يتبين من القرآن الكريم أن موسى ؏ كان من بني إسرائيل، وكان الحلقة الأولى من سلسلة النبوة في بني إسرائيل التي كان عيسى ؏ الحلقة الأخيرة منها…

نزول الوحي على سيدنا موسى: إني آنست نارا

…واعلم أن (نارًا) في الآية (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) هنا تعني مشهدًا روحانيًّا من الكشف، وليس النار المادية. ذلك لأن الذي يرى النار المادية لا يقول “إني رأيت نارًا”، وإنما يقول “إني رأيت النار”. فلو كان موسى ؏ قد رأى النار المادية لقال “إني رأيت النار”، ولكنه يقول هنا (نارًا)، أي نارًا ما. وفي هذا إشارة أنه كان مشهدًا روحانيًّا، وأن موسى ؏ أيضًا لم يفهمها النار المادية المشتعلة من خشب وفحم.

أما قوله (لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) (طه: 11).. فهو إشارة إلى أن التجليات الروحانية نوعان: نوع لا يخص الرائي فقط، بل يخص قومه وأصحابه أيضًا، مثل تجلِّي النبوة أو نـزول الشرع. ونوع آخر منها يخص الرائي فحسب، مثل تجلِّي الولاية. فإن موسى ؏ لما رأى ذلك المشهد الروحاني وهو عائد من مدين إلى مصر قال لأهله إني أشعر أن الله تعالى يريد أن يريني تجلّيًا من تجلياته. فإذا كان تجلّيَ النبوة والشرع وأُمرت أن أعلّم الآخرين أيضًا مما عُلّمتُ، فسآتيكم منها بقبس.. أي سآتي بتعليم وهداية لأهلي وقومي؛ وأما إذا كان تجلّيَ الولاية أي خاصًّا بي فقط فسأنال به هديًا لنفسي على الأقل، وأنتفع به ثم أعود إليكم.

من هنا أخذ الله تعالى يسرد بعض وقائع موسى ؏، حيث أخبر أولاً كيف شرفه الله تعالى بوحيه وكلامه في أول أمره. لقد وُلد موسى ؏ في مصر وقضى هناك أوائل عمره. ثم اضطر لبعض الأسباب للهجرة إلى مدين حيث أقام عشر سنوات وتزوج. ثم خرج مع أهله عائدًا إلى مصر، حيث تجلى الله تعالى له على صورة نار.

لقد ورد هذا الحدث في العهد القديم أيضًا، بيد أن هناك اختلافًا بين بيان القرآن الكريم وبيان العهد القديم في بعض التفاصيل، ولا بد من أخذ هذا الاختلاف في الحسبان.

وبيان ذلك أن القرآن الكريم يخبرنا أن وحي الله تعالى نـزل على موسى وهو راجع من مدين إلى مصر، ولكن العهد القديم يخبر أن واقعة الوحي قد حصلت من قبل، ثم بعدها خرج موسى عائدًا مع أهله وأولاده إلى مصر. حيث ورد: “وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ” (الخروج 3: 1-2).

ثم ورد بعد ذلك: “فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ وَقَالَ لَهُ: أَنَا أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى إِخْوَتِي الَّذِينَ فِي مِصْرَ لأَرَى هَلْ هُمْ بَعْدُ أَحْيَاءٌ. فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: اذْهَبْ بِسَلاَمٍ. وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: اذْهَبْ ارْجِعْ إِلَى مِصْرَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ جَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ. فَأَخَذَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى الْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ” (الخروج 4: 18-20).

وهذا يعني أن العهد القديم يخبرنا أن موسى ؏ حين كان بمدين، خرج إلى جبل حوريب وهو يرعى الغنم، وهنالك رأى التجلي الإلهي في أكمة. ثم رجع إلى حميه واستأذنه للعودة إلى مصر، فخرج بأهله وأولاده إلى مصر. ولكن القرآن الكريم يخبرنا أن واقعة التجلي الإلهي حصلت لموسى خلال سفره إلى مصر، حين كان أهله وأولاده أيضًا معه.

