سلسلة “المسيح يكسر الصليب بتصحيح المفاهيم” حلقة 12
- كيف يمكن نيل النجاة وما فلسفتها الحقيقية؟
- ما حقيقة الذنب والإثم؟
- ما هو الرد على اتّهام المسيحيين وأعداء الإسلام للنبي ﷺ أنه مذنب ويجب أن يستغفر لذنبه؟
- ما معنى العصمة ؟
- ما هو الاستغفار؟
- هل يولد الطفل بريئاً أم خاطئاً؟
- ما هو الدرس الذي نتعلمه من الأطفال؟
يجيبنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“المعنى الأصلي والحقيقي للاستغفار هو التماس المرء من الله ألا يَظهر ضعفه البشري للعيان، وأن يسند اللهُ فطرتَه بقوته ويُحيطها بدائرة حمايته ونصرته. كلمة الاستغفار مستقاة من مصدر “غفر” وتعني الستر. فمعناها أن يغفر الله تعالى بقدرته ضعف المستغفِر الفطري. ولكن قد وُسِّع معنى هذا اللفظ أكثر لعامة الناس، وأريدَ منه أيضاً أن يستر اللهُ تعالى الذنب الذي صدر من قبل. ولكن المعنى الحقيقي والصحيح هو أن ينقذ اللهُ تعالى بقوة ألوهيته المستغفِِرَ من ضعفه الفطري، ويقوِّيه بقوته ويهبه علماً من علمه ونوراً من نوره، لأن الله تعالى لم يتخلّ عن الإنسان بعد خلْقه بل كما هو خالق الإنسان وخالق كافة قواه الداخلية والخارجية كذلك هو قيّومُ الإنسانِ أيضاً، أي يقيم بسنده الخاص جُلَّ ما خلقه. فلما كان اسم الله “القيوم” أيضاً أي قيّوم المخلوقات بسنده الخاص فكما وُلد الإنسان نتيجة خالقية الله كذلك يجب عليه أن يحمي ملامح خلَقه من الفساد بواسطة قيوميته ﷻ لأن خالقية الله تعالى قد أحسنت إلى الإنسان إِذْ خلقته على صورته ﷻ. كذلك اقتضت قيومية الله أن تُنقذ من الفساد والتوسُّخ تلك الملامح الإنسانية الطاهرة التي خُلقت بيدَيه ﷻ. لذا فقد عُلِّم الإنسان أن يلتمس القوة من قيوميته بالاستغفار. فكان وجود الاستغفار ضروريا -وإن لم يوجد الذنب- لأن الهدف من الاستغفار هو ألا تنهدم بناية البشرية التي شيدتها الخالقية بل تبقى قائمة. ولأن قيام الشيء دون سند مستحيل تماماً، لذا فقد وُجِّه الإنسان إلى الاستغفار بسبب هذه الحاجة الطبيعية. وهذا ما أشير إليه في القرآن الكريم في قوله تعالى: {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. أي أنَّ وجود الإنسان بحاجة إلى خالق وإلى قيوم أيضاً لكي يخلقه الخالق ويحميه القيوم من الفساد. فإن ذلك الإله خالق وقيوم أيضاً. إنَّ مهمة الخالقية تمّت بولادة الإنسان، ولكن مهمة القيومية مستمرة إلى الأبد، لذلك كانت هناك حاجة إلى الاستغفار باستمرار. فباختصار، هناك فيضٌ لكلّ صفة من صفات الله تعالى. ففي سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إشارة إلى الاستمرار في الاستغفار للحصول على فيض القيومية. أي نعبدك يا رب ونستعين بك لتعيننا قيوميتك وربوبيتك وتنقذنا من العثار حتى لا يظهر منا ضعفٌ فنُحرم من العبادة. … وأنَّ فطرة الإنسان تطلب قوةً من الله تعالى نظراً إلى ضعفها كما يطلب الطفلُ من أمّه حليباً. فكما أعطى الله ﷻ الإنسانَ اللسان والعينين والقلب وغيرها منذ البداية كذلك وهبه الرغبة في الاستغفار أيضاً منذ البداية. وأشعَرَه بأنه بحاجة إلى الاستعانة بالله دائماً. وهذا ما أشير إليه في الآية الكريمة: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، أي التمِس من الله أن يحمي فطرتك من الضعف البشري، وكذلك ادعُ كشفاعة للذين آمنوا بك من الرجال والنساء أن يأمنوا مغبة الأخطاء التي تصدر منهم نتيجة الضعف الطبيعي وأن تكون حياتهم المستقبلية أيضاً مصونة من الذنوب. إنَّ هذه الآية تشمل أعلى فلسفة المعصومية والشفاعة وتشير إلى أنَّ الإنسان لا يبلغ مقام العصمة ومرتبة الشفاعة إلا إذا استمر في الدعاء في كل حين وآن لوضعِ حدٍ لنقاط ضعفه والدعاء لإنقاذ الآخرين من سم الذنوب، وجلب قوة الله بالتضرعات، وتمنّيه أن ينال الآخرون أيضاً الذين يرتبطون به برباط الإيمان نصيباً من هذه القوة. إنَّ الإنسان المعصوم بحاجة إلى طلب القوة من الله تعالى لأنه ليس في فطرته كمال ذاتي، بل تناله من الله تعالى دائماً، ولا تملك قوة في نفسها بل تنالها من الله كُلّ حين وآن، وليس في ذاتها نورٌ كاملٌ بل ينـزل عليها النور من الله تعالى. والسر في ذلك أنَّ الفطرة الكاملة تُعطَى جذباً لتجذب القوة العليا إلى نفسها. ولكن مصدر القوة كلها هو الله تعالى وحده، ومن هذا المصدر يستمد الملائكة أيضاً قوّة لأنفسهم، وكذلك الإنسان الكامل أيضاً يستمد قوة العصمة والفضل من مصدر القوة نفسه بواسطة أنبوب العبودية. فالمعصوم الكامل بين الناس هو ذلك الذي يجذب القوة الإلهية بالاستغفار. وإنّ سلسلة التضرع والخشوع تبقى جارية دائماً من أجل هذا الجذب لينـزل عليه النور دائماً. ويمكن تشبيه هذا القلب بالبيت الذي أبوابه تقابل الشمس من الشرق والغرب بل من كل جهة. فيدخله ضوءُ الشمس دائماً. أما الذي لا يسأل الله تعالى القوة مَثَله كمَثل حجرة أبوابها مغلقة من كل الجهات فلا يدخلها الضوء قط. فما هو الاستغفار؟ إنَّ مَثله كمثل آلة تنـزل القوة بواسطتها. إنَّ جميع أسرار التوحيد مرتبطة بأصل ألا يعتبر الإنسان العصمة حكراً على نفسه بل عليه أن يعتبر الله وحده مصدر الحصول عليها. … من الخطأ تماماً القولُ بأن المُراد من الذنب المذكور في الآية: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} هو الإثم، لأن هناك فرقا بين الذنب والجريمة. الجريمة تُطلَق دائماً على الإثم الذي يستحق العقوبة. أما “الذنب” فيفيد الضعف البشري أيضاً. لذلك أُطلق على ضعف الأنبياء البشري “الذنب”، ولم تُطلق عليه الجريمة. وما دُعي أيّ نبي في أيّ كتاب من كتب الله باسم “المجرم”. وقد جاء في كتاب الله أي القرآن الكريم وعيدٌ بالجحيم للمجرم إِذْ عهد الله تعالى أنه سيُلقى في جهنم، ولمْ يأت أي وعيد للمذنب. فيقول الله تعالى: {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا}، فهنا قال الله تعالى: “مجرماً” ولم يقل: “مذنباً” لأن المذنب يمكن أن يُطلق على البريء أيضاً في بعض الحالات، ولكن لا يمكن أن يطلَق عليه “المجرم”. وهناك دليل آخر أيضاً على ذلك وهو أنه قد جاء في سورة آل عمران: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا}. يتبين من هذه الآية بنص صريح أنَّ جميع الأنبياء بمن فيهم المسيح ؑ كانوا مأمورين بالإيمان بالنبي ﷺ وأقروا بأنهم آمنوا به. وإذا قرأنا الآية: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} مع الآية المذكورة من قبل واستنبطنا من “الذنب” جريمةً، والعياذ بالله، لكان عيسى ؑ أيضاً مجرماً بحسب هذه الآية لأنه أيضاً من المؤمنين الذين آمنوا بالنبي ﷺ بحسب الآية لذا سيُعدّ مذنباً لا محالة. على المسيحيين أن يفكروا في هذا المقام جيداً. تبين من هذه الآيات بجلاء تام أنَّ “الذنب” هنا