يعود أجداد الأستاذ مصطفى ثابت من ناحية الأب إلى ألبانيا ومن ناحية الأم إلى تركيا وقد هاجروا إلى مصر واستوطنوها منذ زمن طويل، أما عائلته التي ولد فيها فهي مصرية خالصة. كان لعائلة الأستاذ مصطفى ثابت نشاط سياسي ونضال مشهود في الثورة المصرية ضد الإنكليز عام ١٩١٩ حتى أن سعد زغلول عندما نفته الحكومة البريطانية كان برفقته بعض أقارب الأستاذ مصطفى ثابت.
نشأ الأستاذ مصطفى ثابت في عائلة متدينة كثيرة الذهاب إلى الحج وخاصة والدته رحمها الله التي كانت تعلمه القرآن منذ طفولته المبكرة، في الأعوام ١٩٤٠ و ١٩٤١ كان الطفل مصطفى يسمع والدته تتلو آية الكرسي حين كانوا ينزلون إلى الملجأ تحت مسكنهم عند كل غارة جوية من غارات القوات الألمانية والإيطالية قرب منطقة “العلمين” في مصر وتقول له بأن كلَّ من يقرأ هذه الآية القرانية بإخلاص فإن الله تعالى ينجّيه من كل سوء. وكانت والدته تحفِّظه هذه الآية حتى يحميه الله تعالى من الغارات، فعندما كان مصطفى الصغير يرى الناس ينزلون خائفين إلى المخبأ كان يقول لهم؛ لماذا أنتم خائفون؟ اقرأوا آية الكرسي وسوف يحميكم الله ! وكانت والدته تروي له قصة موسى عَلَيهِ السَلام وكيف واجه فرعون الملك الجبار الذي يملك الجيوش الجرارة وكل شيء في مصر بينما موسى عَلَيهِ السَلام لم يكن يملك إلا عصا صغيرة لرعي الغنم وكيف أن الله تعالى رغم ذلك كله نَصَرَ عبده الصالح موسى عَلَيهِ السَلام على الملك الجبار لأنه يحب الله ويذكره ويستعين به، ومن هنا كان مصطفى يسعى للاقتداء بموسى عَلَيهِ السَلام ويجتهد لإرضاء الله عزَّ وجل فلعلَّ الله تعالى يرزقه مثل هذه العصا العجيبة وينصره كما نصر عبده موسى عَلَيهِ السَلام.
بدأت الرحلة الروحية للأستاذ مصطفى ثابت في أواخر الأربعينيات عندما تعرَّف على صديق عزيز ينتمي إلى الإخوان المسلمين ويتمتع بشهرة واسعة على مستوى مصر ألا وهو الأستاذ “أحمد فرّاج” الذي كان يقدم برنامج “نور على نور” مع الشيخ “محمد متولي الشعراوي” رحمه الله. تعرّف الأستاذ مصطفى عن طريق صديقه الأستاذ أحمد فرّاج على العديد من الإخوان المسلمين وكان أستاذه وشيخه رجلاً محترماً في جماعة الإخوان المسلمين تعلّم على يديه الكثير من الأمور الدينية. وقد كان الأستاذ مصطفى يرى حسب الدروس والتفاسير بأن جميع علامات الساعة قد تحقَّقت باستثناء خروج الدجال وظهور المسيح عَلَيهِ السَلام، فكان يدعو الله ﷻ أن يطيل عمره حتى يشهد نزول المسيح عَلَيهِ السَلام ويكون من أنصاره ويقاتل معه المسيح الدجال.