وليكن معلومًا بشأن هذا الاختلاف أن الذين درسوا الكتاب المقدس دراسة فاحصة يدركون جيدًا أنه يخطئ كثيرًا في ذكر الأرقام والمواقيت بحيث لا يمكن أن يصدقه أي إنسان عاقل. فمثلا إذا كان عدد الناس في حدث ما آلافًا من حيث التاريخ، ذكره الكتاب المقدس مئات الآلاف. أو إذا كانت المسافة مئات الأميال قال الكتاب المقدس إنها بضعة أميال مثلا. فلا يمكن الاعتماد على بيانه بصورة حتمية يقينية. خذوا مثلاً هذا الحدث نفسه. فإن جبل حوريب الذي قيل أن الله تعالى تجلى على موسى عنده وهو يرعى الغنم، واقع في صحراء سيناء التي تبعد عن مدين بمئات الأميال (انظر قاموس الكتاب، مجلد 4، ص341). ولكن الكتاب المقدس يذكر الحدث وكأن المسافة بين المكان الذي أخذ موسى غنمه إليه، والذي نـزل فيه كلام الله عليه، وبين مدين هي ميل أو نصف الميل فقط؛ ثم رجع بعد ذلك إلى حميه، وسافر بعد إذنه إلى مصر مع أهله وأولاده. مع أنـه خلاف للعقل تمـامًا أن يخرج أحد إلى مئـات الأميال يرعى الغنم، ثم يرجع إلى بيته في مساء اليوم نفسه.

فثبت أن بيان الكتاب المقدس مخالف للعقل تمامًا، وأن ما يقوله القرآن هو المتفق مع العقل والمنطق. كما أن بيان الكتاب المقدس يتنافى مع الجغرافيا أيضًا، في حين أن بيان القرآن الكريم مطابق للجغرافيا أيضًا. ذلك أنه ما دامت المسافة بين مدين وحوريب تبلغ مئات الأميال، فمن غير المعقول القول أن موسى ﷺ ذهب يرعى الغنم إلى حوريب.

لما اقترب موسى ؏ من ذلك الشيء الذي كان نارًا في الظاهر تلقى وحيًا يقول: (يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّك). ولا يعني ذلك أن تلك النار كانت ربًّا لموسى، وإنما المراد أن الذي أظهر ذلك التجلي هو رب موسى؛ ذلك لأن النار لا تتكلم، بل إن الله تعالى هو الذي يتكلم.

وقوله تعالى (فاخلَعْ نعلَيك) يعني حرفيًّا: انـزعْ حذاءك، ولكن المراد الحقيقي هو اقطَعْ علاقاتك الدنيوية كلها ابتغاء مرضاة الله تعالى، وكُنْ لـه وحده كلية. ذلك أن النعل في الرؤيا أو الكشف يعني الأقارب والأصحاب كالزوجة والولد والصديق (تعطير الأنام للنابلسي). ولما كان المشهد الذي رآه موسى ؏ كشفًا من الكشوف فأمر الله تعالى موسى بقوله (اخْلَعْ نعليك) أن يقطع صلاته الدنيوية كلها لوجه الله تعالى. ثم قال (إنك بالواد المقدس طُوًى).. أي لأنك قد دخلت الآن في واد لـه طرفان: فأحد طرفيه متصل بالله وطرفه الآخر متصل بالعباد، أي أن الله تعالى قد شرّفك الآن بالنبوة والرسالة، ومَن تبوأ هذا المقام تبتّلَ عن الدنيا إلى الله تعالى كلية، ووجّه فطرته من الماديات إلى الروحانيات. فمن واجبك الآن أن تقطع كل صلاتك المادية وتتخلى عن كل محبة دنيوية، وتصبح لله تعالى كلية، وتقوّي صلتك به ﷻ.

هذه الآية أيضًا تبين أنه لم يتكلم من النار شيء، بل كان ذلك الكلام وحيًا من الله تعالى، ذلك لأن الله تعالى يوضح هنا لموسى ويقول يا موسى لقد اخترتُك، فأَصْغِ إلى الوحي الذي نوحيه إليك. وعليك أن تؤدي الصلاة بنفسك، كما يجب أن تجعل الآخرين أيضًا يصلّون. وكأن المراد من إقامة الصلاة هو الصلاة بالجماعة. والحق أن الصلاة بالجماعة لا تؤدَّى في أي دين سوى الإسلام، وإن كان الناس يجتمعون في الظاهر للعبادة كما يجتمع النصارى في الكنائس واليهود في الصوامع…

عصا سيدنا موسى ؏

ولما قال الله تعالى لموسى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) قال في نفسه بطبيعة الحال: لماذا يسألني الله تعالى عن العصا، فراح يعدّد منافعها وقال (أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (طه: 19). أي أنني أعتمد على عصاي، وأخبط بها الورق لتتساقط على غنمي، ولي فيها فوائد أخرى. والمراد من اتكاء موسى على العصا أنه يثق بقومه ويستعين بهم في المهمات الدينية.

