المعترض:

المرزا كان يتعامل كأنه نبيّ، ويعلن أنه غير نبيّ. يقول أمام الآخرين أنه غير نبيّ، ويوحي لأتباعه أنه نبيّ. حبل الكذب قصير.

أما عبارة: “سماني الله نبيا ورسولا” فتعني أطلق عليّ هذا الاسم، وليس أنني نبيّ ورسول. مثال: فلان اسمه إبراهيم، فلا يعني أنه صار إبراهيم عليه السلام. فهو يقول: إنه مجرد اسم، مجرد شكل، مجرد نبوة مجازية، وعرفها أنها كثرة المكاملة يعني كثرة الوحي. وظلّ يكرر قوله حتى آخر حياته. ولم يقل قط: اشطبوا أقوالي السابقة. ولم يقل قط: من الآن فصاعدا صرتُ نبيا. ولم يقل قط: من اليوم انتقلت من أني محدّث إلى أني نبي.


الرد:

سنستعير كلام المعترض بل الاعتراض نفسه ولكن بصيغة ردٍّ كما يلي:

“المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كان يتعامل ويعلن بأنه نبيّ، ويقول للأحمديين وللآخرين بأنه نبيّ. لذلك فإنَّ عبارة: “سمّاني الله نبيا ورسولا” تعني بأنني نبيّ ورسول. أما النبوة المجازية التي عرَّفها عَلَيهِ السَلام بأنها كثرة المكالمة والوحي، فقد شطبها بنفسه عَلَيهِ السَلام واعتبرها من أقواله السابقة التي تنسخها حقيقة النبوّة، ولا تعارض بين ذلك وبين أن نبوة حضرته هي بالفعل كثرة المكالمات والوحي، والذي اختلف هو فقط تصحيح فهم النبوّة وأنها حقيقية لا مجرد نبوّة مجازيّة. وقال عَلَيهِ السَلام ما مفاده: من الآن فصاعدا أنا نَبِيّ وليس مجرد مَجاز أو مُحَدَّث بل أنا نَبِيٌّ لأن هذا الذي أمرني الله تعالى به. فالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أعلن بأنه نبيٌّ صريح وليست نبوّته مجازيّة وأن الفهم السابق كان قبل الوحي الذي أكَّدَ حقيقة نبوّته وأنَّ هذه النبوّة ليست تشريعية ولا نبوّة مستقلة بل نبوّة تابعة لشريعة القرآن الكريم ونبوّة سَيِّدِه الأعظم مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليست إلا كثرة المكالمات والوحي.”

هذا هو الرد.

أما كيف يثبت هذا الرد، فبالأدلة التالية:

لقد أوضح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأنه نبي وأعلن ذلك على الملأ بل في إعلان منشور في الجريدة !

فما الذي يمكن أن يكون أوضح مِن ذلك !

لِنَعُدْ إلى شهر أيار عام 1908م ولنبدأ من يوم 17 مايو/ أيار 1908م -أي قبل وفاته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بتسعة أيام- حيث ألقى محاضرةً أمام حشد من علية القوم لبّوا دعوة حضرته إياهم إلى مأدبة عشاء في مدينة لاهور، وقد نشرت جريدة “أخبار عام” هذا الخبرَ في يوم 23 مايو/ أيار 1908، ولكنها نشرته مدّعيةً أن “المرزا قد أنكر في هذه المحاضرة كونه نبيًّا”. فلم يلبث حضرته أن بعث في اليوم نفسه رسالةً إلى محرر هذه الجريدة مستنكرًا هذا الخبر. جاء في هذه الرسالة -وهي آخر رسالة كتبها في حياته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام- ما يلي:

“جناب السيد رئيس تحرير جريدة “أخبار عام”،

ورد في جريدة “أخبار عام” عدد 23 مايو/ أيار 1908 في العمود الأول والسطر الثاني خبر يقول بأني قد أنكرت في جلسة المأدبة دعوى النبوة في حقي. وليكن واضحًا، ردًّا على ذلك، أن كل ما قلت أثناء خطابي في هذه الجلسة هو أنني لم أزل أخبر الناس بواسطة كتبي -وها إني أكشف لهم الآن أيضًا- أنني أُتَّهَم باطلا بأنني قد ادعيتُ النبوة بحيث لا علاقة لي بالإسلام.. أي وكأنني أعتبر نفسي نبيّاً مستقلا بحيث لا أرى من حاجة لاتّباع القرآن الكريم، وأتخذ لي شهادةً مستقلةً، وقبلةً مستقلة، وأنسخ شرع الإسلام، وأخرج عن طاعة النبي ﷺ واقتدائه. إنها لتهمة باطلة، بل إن دعوى النبوة كهذه كفر عندي. وليس اليوم، بل لم أزل أسجل في كل كتاب لي دوماً أنني لا أدعي بمثل هذه النبوة أبداً، وأنها تهمة باطلة توجَّه إلي. والأساس الذي أدعي النبوة بناء عليه إنما هو أنني أتشرف بكلام الله تعالى، إنه يحاورني ويكلّمني بكثرة، ويجيب على أسئلتي، ويُظهرني على الكثير من أنباء الغيب، ويكشف لي أسرار المستقبل بحيث إنه لا يكشفها لأحد ما لم يكن محظوظاً بقرب خاص من عنده. وبسبب كثرة هذه الأمور إنه سماني نبيّا. فإنني نبي وفق حكم الله تعالى. ولو أنني أنكرت ذلك لكنتُ عاصيا. وما دام الله هو الذي سماني نبيّاً فكيف يمكن أن أنكر ذلك. وإنني سوف أبقى ثابتاً على هذا إلى أن أرحل من هذه الدنيا. غير أنني لست بنبيٍ بحيث أنفصل عن الإسلام أو أنسخ حكماً من أحكامه. كلا، بل إن رقبتي هي تحت نِير القرآن الكريم. وليس لأحد أن ينسخ حتى نقطة أو حركة من القرآن الكريم. إنني أُسمَّى نبيّاً لأن كلمة “نبي” تعني -في اللغتين العربية والعبرية- من يدلي بكثير من الأنباء بناء على الوحي من عند الله تعالى. وبدون كثرتها لا يمكن أن ينطبق هذا المعنى على أحد”. (رسالة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلى جريدة “أخبار عام” رداً على تعليق حول محاضرة لاهور بتاريخ 17 مايو/أيار 1908)

إذن يتضح أنه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قد نسخ في هذا البيان قوله السابق بالمجاز والنبوة الناقصة، ولما كان سيدنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام نبيًّا عند الله تعالى، وكان الله تعالى يخاطبه في الوحي النازل عليه كالمطر الغزير باسم نَبِيّ ورسول مرة بعد أخرى، لذا لم يتركه هذا الوحي ثابتًا على فكرته السابقة، والنص التالي يصرح بذلك بكل وضوح:

“ولكن الوحي الذي نـزل عليّ بعد ذلك كالمطر لم يتركني ثابتاً على العقيدة السابقة، وأُعطيتُ لقب “نَبِيّ” بكل صراحة، ولكن نبيّاً من جهة، وتابِعاً للنبيّ ﷺ ومِن أُمّته من جهة أخرى”. (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية 22، ص 153-154)

يتبيّن مما سبق أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالفعل نَسَخَ قوله السابق حول نفي النبوة أو النبوة المجازية بل أعلن بأنه نَبِيّ بكل صراحة -وهذا في أشهر كتب حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام- وليس كما يظن المعترض لقلة علمه ولتسرّعه المعتاد.

وبذلك تُطوى هذه الشبهة كما طُوِيَت الشبهات السابقة إلى الأبد !

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد