العلوم اللدنية هي منحة من الله تعالى، ينعم بها الله على أوليائه الخواص الذين فنوا في عبادته واصطبغوا بصبغته واكتست حياتهم بالقدسية والطهارة. فهؤلاء هم الذين ينعم الله بأسرار القرآن، ويطلعهم على الحقائق في وقتها، ويهيئ الظروف والأوضاع لاستثمار هذه العلوم والإفادة منها على أكمل وجه، فتثمر ثمرات جديدة غضة تؤكد صدق الإسلام والقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم.
وباختصار، فإن الذي يقدم هذه الثمرات والذي يمكن اعتباره مجددا لا بد أن تكون له سمتان هامتان لا تخفيان، ويكون معروفا بهما ومشهورا بحيث لا يُمكن إنكارهما؛ وهما طاعته لله تعالى التي تظهر في طهارة الحياة والسيرة والالتزام بالعبادات وحسن الخلق بحيث تكون استقامته أكبر كرامة له، والثانية هي طاعته الكاملة للخلافة التي تمثل النبي صلى الله عليه وسلم والتزامه بجماعة المؤمنين.
وهذا ما يؤكده الله تعالى في قوله:
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } (النساء 70)
فمراتب القرب الإلهي والترقيات منوطة بالطاعة لا غير، ولا يمكن نيلها بأي طريق آخر.
وإذا أراد الله تعالى أن يجدد مفهوما معينا، أو أن يُظهرعلوما جديدة، فهذا لن يكون إلا لشخص طاهر السيرة والسريرة، طائع طاعة كاملة للخلافة، يُدرك أنه لو أطلعه الله تعالى على شيء فهو ليس له بل للخلافة، لذا يقدمها لها بكل تواضع ويؤدي الأمانة إلى أهلها. والواقع أن الله تعالى عندما يريد ذلك فإن أول من يتوجه إليه يكون هو الخليفة نفسه، ولكن بما أن المؤمنين المطيعين يكونون للخلافة كالأعضاء، لذلك قد يُشركهم الله تعالى في هذا الفضل إكراما لهم. وهكذا فإن من يبتغي التجديد أو يرتجيه فيجب أن يبحث عنه عند الخلافة وفي جماعة المؤمنين لا خارجها.
وقد تطرأ أحيانا أفكار لمؤمنين مخلصين عاديين، ممن لم يترقوا في مدارج القرب الإلهي، وهؤلاء يمكن أن يرفعوا هذه الأفكار للخلافة لتحكم فيها فتقبلها أو ترفضها. ولكن ينبغي عليهم أن يدعوا الله كثيرا قبل ذلك لعل الله تعالى يكشف عليهم إن كان مناسبا رفعها أو من الأفضل تركها.
أما المنافقون، فالتجديد عندهم ليس سوى التمرد والعصيان أو تسويغه وتبريره؛ وهذا عكس الطاعة تماما، ويصبح التجديد عندهم هو المبرر لمخالفة الخلافة أو الكفر بها. كما إنهم بدلا من أن يكونوا معروفين بطهارة السيرة والحياة وحسن الخلق فأكثرهم يكونون ممن طُردوا سلفا من جماعة المؤمنين أو فُرضت عليهم قيود بسبب فساد سلوكهم وسوء خلقهم وتورطهم في الجرائم. أما الذين يدورون في فلكهم فهم أمثالهم. ولكي تتبين حقيقة تجديدهم المزعوم نجد أنهم قد التفوا على مرتدين ممن طردهم الله تعالى وجعلهم يتخذون قرار الخروج بأنفسهم لعلمه ما في أنفسهم من فساد وسوء خلق، فتضافر الجميع في تجديدهم المزعوم، وأخرجوا ما في صدورهم من حقد وما في نفوسهم من خبث بألسنتهم الحداد الأشحة على الخير.
باختصار، معاييرهم للتجديد هي عكس تماما ما قرره الله وأكده، فبدلا من طهارة السيرة نجد عندهم فسادها وخبثها، وبدلا من طاعة الخلافة نجد أنهم متمردون مطرودون ويدعون الآخرين للتمرد.
والواقع أن هؤلاء بجميع فئاتهم ليسوا سوى فئة قليلة جدا لا تكاد يُشعر بها، ولا يحتاج من لديه ذرة من بصيرة أن يدرك حالهم ويعرف فسادهم، والذي يظن أنهم قد يكونون على الحق، أوقد يجد عندهم تجديدا، ويتردد في شأنهم، فهو في قلبه مرض ويجب أن يستغفر الله تعالى كثيرا لمجرد تردده، فكيف بالذي يقبل بتجديداتهم المزعومة ويتبناها وتصبح عقيدته التي ينافح عنها؟ فهو كمن يترك الجنة وارفة الظلال طيبة الثمر ويذهب إلى دمنةٍ منتنة. هذا فضلا عن أنهم ساذجون وجهلاء للغاية وما يقدمونه ليس إلا وصمة عار في جبين العقل والعلم، وهذا مما لا يخفى على عاقل أيضا. بل والأنكى والأمر هو أن بعضهم يقولون عن تجديداتهم إنها اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ؛ أي أنهم هم بأنفسهم لا يؤمنون بها، وهم بأنفسهم يصرحون أنهم لا يطرحونها لذاتها، بل يريدون بهذه الاجتهادات من غيرهم أن يشكُّوا ويترددوا ويتمردوا ويتركوا الطاعة والانقياد! فماذا بعد؟ هل بقي في الأمر شيء من الخفاء؟
وكما قلت، ومع ثقتي أنهم ليسوا بشيء، ولكن بعض الإخوة الأحمديين المخلصين قد يتوجهون إليهم أحيانا محاولين إقناعهم أو مناقشتهم أو ردهم إلى الحق. وهذا التوجه في الواقع يجعلهم يشعرون بوجودهم، لأن هذا من أهدافهم، لذلك تجدهم يستجدون أن يلتفت إليهم أحد، بل ويسعون أحيانا للاستفزاز عسى أن يرد عليهم أحد.
ما أوصي به إخوتي هو أن يهملوهم ويتركوا نقاشهم كي لا يحققوا لهم مآربهم. فشبهاتهم قد رددنا عليها، ونحن مستعدون دوما لرد أي شبهة تستحق ردا يطلقونها هم أو يطلقها غيرهم. ونحن مستعدون دوما أيضا لأي سؤال أو استفسار. ولكننا لن ننشغل بهم ولن نعطيهم أكبر من حجمهم.
كذلك أوصي إخوتي أن يكثروا من قراءة كتب المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الحكم العدل، فهي تحتوي علوم الوقت، وتفتح آفاقا عظيمة للتقدم الروحي والعقلي وتقرِّب الإنسان من العرفان الإلهي الذي يرتبط به اليقين الذي هو غاية هذا الدين. وبارك الله فيكم.