لم يُستخدَم بمعنى الجريمة بل المراد منه هو الضعف البشري الذي لا يستحق العقاب. ولا بد أن يكون هذا الضعف موجوداً في فطرة المخلوقات. وقد سمِّي الضعف ذنباً لأن هذا النقص والضعف موجود في الإنسان بطبيعته حتى يكون محتاجاً إلى الله تعالى دائما ويسأل الله القوة دائما للتغلب عليه. ولا شك أنه إن لم تسعف الإنسانَ قوةُ الله فلن يُنتج ضعفه البشري إلا الذنب. فالموصل إلى الذنب قد سُمِّي ذنباً على سبيل الاستعارة. ومن الشائع والمتداول أن يُطلق على الأعراض التي تسبب بعض الأمراض اسم تلك الأمراض. فإن الضعف الطبيعي أيضا مرضٌ وعلاجه الاستغفار. فباختصار، إنَّ كتاب الله استخدم كلمة “الذنب” في محل الضعف البشري، وشهد بنفسه أنَّ الإنسان ضعيف بفطرته كما يقول تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، فإن هذا الضعف نفسه يمكن أن يسفر عن عدة أنواع من الذنوب إن لم تحالفه القوة الإلهية. إذًا، إن حقيقة الاستغفار هي أن على الإنسان أن يستعين بالله تعالى في كل حين وآن، ويسأله ألا يظهر للعيان ضعفه البشري الذي هو ذنب البشرية ويحالفه دائماً. وإنّ دوام الإنسان على الاستغفار دليل على أنه غلب الذنبَ فلم يظهر للعيان بل نزل عليه نورٌ من الله وغطّاه. ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنَّ كلمة “استغفار” مستمدة من المصدر “غفر” ومعناها الحقيقي هو: التغطية والستر. أي الرجاء ألا يظهر الضعف البشري ولا يضر بل يبقى مستوراً. ولأن الإنسان ليس إلهاً وليس مستغنيا عنه ﷻ لذا هو كطفل صغير يحتاج إلى أمه عند كل خطوة لتنقذه من العثار والسقوط، كذلك الإنسان يحتاج إلى الله تعالى في كُلّ خطوة ليجنّبه العثار والزّلة. فهذه هي فائدة الاستغفار. وفي بعض الأحيان تُطلق هذه الكلمة على سبيل التوسّع على الذين ارتكبوا إثما في زمن مضى. ففي هذه الحالة يكون معنى الاستغفار أن ينقذ الله من عقوبة إثم صدر من قبل. ولكن هذا المعنى الثاني لا ينطبق على المقربين إلى الله ولا تصح بحقهم. والسبب في ذلك أنَّ الله تعالى يخبرهم سلفاً أنهم لن ينالوا أية عقوبة قَطْ وسيحتلون مقامات عليا في الجنة، ويُجلَسون في حضن رحمة الله. ولا يُعطَون هذه الوعود مرة واحدة بل مئات المرات، ويُرَون الجنة. ولو استغفروا من منطلق هذا المعنى لئلا يدخلوا جهنم بسبب ذنوبهم فهذا ذنب لهم بحد ذاته لأنهم لم يوقنوا بوعود الله تعالى، وعدّوا أنفسهم بعيدين عن رحمة الله. فالذي يقول الله عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، لو ارتاب في نفسه هل تحالفه رحمة الله أم لا أنّى يكون رحمة للآخرين. كل هذه القرائن توضّح الحقيقة بكل جلاء للذين يفكرون بالعدل والإنصاف أنَّ عزو المعنى الثاني للاستغفار إلى النبي ﷺ خطأ كبير وخبث بحت. بل العلامة الأولى للمعصوم هي أنه يستغفر أكثر من غيره ويسأل اللهَ القوة دائما لاجتناب مغبة الضعف البشري. وهذا ما يسمّى الاستغفار بتعبير آخر لأنه إذا كان الطفل يمشي دائماً مستنداً إلى أمّه ولا يتحمّل الانفصال عنها لحظةً واحدةً فسيجتنب العثار دون شك، ولكن الطفل الذي يمشي منفصلاً عن أمّه ويتسلّق سلَّماً خطيراً تارةً وينـزل أدراجاً خطيرةً تارةً أخرى فلسوف يسقط يوماً لا محالة وسيكون سقوطه خطيرا. فكما يُفضَّل للطفل السعيد ألا ينفصل عن أمّه الحبيبة قَطْ ولا يبتعد عن حُضنها ولا يترك ذيلها كذلك هي سيرة هؤلاء المقدّسين الأطهار أنهم يخرّون على عتبات الله كمَثل أطفالٍ في حُضن أمّهاتهم. وكما أنَّ الطفل يُنجز كُلّ أموره بقوة أمّه، وكلّما عانده طفلٌ آخر أو واجهه كلبٌ أو تعرّض لأي خوف أو يجد نفسه في مقام الزلَّة دعا أمّه فوراً أو سعى إليها على قدم السرعة لتنقذه من تلك الآفة، كذلك الحالُ تماماً عند هؤلاء الأطفال الروحانيين أنهم يعتبرون الله تعالى كمثل الأُم تماماً ويعدّونه مصدر القوة كلّها ويتحرّون قوّته ﷻ دائماً وفي كل حين وآن.” (عصمة الأنبياء ؑ)
ويقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“الذي يبكي ويبتهل في حضرة الله أثناء الصلاة يكون في مأمن. فكما أنَّ الطفل الصغير يبكي ويصرخ في حضن أمّه فيحظى بحُبّها وشفقتها، كذلك الذي يتضرّع ويبتهل في حضرة الله في الصلاة يُلقي نفسه في حضن ربوبيته وعطفه تعالى.” (الملفوظات، مجلد 2 ص145 – 146)
“وهكذا فإن الله تعالى يحب الإنسان كما تحب الأُم ولدها وأكثر من ذلك وهذا الذي ينعكس على الأنبياء فيحبّون الناس كذلك ويحزنهم حزنهم تماماً كما تشعر الأم الحقيقية بأولادها وتأمل أن ينجوا من كل مرض وسوء وتبقي ذراعيها مفتوحتان لجميع الأولاد. ولنأخذ مثالاً من حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حتى مع ألدّ أعدائه ما يرويه الشيخ يعقوب علي العرفاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي يقول بأن أحد الهندوس من سكان قاديان ويُدعى “شرم بت” مَرِضَ مَرّةً مرضاً شديداً -وكان من غُلاة الآريين الأعداء لحضرة مؤسس الحركة الأحمدية في الإسلام عليه السلام- وظهرَ على أثر هذا المرض في بطنه دملٌ خطير، ففزع فزعاً شديداً، وأخذَ اليأس عن الحياة يتطرّق الى قلبه، فلما بلغ حضرته عَلَيهِ السَلام ما ألم بهذا الخصم الهندوسي، تفضّلَ حضرته بالذهاب الى بيته الضيّق المُظلم لعيادته، وقام حضرته بالترفيه عنه، وبعد ذلك ظلّ حضرته يعوده كُلّ يوم بغير انقطاع، وكان الإضطراب في تلك الأيام بلغ بذلك الهندوسي الى درجة أنه كان يطلب من حضرته الدعاء مع أنه أي الهندوسي كان من أشدّ أعداء الإسلام، فكان حضرته عَلَيهِ السَلام دوماً يطمّنه ويدعو له أيضاً، حتى صحَّ “شرم بت” تمام الصحة.” (شمائل حضرة المسيح الموعود ؑ)
لقد تجلّى شعار “الحبُ للجميع ولا كراهية لأحد” ببعثة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فكانت مهمة حضرته هي بالفعل الحب للجميع ولا كراهية لأحد، وهذه هي كلمات حضرته:
“إنني أؤكدُ لجميع المسلمين والمسيحيين والهندوس والآريا أني لا أناصب أحداً العداء في هذا العالم، إنني أُحبُّ بني البشر حبّ الأم الرؤوم لأولادها، بل أكثر من ذلك. وأعادي العقائد الباطلة التي تقتل الحق. إنَّ مواساة البشر واجبي، كما أنَّ من مبادئي النفورَ من الكذب والزور والشرك والظلم ومن كل عمل سيئ ومن الجور وسوء الخلق. .. فها أنا أعلنٰ أني أَكْثَرُ الناس حباً لبني البشر، غير أنني أُعادي أعمالهم السيئة وكلَّ أنواع الظلم والفسق والتمرُّد ولستُ أُعادي أحداً عداوةً شخصية. لهذا فإن الكنـز الذي أوتيتُه هو مفتاح جميع كنوز الجنة وآلائها، أعرضُه على نوع الإنسان ِبِجَيَشان الحب.” (الأربعين، الخزائن الروحانية، المجلد 1، ص 344)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“الكراهية لا تزول بالكراهية بل تزداد. الحب يُخمدُ الكراهية ويزيلها.” (البراهين الخامس)
