القضاء والقدر – مجموع أقوال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام
التوبة والإستغفار تجنب وقوع العذاب
“ثمة ناموسان؛ ناموس القضاء والقدر الذي يخص ملائكة السماء، أي أنهم لا يقدرون على المعصية البتة، وناموس القضاء والقدر الخاص بالناس على الأرض، أي أنهم قد مُنحوا من السماء الخيار في اقتراف المعصية، ولكنهم إذا التمسوا القوة من الله أي استغفروه، فيزول ما بهم من ضعف بتأييد من روح القدس، ويتجتنبون ارتكاب الذنب كما يجتنب أنبياء الله ورسله. أما من ارتكب المعاصي فينفعه الاستغفار من حيث إنه يُعصم من مغبّة الذنب، أي العذاب، لأن الظلمة لا يمكن أن تبقى بعد مجيء النور. وأما المجرمون المصرون على الجريمة الذين لا يستغفرون الله، أي لا يلتمسون منه القوة، فهم لا ينفكون ينالون الجزاءَ على جرائمهم. انظروا، كيف حلّ الطاعون بالأرض في هذه الأيام عقابًا للناس، وما يزال يفتك بالمتمردين على الله. فكيف يقال إذن إن ملكوت الله ليس في الأرض. ألا لا يخطرن ببالكم أنه إذا كان ملكوت الله موجودًا في الأرض حقًّا، فكيف يرتكب الناس الجرائم؟ ذلك لأن الجرائم أيضًا تندرج تحت ناموس قضاء الله وقدره. فإن كان الناس يخرجون عن ناموس الشريعة فليس بمقدورهم أن يخرجوا عن ناموس التكوين، أي ناموس القضاء والقدر، فكيف يمكن القول إن المجرمين ليسوا خاضعين للسلطة الإلهية؟ انظروا، كيف تقع الكثير من حالات السرقة وحوادث القتل في المملكة البريطانية الهندية، كما يوجد بها الزناة والخوَنة والمرتشون وغيرهم من أنواع المجرمين، ومع ذلك لا يمكننا القول أن هذا القطر ليس خاضعا للحكومة البريطانية”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 34-35)
الثقة بالله عند وقوع البلاء
“وكمال الاستقامة أن نرى البلايا قد حاصرتنا من الجهات الأربع، وأن نجد أنفسنا وعِرضنا وشرفنا عرضةًً للخطر في سبيل الله، ولا نجد سبيلا للسلوان.. حتى أن الله أيضا يُمسك عنا كشوفه ورؤاه وإلهامه اختبارا لنا، ويتركنا في أخطار مهولة.. ورغم كل ذلك لا نُبدي فشلا، ولا نتقهقر كالجبناء، ولا نخِلّ في وفائنا، ولا نقصر في صدقنا وثباتنا، بل نفرح على الذلة، ونرضى بالموت، ولا ننتظر صديقا يكون لنا عونا على الثبات، ولا نطلب من الله بشارات بحجة أن الموقف خطير.. وإنما ننتصب قياما رغم الضعف والخذلان وفقدان سبل السلوان، ونضع أمامه رقابنا دون تفكير في العواقب، ولا نتحرك أمام القضاء والقدر، ولا نبدي أبدا أي قلق أو جزع أو فزع، إلى أن يستوفي الاختبارُ أجله”. (فلسفة تعاليم الإسلام، ص 117)
“إذا كانت الشريعة قد أجازت للرجال تعدد الزوجات مراعاةً لمصالح مختلفة، فإن القانون الإلهي للقضاء والقدر مفتوح لكُنّ أيضا؛ فإن كان قانون الشريعة لا يسَعُكن احتمالُه فانتفِعْنَ من قانون القضاء والقدر، أي عليكن بالدعاء. علمًا أن قانون القضاء والقدر غالب على قانون الشريعة أيضًا”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 81)
لماذا ندعو لما هو مقدر؟
“سألتَ عن الدعاء، وقلتَ: لِمَ ندعو لما هو مقدَّر من قبل؟ فاعلم أن قانون الله القديم في كل مقدّر هو أنه تعالى قد جعل طرقًا معيَّنة لنيل الإنسان ما هو مقسوم له، وإنْ كان من المقدَّر أن يناله. وهذا القانون الإلهي جارٍ وسارٍ في كل شيء، فمثلاً مَن أراد إزالة عطشه لزمه شرب الماء، ومَن بحث عن النور لزمه أن لا يبقى قابعًا في غرفة مظلمة، بل عليه أن يخرج إلى الشمس. وبالمثل قد جعل الله الدعاء والصدقة والحسنات وكل الأعمال الصالحة الأخرى شرطًا لحصول الإنسان على بغيته. فكما كان من المقدر سلفًا أن ينال شيئًا معينا، كذلك كان من المقدر أيضًا أن يناله بقيامه بالدعاء أو إخراج الصدقة وغيرهما. فإذا كان من القدر المبرم أن ينال بغيته، فهناك قدر مبرم آخر بأن يدعو لذلك أيضًا، ومن المحال أن يمتنع عن الدعاء، بل سيتحقق هذا القدر الثاني بالتأكيد ولا مفر له من الدعاء أيضًا.
ولا يلزم في الدعاء أن يدعو بلسانه فقط، بل الدعاء اسم لطلب ينبع من قلب العبد المتواضع عند توجهه إلى الله القوي القادر في قلق واضطراب، راجيًا منه رفع البلاء الذي عجز عن رفعه. فالدعاء في الحقيقة أمر طبيعي أُودِع في فطرة الإنسان. والحق أن حالة الطفل الرضيع الذي يبكي من شدة الجوع تُدعى دعاء.
باختصار، إن الاستعانة بالله الكريم بالدعاء ليست أمرًا غير طبيعي، بل إنه داخل في الفطرة ومن القوانين المحددة المقررة. ومن يُوفَّق للدعاء تكون الاستجابة والقبولية مقدرتين له. بيد أنه ليس ضروريًا أن يُستجاب دعاؤه كما دعا، إذ من الممكن أن يخطئ الإنسان في طلبه كالطفل الذي يريد أن يمسك بحيّة، فتعطيه أمه الحنون، عوضًا عنها، لعبة جميلة لعِلمها أن في إمساكه بالحيّة هلاكه.
خلاصة القول، إن الدعاء ليس ضد المقدّرات الأزلية، بل هو ضمنها، ولذلك يميل الإنسان إلى الدعاء عند حلول المصائب. ولدى العارفين تجربة شخصية أن من يسأل يُعطى. لقد أزال الله تعالى في كل عصر وزمان مشاكل المقربين ومتّعهم بأفضاله بطرق عجيبة نتيجة الدعاء”. (مكتوبات أحمدية، مجلد 1، الرسالة رقم 34)
الصلاة ضرورية لعلاج المحن
“لقد كتب الله عليكم الصلوات الخمس نظرا إلى أحوال خمس لتغيراتكم الفِطريَّة، ويمكن أن تدركوا منه أن هذه الصلوات لمصلحتكم أنتم. فإن كنتم تريدون السلامة من هذه البلايا فلا تتركوا الصلوات الخمس، فإنها أظلالٌ لتطوراتكم الباطنة الروحانية. إن في الصلاة علاجًا للمِحن القادمة. لا تدرون أيَّ نوع من القضاء والقدر سيجلب لكم اليومُ الجديدُ، لذلك فقبْلَ أن يطلع النهار تضرّعوا في جناب مولاكم أن يكون لكم مطلع خير وبركات”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 70)