قد يتساءل البعض: ما الداعي لإثارة هذه المسألة الآن؟

و ربما ينتقد الآخرون بالقول أن طرح هذا الموضوع لن ينفع بقدر ما سيضر، ولكي نرد على هؤلاء مطمئنين، لا يسعنا سوى ذكر أمرين اثنين، أولهما أن موضوع أبينا آدم والخطيئة الأولى كما هو متداول عند الإخوة النصارى، ذلك الموضوع قد بنيت عليه عقيدة، هي عند غير المسيحيين عقيدة تبدو شركية، أما بالنسبة للمسلمين فهي على درجة من الخطورة أيضا وإن لم تصل للشرك، ففيها مساس بتنزيه أبينا آدم – عليه السلام – كنبي مكرم.

و خير مستند وأعظم وثيقة أستندُ إليها كمسلم أحمدي لتبرئة أبي آدم ؏ مما نسب إليه، هي القرآن الكريم، فقد قال تعالى:

((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)) (طه: 121)

فلنلاحظ بماذا ختمت الآية:

 ختمت ببيان أن الأكل من الشجرة كان معصية، وهذه المعصية أدت إلى الغواية، هذا ما رأيته في كلمة (فغوى).

و حري بنا أن نذكر أسباب الغواية، فقد ذكرها الله تعالى مجملة في كلمة (عصى)، أي أن المعاصي إجمالا تؤدي إلى الغواية، ولكن.. أي معاصي تحديداُ؟

الجواب نراه في قوله تعالى:

(( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)) (مريم: 59)

إذا.. فللغواية سببان، إما إضاعة الصلاة، أو اتباع الشهوات، فهل يا ترى قد وقع في أي من هاتين المعصيتين أبينا آدم ؏؟

حاشا وكلا.. إن الجسد ليقشعر حينما تخطر في بالي هذه الفكرة الشيطانية، وسرعان ما أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي سول لي أن يكون أبي آدم النبي المكرم قد تدنى إلى هذا الحد.

يبدو أن هذا الموضوع قد أثار مشكلة لدى البعض إذ وضعنا في تناقض مع النص، ولكني أقول، ما من تناقض، وسوف نكتشف جمالا في بعد جديد من القرآن.

إن الأسلوب القرآني درج على ذكر القوم والامم الخالية باسم كبيرهم وسلفهم الأول، وبخاصة، عندما يكون السلف صالحا ثم جاء الخلف وعملوا فسادا، فذكر القرآن للسلف الصالح كان بمثابة التقريع، ونحن حتى أيامنا هذه نستخدم هذا الأسلوب في حياتنا العامة، وفي لهجتنا المصرية نستخدم أسلوب التقريع هذا بوجه عام فنقول: “يا ابن الناس الطيبين”

و القرآن الكريم ذكر قوم هود باسم سلفهم الأكبر (عاد) وقوم صالح باسم سلفهم الأكبر (ثمود)، وقوم سيدنا محمد ﷺ باسم سلفهم (قريش)، وكذلك يجب تطبيق المعيارين على موضوع آدم:

  • المعيار الأول: وهو تنزيه النبي آدم ؏ عن المعصية وإضاعة الصلاة واتباع الشهوات.
  • المعيار الثاني: والذي سمح لنا القرآن باستخدامه وهو أن اسم الرجل يذكر ويراد منه قومه، لا سيما إذا كان ذلك الرجل صالحا واتبعته ذريته بإفساد، ويكون ذكر الصالح عن ذريته الفاسدة بمثابة اللوم والتقريع.

إذا، أبشر يا أخي المسلم، وأحسن الظن بأبيك الأول، فإنه نبي مكرم، وإنما حادت ذريته عن طريقه فغوت، مما استدعى أن يبعث الله برحمته نبيا جديدا يعيد الإنسانية إلى سبيل الله فكان نوح ؏ من بعده، وهكذا دواليك حتى اختتمت الرسالات بسيدنا محمد النبي الأكرم ﷺ.

نخلص إلى نتيجة هامة.. إن الذي خرج من الجنة ليس شخص أبينا آدم، وإنما خرج قومه وذريته.