وأما قوله (وأهشُّ بها على غنمي) فالمراد به الإشراف بواسطتهم على حقوق التوابع. ذلك لأن الغنم لا تكون جزءًا من القوم، وإنما تكون كالتوابع، لذا فما دام العصا تعني القوم فسيعني الهش بالعصا على الغنم أنه يقوم من خلال قومه، برعاية حقوق التوابع ومنافعهم. والحق أن الأنبياء كلهم قد أخذوا التبرعات والصدقات من قومهم، وأعانوا بها فقراءهم وكذلك فقراء وشرفاء الأمم الأُخرى كالراعي يرعى غنمه. فالقرآن الكريم يأمر المسلمين بالزكاة أيضًا، ومن مصارف الزكاة بحسب القرآن مساعدةُ ذوي الحاجة والغارمين من المسلمين، وكذلك المسافرين أيًّا كان دينهم، وإعانة المؤلَّفةِ قلوبُهم وهم من أهل الأديان الأخرى يقينًا (التوبة: 60). وهكذا فإن الله تعالى قد طبق كشف موسى هذا على محمد رسول الله ﷺ مئة بالمئة، حيث أوصاه أيضًا بأخذ الزكاة من قومه.. أي بهش الورق بعصاه، ولكنه أوضح له أن هذه الأوراق يجب أن لا تنفع قومك فقط، بل يجب أن تنفع الآخرين أيضًا ممن ليسوا من قومك، والذين هم في حكم الحيوانات.

ولما ألقى موسى عصاه تحولت إلى ثعبان يجري. وبالفعل قد شاهد موسى ؏ في حياته أنه ما إِنْ ترك رعاية أمته قليلا إلا وصارت سامّةً كالثعبان. فمثلا حين ذهب موسى ؏ إلى الجبل لأيام أخذ قومه يعبدون الأصنام في غيابه. وكذلك كلما حصل نقص في رعايته لهم فسدوا.

خاف موسى ؏ لما رأى العصا على هيئة الثعبان، فقال الله تعالى لـه لا تخف، إنه قومك، فأمْسِكْهم جيدًا يعودوا إلى سيرتهم الأولى، ويكونوا ذوي نفع عظيم. أي أن قومك لن يفسدوا في حياتك فسادًا أبديًّا، بل كلما تقوم برعايتهم يصلحون أنفسهم.

وبالفعل ترى أن فئة من قومه قد فسدوا في غيابه وأشركوا، ولكنه لما رجع أصلحوا أنفسهم بجهوده ورعايته وتابوا عما فعلوا، فشملهم الله تعالى برحمته وعفوه. وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم قبول توبتهم فقال (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) (البقرة: 55). وهذا يعني أن ابتعاد موسى عن قومه كان ضارًّا بهم، ولكنه بمجرد أن تولى رعايتهم رجعوا إلى الصواب، يبذلون في سبيل الله تعالى كل غال ورخيص.

واضمم يدك إلى جناحك

… إن اليد تعني الأخ أيضًا. وإذا توسعنا في هذا المعنى فيمكن أن تعني القوم أيضًا، لأن أفراد القوم يصبحون أعوانًا وأنصارًا مثل اليد. إذًا فكأن الله تعالى قد نبه موسى بقوله (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) (طه: 23) إلى أن يقرّب إلى نفسه كل مَن يصلح من قومه لمساعدته ويسعى للتقرب إليه، فيصبحون شخصيات نورانية، وتظهر على أيديهم كمالات روحانية عظيمة.

