بضاعة المعترض رُدَّت إليه
المعترض: المرزا زيف حديث الدجال
جهل وتسرّع وتزييف.. أهي دجال أم رجال، د أم ر
كتب الميرزا:
أورد النَّسائي في صفة الدجال حديث النبي صلى الله عليه وسلم برواية أبي هريرة: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجّالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِن اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِن السُّكَّرِ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ… الخ” (التحفة الغلروية نقلا عن: كنـز العمال مجلد 7 صفحة 174)
علما أن الحديث يذكر كلمة “رجال” لا كلمة “دجال”.. أي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رجالٌ، وليس يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجّالٌ.
وهذا واضح جدا ولا يظنّها “دجال” إلا أعمى، ففي الأحاديث كلها عومل الدجال معاملة الشخص المفرد، مهما كان تفسيره. فلا يمكن القول: الدجال يختلون الدُّنْيَا، بل الدجال يختل الدُّنْيَا.
واللافت أنّ الميرزا استدلّ به بعد تحريفه على أن الدجال أمة، فقال:
إن الأحاديث الواضحة التي تبين حقيقة الدجال بحسب مشيئة القرآن الكريم كثيرة، إلا أننا نورد هنا أحدا منها مثالا، وهو: ” يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجّالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا….” أي سيظهر الدجال في الزمن الأخير ويكون حزبا دينيا يخرج في كل مكان من العالم وسوف يخدعون طالبي الدنيا بالدين أي سوف يعرضون عليهم أموالا كثيرة ليُدخلوهم في دينهم ويُغروهم بكل أنواع الراحة واللذة الدنيوية، ومن أجل أن يعتنق أحد دينهم سيظهرون في جلود الضأن وستكون ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب. وسيقول الله عز وجل هل يغترون بحلمي إذ لا أستعجل في البطش بهم وهل يتجاسرون على الافتراء عليَّ؟ أي لماذا ينصرفون إلى التحريف في كتبي لهذه الدرجة، ولقد حلفت أني سأبعث فتنة لهم منهم. انظروا كنز العمال.
فقولوا الآن، هل يبدو من هذا الحديث أن الدجال شخص واحد؟ ألا تنطبق هذه النعوت التي وُصف بها الدجال على قوم؟ (التحفة الغلروية)
أما ناشر كتب الميرزا بالأردو، فقد كتب الحاشية التالية: تم التحريف في الطبعات الحديثة لكنـز العمال، وكان عند المسيح الموعود طبعة حيدر آباد دكن لكنـز العمال الصادرة في 1312 هـ. (التحفة الغلروية، الخزائن مجلد 17، ص 211، الحاشية على الحاشية)
فنأمل ممن لديه طبعة حيدر آباد دكن من كنز العمال 1312هـ أن يُظهرها لنا، حتى يثبت للعالم أن هذه الجماعة جماعة الكذب، وأنهم لا يتورّعون عن أن ينسبوا للكتب ما ليس فيها لمجرد الترقيع. وعلى فرض أنّ قولهم صحيح فسيكون خطأ طباعيا تعمّد الميرزا أن يستغلّه، أو أنه لم ينتبه إليه بسبب جهله وتسرّعه.
الرد: لننظر كيف عومل الدجال في الأحاديث
ترى هل يصح قياس المعترض ((في الأحاديث كلها عومل الدجال معاملة الشخص المفرد، مهما كان تفسيره. فلا يمكن القول: الدجال يختلون الدُّنْيَا، بل الدجال يختل الدُّنْيَا)) هل يصح قياسه هذا ويصدق مع الحديث التالي:
“عَنْ نَهْيِكِ بْنِ صُرَيْمٍ السَّكُونِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَتُقَاتِلُنَّ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُقَاتِلَ بَقِيَّتُكُمُ الدَّجَّالَ عَلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ أَنْتُمْ شَرْقِيَّهُ وَهُمْ غَرْبِيَّهُ.”، وَلَا أَدْرِي أَيْنَ الْأُرْدُنُّ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَرْضِ.” (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُ الْبَزَّارِ ثِقَاتٌ 18315. وأخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد 7/349. قال الهيثمى: رواه الطبرانى، والبزار، ورجال البزار ثقات. وأورده أيضاً: الحافظ فى الإصابة 6/476، ترجمة 8824 نهيك بن صريم السكونى، وعزاه للطبرانى وابن منده)
كيف عومل الدجال في هذا الحديث الصحيح معاملة الجمع وليس المفرد !
