الصور ليست حرامٌ في الإسلام، وكذلك اقتناء الكلاب ليس محرّماً إلا في حالات معيَّنةٍ، فالكلب صديقٌ وفيٌّ للإنسان يستفاد منه في الحراسة والصيد ورعي الأغنام ونحو ذلك. أما الأحاديث التي يبدو منها تحريم اقتناء الصور والكلاب وحتى قتلها فهي في سياقات ومناسبات بعينها وليست بالعموم. ومن هذه الأحاديث:

1. “عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي».” (البخاري، كتاب الصلاة، 361، كتاب اللباس، 5502)

إذاً علّة التحريم هنا هي ظهور تفاصيل لا تصحّ رؤيتها أمام عيني المصلّي.

2. “عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».” (البخاري، كتاب الصلاة، 409، 416، الجنائز، 1255، المناقب، 3587)

فالتحريم هنا بسبب عبادة وتقديس هذه الصور.

3. “عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ.” (البخاري، كتاب اللباس، 5496)

وقد جاء التحريم هنا بسبب احتواء تلك الصور على عبارات وشعارات لعقائد باطلة.

4. “عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا فَقَالَ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا فَأَتَاهَا عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ قَالَ تُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلَانٍ أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ.” (البخاري، كتاب الهبة، 2421)

ستراً موشياً أي مزيّن بالصور الفاخرة التي يبدو أنَّ ثمنها باهض، فهذا من باب الزهد.

وهذه هي أسباب منع الصور أي في حالات معيَّنةٍ فقط، أما الصور التي لا تحتوي على شعارات وعبارات كفر وإلحاد ولا تليق ولا توضع أمام المصلّين وليس فيها بذخ زائد فليست محرّمة، ويمكن العودة لمنشورنا حول الرسم والتصوير من هنا.

كذلك اقتناء الكلاب ليس بمُحرَّم في الإسلام إلا في حالات معيَّنةٍ، فالكلب كما قلنا صديقٌ وفيٌّ للإنسان يُستفاد منه في الحراسة والصيد ورعي الأغنام والحرث ونحو ذلك. أما الأحاديث التي يبدو منها تحريم اقتناء الكلاب وحتى قتلها فقََدْ وردت ضمن سياقات ومناسبات بعينها وليست بالعموم والدليل قوله تعالى:

﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ المائدة

فتستخدم الكلاب للصيد حسب القُرآن الكَرِيم. وقد قال الإمام النووي في شرح مسلم حول حالات اقتناء الكلاب:

هَلْ يَجُوز اِقْتِنَاء الْكِلَاب لِحِفْظِ الدُّور وَالدُّرُوب وَنَحْوهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدهمَا: لا يَجُوز، لِظَوَاهِر الأَحَادِيث، فَإِنَّهَا مُصَرِّحَة بِالنَّهْيِ إِلا لِزَرْعٍ أَوْ صَيْد أَوْ مَاشِيَة، وَأَصَحّهمَا: يَجُوز، قِيَاسًا عَلَى الثَّلاثَة، عَمَلا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الأَحَادِيث وَهِيَ الْحَاجَة.” (شرح صحيح مسلم، للنووي 10/340)

وهكذا تستخدم الكلاب للصيد والحراسة والرعي وغير ذلك من الأغراض المفيدة .. أما اقتناؤها للتفاخر والبذخ وإخافة الناس ونحو ذلك فلا يجوز.

أما قتل الكلاب فهذه الأحاديث جاءت في سياق الكلاب المسعورة التي تهاجم الناس والدواب وتثير رعب المسافرين والنساء والأطفال وتطاردهم وتدخل بيوتهم فتفتك بهم أو تصيبهم بجروح وأمراض خطيرة. فقتل مثل هذه الكلاب واجب. أما عدا هذا فيجب عدم إيذاء الكلب وباقي الحيوانات بل الإحسان لها حيث ورَدَ الحديث التالي

عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: «بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه». وفي رواية البخاري: «فَشَكَر اللَّه لهُ فَغَفَرَ لَه، فَأدْخَلَه الْجنَّةَ».” قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ».” (متفقٌ عليه)

فإذا كان قتل الكلاب في كل الأوقات وليس فقط الكلاب المسعورة السائبة لكانَ الأولى بالرجُلِ قتْل الكلبِ بَدَلَ أن يؤجَر على سقيه وإطعامه.

وكذلك الحديث التالي بنفس الموضوع:

عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: «بَيْنَما كَلْبٌ يُطيف بِركِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقْتُلُه الْعطَشُ إِذْ رأتْه بغِيٌّ مِنْ بَغَايا بَنِي إِسْرَائيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فاسْتَقت لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ فَغُفِر لَهَا بِهِ.».” (متفق عليه)

فمجرّد الإحسان إلى الكلب رفع المرأة البغية اليهودية إلى جنات الخُلد ودرجات المؤمنين الصالحين.

وقد تناول خليفةُ المسيح الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد رَحِمَهُ الله هذه المسألة في إحدى اللقاءات حين سُئل هل يجوز للمسلم تربية الكلاب، فأجاب حضرته بنعم لأن الكلب يجوز استخدامه في الحراسة والصيد والحرث والرعي وغير ذلك، فإذا كان هذا هو حكم اقتناء الكلب في الإسلام فكيف يمكن استخدامه في كل هذه المجالات دون أن يُقتنى بدايةً وتتم رعايته وتدريبه على الصيد والحراسة وغيرها؟ فهذا عقلاً لا يمكن إلا بعد الاقتناء والتربية. فلا بد أن يتم اقتناء الكلب ورعايته وتربيته وتدريبه أولاً قبل أن يُستخدم في هذه المجالات وما شابهها. ثم ذَكَرَ حضرته حديث عدم دخول الملائكة بيتاً فيه صور وكلاب وقال بأن الحديث على فرض صحته قد أسيء فهمه عند المشايخ لأنه لا يمكن أن يعارض القُرآن الكَرِيم الذي يسمح باقتناء الكلاب وتربيتها لأغراض مذكورة في الأحاديث الصحيحة ويبقى في نفس الوقت حديثاً صحيحاً إلا إذا كان يتفق مع القُرآن الكَرِيم والأحاديث الصحيحة، ولذلك فهذ الحديث يعني عدم رغبة الصالحين في دخول بيوت تسرح فيها كلاب وتمرح وذلك خشية التعرض لعضّاتها التي تؤدّي إلى أوجاع وأمراض، وضربَ حضرته مثال اقتناء الكلاب في البيوت في دول الغرب وكيف أنَّ القانون هناك يعوّض كُلّ من يتعرض لعضّة كلب بمبالغ هائلة ولهذا يندرُ أن تعضُّ الكلابُ أيّ أحدٍ في دول الغرب، ولذلك لا يخشى النَّاسُ الكلاب في دول الغرب بعكس دولنا الشرقية حيث لا يوجد قانون يحكمُ ذلك ولهذا يخشى الناس وخاصة الصالحون منهم دخول البيوت التي فيها الكلاب، وهذا هو معنى الحديث أنَّ الملائكة -تعبير عن الناس الصالحين الذين يشبهون الملائكة- بدخول البيوت التي فيها كلاب، لأن كُلّ نصّ يحكمه القُرآن الكَرِيم. (مختصر من هذا التسجيل).

فليس اقتناء الكلاب إذاً بمحرّمٌ في الإسلام، ولكن فقط له ضوابط تخصّ السلامة والنظافة ونحو ذلك.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد