ولد الحاج السيد شودري محمد ظفر الله خان لأبوين كريمين هما السيد شودري نصر الله خان والسيدة حسينة بيبي في السادس من شهر فبراير/شباط سنة 1893م في مدينة “سيالكوت” في ولاية “البنجاب” بالهند.
بدأ تعليمه في مدينة “لاهور”، وأكمل المراحل العليا في جامعة “لنفر” بلندن، وحصل على شهادة المحاماة. فعاد إلى وطنه الهند، واشتغل فترة في القضاء، ثم رئيسا لتحرير جريدة “قضايا الهند” لسنوات طويلة.
عُيِّن عضوا في المجلس التشريعي الإقليمي في “البنجاب”.
اُختير في عام 1931م رئيسا للرابطة الإسلامية الهندية، وهي التي طالبت باستقلال الهند وتأسيس باكستان كدولة مستقلة للمسلمين.
في سنة 1935م عُين وزيرا للتجارة في مجلس الحاكم العام للهند، ثم وزيرا للعدل، ثم وزيرا للتموين.
في سنة 1941م عين قاضيا في المحكمة العليا الفدرالية في الهند.
في سنة 1942م رأس وكالة حكومة الهند بالصين.
في سنة 1947م تقبل دعوة مؤسس باكستان محمد علي جناح للتعاون معه كوزير الخارجية الباكستانية، وبقي يشغل هذا المنصب عدة سنوات.
ثم عين ممثلا لبلاده في الأمم المتحدة.
ثم انتخب رئيسا للدورة السابعة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبرز كأبلغ خطيب عرفته هيئة الأمم المتحدة. وقد استغرقت بعض خطاباته سبع ساعات تقريبا منها ثلاث ساعات متواصلة بلا انقطاع أثناء مناقشة قضيتي فلسطين وكشمير. ويشهد له معارفه وأقرانه بأنه صاحب حجة ومنطق سليم وهدف واضح، متعمق في العلوم الإسلامية، ويقتبس كثيرا من الآيات القرآنية في خطبه. وشهد له بعض رجالات مصر بأنه المسلم الوحيد الذي كان يصلي الفرائض الخمس في أوقاتها بقاعات وأروقة هيئة الأمم المتحدة حتى لو اضطر أحيانا إلى ترك الجلسة أثناء انعقادها.
انتخبته الأمم المتحدة قاضيا دوليا في محكمة العدل الدولية في “لاهاي” في السادس من فبراير/شباط سنة 1964م (يوم ولادته) .
بتاريخ 18/ 2/1970م انتخبه زملاؤه القضاةُ الدوليون السبعة عشر رئيسا لمحكمة العدل الدولية.
بتاريخ 10/ 3/1967م قام بأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة وزيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة. وكان أثناء الحج ضيفا على الملك السعودي الراحل فيصل، وفتح له الملك فيصل أبواب الكعبة المشرفة.
قام بأعمال جليلة يحتاج لتفصيلها لمجلدات خدمةً للإسلام والإنسانية، وأختصر بذكر القليل منها لتكوّن للقارئ الكريم فكرة عن السبيل الذي سلكه لإظهار الإسلام خدمة لبني البشر وهداية لهم. ومن تلك الأعمال ترجمة القرآن المجيد إلى اللغة الإنجليزية، وترجمة ما يزيد عن ألف وتسعمائة حديث مجموعة في كتاب “رياض الصالحين”، وترجمة كتب عديدة لسيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود – عليه السلام -. وألف كتبا شتى من أبرزها كتابه الشهير ” محمد خاتم النبيين – صلى الله عليه وسلم – ” و”دعوة الإسلام” و”الإسلام وحقوق الإنسان” و”حقوق المرأة في الإسلام” و”سيرة الخليفة الأول”و”سيرة الخليفة الثاني” لسيدنا المهدي والمسيح – عليه السلام -، وكتابه “النجاة من الصليب” وغيرها من الكتب التي انتشرت في مختلف البلاد، ويُعَدّ بعضها مرجعا للدارسين والباحثين في العديد من المعاهد والجامعات.
كان يغتنم أوقات فراغه لإشاعة الإسلام ومبادئه السمحة بالمحاضرات في أماكن عديدة، من واشنطن إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. وقد نقلت الجرائد المحلية بأنه ألقى خطابًا في 1/ 11/1954م بواشنطن أمام جمع من اليهود والنصارى، وكان موضوعه: “علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والأخوة الإسلامية. “
كان عمره عند وفاة سيدنا أحمد عليه السلام خمسة عشر عاما، ولذلك يعد من أصحابه. ولقد وافاه الأجل في 1/ 9/1985م في “لاهور”، باكستان، رضي الله عنه وأرضاه.
وإليكم بعض الشهادات التي صدرت بحقه رضي الله عنه.
كتبت جريدة الأهرام القاهرية بتاريخ 27/ 6/1952م ما يلي:
مواقف يفخر بها الشرق
1. “تحدث أحد ممثلي مصر في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة عن موقف يفخر به الشرق كله وَقَفَه السيد محمد ظفر الله خان وزير خارجية الباكستان. ففي الجمعية العمومية للأمم المتحدة ألقى عن فلسطين الشهيدةِ خطبةً استغرقت ثلاث ساعات كاملة لم يتناول خلالها جرعة ماء واحدة .. وأثبت قوةَ إيمانه بالدين الإسلامي وبالوطن العربي. ولقد بكى واستبكى .. وشهد له الجميع بأنه رجل عظيم، مسلم كريم، وطني صميم، سياسي حكيم، ومتمكن من اللغة الإنجليزية كأحد أبنائها من العلماء الأفذاذ”.
وأضافت الجريدة قولها استنادا إلى المعلومات التي تلقتها من مصادر موثوقة الاطلاع: “ولعل صاحبنا السيد محمد ظفر الله خان هو الشخص الوحيد من الشخصيات السياسية البارزة في الوقت الحاضر في العالم الذي لا يفارقه القرآن المجيد أبدا. ويصلي خمس صلوات مستقبلا القبلة الشريفة تحت كل سماء وفوق كل أرض وفي جو السماء حيث تحمله الطائرات من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. ولا يتأخر عن بيان فضائل الإسلام ومحاسنه بالقلم واللسان، والعمل بأحكامه حتى في قاعات الأمم المتحدة”.
2. قال عنه سعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية:
“ظفر الله خان رجل مسلم لم نشهد عليه إلا قولا حسنا وعملا حسنا. وقد أوتي حظا كبيرا في الدفاع عن الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وله مواقف دولية مشهورة دفاعا عن الإسلام قدرها الناس، وشكره عليها المسلمون. وهو كذلك من أكفأ رجال الإسلام لتولي الشؤون العامة”. (جريدة الأخبار القاهرية عدد 23/ 6/1952م).
3. كتبت جريدة “المصري” في عددها الصادر يوم 27/ 6/1952م ما يلي:
“إن ظفر الله خان أحد رجال الدول الإسلامية القلائل في العصر الحديث بل هو في الصدارة منهم. فهو الرجل الذي درس السياسة، ولم يسلك سبيله فيها على قواعد سياسية نظرية، وإنما أخضع ثقافته السياسية لفكرة القرآن ولنظرة الإسلام في تكوين الدولة، وسار بمنهاجه العصري الفريد الذي يجمع بين آراء العصر ونظرة الإسلام.
وظفر الله خان هو الرجل الذي درس الاقتصاد ووازنَ ماليةَ أمةٍ كبيرة العدد، كبيرة الغايات والأغراض، قريبة عهد الانسلاخ من دواليب الاستعمار الاقتصادي. ولم يقم لتطبيقه للنظام الاقتصادي على علوم الاقتصاد المجردة، وإنما أخضع ثقافته الاقتصادية لثقافة الإسلام، ونظرته الشاملة لبناء الدولة الإسلامية من حيث حقوق الأفراد وواجباتهم نحو الدولة وموازنة ذلك بحقوق الدولة وواجباتها نحو الأفراد”.
4. قال سعادة أحمد خشبة باشا:
“إن الخدمات التي أداها السيد ظفر الله خان للإسلام والمسلمين والتي لا تحصى، لا يمكن إلا أن تكون محل تقدير وإعجاب من الجميع. ” (جريدة “الزمان” عدد 25/ 6/1952م)
لقد كانت عزة الإسلام وكرامته أغلى وأرفع هدف يتمناه في قلبه وعقله وذهنه، ويعمل من أجله طيلة أيام حياته. وفي كل مناسبة كان يواجه فيها أي انتقاد عن الإسلام، كان باستطاعته إفحام المنتقد بما وهبه الله تعالى من علم ومعرفة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وبأسلحة البراهين الساطعة والدلائل النيرة التي زودنا بها حضرة أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود – عليه السلام – على صدق الإسلام وطهارة تعاليم القرآن المجيد.
وقد آلمتْهُ الانتقادات التي كان يواجهها من أتباع مختلف الديانات والملل ضد المسلمين ورؤسائهم وملوكهم بسبب سلوكهم المنافي لتعاليم القرآن، والذي وصل في بعض الحالات إلى الفسق والفجور السافر بلا خجل ولا حياء ولا تأنيب من ضمير، ناهيك عن خشية الله التي لم يبقَ منها شيء في قلوبهم، وكانت وسائل الإعلام في العالم تنشر مثل هذه الأخبار، ولم يكن بوسعه إلا إسداء النصيحة والموعظة لمن أتيحت له فرصة الاجتماع بهم ومحادثتهم والدعاء إلى الله تعالى لهدايتهم.
هذه لمحة وجيزة خاطفة ونبذة من حياة ذلك الإنسان المؤمن البار الذي تحلى بتقوى الله، وكان من عباده المخلصين. خدم الإسلام وأهله وقومه والإنسانية جمعاء بأمانة وإخلاص ووفاء. وأثبت بمواهبه وجرأته وتواضعه وبلاغته، صدق الإسلام وأفضليته وصلاحيته المثلى كسبيل وحيد يحتذى به لخير وسعادة البشرية جمعاء وكقانون إلهي كامل متكامل منفرد بكماله، يؤدي تطبيقه الحقيقي عمليا بمعانيه “الأصلية السليمة”، إلى ما تنشده البشرية جمعاء، على اختلاف معتقداتها ونحلها وأقوامها وشعوبها من حرية وإخاء وأمن وسعادة ورخاء وعدل حازم وسلام ثابت دائم.
*******
(من كتاب صدق أحمد لشودري محمد ظفر الله خان رضي الله عنه)