إذن، جانب المعترض الصواب ثانية وأظهر تسرعه المعتاد في إلقاء الكلام على عواهنه.
ولننظر أيضاً إلى الحديث التالي حول الدجال:
“عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ.”” (صحيح مسلم)
فعند العودة إلى العشر الأوائل من سورة الكهف سوف نجدها بعد الحمد والثناء تتحدث عن الأمة النصرانية وليس عن شخص واحد، كما في قوله تعالى:
﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ الكهف 5-6
فمَنْ هُم ﴿الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ !
وقد روى مسلم في صحيحه الحديث التالي:
“عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ﷻ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ.” أهـ
ورواه ابن ماجة بلفظ الجمع للدجال:
“حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “سَتُقَاتِلُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ”، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ.” (ابن ماجة 4091 و 4089)
فقد عومل الدجال أيضاً معاملة الجمع في جملة من الأحاديث.
فماذا عسانا نقول بعد هذا المثال على قول المعترض: “في الأحاديث كلها عومل الدجال معاملة الشخص المفرد، مهما كان تفسيره. فلا يمكن القول: الدجال يختلون الدُّنْيَا، بل الدجال يختل الدُّنْيَا” إلا عجز البيت المعروف:
لـقـد هـَزُلَـتْ حـتــَّـى بدا من هـزالـهـا **** كـلاها وحـتــَّـى سـامـهـا كـلُّ مـفـلِـس
السقط والسهو
أما عبارة “الدجال” فقد وردت حقاً بحرف ” د ” وليس ” ر ” في كنز العمال طبعة حيدر آباد دكن 1312هـ كما تشاهد عزيزي القارئ من الصورة المرفقة للكتاب قبل تحريف العبارات في الطبعات الحديثة. وتُعتبر مكتبة المعارف العثمانية في حيدر آباد الدكن أقدم المكتبات الإسلامية التي جمعت التراث الإسلامي واعتنت به. وفيما يلي نبذة عنها:
“لما كانت العلوم العربية والفنون القديمة والمآثر الإسلامية من أكبر مراكز الزمان التي دارت على محورها العقول والفهوم والأفكار الإنسانية من القرون الوسطى إلى الأعصار الباقية لاحياء أدوار الروحانية وابقاء أوراد الجسمانية، استعد لجمعها وصيانتها ونشرها أفاضل الأمة الإسلامية وأكابر الدولة الآصفية وأحسوا بلزوم خدمتها احساساً بليغاً ليتشرفوا عزاً منيعاً واسناداً علمياً في الحياة الدنيوية والأخروية حتى سعوا لاقامة جمعية علمية في الديار الدكنية تحت نظارة المملكة الآصفية خير بقايا الدول الإسلامية. أول من اعتنى بتأسيس هذه الجمعية مولانا حسين البلجرامي المخاطب بالنواب عماد الملك ناظر معارف الدولة الآصفية وكاتب السر لحضرة السلطان النظام السادس، والعلامة الجليل المولى عبد القيوم أحد أساطين الشرعية، وذو المحاسن الظاهرة والباطنة مولانا أنوار الله خان المحاطب بالنواب فضيلت جنگ شيخ الإسلام في البلاد الآصفية غفر الله لهم أجمعين فضلاً وعناية – ولا ريب أن هؤلاء الزعماء بذلوا غاية المجهود باخلاص النية وحسن الطوية في ترصيص هذه الجمعية فطيب الله ثراهم. لما ذاع أمر هذه الإدارة اشترك في تشييدها من جهابذة العلم وأعيان الحكومة مثل العالم الكبير المفتي محمد سعيد المدراسي والسيد النحرير مظفر الدين والفاضل المحقق مولانا الشيخ عبد الحق الخيرآبادي، والعلامة الجليل مولانا شبلي النعماني صاحب السيرة النبوية والدكتور السير سيد أحمد خان مؤسس مدرسة العلوم بعلي كره والنواب وقار الملك عميد الحكومة والنواب محسن الملك عميد المالية والنواب اقبال پارجنگ والنواب رفعت پارجنگ وغيرهم من فحول الأكابر رحمهم الله أجمعين. الكتب التي نشرتها مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، قام على تصحيحها وضبط نصوصها مجموعة من المحققين من علماء الهند، من أمثال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، وقطب الدين محمود بن غياث الدين علي الحيدرآبادي، ومحمد بدر الدين العلوي، محمد أنوار الله خان وغيرهم. كما أسهم في تصحيح بعض إصداراتها أحد المستشرقين، وهو الألماني فريتس كرنكو، الذي صحح (الجمهرة) لابن دريد، و(الدرر الكامنة) لابن حجر،… وغيرها.” (زبير أحمد الفاروقي: دور اللغة العربية في التكامل القومي للهند، ص 54 ثقافة الهند، 1995 المجلد 46 العدد 1-4، المجلس الهندي للعلاقات الثقافية)
فالسقط والسهو والاختلاف في الطبعات ونحوه حاصلٌ في كتب الحديث وغيرها باختلاف طبعات الكتب. وَسنقدم على ذلك مِثالاً من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول اختلاف بعض طبعات كتب الحديث عن بعضها كصحيح البخاري ودعوة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلى عدم إساءة الظن بالعلماء إذا ذكروا حديثاً ولم نجده في النسخ المتوفرة عندنا، فقد يكون العالِم قد قرأه في نسخة أخرى ثم ضاعت أو تلفت أو كانت نادرة الخ. فحضرته عَلَيهِ السَلام بنفسه يرد هذه الشبهة ويلقنُ عَلَيهِ السَلام المعترضَ وأمثالَه درساً في حسن الظن بالعلماء. يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مدافعاً عن أحد العلماء هوجم لنفس الشبهة:
“إن نظرة عميقة على نسخ البخاري المختلفة تثبت أن الكلمات في بعض النسخ تختلف عن بعضها الأخرى مع بذل جهود مضنية للتصحيح والمطابقة. فأي غرابة في أن يكون هذا الحديث موجودا في إحدى المخطوطات القديمة التي قرأها العلامة التفتازاني. بل إن كفة اليقين راجحة إلى أنه لا بد أن يكون هذا الحديث مذكورا في إحدى المخطوطات. لا يمكن اعتبار شهادة مسلم يعد من أكابر فقهاء الأحناف ساقطة الاعتبار. من يتجاسر، ومن يسمح له إيمانه وإسلامه أن يتهم علماء الإسلام الكبار والأتقياء الأفاضل مثله بالكذب والافتراء الفاحش؟ لا شك أنه إذا كانت هذه الشهادة خلافا لواقع الأمر لعدل هذا المقام في “التلويح” في حياة العلامة التفتازاني ولما بقيت عبارته محفوظة إلى الآن. فباختصار، ما دام ثابتا من شهادة “التلويح” أن هذه العبارة كانت مكتوبة في نسخة من نسخ البخاري فلا يمكن رفض هذا الاحتمال ما لم تفحص كل مخطوطة من مخطوطات البخاري المنتشرة في العالم كله. وإن التسليم بوجود هذه العبارة في مخطوطة من مخطوطات البخاري أهون بكثير من إلصاق تهمة الافتراء والاختلاق بعاِلم تقي. فبناء على هذا: إذا حلف أحد بطلاق امرأته بشروط وجود هذا الحديث في البخاري فقد لا يلزمه الطلاق على وجه اليقين ولكن مما لا شك فيه أنه سيلزمه كظن غالب حتما. غير أننا مأمورون بأن نحسن الظن بالمؤمن، وألا نعتبر شهادته ساقطة الاعتبار. فتدبر.” (من كتاب مناظرة لدهيانة ص 120)
فالخطأ الطباعي هو الذي يحدث فيما بعد وليس في النسخ الأصلية والقديمة عادة. ولذلك لم يعارض المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أحدُ في ذلك الوقت نظراً لتوفر النسخة من كنز العمال للمتقي الهندي رحمه الله قبل أن يصار الى تغيير اللفظ لاحقا في الطبعات الحديثة.
وهكذا يبرهن المعترض على انعدام الفطنة والأمانة وَعَلَى التسرع في كيل التهم بغير علم بسبب كرهه للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته المسالمة.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