ولد الأخ “مارتي” وتربّى في أسرة فرنسية كاثوليكية. وقد تخرَّج من كلية الهندسة ثم أرسل إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل في مختبر البحوث حيث التقى بزميل مُسْلِم من الجزائر مما أدخل الارتياح إلى قلبه لكونه الوحيد الذي يمكنه التحدث إليه بالفرنسية في هذا الجو الجديد.
نمَت الصداقة بين الزميلين، وكانا يشتركان ببعض الهوايات ومن أهمها كرة القدم. وحدث ذات يوم أن لعب الإثنان ولكن في فريقين مختلفين، فكان مارتي يحاول قطع الكرة من زميله الجزائري الذي كان يلعب في الفريق الخصم، فكان أن تعرّض الجزائري للسقوط بسبب المواجهة القوية. انتظر مارتي أن يقوم زميله الجزائري لمواصلة اللعب، ولكنه بقي على الأرض لا يستطيع النهوض، فكان مارتي يظن بأن صاحبه يقوم بالتمثيل المعروف في لعبة كرة القدم لكي ينال ضربة جزاء، ولكن الجزائري لم يكن يمثل بل كانت إصابته حقيقية وتم نقله إلى المستشفى. صُعق مارتي عندما أَخْبَرَهُ الأطباء أن صديقه تعرض لكسر في كاحل قدمه !
كان الشعور بالذنب والأسى كبيراً عند مارتي، فقرر أن يعتني بصديقه شخصياً، فكان يزوره باستمرار للاطمئنان على حالته ولتقديم بعض الخدمات والتحدث إلى صديقه للتخفيف عنه. وكان الموضوع المفضل عند صديقه الجزائري هو الإسلام !
لم يكن التحدث حول الإسلام يثير اهتمام الأخ مارتي ولكنه كان يحاول جاهداً إظهار الاهتمام بحديث صديقه خاصة عندما رأى أن هذا الموضوع يساعد في تحسن صحته، وبمرور الوقت أخذ الإسلام بالفعل يجد اهتماماً عند الأخ مارتي، وكان الُحب الذي يكنّه صديقه للنبي مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وبيانه لتعاليم القرآن الكريم أمراً مثيراً للغاية عند مارتي. وعندها أدرك بأنه يجهل الكثير عن الإسلام والدين بشكل عام، وأن الأجوبة التي يبحث عنها لا توجد في المسيحية خصوصاً مع تدهور تعاليمها مقارنة بالإسلام. وقد استمر الحديث بين الصديقين حول الإسلام وعلاقة الدين بالعِلم حتى بعد تعافي الزميل الجزائري.
لقد دخل القرآن الكريم منذ الوهلة الأولى إلى قلب مارتي وأعجب خاصة بالآية:
﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾
كانت هذه الآية بمثابة الصدمة الصاعقة للأخ مارتي وأيقن بعينين باكيتين أن التعاليم المسيحية أخيراً وبعد 2000 عام قد تحطمت بفعل هذه الآية العجيبة !
بدأ الأخ مارتي يشعر بجمال تعاليم القرآن المجيد، ورغم عدم تمكنه من القراءة باللغة العربية إلا أنه أدرك من خلال ترجمة معاني القرآن الكريم أنها فوق مستوى البشر. وقد كان يشعر في قرارة نفسه أن عليه الدخول في الإسلام، ولكنه تردّدَ لصعوبة التخلّي عن العادات التي نشأ وتعوّدَ عليها، فقرّر أن يفكر بالموضوع لاحقاً عندما يبلغ الخمسين أو السِّتِّينَ من العمر، فهذا هو السن المناسب الذي سيستطيع فيه أن يواجه كل المعوقات. بقي أمر واحد يؤنبه وهو أن الموت إذا اختطفه قبل أن يدخل الإسلام، فهل سيغفر الله له ؟ فشعر بأن الله سوف يمهله الوقت الكافي للوصول إلى قرار أخير. فبدأ مارتي يصلّي في أوقات متقطعة من اليوم، فكان الشعور لا يوصف خاصة مع ملاحظة استجابة الله تعالى للدعاء.
انتهت مدة العمل في الولايات المتحدة وعاد الأخ مارتي إلى وطنه فرنسا، فتلقى عرض عمل من شركة SCHLUMBERGER العالمية المعروفة المتخصصة في التنقيب عن النفط، ولكن حلم الأخ مارتي كان أكبر من ذلك وكان يتمنى الحصول على وظيفة في العملاقة SHELL كمهندس نفطي ! ولكن المقابلة لم تتم بنجاح إذ كان الأخ مارتي متلكئاً أثناء الاختبار واللقاء مما تسبب في كآبة وإحباط عند مارتي، فأخذ يدعو الله تعالى بتضرع أن يرزقه هذه الوظيفة، وأنه إذا حصل عليها فلن ينتظر حتى السِّتِّينَ ليدخل الإسلام بل سيعلن ذلك على الفور. وبعد أربعة أسابيع تلقّى مارتي اتصالاً من الشركة تهنّئه لحصوله على الوظيفة !
