وُلدت الدكتورة “آن ماري إونيسكو Anne Marie Ionescu” في رومانيا سنة 1989 لأُسرة مسيحية غير متديّنة. انتقلت الأسرة بعد الفترة الشيوعية في رومانيا إلى المملكة المتحدة لتعيش وتستقر في العاصمة لندن. كانت آن ماري هي الوحيدة في أسرتها التي تشعر بميل للبحث عن الله تعالى رغم صغر سنّها، وكانت أختها التي تكبرها قليلاً تغمزها بين الفينة والأخرى وتقول لها: “ستصبحين راهبة إذا بقيتِ على هذا الحال ! سينتهي بك المطاف في أحد الأديرة يوماً ما !”. فكانت هذه الدعابة تُغضب “آن ماري” في البداية، ولكن عطشها للروحانية كان قوياً وثابتاً منذ سن مبكرة. وذات يوم تحدّثَ إليها أحد المعارف الذي كان قسيساً واعظاً في الكنيسة، فأخبرها عن الله تعالى وعن الحياة بعد الموت، فكان الأمر مثيراً لفضول الفتاة، فبدأت تحضر القداس بانتظام في كنيسة الروم الكاثوليك المحلية. كان لدى “آن ماري” عقيدة خاصة حول المسيح عَلَيهِ السَلام تختلف كلياً عن العقيدة المسيحية، ولم تكن “آن ماري” تؤمن بالمعنى الحرفي لإبن الله الذي تدين به الكنيسة، وكانت لبساطتها تظن أن الكنيسة تشاطرها هذه الفكرة، ولكن سرعان ما ثبت خطأ ذلك.
دخلت آن ماري كلية الطب بمعدّل علمي عالي، ومع بدء الدراسة في الجامعة اتسعت دائرة الأصدقاء من مجرد مسيحيين سابقاً إلى عدد كبير من الزملاء الهندوس والسيخ والبوذيين والمسلمين. أثناء ذلك دارت مناقشة قصيرة مع زميلة مسلمة أدَّت إلى صدمة مفاجئة لآن ماري وشعرت لأول مرة بالخوف، لا سيما حول ألوهية يسوع ومفهوم الخطيئة والفداء والكفارة. بدأ منذ ذلك الحين حضورها للكنيسة بالتراجع، ولم يدم الوقت طويلاً حتى اتَّخَذَت “آن ماري” ذات السبعة عشر عاماً قرارها بترك المسيحية. وبعد الخروج من المسيحية بقيت “آن ماري” لمدة ثلاث سنوات بلا دين ولا عقيدة، فشعرت بالملل وسئمت الحياة. فبدأت “آن ماري” بدراسة لجميع الأديان المنتشرة، ولكن لم يكن الإسلام ضمن هذه الأديان التي درستها. كان الإسلام في نظر “آن ماري” يرمز للهيمنة والقهر والإكراه والتسلط، وكل ما هو سيّء. وبعد تردُّد قرّرت “آن ماري” أخيراً أن تضع مخاوفها جانباً وتبحث في هذا الدين، حباً بالمعرفة فقط.
بدأت “آن ماري” بقراءة القرآن على الإنترنت، وتعلّق قلبها بسورة الفاتحة ولا زالت إلى الآن هي السورة المفضلة عندها لكونها تُلخّص العقيدة ببضع كلمات فقط وبصورة جميلة بسيطة وثريّة. وكانت تمر آثناء القراءة بأسماء الأنبياء المألوفة لديها، فأحبّت القرآن الكريم، ولكن بعد الانتهاء تذكّرَت والديها وقالت في نفسها “يا للهول ! الإسلام ! الدين الذي أختاره هو الإسلام ! هذا لن يَمُرَّ على خير مع أهلي !”.
أعلنَتْ آن ماري شهادة “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ” في شهر أبريل عندما بلغت العشرين من عمرها، وذلك بعد قضاء وقت طويل في قراءة كتب الإسلام وتاريخه والقضايا السياسية المعاصرة.
