شخصية اليوم هي المؤلف والصحفي الألماني المعروف السيد “باول جيرهاردت هوبش” الذي شغل منصب رئيس “اتحاد الكتّاب الألمان VdS” للأعوام ١٩٩٢-٢٠٠٠ م عن مدينة “هاس” ثم انتقل لاحقاً إلى “فرانكفورت” وهو كذلك الناشط الأبرز في “حركة ٦٨” الألمانية وله كتباً ومؤلفات تربو على ١٠٠ مسرحية وعشرات الكتب الأدبية الأخرى ومنها كتب مخصصة حول حياة النبي الأعظم محمد ﷺ وكتبا حول علاقة التصوف بالإسلام بلغت لوحدها ١٢٠ كتاباً وكتيب عدى مقالاته العديدة المنتشرة في الصحف الألمانية المشهورة بالإضافة لترجمته فيما بعد كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلى اللغة الألمانية ومنها “المسيح الناصري في الهند” وغيرها.
كان الشاب العشريني “باول هوبش” في رحلة إلى المغرب العربي للترويح والسياحة فلم يعثر على العالم المثالي الذي يبحث عنه فأصيب باكتئاب وشعر بالوحدة وأثناء تجوله في الصحراء شعر بحزن عميق ويأس فخرَّ على الأرض في أسى وانهيار فشعر فجأة وكأن أحداً يحمله بلطف ويمنعه من الشعور بالحزن فنظر إلى السماء الزرقاء وأخذ يدعو الله تعالى بقوة وتضرع أن لا يتركه. حدث الأمر الآخر الذي غير مجرى حياة السيد “هوبش” عندما عاد إلى ألمانيا حيث كان في تأمل عميق عندما رأى أمامه نوراً من السماء ينزل على مكتبته ويتوقف عند نسخة القرآن الكريم التي كان يحتفظ بها فوق الرفوف وأخذ القرآن الكريم يضيء ويتلألأ مما أقنع السيد “هوبش” بأن هذا هو الدين الحق ويجب أن يبدأ رحلته في البحث بأصول هذا الدين وأعماقه.
بدأت رحلة السيد “هوبش” مع الإسلام عند زيارته “مسجد النور” التابع للجماعة الإسلامية الأحمدية في المدينة حيث تلقى ترحيباً وصدراً رحباً وحصل على بعض كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ومنها “تعاليمنا” فأخذ يتردد إلى المسجد ويدعو الله تعالى بحرقة أن يريه الحق حتى التقى ذات يوم جمعة بخليفة المسيح الثالث حضرة مرزا ناصر أحمد رحمه الله ولم يكن يعرف بأنه خليفة الجماعة الإسلامية الأحمدية فحدثت حالة روحية أخرى للسيد هوبش” وهي رؤيته لنور ينبعث من عيني الخليفة عندما التقى به فأحس السيد “هوبش” حينها بأن الرجل ليس شخصاً عادياً ولم يكن يدر بخلده بأن هذا الشيخ النوراني هو الخليفة شخصياً وبقي يجهل ذلك حتى تمت بيعته عام ١٩٦٩ عندها فقط علم بأن الشيخ النوراني هو خليفة المسيح الثالث وإمام الجماعة الإسلامية الأحمدية الذي منح الأخ “باول جيرهاردت هوبش” إسماً جديداً هو “هداية الله” !
يُعتَبر السيد “هوبش” أول الألمان المنضمين إلى الإسلام في الوقت الذي كانت ألمانيا لا تعرف من الإسلام إلا حكايات الف ليلة وليلة. تعلم السيد “هوبش” اللغة العربية في جامعة “غوته” بفرانكفورت حتى أتقنها وانخرط في التبليغ وكافة نشاطات الجماعة بقوة وحماس وأنشأ دار المطبوعات الأولى للجماعة الإسلامية الأحمدية في ألمانيا بعنوان Verlag Der Islam وكان هو رئيس التحرير لمجلتي الجماعة باللغة الألمانية بمفرده وكان مرتبطاً بالتبليغ ليلا نهارا بدون استراحة يدرس كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وينشر أفكار الجماعة الإسلامية الأحمدية بلا توقف ولا كلل وكان يناقش أصدقاءه الأدباء والموسيقيين الألمان فكانوا يعترفون بتفوقه في مجال الإقناع والتفوق في مجال العمق الفكري وإيصال معنى الحياة.
