بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 13-7-2018.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: سأتناول اليوم بالذكر صحابيين أحدهما حضرة أَبِيْ أسيد مالك بن ربيعة الساعدي وكان من قبيلة الخزرج. شارك النبيَّ ﷺ في معركة بدر وأحد والخندق وسائر الغزوات بعدها. عند فتح مكة كانت معه راية بني ساعدة. فقد بصره في الشيخوخة. توفي في عهد حضرة معاوية عن عمر يناهز 75 عاما، وكان آخر الصحابة الأنصار من البدريين وفاةً.

ذات مرة جاء بعض الأسرى إلى النبي ﷺ فرأى فيهم امرأة تبكي، فسألها ﷺ: لماذا تبكين؟ فقالت: إنه قد فصل ابني عني، فكان مالك الأسير أبا أسيد الساعدي. فسأله ﷺ هل فصلتَ عنها ابنها وأبعدته عنها؟ فقال: كان معاقا، وكانت لا تطيق حمله. فأمره النبي ﷺ أن يُحضره بنفسه ويعيده إلى أمه. وقال النبي ﷺ سواء قدرتْ على حمله أم لم تُطق، يجب أن لا تُضَارَّ الأم بولدها، سواء كانت أسيرة أم أمة.

عَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ، أُصِيبَ بَصَرُهُ قَبْلَ شهادة عُثْمَانَ ؓ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَتَّعَنِي بِبَصَرِي فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ فرأيت البركات كلها،  فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ الْفِتْنَةَ فِي عِبَادِهِ كَفَّ بَصَرِي عَنْهَا.

عن عُمَارَة بن غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ فِتْيَةً سَأَلُوا أَبَا أُسَيْدٍ عَنْ تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الأَنْصَارَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، يَقُولُ:”خَيْرُ قَبَائِلِ الأَنْصَارِ دُورُ بني النَّجَّارِ، ثُمَّ بني عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بني الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بني سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ الأَنْصَارِ خَيْرٌ” قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: لَوْ كُنْتُ قَائِلا غَيْرَ الْحَقِّ لَبَدَأْتُ بِجَدِّي.

ذكر المصلح الموعود ؓ مستندا إلى كتب التاريخ أنه حين فُتحت بلاد العرب وأخذ الإسلام في الانتشار جاء شاب اسمه لقمان إلى النبي ممثلا قبيلته كِندة، وكانت معه أخته ولقبُها الجونية. فأبدى الشاب رغبته في أن يتزوج النبي ﷺ من أخته الأرملة، وهي على قسط كبير من الجمال والكفاءة. ولما كان من أهداف النبي ﷺ توحيد القبائل العربية قَبِل طلبه هذا وأعلن قرانه عليها، وطلب من النبي ﷺ أن يرسل أحدا ليأتي بزوجته إلى المدينة. فبعث النبي أبا أُسيْد. فأَنزلها في بيت حوله أشجار نخل، فتوجهتْ نسوة من المدينة لرؤيتها. وبحسب قول هذه العروس قالت لها إحدى النسوة: إذا جاءك رسول الله فقولي له: أعوذ بالله منك، فيحبك أكثر. فلما دخل عليها النبي ﷺ قال: هِبي نفسك لي. فقالت: أعوذ بالله منك. ققال النبي ﷺ: لقد عُذتِ بعظيم، لذا أقبلُ طلبكِ. ثم خرج النبي ﷺ وقال: يا أبا أُسيْد، اكْسُها رازِقِيّتين، وأَلْحِقْها بأهلها. أمر النبي ﷺ بإعطائها رازقيتَين منّةً منه إضافة إلى مهرها عملا بقول القرآن الكريم: ]وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ[ (البقرة: 238) فهذا الحكم فيما يتعلق بالمرأة التي لم يمسّها زوجها. فأخذها أبو أسيد إلى أهلها. فشق ذلك على قبيلتها، فردت عليهم قائلة: هذا من شقاوتي بأنني استمعت لقول إحدى النسوة. وسواء كان هذا هو السبب أم لا فإنها حين أظهرت النفور تـركها النبي ﷺ وسرَّحها. فالذين يتهمون النبي ﷺ بأنه مزواج ومولع بالنساء -والعياذ بالله- هذا الحادث وحده يكفيهم ردا.

والصحابي الثاني هو عبد الله بن عبد الأسد ؓ، وكنيته أبو سلمة، وكان ابنَ عمة النبي ﷺ وأخا حمزة ؓ من الرضاعة، ورضع من ثُوَيبة مولاة أَبِي لهب، وكانت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في عقده. كتب مرزا بشير أحمد ؓ عنه في كتابه “سيرة خاتم النبيين ﷺ”: كان أبو سلمة بن عبد الأسد من بني مخزوم، وبعد وفاته تزوّج النبي ﷺ من أرملته أم سلمة. أسلم أبو سلمة بعد عشرة أنفس، وجاء في رواية: انطلق أبو عبيدة بن الحارث وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم وعثمان بن مظعون حَتَّى أتوا رسول الله ﷺ فعرض عَلَيْهِم الإسلام وقرأ عليهم القرآن، فأسلموا وشهدوا أَنَّهُ عَلَى هدى ونور.

اشترك عبد الله بن عبد الأسد مع زوجته أم سلمة في الهجرة الأولى إلى الحبشة، وبعد عودته من الحبشة هاجر إلى المدينة. ورد في “سيرة خاتم النبيين ﷺ” أنه حين بلغ تعرُّض المسلمين للأذى منتهاه وازدادت قريش إيذاءً قال النبي ﷺ للمسلمين بأن يهاجروا إلى الحبشة، فهاجر أحد عشر رجلا وأربع نساء إلى الحبشة في العام الخامس من البعثة، ومنهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله ﷺ وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبو حذيفة بن عتبة وعثمان بن مظعون ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وزوجته أم سلمة y. نَعِم المسلمون بحياة الأمن بعد وصولهم الحبشة ونجوا من مظالم قريش بصعوبة.

وحين عاد أبو سلمة من الحبشة استجار بأبي طالب فطلبه رجال من بني مخزوم. فنهاهم أبو لهب وقال: والله لتنتهوا عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه، حتى يبلغ ما أراد‏‏.‏‏ فقالوا: بل ننصرف عنه.‏‏ فقال أبو طالب بعض الأبيات في مدح أبي لهب لعله ينصر رسول الله ﷺ ولكنه ازداد عداء.

لما سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة العشيرة في العام الثاني الهجري أمّر أبا سلمة على المدينة.

كتب حضرة مرزا بشير أحمد: بلغ النبيَّ ﷺ خبرٌ عن قريش مكة، فخرج من المدينة في جماعة من المهاجرين في جمادى الأولى، وجعل أبا سلمة بن عبد الأسد أميرًا في غيابه. وصل النبي إلى مكان يدعى العشيرة قرب مكان اسمه يَنْبُع. ومع أنه لم يقع أي اشتباك مع قريش إلا أنه أبرم مع قبيلة بني مُدلج معاهدة على نفس الشروط التي عقد بها معاهدة مع بني زمرة في التحالف مع المسلمين ومناصرة المسلمين عند الحاجة.

ورد في كتاب سيرة خاتم النبيين: لم يمض على غزوة أحد فترة طويلة حتى فوجئ النبي ﷺ في العام الرابع الهجري بأن زعيم قبيلة أسد طليحة بن خويلد وأخاه سلمة بن خويلد يقومان بتحريض أهل بلادهم على حرب النبي ﷺ. فأعدّ ﷺ كتيبة قوامها مائة وخمسون صحابيا وأمّر عليهم أبا سلمة بن عبد الأسد للإغارة على بني أسد لتشتيتهم. فخرج أبو سلمة وتقدم إلى بني أسد في مكان اسمه قطن في وسط الجزيزة العربية، لم يحدث قتال بل تفرَّق بنو أسد هنا وهناك، ورجع أبو سلمة إلى المدينة بعد بضعة أيام.

ونتيجة ما أصابه في هذا السفر من عناء شديد فَسُد جرحه الذي أصيب به يوم أحد، وتسبّب في وفاة هذا الصحابي المخلص الذي كان أخا للنبي صلى الله عليه بالرضاعة. ودُفن أبو سلمة في المدينة.

لما توفي أبو سلمة دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين. واغفر لنا وله يا رب العالمين. وفي رواية: لما حانت وفاة أبي سلمة دعا الله وقال: اللهم اجعل لأهلي خير خلف. واستجيب دعاؤه حيث تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أرملته.

وروى ابن أم سلمة أن أبا سلمة جاء أم سلمة وقال، قال النبيﷺ: من أصابته مصيبة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، ورب إني أسألك ثوابا من عندك على هذا المصاب، فهبْ لي بدلاً منه، وهب الله له البدل.

وعن أم سلمة أنها قالت: لما استشهد أبو سلمة دعيت بهذا الدعاء، وقلت في نفسي من الذي يمكن أن يكون خيرًا من أبي سلمة، فقد كان متحليا بكذا وكذا من المحاسن والشيم. ولما اكتملت عدة أم سلمة رغب سيدنا أبو بكر في الزواج منها، ولكنها رفضت طلبه. وفي الأخير فكّر النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج منها. كونها أرملة صحابي جليل ولرعاية أهل أبي سلمة وأولاده. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها طالبا منها الزواج، فرضيت. فصار ابنها ولي أمرها فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم.

كانت أم سلمة سيدة عظيمة القدر، وكانت من المهاجرين إلى الحبشة ومن أولى المهاجرات إلى المدينة أيضا. وكانت متعلمة ومثقفة. وفي كتب الحديث روايات كثيرة عنها، وهي في هذا المجال تحتل المكان الثاني بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والثانيَ عشر بين الصحابة والصحابيات كلهم.

نسأل الله تعالى أن يرفع درجات الصحابة دوما، ووفقنا لفعل الخيرات التي كانوا يفعلونها. آمين.

صلى أمير المؤمنين أيده الله بنصره العزيز صلاة الجنازة على بعض المتوفين. وأولهم هو راجه نصير أحمد ناصر المرحوم. كان من الذين قد نذروا حياتهم لخدمة الدين، نال شهادة الشاهد عام 1965. وُفِّق لخدمة الجماعة 47 عاما في باكستان وبنغلادش وأوغندا وزائير وإندونيسيا. توفي في 6 يوليو عن عمر يناهز 80 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. غفر الله له ووفق أولاده للاستمرار في حسناته ومزاياه الحسنة.

الجنازة الثانية لشهيدين الأول مبين أحمد بن محبوب أحمد، والثاني محمد ظفر الله بن لياقت علي، هاجم محلهما النُّهابُ وأطلقوا عليهما الرصاص وأردوهما شهيدين. في 7/7/2018م كراتشي. إنا لله وإنا إليه راجعون.

كان الشهيد مبين أحمد طالبا في البكالوريوس وبالغا من العمر 20 عاما. كان موصي وعضوا نشيطا في مجلس خدام الأحمدية. ترك الشهيد وراءه والده ووالدته وأختين وأخ. الشهيد الثاني محمد ظفر الله بن لياقت علي كان عمره 35 عاما. كان سبّاقا في خدمة الجماعة وكان موصي أيضاً. وترك وراءه والده ووالدته وخمسة إخوة أحدهم الحافظُ نصرُ الله عمره 24 عاما أصيب في نفس الحادث وقد أجريت له عملية جراحية. ندعو الله تعالى أن يشفيه شفاء كاملا عاجلا ويرفع درجات المرحومين ويلهم ذويهم الصبر والسلوان. أمين.