يتضح لنا من القرآن الكريم أن موسى لما ضم يده إلى صدره بأمر الله تعالى صارت يده بيضاء نورانية تمامًا، وأن هذا البياض لم يكن نتيجة مرض أبدًا. الحق أنه كان مشهدًا من الكشوف الروحانية لـه تأويل عظيم. مع أن صيرورة يده بيضـاءَ -حسب التوراة- بسبب مرض الجذام عذاب، في حين أن المناسبة هي ظهور التجلي الإلهي وظهور آية من الله تعالى، ولا مجال فيها أبدًا لنـزول العذاب على موسى. فبيان الكتاب المقدس هذا باطل بالبداهة. فكيف يمكن لموسى ؏ أن يزداد إيمانًا إذا كان قد رأى نفسه قد أصيب بالجذام؟ كلا، بل لا بد أن يصيبه الحزن والخوف بسبب ذلك. ولكن القرآن الكريم يصرح (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (النمل: 13).. أي أن يده صارت بيضاء ولكن لا علاقة لهذا البياض بالجذام أبدًا.

لقد بيّنت من قبل أن هذا كان مشهدًا من الكشوف الروحانية، وكان تأويله أن يضم موسى إلى نفسه ذوي الخير والنفع من قومه. وعليه فستعني الآية أنه حين يضمّهم إلى كنفه وصحبته سيكتمل صلاحهم وخيرهم، ولا يبقى فيهم نقص ولا عيب. ذلك لأن بعض الناس يبدون أهل الصلاح في ظاهرهم، ولكنهم يكونوا فاسدين جدًّا في باطنهم. فالله تعالى يخبر موسى ؏ أنه حين يخصهم بقربه وصحبته يصبحون من الروحانيين الكاملين تمامًا. إنما يفسدون إذا كانوا بعيدين عن صحبته وقربه. وهنا يخبر الله تعالى موسى أنه قد أراه هذه الآية ليوقن بأنه تعالى سيري على يده آيات عظيمة أُخرى ينجح بها في مهمته.

كيف كانت حياة بني إسرائيل قبل الرسالة؟

(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِنْ آلِ فِرعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبنَآءَكُم وَيَستَحيُونَ نِسَآءَكُم وَفي ذَلِكُم بَلآءٌ مِّن رَبِّكُم عَظِيمٌ) (البقرة: 50).

بهذه الآية بدأ الله تعالى يعدد النعم التي لم يزل ينعم بها على بني إسرائيل لمدة طويلة. وأول هذه النعم أن بني إسرائيل كانوا يعيشون تحت حكم الفراعنة في مصر عبيدًا، فأرسل الله عبده موسى وأنجاهم به. لقد صور كتابهم المقدس حياة العبودية التي عاشوها فقال: “ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَقَالَ لِشَعْبِهِ: هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، فَيَكُونَ إِذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ أَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى أَعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ. فَجَعَلُوا عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ بِأَثْقَالِهِمْ، فَبَنَوْا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ: فِيثُومَ، وَرَعَمْسِيسَ. وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا. فَاخْتَشَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَاسْتَعْبَدَ الْمِصْرِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعُنْفٍ، وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَل فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفًا” (خروج 1: 8 إلى 14).

قوله تعالى: (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ). كان رعمسيس الثاني الذي ولد موسى في زمنه شديد العداوة لبني إسرائيل. وأمر بقتل أبنائهم خوفًا من ازدهارهم، ولكنه لم يفلح في خطته تمامًا لإشفاق القابلات على المواليد. فأمر أخيرًا أن يطرح في النهر أبناؤهم دون البنات. (خروج 1: 22).

وتوجد مثل هذه الروايات في التلمود. كما ورد في الإنجيل: “فَاحْتَالَ هذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا، حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 7 : 19)”.

لقد انخدع البعض من كلمة “يذبّحون” في الآية فظنوا أن القرآن يقول بأن المصريين كانوا يخنقون مواليد بني إسرائيل مع أن التاريخ يقول بغير ذلك. وأوقعهم في هذا الوهم كون الخنق من معاني الذبح، وغفلوا عن المعنى الآخر وهو الهلاك. فالمعنى الحقيقي أنهم كانوا يهلكون المواليد بأي طريقة كانت. وقد وضّح القرآن هذا المعنى في موضع آخر حيث قال: (يقتّلون أبناءكم) (الأعراف: 42). وقوله تعالى: (وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) أي في نجاتكم من هذا الكرب إنعام من الله كبير، إذ ترتبت على هذه النجاة سلسلة من نعم عظيمة أُخرى.


لقراءة الفصل التالي: الآيات السماوية وخروج بني إسرائيل من مصر وعبورهم البحر

2 Comments on “إني آنست نارا – نزول الوحي على سيدنا موسى ؏”

Comments are closed.