زار السيد “هداية الله هوبش” مدينة “قاديان” في بداية السبعينيات فوقع في غرام قاديان وكاد أن يقرر البقاء فيها إلى الأبد فبذل ما لديه من أموال من أجل زيارة قاديان بشكل مستمر وتعلق بها بشكل لا يوصف وكان يقول بأن من أراد نوال الروحانية فعليه بالتوجه إلى قاديان والقرب من اثار المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وكان حريصاً على زيارة قاديان في كل عام مرة على الأقل. وقد عمل لسنوات عديدة لاحقاً كإمام لـ “مسجد النور” نفسه في “فرانكفورت”. تزوج “هداية الله هوبش” وله عدد من الأولاد أبرزهم الكاتبة والناشطة الألمانية “مريم هوبش”.
تعلق “هداية الله هوبش” بالخليفة الثالث تعلقاً كبيراً فلما تلقى نبأ وفاة حضرته في ١٩٨٢ كانت صدمة عظيمة بالنسبة له لم يتوقف بعدها عن البكاء وكانت عبرات الوجد تخنقه كلما تذكر الخليفة الثالث رحمة الله عَلَيهِ.
تفاجأ السيد “هداية الله” بانتخاب حضرة مرزا طاهر أحمد رحمه الله خليفة رابع للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقد كان يعرفه قبل ذلك من خلال زيارته في ربوة وفرانكفورت وكانت تربطهما صداقة جميلة فعمل “هداية الله” مترجماً شخصياً لخليفة المسيح الرابع وكانت ترجمته دقيقة ومؤثرة حتى كان الخليفة يرد لوقت طويل على الأسئلة وينسى التوقف للترجمة ولكنه يتفاجأ بهداية الله وقد نقل الموضوع كاملاً بشكل مذهل.
وعندما تأسست قناة الجماعة “أم تي أي” كان “هداية الله” ضيفاً محترماً في برامج القناة وشغل منصب مدرس الغة الألمانية في الجامعة الأحمدية في ألمانيا ودخل على يديه العديد من الألمان إلى الإسلام.
بعد وفاة الخليفة الرابع رحمه الله في ٢٠٠٣ كان السيد “هوبش” في مسجد الفضل ورأى في الرؤيا أن الملائكة تختار خليفة جديداً فكان يتوق لمعرفة الخليفة المنتخب فكان حضرة مرزا مسرور أحمد أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز شخصاً غريباً لم يلتق به من قبل ولكنه رأى كشفاً عجيباً وهو التفاف الملائكة حول الخليفة الجديد ورفع أياديهم تأييداً له وهتافا فكان للأمر وقعاً كبيراً في نفسه وصار من خدام الخلافة واطمأن بأن الخلافة مؤسسة بيد الله تعالى وحده.
توفي السيد “هوبش” عام ٢٠١١ بعد عمر حافل في خدمة الإسلام فنعاه أمير المؤمنين أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز في خطبة الجمعة بشكل مؤثر واصفاً إياه بالعالم الجليل الذي يتحلى بصفات يجب أن تتوفر في المؤمنين كافة، كما نعته أكثر من ١٦ صحيفة ألمانية وبثت برامجه المسجلة للدفاع عن الإسلام في محافل مختلفة، وفي أول سنَة لذكرى وفاته نظّم الصحفيون والمثقفون الألمان احتفالاً تذكارياً للفقيد فتحول منزله في تلك المناسبة إلى مركز للثقافة وملتقى الأدباء الألمان ووصفه الساسة وبعض الوزراء بأنه أشهر معتنق للإسلام في ألمانيا ولا زال أثره فعالاً في البلاد ولا زال زملاؤه الصحفيون يحتفلون به كرمز من رموز الثقافة الألمانية فأسسوا له موقعاً تعريفياً يضم مجموعة كتبه وأدبياته الكثيرة.