وبعد مرور أربع سنوات في الإسلام السُنّي كانت آن ماري تقارن بين الفكر السني والشيعي، فكانت تنسجم وتميل أكثر إلى عقيدة السُنَّة خاصة فيما يتعلق بالخلفاء الراشدين الأربعة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وكانت تعتز كثيراً بالعقيدة الإسلامية السُنِّية ولا تتقبل الجدال في الموضوع بل تبحث عن أي وسيلة لترك الجدال حول هذه العقيدة المحببة لها بأدب.
تعرّفَت آن ماري على إحدى الزميلات المسلمات الأحمديات، وبدأت محاولة الحوار حول العقيدة، ولكن آن ماري لم تكن تودُّ السماع على الإطلاق. ومرَّت ثلاث سنوات ونصف تقريباً شعرت خلالها آن ماري بتذبذب في اداء الصَلاة والاستقرار الروحي، فكانت تسأل أصدقائها لتقديم النصائح لها حول ما يجب فعله للتغلب على هذه المشاكل، ولكن كانت معظم الإجابات؛ أنها مجرد مرحلة عابرة سوف تنتهي ولا داعي للقلق”، ولكنها لم تنتهي ولم يتبدد القلق.
في هذا الوقت كانت آن ماري تلاحظ المسلمات الأحمديات يتمتعن بعلاقة قوية جداً مع الله تعالى، فشعرت آن ماري بأن هنالك شيء ما ينقصها؟ فأخَذَت بالبحث والتحقيق حول الجماعة الإسلامية الأحمدية. وحدث أن تعرّفت آن ماري على فتاة مسلمة سُنّية كانت هي الأخرى تبحث حول الجماعة الإسلامية الأحمدية، فقدّمَت لآن ماري كتاب “فلسفة تعاليم الإسلام” لمؤلفه حضرة مرزا غلام أحمد ؑ، فكان الكتاب مُهِمّاً جداً حول شرح عقيدة الإسلام بأسلوب جميل وفريد. وكان اتحاد الطلبة في الجامعة قد فتح فرعاً للجماعة الإسلامية الأحمدية، وكانت تُجرى بعض الحوارات والمناظرات التي حضرتها آن ماري وشدّت انتباهها خصوصاً وأنها في هذا الوقت كانت تقرأ بعض الكتب والمحاضرات القصيرة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية. ثم كان الكتاب الآخر الذي قرأَتْه باهتمام شديد عنوانه “الدعوة إلى الأحمدية”، فأثار إعجابها لدرجة كبيرة رغم عدم موافقة آن ماري على الكثير مما يُقدّمه هذا الكتاب، إلا أنها وجدته مُنظّماً بتميّز وموجز ومُقنع في عرض نقاط الاختلاف بين الإسلام المعروف الشيعي والسني والأحمدي. بعد ذلك قرأَت آن ماري أيضا سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في كتاب “أحمد المهدي” لمؤلفه إين أدامسون وكذلك كتاب سيرة النبي محمد ﷺ. فكان هذان الكتابان هما محور قبول الدكتورة آن ماري للأحمدية. في هذا الوقت أدرَكَت آن ماري أن الصَلاة صارت لذيذة وممتعة واتخذت حياتها الروحانية منعطفا نحو الأفضل.
أهم درس تعلمته الدكتورة آن ماري من تجربتها السابقة والتي قادتها إلى الإسلام عبر الجماعة الإسلامية الأحمدية هي ضرورة البحث العلمي الجيد المتجرد وبناء المعرفة الصحيحة قبل تقييم حقيقة الدعوى. كان هذا في غاية الأهمية خصوصا مع درجة التضليل والتشويه ضد المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام.
لم تتطلب المسألة أكثر من مجموعة كتب وثلاث محاضرات ورؤيا صادقة شاهدتها لاحقاً حتى أدَّت بالدكتورة آن ماري إلى قبول الجماعة الإسلامية الأحمدية وبيعة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