خطبة الجمعة 27/9/2109م
في “تيري شاتو” بمناسبة الجلسة السنوية لجماعة فرنسا
أوضح حضرته الغاية من الجلسة السنوية وهي تحسين أوضاعنا الدينية والعلمية والروحانية .
فإذا كنا نريد الإيفاء بعهد بيعتنا ووقاية أجيالنا، فثمة حاجة لوضع أهداف الجلسة هذه نُصب أعيننا، وقضاء هذه الأيام الثلاثة متعهدين بأننا سنجعل هذه الأمور جزءا لا يتجزأ من حياتنا للأبد. لقد قال سيدنا المسيح الموعود u بيانا لأهداف الجلسة هذه، إن الجلسة تُعقد ليهتم الشركاء فيها بالآخرة بالمكوث في هذه الأجواء، وتنشأ فيهم خشيةُ الله والتقوى والخشوع، وينشأ جوُّ التحابب والتآخي ويتولد فيهم التواضع والانكسار ويتمسكوا بالصدق وينشطوا لخدمة الدين.
فلا يمكن الاهتمام بالآخرة إلا إذا كان هناك إيمان كامل بوجود الله تعالى وكان المرء يكنّ في قلبه خوفَ الله وخشيته، وحبُّه لله يغلب كل حب مادي، فهو لا يخاف الله ويخشاه لأنه سيواجه العقاب في الحياة الآخرة بعد الموت، كلا وإنما يحذر أن يسخط منه إلهه الحبيب.
فالذي يهتم بالآخرة ويخشى الله يعتني أولا بالحفاظ على عبادته، فهو ينظر ما هي الغاية التي حددها الله I لحياته، يقول الله I ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ فإنه مما لا شك فيه أن غاية خلق الإنسان إنما هي عبادة الله ومعرفته والفناء فيه تعالى.
فما هو طريق العبادة وأسلوبها الذي علمَناه الله I لنيل هذا الهدف؟ ألا إنه إقامة الصلاة، فقد قال الله I: ]إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[ يقول سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام: إنني أجد مسألة كون الصلاة كتابا موقوتا أحبَّ وأعزَّ إلي، أي أنني أحب أداء الصلاة في وقتها كثيرا.
أمر الله I المؤمنين بالمحافظة على الصلوات، إذ قال الله I ]حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى[، اسمعوا وانظروا إلى ما يقوله الله I ورسولُه عن أهمية الصلاة، فقد ورد في القرآن الكريم: ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ[ (التوبة 18) ويقول النبي r: إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ[ (الترمذي)
المؤمن في نظر الله ورسولِه مَن يعمر بيت الله لأنه يؤمن بالله واليوم الآخر، إن الذين يفكرون في اليوم الآخر وأنه يجب أن يخشوا الله I فهم يتحلون بالتقوى الحقيقية، وقلوبهم لينة، وعامرة بالحب والمودة والتآخي والتواضع، وهم يتمسكون بالصدق، وينشرون تعليم الإسلام في الأمن والسلام، ولا تكون مساجدهم مخيفة ومحلَّ الفتن. فالذين يعمرون المساجد متحلين بالتقوى، هم يؤدون حقوق الله وحقوق العباد أيضا، وهم الذين بشَّرهم النبي r قائلا:
أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاة، إِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ.
فالذين يؤدون النوافل هم الذين يخشون الله تعالى وحده لأن النوافل لا تُؤدَّى أمام الناس بل في الخفاء وفي الوحدة ولا يقوم بهذه الحسنة إلا الذي يخشى الله تعالى وهو الذي سماه الله تعالى “عبدي”، ويمكن أن يخطئ عباد الله أيضا ولكنهم لا يثبتون على أخطائهم بل يسعون لتداركها. هذه معاملة رحمة الله تعالى.
العابد الحقيقي يسعى لكسب كل أنواع الحسنات، فإذا كان ثمة شخص لا يكن عواطف الحب لأخيه فهذا يعني أنه ليس فيه تقوى حقيقية. والذين يتعاملون فيما بينهم بالحب واللين هم قائمون على التقوى الحقيقية. قال النبي r: إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي.
ومن الوصايا التي أسداها النبي r في مناسبات مختلفة للحفاظ على أمن المجتمع ولزيادة الحب والوئام والأخوة قال r في مناسبة: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فيجب أن نحاسب أنفسنا ونتوجه إلى أداء حقوق العباد إضافة إلى أداء العبادات. ونسعى لمعرفة أهمية اللين والتحابب والتواضع.
