة أخرى.
يمكن للقرّاء الكرام الاطلاع على منشورنا السابق حول هذا الموضوع الذي نشرناه العام الماضي بالضغط هنا
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