واصل الأستاذ مصطفى ثابت رحلته مع جماعة الإخوان ومواصلة دراسته الجامعية بنفس الوقت، فكان في ثورة ٢٣ يوليو من بين الذين ساعدوا الجيش في تأمين الأماكن الهامة كالجسور والقطارات والبنى التحتية في مصر، وكان يعتقد بأن الإخوان المسلمين هم الذين يمثلون أغلب الجيش أو كله. ولكن في تلك الفترة أي الأعوام ١٩٥٠-١٩٥٤ حدث اصطدام بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، فبدأ الأستاذ مصطفى ثابت يلحظ ابتعاد جماعة الإخوان المسلمين المستمر عن الدروس الدينية والشرعية السابقة ولم يكن لهم أي اهتمام سوى بالسياسة والحكم، وآثار استغرابه وعجبه أكثر عندما طلبوا منه التوقيع على التماس للحكومة ينص على أن جماعة الإخوان المسلمين هي عبارة عن حزب سياسي وليست جماعة دينية، وكانوا يؤكدون له بأن الإخوان المسلمين هم في الحقيقة جماعة دينية وليسوا حزباً سياسياً وأن كونهم حزباً سياسياً مجرد قول لا أكثر وأن النبي ﷺ والخلفاء كانوا زعماء دين وحكام دنيا في نفس الوقت، فلم يرق الأمر للأستاذ مصطفى ورأى بأن ما سمعه منهم يعني شيئاً واحداً فقط وهو الكذب والكذب ليس من الإسلام في شيء! ثم تأكد له ذلك حين وزّعوا أوراقاً أخرى تقول بأن الإخوان المسلمين هم جماعة دينية وليست حزباً سياسياً، والسبب هو أن الحكومة قرَّرت حلَّ كل الأحزاب السياسية فلا بد للجماعة من القول بأن الإخوان المسلمين هي جماعة دينية لكي لا يتم حلّهم. إلى جانب ذلك كان الأستاذ مصطفى يلاحظ رغبة عارمة لدى الإخوان المسلمين في تحشيد الأعداد فكان كل طالب جامعي يصلي يتم اللقاء به ومن ثم تسجيله في حزب الاخوان المسلمين رغم جهله بالدين والجماعة بغية زيادة العدد، فكان ذلك كله يجري أمام مرأى ومسمع الأستاذ مصطفى ولم يعجبه ما يجري على الإطلاق، ولذلك قرر رفع تقرير بذلك إلى مسئوله في الجماعة فلربما ما يحدث الآن يخالف مبادئ الجماعة، ولكنه فوجئ بصدور قرار فصله على الفور من جماعة الإخوان المسلمين بسبب رفعه لهذا التقرير ! بعد أن تم شطب اسم الأستاذ مصطفى ثابت من جماعة الإخوان المسلمين ألقت الحكومة القبض على جميع أفراد تلك الجماعة خصوصاً حلقة الأستاذ مصطفى ولم ينج منهم إلا الأستاذ مصطفى ثابت وذلك بسبب شطب اسمه من سجلات الإخوان.
بعد الإنفصال عن جماعة الإخوان المسلمين قرر الأستاذ مصطفى أن يتقدم للزواج من ابنة ابن عمه الأستاذ “أحمد حلمي” وكان ينتمي للجماعة الإسلامية الأحمدية وهو ثاني مصري يزور “قاديان” ويتشرف بلقاء المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عام ١٩٣٩. كانت العقبة الوحيدة للموافقة على الزواج هي عدم كون الأستاذ مصطفى ثابت أحمدياً فلا يمكن له الزواج من ابنته ما لم يكن من الجماعة الإسلامية الأحمدية، ثم شرح له دعوى الأحمدية وقدم له كتباً حولها، وبعد مطالعتها ودراستها جيداً أعجب الأستاذ مصطفى ثابت كثيراً بالجماعة الإسلامية الأحمدية وقرَّر أن ينضم إليها فأرسل وثيقة البيعة وتم الزواج من ابنة عمه ودام الزواج المبارك بعد ذلك لمدة ٤٥ عاماً حتى توفيت زوجته رحمها الله.
التقى الأستاذ مصطفى ثابت بالمسلمين الأحمديين المصريين ومن بينهم كبار الشخصيات الخالدة كأمير الجماعة الأستاذ “محمد بسيوني” الذي صار أستاذاً لمصطفى ثابت وتعلم على يديه الكثير من المسائل الدينية، والأستاذ “عبد الحميد خورشيد” والأستاذ “نور الحق تنوير” وغيرهم من الصالحين.
يذكر أن الأستاذ مصطفى ثابت كان عبقرياً في مجال اللغة فكان يتكلم بطلاقة كلاً من اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية إلى جانب العربية وقد درس اللغة الألمانية في معهد “غوتن” المعروف بتدريس الأدب الألماني، وكانت رغبة الأستاذ مصطفى في تعلم اللغات نابعة من حقيقة كون أتباع المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام يتكلمون بألسنة مختلفة فكان هذا دافعاً للأستاذ مصطفى ثابت كتابع للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن يتكلم هو الآخر بألسنة مختلفة.
عمل الأستاذ مصطفى ثابت لفترة طويلة في مجال النفط في أقسام التنقيب والنقل والتجهيز وغيرها فتعرّف على زميله وصديق عمره الأستاذ “محمد حلمي الشافعي” رحمه الله الذي كان يعمل في قسم التنقيب في شركة النفط. كان الصديقان يلتقيان للحديث والاستراحة ونمت بينهما صداقة وأخوة طيبة، وحدث أن أرسلت شركة النفط كلاً من الأستاذ مصطفى والأستاذ الشافعي في دورة لأسبوعين حول أسلوب تعليم الأشخاص الكبار والصغار ومدى تأثير أسلوب التعليم في أي من الفريقين، فكانت تلك مناسبة لكي يطرح الأستاذ مصطفى مواضيع مهمة للنقاش ومن بينها الثالوث ! كان الأمر مزعجاً جداً بالنسبة للأستاذ محمد حلمي الشافعي رحمه الله لدرجة أنه كان يظن بأن الأستاذ مصطفى ثابت يؤمن حقاً بالثالوث وذلك لكون الأستاذ الشافعي يمتلك مستوى عالياً من علوم الدين حيث كان والده رحمه الله من علماء ومشايخ الأزهر وهو أي الأستاذ حلمي أيضاً عضو في الجمعية الشرعية (السلفية) لتعليم الدين، فكان لا يعجبه أسلوب طرح الأفكار الذي يتبعه الأستاذ مصطفى ولا يقدم أجوبة شافية لما يطرحه ويبقى الأمر بلا جواب مما يشكل نقطة ضعف في الإسلام. كان الأستاذ مصطفى يحاول إيقاد فكر أصدقاءه في العمل لكي يتوصلوا إلى إجابات حول الشبهات النصرانية ويطرحوا الأسئلة فلا يفصح عن الأجوبة في البداية بل يحتفظ بها ليقدمها لاحقاً وهي الأجوبة التي تعلمها من كتابات مولانا أبي العطاء الجالندهري ومولانا جلال الدين شمس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما. وتفاجأ الأستاذ مصطفى بعدم تقديم أي سؤال حول هذه العقائد من قبل المسلمين ومن بينهم صديقه المحترم محمد حلمي الشافعي الذي يتمتع بعلم غزير في المعارف الدينية وتعليم الناس أصول الدين في الجمعية السلفية. وذات مرة زارت زوجة الأستاذ مصطفى الشركة فالتقت في البداية بالسيد محمد حلمي الشافعي فقال لها بأن الأستاذ مصطفى إنسان محترم وخلوق إلى درجة عظيمة وهو يحبه ولكنه أسف لكونه تابعاً للأحمدية ولذلك لن يتركه في هذه الضلالات والأباطيل وأنه سيعمل بقدر ما يستطيع لإخراجه من هذا الضلال وَإِعادته إلى الإسلام. فقالت له سنرى من يقنع الآخر.
كان الأستاذ مصطفى يقص على صديقه الأستاذ محمد الشافعي أغلب الرؤى التي يراها وكيف تحققت بالحرف وذلك لكي يقتنع بأن الله تعالى لم يقطع الوحي كله بل لا زال وحي المبشرات موجوداً وهو الأمر الذي كان الأستاذ حلمي يعارضه لمعرفته بأن الوحي قد انقطع. ثم في عام ١٩٦٧ قص الأستاذ مصطفى رؤياه على صديقه الشافعي بأن المكان الذي يعملون به سوف يتعرض لهجوم إسرائيل واحتلالها ولذلك بدأ الأستاذ مصطفى بنقل أغراضه وكتبه ليقينه بتحقق الرؤى. ولكن الأستاذ الشافعي كان يرد عَلَيهِ بأن هذه مجرد أضغاث أحلام وعليه أن لا يكثر منها وما إلى ذلك وسوف يثبت له بعد العودة من الإجازة خطأ هذه الأحلام. وبعد أن عاد الأستاذ الشافعي من إجازته إلى السويس فوجئ بمنعه ومن معه من العبور بسبب تعرض القناة للعدوان الإسرائيلي! كان هذا الحادث قد هزَّ كيان الأستاذ محمد حلمي الشافعي.
عاد الأستاذ الشافعي إلى مصر فيما بقي الأستاذ مصطفى في السويس المحاصرة والتي كانت قد تعرضت لهجمات الطيران الإسرائيلي مما أدى إلى استشهاد عدد من العمال والموظفين، وبعد أيام وصل مركب يحمل مياه الشرب فتم نقل الجرحى والمصابين والذين لقوا حتفهم وكان الأستاذ مصطفى ثابت من بين الذين شاركوا في عملية الإجلاء والنقل حتى وصلوا أخيراً إلى القاهرة. وبعد وصوله مباشرة زاره الأستاذ الشافعي ففرح لنجاته وبدا أقل معارضة نحو الأحمدية بعد هذه الأحداث. كان الأستاذ مصطفى يصغر الأستاذ الشافعي في السن مما كان يدفعه لعدم إثارته في الأمور الدينية لعلمه أن صديقه لن يقتنع ويتنازل ليتعلم من شخص أصغر منه سنا. ولذلك كان الأستاذ مصطفى يكتفي بإعطائه الكتب ليقرأها هو بنفسه ثم يطلب منه أن يكتب أي اعتراض عنده على ورقة ليناقشاه بمحبة وهدوء.
رأى الأستاذ مصطفى صديقه محمد الشافعي في إحدى الرؤى بأنه يصلي في مسجد الجماعة الإسلامية الأحمدية فأحس بقلبه أن صديقه سيكون مسلماً أحمدياً عن قريب. وبعد فترة من القراءة طلب الأستاذ محمد الشافعي من صديقه مصطفى ثابت أن يأخذه للقاء أساتذة الأحمدية في مصر، فالتقى بالأستاذ الجليل “محمد البسيوني” وكان عالماً كبيراً ذو وقار وهيبة، فكان الأستاذ الشافعي يصغي إليه باهتمام دون أدنى معارضة عكس ما كان يفعله عند نقاش صديقه مصطفى. وبعد اللقاء تأثر الأستاذ الشافعي بما سمعه من الشيخ البسيوني وقال لصديقه مصطفى بأنه اقتنع فقط لأن أسلوب الأستاذ المحترم أكثر وضوحاً وإقناعاً وأفضل بكثير من أسلوب الأستاذ مصطفى ثابت، فقبل الأستاذ الشافعي الجماعة الإسلامية الأحمدية وأتمَّ البيعة.
بعد البيعة أصبح الأستاذ محمد حلمي الشافعي شغوفاً بقراءة كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وكان يتعجب كثيراً عندما يجد الاعتراضات التي كان يكتبها في أوراق حول كتب الجماعة ويقول بأنه لا يكاد يصدق أن الكاتب هو نفسه.
أما الأستاذ مصطفى ثابت فبالإضافة لشهادته الجامعية فقد تخرج أيضاً من كلية علوم الحاسوب في جامعة القاهرة ثم عمل مستشاراً في الجامعة نفسها، ولسلاسة أسلوبه أختير كأستاذ لمادة الحاسوب حيث كان يحظى بشعبية واسعة بين الطلاب لدرجة أن الجامعة فضلته على الخبير البريطاني. تعكرت الأجواء بعد فترة حيث بدأ بعض الإداريين بالتضييق على الأستاذ مصطفى لنمو شعبيته فقرر الأستاذ مصطفى الهجرة إلى كندا بعد أن نصحه أحد الأصدقاء بالسفر والإقامة هناك. تعرف الأستاذ مصطفى على جماعة مسيحية كانت تهتم بتحويله إلى المسيحية ولديها محاضرات باللغة الإنكليزية حول التثليث والعقيدة المسيحية، فانضم الأستاذ مصطفى للدروس وذلك لتقوية نفسه في فهم العقائد المسيحية أكثر. وقد أفاده ذلك فائدة جيدة في أسلوب النقاش مع المسيحيين فيما بعد.
سافر الأستاذ مصطفى ثابت لحضور مؤتمر للأديان حول موضوع الخلاص من الصليب في بريطانيا حيث تشرف بلقاء الخليفة الثالث حضرة مرزا ناصر أحمد رحمه الله وكذلك التقى بالسيد محمد ظفر الله خان الذي كان شخصية عالمية مشهورة تحظى بالاحترام لكونه الأمين العام في مجلس الأمن وممثل في الأمم المتحدة ومسؤول المحكمة الدولية ووزير خارجية باكستان، فدعاه السير ظفر الله خان إلى بيته في لندن واعتبره من أصدقاءه المقربين، ومن هناك تشرف أيضاً بزيارة قاديان مع صديقه الشافعي واخرين أيضا، وكان الاستاذ الشافعي قبل ذلك يقوم بواجب التبليغ في دول جنوب أفريقيا، وذهبوا جميعا لزيارة قبر المسيح عَلَيهِ السَلام في كشمير. وأثناء ذلك زاروا مدينة “ربوة” بباكستان والتقوا بحضرة مرزا طاهر أحمد رَحِمَهُ الله الذي انتخب خليفة رابع فيما بعد، وكان لرقي أخلاق حضرته وعلمه الكبير أثر واضح على السيد محمد حلمي الشافعي.
كان الأستاذ مصطفى ثابت متعلقاً بالجماعة الإسلامية الأحمدية أشد التعلق وكان قد سبق الخليفة الرابع رحمه الله إلى إسبانيا لعلمه بقرب افتتاح مسجد البشارة في عام ١٩٨٢، فأراد أن يطلب منه قبول وقف حياته كلها في سبيل الإسلام. ولكن حضرته رحمه الله قال له بأن يواصل عمله في الوقت الحالي في تبليغ العرب حيث كان حضرة الخليفة الرابع مهتماً جداً بتبليغ العرب بشكل خاص، فكان الأستاذ مصطفى يقوم بترجمة خطب الجمعة إلى العربية ويرسلها إلى مصر، ثم طلب منه رحمه الله أن يذهب إلى غانا ثم القاهرة فنيجيريا للتبليغ مع الأخوة العرب فانطلق الأستاذ مصطفى على الفور. وبعد إنهاء مهمته التبليغية في أفريقيا والعودة إلى كندا قرر الأستاذ مصطفى عمل تسجيلات صوتية للتبليغ بالإسلام، وبعد أن اكمل عدداً منها قدمها إلى الخليفة الرابع رحمه الله فأعجب بها حضرته واعتبرها أعظم هدية قدمت له.
بعد أن انتقل الخليفة الرابع رحمه الله من ربوة إلى لندن أرسل حضرته للأستاذ مصطفى ثابت دعوة للقاءه مع بعض الأخوة العرب وهم الأستاذ محمود أحمد من فلسطين والأستاذ طه القزق من الأردن والأستاذ حسين القزق من الكويت. وطلب حضرته منهم وضع خطة للتبليغ في العالم العربي وفي نفس الوقت وافق على طلب الأستاذ مصطفى ثابت السابق لوقف حياته لخدمة الدين، فطلب منه الاستقالة من عمله في كندا والتفرغ الكامل للجماعة، وتم اختياره ليمثل جماعة العرب، فانطلق الأستاذ مصطفى للتبليغ في دول المغرب وفلسطين والقاهرة والسعودية والأردن وسوريا وتونس ثم عاد إلى لندن. كانت زوجة الأستاذ مصطفى قد اشترت داراً لحضانة الأطفال في كندا وكانت الخسارات تتوالى حتى قربت على الإفلاس لتراكم الديون وعدم الحصول على عوائد للسداد، ولكن بعد قرار الأستاذ مصطفى وقف حياته وترك العمل بشرته زوجته بأن دخل الحضانة اخذ بالتحسن بشكل كبير.
بدأت الجماعة الإسلامية الأحمدية بطبع وصفّ كتبها العربية في مطبعة يقوم عليها شاب مسيحي عربي، فطلب حضرة الخليفة الرابع من الأستاذ مصطفى ثابت مراجعة تلك الكتب، فكان الأستاذ مصطفى غير مرتاح لعمل الشاب المسيحي وبعد مراجعة دقيقة اكتشف اخطاء وحذف سطور كاملة من النص الأصلي لكونها كانت تتعرض لعقائد المسيحية، فطلب الأستاذ مصطفى مقابلة الخليفة وأطلع حضرته على الأخطاء المتعمدة واقترح عَلَى حضرته أن تقوم الجماعة بإنشاء مطبعة خاصة بها لصفّ وطباعة كتب الجماعة بنفسها فأعجب حضرته بهذه الفكرة وفتح باب التبرع لإنشاء هذه المطبعة وانطلق الأستاذ مصطفى ثابت في جولة في الشركات البريطانية بلندن لشراء أفضل المطابع وأحدثها، ثم اختار لها اسماً ذا علاقة بالجماعة الإسلامية الأحمدية في ربوة بباكستان الذين يشبهون أهل الكهف في حالهم فأسماها “مطبعة الرقيم” بإسلام آباد في جنوب لندن.
كان الأستاذ مصطفى ثابت إلى جانب القارة السمراء والوطن العربي يقوم بالتبليغ في عدد من الدول الأوربية أيضاً حيث حضرَ من المؤتمرات التبليغية في النرويج والسويد وألمانيا وكان أن قام شخص بتصوير الأستاذ مصطفى ثابت بدون إذنه ونشر فيما بعد مقالاً مشوهاً حول الجماعة الإسلامية الأحمدية بتمويل سعودي تظهر فيه صورة الخليفة الرابع والأستاذ مصطفى ثابت والوعد بعدم انتشار الجماعة عند العرب في العالم الغربي وذلك لتشويه صورة الجماعة لدى العرب في الغرب، فخيب الله تعالى مساعي هذا الصحفي ودخل العشرات بل المئات من العرب إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية في تلك الدول الأوربية مما زاد في حنق هذا الصحفي وأمثاله. وما زاد في ذلك حضور إثنين من الأفارقة من ناطقي العربية بطريقة محترفة وبعض الإخوان المسلمين بشكل منتظم في ندوات تقيمها الجماعة في ألمانيا وذلك للتشويش وطرح الشبهات وتحريف مجرى الندوة بهدف إفسادها، ولكن الأستاذ مصطفى ثابت كان بفضل الله تعالى يتمتع برباطة جأش عالية نظراً لدراسته علم النفس وفن إلقاء وإدارة الندوات فكان يطمأنهم بأن هذه الشبهات قديمة وتم تفنيدها منذ وقت طويل وسيحصلون على أجوبة كاملة، فكانوا لا ينجحون في هذا الهدف الغريب عن تعاليم الدين مهما حاولوا. وبعد إحدى الندوات سألهم الأستاذ مصطفى عن كيفية تعلم العربية وذلك بعد أن لمس تغيراً في أسلوبهما نحو الأحسن وعدم العودة للتشويش كالسابق، فقالا له بأنهما من غرب أفريقيا وقد درسا العربية في الأزهر وهما في مهمة حكومية فَهِمَ منها الأستاذ مصطفى أنها حملة عالمية لإسكات الجماعة الإسلامية الأحمدية وعدم وصول صوتها للعرب في الغرب.
كَلَّفَ حضرة الخليفة الرابع رحمه الله الأستاذ مصطفى ثابت بإنشاء مجلة للجماعة باللغة العربية، وبتوفيق الله تعالى خرجت المجلة إلى النور بإسم “مجلة التقوى” وكانت ولا زالت بفضل الله ﷻ تدار بجهود المتطوعين من الجماعة الإسلامية الأحمدية وتَرأَّسَ تحريرها الأستاذ محمد حلمي الشافعي حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى عام ١٩٩٦ فخلفه في إدارة التحرير الأستاذ عبادة بربوش (ابو حمزة التونسي).
كان الأستاذ محمد حلمي الشافعي رحمة الله عَلَيهِ قد ألَّف عدداً من الكتب المهمة حول الجن والإسراء والمعراج بالإضافة لترجمة مقالات وكتب أخر. وقد برز أمام الأستاذ مصطفى ثابت كتاب ضخم من تأليف الخليفة الرابع رحمه الله بعنوان “الوحي والعقلانية” فتطوع الأستاذ مصطفى ثابت لتعريبه، ولكنه وجد الكتاب في غاية الصعوبة نظراً للأسلوب العلمي والأدبي الراقي للخليفة رحمه الله ولكن حب الأستاذ مصطفى للخلافة جعل من المحال إعادة الكتاب بحجة عدم التمكن من ترجمته، فانكبَّ الأستاذ مصطفى ثابت في تضرع ودعاء إلى الله تعالى أن يعينه ويلهمه ترجمة هذا الكتاب، فكان يترجم مقدار ١٠ صفحات كل يوم من مجموع ٧٠٠ صفحة حتى أتمها على خير وجه ولله الحمد.
في عام ٢٠٠٣ زار الأستاذ مصطفى ثابت لندن لمقابلة الخليفة الجديد حضرة مرزا مسرور أحمد أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز فكان للقاء أثر عظيم على الأستاذ مصطفى حيث كان حضرة الخليفة أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز ممسكاً بمقالٍ كتبه الأستاذ مصطفى ثابت بالإنكليزية بعنوان “كيف يختار الله الخليفة” وطلب منه تعديل بعض فقراته ثم إرساله إلى حضرته. كانت هذه المعاملة الجميلة قد أثَّرت على الأستاذ مصطفى ثابت تأثيراً كبيراً فكان يشعر بأنه يطير ولا يمشي على قدميه، فيا له من شرف ما بعده شرف أن يقول خليفة المسيح أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز لكل من يزوره ويسأله حول اختيار الله للخليفة؛ اقرأ مقال مصطفى ثابت وسوف تجد الرد.