علينا أن نقرأ شروط البيعة أيضا بين حين وآخر ونرى هل نحن ثابتون عليها بالصدق وهل نسعى لنقضي حياتنا بحسبها؟ فمن أجل الحصول على بركات البيعة ثمة حاجة إلى محاسبة أنفسنا والتأمل في أهداف الجلسة التي بينها المسيح الموعود u، ومن حسن حظّنا قد تيسّرت لنا ثلاثة أيام لهذا التأمل. فيجب أن يفحص كل واحد نفسه في هذه الأيام بدلا من أن يقضي وقته هنا وهناك، ويجب أن ندعو ونستغفر ونصلي على النبي r حينها نستطيع أن نستفيد من هذه الجلسة. قال المسيح الموعود u:
“يجب على أفراد جماعتي… أن يصغوا إلى وصيتي هذه جيدا أنّ الهدف من انضمامهم إلى هذه الجماعة وتعهدهم معي بالولاء والطاعة هو أن يبلغوا أعلى مستوى في الأخلاق الحسنة والسعادة والتقوى، وألا يقربوا الفساد والشر، وسوء الخُلق في تصرفاتهم. وعليهم أن يؤدوا الصلوات الخمس جماعةً؛ ولا يتفوّهوا بكلمة كذب، ولا يؤذوا أحدًا بلسانهم. عليهم ألا يُذنبوا بارتكاب رذيلة، ولا تخطرنّ ببالهم أي فكرة لأي أذى أو ظلم أو فتنة. عليهم أن يجتنبوا كلّ شكل من أشكال المعاصي والجرائم ومن كل ما نهينا عنه من أهواء النفس والأفعال والأقوال والأعمال غير المشروعة. وعليهم أن يكونوا عباد الله عزّ وجلّ، طاهري القلوب، حلماء متواضعين. وعليهم ألا يسمحوا لأيّة بذرة سامّة أن تنموَ وتزدهر في تربة نفوسهم… يجب أن يكون التعاطف مع الجنس البشري هدفهم الأول، وأن يتّقوا الله عزّ وجلّ ويخشوه. يجب أن يحفظوا ألْسِنَتَهم وأيديهم وأفكارهم من كلّ نوع من الرجس، أو مما يُنافي الأخلاق. وعليهم أن يجتنبوا التمرّد أو الخيانة. يجب عليهم إقامة الصلوات الخمس يوميًا بغير انقطاع، ويجب أن يجتنبوا الظلم، والاعتداء، والرشوة وغصب أموال الآخرين وهضم حقوقهم، والتحيّزَ والمحاباة. عليهم ألّا يُشاركوا في أيّة صحبة فاسدة شريرة، ويجب ألا يجد السلوك السيئ والسخرية والاستهزاء طريقا إلى مجالسكم. امشوا على الأرض بقلوب طيبة، وطبائع نزيهة، وأفكارًا نقية…. لا تُهاجموا أحدًا بغير وجه حق، وكونوا مسيطرين على انفعالاتكم سيطرة كاملة. وإذا دخلتم في نقاش أو بحث دينيّ، فيجب أن يكون حواركم متسما بلطف وأسلوب حضاري. وإذا أساء إليكم أحد فانسحبوا من مثل ذلك المجلس بإلقاء السلام عليه…. يريد الله عزّ وجلّ أن يجعلكم جماعة تكون أسوة في الصلاح والصدق للعالم كلّه،… وكونوا طيّبي القلب متواضعين أتقياء حقًا. ستُعرفون من خلال التزامكم بالصلوات الخمس ومن الحالة الأخلاقية العالية. (صفتكم التي تعرفون من خلالها هي الالتزام بالصلوات الخمس وأخلاقكم العالية، وإذا تولدت فيكم هذه الأشياء فاعلموا أنكم قد أديتم حق بيعتكم)
وفقنا الله تعالى جميعا أن نؤدي حق بيعتنا للمسيح الموعود u ونعمل بحسب وصاياه وتوقعاته u، وأن نستفيد أكثر ما يمكن من هذه الجلسة ونحسّن حالتنا الدينية والروحانية والأخلاقية وأن نثبت على هذه الحسنات دوما. آمين
*****