مرّت الأشهر ونسي الأخ مارتي وعده الذي قطعه في الدعاء، وذات يوم شعر بهزّة حين وقعت عينه مباشرة على الآية التالية:
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ۖ … وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
أحسَّ مارتي بأن الله تعالى يذكّره بالوعد الذي أقسم على الوفاء به وأنه تعالى قد صَدَقَ وعده معه، وبقي ان يصدق هو في وعده وإلا فسيتعرض للإبتلاء. مرت بعض الأشهر وكان مارتي يشعر بالحزن وثبوط الهمّة، فما كان منه إلا أن تناول دليل الهاتف واتصل بأقرب مركز إسلامي، ثم قام بزيارة المكان وقلبه ينبض بتسارع، فكان أول شيء يقوله للقائمين على المركز أنه يُرِيد أن يصبح مسلماً عن قناعة تامّة! فتم دعوة الأخ مارتي إلى شرب كوب من القهوة واستمع إلى السيد هبة النور ڤرهاغن رئيس المركز يشرح له كيف تختلف هذه الجماعة عن باقي الفرق الإسلامية وأن اسمها هو الجماعة الإسلامية الأحمدية وأنهم يُؤْمِنُونَ بأن عيسى عَلَيهِ السَلام قد عاد بشخص حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عَلَيهِ السَلام ! ثم شرح الأستاذ كيف نجا المسيح عَلَيهِ السَلام من الصليب وهاجر إلى الهند وباقي القصة. كانت هذه المعلومات صادمة للأخ مارتي وشعر بالعجز عّن الكلام ! شعر بأن الأمر صار أصعب مما تخيّل بل إن الحلم تحوَّلَ إلى كابوس أو أن هؤلاء الناس كانوا يسخرون منه !
كيف عاد يسوع ولم يسمع عنه شيئا في هذا القرن الذي لا يخفى فيه خبر ناهيك عن عودة يسوع المسيح ! كان الأمر مُحبِطاً بالنسبة للأخ مارتي فعاد إلى البيت وهو مُطرِق، فالأمور تزداد صعوبة بدل السهولة، وخطر في باله فجأة أن الله تعالى يريد اختباره بإرساله إلى مسجد الأحمدية، وشعر بأن ولادة وموت المسيح عَلَيهِ السَلام كانت هي الأخرى اختباراً للبشر، فإذا كان ملايين الناس يقولون الكثير مما لا يِعقل حول المسيح عَلَيهِ السَلام، فلعل الأحمديين مصيبون في قولهم ! ولم يكن يهمه من هذا كله إلا أن يدخل الإسلام ويؤمن بتوحيد الله تعالى ونبوة سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ! لم يكن اختيار هذه الطائفة أو تلك بالأمر المهم، بل ما يهم هو الإسلام فحسب. أما إذا كان اختيار الجماعة الإسلامية الأحمدية كالطائفة المناسبة في الإسلام أمراً خاطئاً فليغفر الله له ذلك ويهديه إلى الطائفة الحق !
في تلك الليلة رأى الأخ مارتي في المنام السيد ڤرهاغن يشدّ على يديه ويقول: “مبارك لكم هذا الانضمام!”. كما عٓلِمَ من الرؤيا نفسها أن هذا الانضمام سيتحقق بعد ثلاثة أشهر. وكان لهذه الرؤيا وقع لطيف ومهم بالنسبة للأخ مارتي حيث بدأ يشعر بأفضال الله تعالى تتوالى، فأخذ يزور المسجد باستمرار ويدخل في نقاشات اكتسب من خلالها قناعة راسخة بأن هذه هي التعاليم الحقيقية التي جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لينشرها بين الناس. وبعد بضعة أشهر تماماً كما جاء في الرؤيا تمّت البيعة وحضر مارتي أول صلاة جمعة وإذا به يلتقي السيد ڤرهاغن فيشدَّ بيده على يد مارتي وهو يقول: “مبارك لكم هذا الانضمام!”.
يستذكر الأخ مارتي كل هذه الأحداث وكيف أدَّت إلى دخوله الإسلام منذ اللحظة التي أعثّرَ فيها زميلَه الجزائري في مباراة كرة القدم، فأدرك بأنها كانت اللحظة السعيدة للانطلاق في رحلته للتعرف على الإسلام.
أصبح الأخ أحمد مارتي ينشط في التبليغ ويزداد يومياً في سبيل التقوى تحت راية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