في أول ظهور تلفزيوني له قام الأستاذ مصطفى ثابت بتسجيل برنامج للرد على شبهات القس زكريا بطرس ضد الإسلام بعنوان “أجوبة عن الإيمان” وقد تلقى ترحيباً وصدى كبيراً في العالم العربي والإسلامي فطلبت منه “دار الزهراء للنشر” في مصر أن يسمح لهم بطباعة ونشر كتابه “أجوبة عن الإيمان” فكان مصدر سرور له فمنحهم حق طباعة ونشر الجزء الأول منه مجاناً وبلا مقابل ، وقد حدث ذلك فعلاً وانتشر الكتاب الذي فيه الردود الشافية على القمص زكريا بطرس. قامت دار النشر المعروفة في مصر بمنح الأستاذ مصطفى ثابت درجة الدكتوراه الفخرية وقامت بطباعة الجزء الثاني من الكتاب بعنوان “أجوبة عن الإيمان – تأليف الدكتور مصطفى ثابت” وقد كان سبب ذلك مرده إعجاب دار النشر بمحتوى الكتاب ومدى حاجة المكتبة العربية والإسلامية لمثل هذا البلسم الشافي. ولم يكن الأستاذ مصطفى ثابت يعلم بأن شهادة الدكتوراه يمكن أن تمنحها غير الجامعات من قبل هذا التكريم الكبير. وبالإضافة لتسجيل هذا البرنامج فقد كان يقوم الأستاذ مصطفى أيضاً بتسجيل برنامج الحوار المباشر بطلب من السيد شريف عودة أمير الجماعة في فلسطين، وكان أيضاً قد قام بتصوير سلسلة للرد على الشبهات ضد الإسلام بعنوان “أسئلة جريئة وأجوبة في الصميم” ولاقت رواجاً طيباً في العالم العربي وقد كان الناس يتفاعلون مع الأستاذ مصطفى في الأماكن العامة ويمتدحوه على الدفاع القوي والفعال عن الإسلام.
إلى جانب ذلك كله عكف الأستاذ مصطفى ثابت على تأليف كتاب مهم حول سيرة المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام بعنوان “السيرة المطهّرة” وأولاه أهمية كبرى وذلك بعد أن جمع مصادر مختلفة لتأليفه حتى وفقه الله تعالى لإنجازه قبل أن يتوفاه الله تعالى في العام ٢٠١٠. فأنا لله وانا إليه راجعون.
من المآثر التي نقلها بعض الأخوة عن الأستاذ مصطفى ثابت إثارته للبهجة أينما حل، فكان يسلِّم على الصغير والكبير على حد سواء ويعامل الجميع باحترام ويشعر الصغير معه بأنه كبير والكبير بأنه طفل بصحبة والده الحنون، فكان يحمل قطع الحلوى ويقوم بتوزيعها على المصورين والفنيين في الحوار المباشر والبرامج الأخرى كأنه والد يقدم الحلويات لأولاده في صباح العيد. ومما نقله أحد الأخوة أيضاً وآثار مشاعره هو عند زيارة الأستاذ مصطفى ثابت في أيامه الأخيرة في مستشفى بلندن فكان المستشفى مؤلَّفاً من طوابق عدة ولكن الأستاذ مصطفى ثابت رحمه الله كان يصر على خدمة زائريه بنفسه وتوصيلهم حتى باب المستشفى وهو على الكرسي المتحرك يشيعهم بابتسامته الجميلة ووجهه الطلق ولا يعود إلى غرفته العلوية حتى يختفون تماماً عن الأنظار.
كان الأستاذ مصطفى ثابت شديد الوفاء للخلافة وينصح كل من التقى به بالتمسك بأهداب الخلافة كحبل الله الممدود من السماء ووجَّه رحمه الله قبل وفاته خطاباً للعالم الإسلامي وشعب مصر خاصة قائلاً لهم بأن مصر كان لها دور في القضاء على نظام الخلافة الراشدة باستشهاد حضرة عثمان بن عفان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بمشاركة بعض الأشخاص من العراق والشام، ولذلك رفع الله نعمة الخلافة من الأمة فانحدرت إلى ما هي عَلَيهِ، وناشد الأستاذ مصطفى ثابت رحمة الله عَلَيهِ ابناء مصر خاصة وتلك الدول المشاركة في العدوان الغاشم على الخليفة الثالث حضرة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن يصححوا خطأ الآباء بنصرة الخلافة الراشدة الثانية ويتشرفوا بهذا الشرف العظيم ليحملوا مشعل الخير والسعادة للعالم قاطبة.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