يقول سيدنا أحمد عليه السّلام:
“أما حقيقة البيعة؛ فإن البيعة مشتقة من البيع، والبيع مبادلة شيء بشيء آخر، وهو تعاملٌ يتمُّ برضا الطرفين. فالغرض من البيعة أن يبيع المبايع نفسه كليًّا بيد هاديه ليتلقى لقاء ذلك تلك المعارف الحقة والبركات الكاملة التي تزيد من معرفته وتهبه النجاة ومرضاة الله تعالى. فلا تعني البيعة مجرد التوبة، لأنه بإمكان الإنسان أن يقوم بنفسه بمثل هذه التوبة، بل يُقصَد من البيعة نيلُ المعارف والبركات والآيات التي تجذب الإنسان إلى التوبة الحقة. فالغرض الحقيقي من البيعة أن يسلم الإنسان نفسه كخادمٍ لمقتداه حتى ينعَم مقابل ذلك بالعلوم والمعارف والبركات التي تزيد من معرفته وتقوي إيمانه، وتنشأ له علاقة صافية مع الله، فيتخلص من جهنم الدنيا وينجو من جحيم الآخرة، ويُشفَى من العمى الدنيوي ويصبح في مأمن من العمى الأخروي أيضا. فإذا كان هناك أحد يكفل إعطاء مثل هذه الثمار لبيعته؛ فمن الخساسة الإعراض عنه متعمدًا.
يا عزيزي، إننا عطاشى للمعارف والحقائق والبركات السماوية، ولا يمكن أن نرتوي ولو شربنا بحرًا كاملا منها، فلو أراد أحد أن يجعلنا خدّامًا له، فالطريق إلى ذلك سهل جدًّا؛ ألا وهو أن يضع في البال المفهوم الحقيقي للبيعة وفلسفتها، ثم ليعقد بيننا مثل هذه المبايعة؛ فلو كان يملك تلك الحقائق والمعارف والبركات السماوية التي لم نُعطَها، وكُشِفتْ عليه تلك العلوم القرآنية التي لم تُكشَفْ علينا، فأهلا وسهلا لمثل هذا الأجلّ الفاضل، فليأخذ يدنا كخدّام ومطيعين له لقاء أن يعطينا تلك المعارف الروحانية والحقائق القرآنية والبركات السماوية. لا أريد أن أرهقهم كثيرًا، بل أقول لجميع الإخوة الملهَمين أن يجتمعوا في جلسة جماعية ويكتبوا الحقائق والمعارف الكامنة في سورة الإخلاص، فلو لم أتمكّن من ذكر ألف ضِعف ما ذكروه؛ لأصبحت خادمًا مطيعًا لهم.” ( ضرورة الإمام)