ومن مظاهر شخصية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الهادئ الصابر والمحسن الظن بالله تعالى في جميع الظروف والأحوال ما رواه ابنه حضرة مرزا بشير الدين أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كما يلي:
“مرّة أحرقَ حضرةُ ميان محمود أحمد (الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) مسوّدة كتاب للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وهو طفل صغير يلهو ويلعب.
لقد أحرقَ الطفلُ الْكِتَابَ الذي كان حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يسهر على تأليفه الليالي الحالكات. فهل غضب وفقد هدوءه والعياذ بالله؟
ردّ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام على هذا الخبر بكل هدوء وقال:
“نِعْمَ ما حصل، ولا بدّ أن يكون فيه مصلحة كبيرة من عند الله تعالى، ويريدُ اللهُ الآن أن يُلهمنا موضوعاً أفضل منه“. (الملفوظات، مجلد 2 ص 1-2)
وهكذا كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام صابراً رحيماً بالجميع مهما كلّف الأمر. فكان يوصي عَلَيهِ السَلام بأن نكون كالأطفال لننال النجاة الحقيقية:
“اعلموا أنه ما لَمْ يكن المرءُ ساذجاً كالأطفال فلا يستطيع أنْ يسلك مسلك الأنبياء.” (جريدة “الحَكَم”، 24 يناير 1901م، ص 5. و”الملفوظات”، مجلد 2، ص 203)
وهذا عين ما قاله المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام كما في الأناجيل:
“فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: «فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟»، فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.” (متى 18)
فسبحٰن الله تعالى الذي جعل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مثيلاً للمسيح الناصري عَلَيهِ السَلام حتى في المنهج وأسلوب الكلام!
وهكذا كسر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام صليب التنصير الذي يقول بأن الطفل يولد بالإثم ولا نجاة بالاستغفار وأي شيء إلا بقتْل إنسان بريء على خشبة الصليب مما يمهّد لمنهج كراهية لا حدود له إلا بالقتل وسفك الدماء ولا ينفع الإنسان أي شيء، فكان كسر هذه العقيدة المسيئة لله تعالى بالحُجّة البالغة على يد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وتوضيح المفاهيم الحقيقية للدين أي الحب الحقيقي وليس الشعارات التي تناقض المنهج نفسه، فلا حب إلا إذا كان بسلام واعتماد كلّي على الله تبارك وتعالى الذي خلق الإنسان طفلاً ليعلم سر العلاقة بينه وبين خالقه ﷻ. الحب الخالص غير المشروط إلا بالتوبة التي تبقى مفتوحة الذراعين للعائدين قبل مغادرة الإنسان الدنيا وانقطاع عمله حيث لا ينفع مال ولا بنون. فالتوبة قبل الندم، والعودة وترك الكِبر الذي لا يغني من الهلاك. ولهذا فالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وخلفاؤه يُظهرون هذا المثال الربّاني للجميع كما تنتظر الأُم الحنون وليدها ليصحو ويطلب الحليب فيأتيه الغذاء الذي يشد عضده وينمّيه، وهكذا يبقى خليفة المسيح الوالد والأُم للجميع لأن الخلافة هي المظهر الحقيقي لحب الله تبارك تعالى ونظامه المهدى للبشر جميعاً بلا استثناء.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مُسْلِم للّه