قال الخليفة الثاني حضرة الحاج مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه:
ثم إن من هؤلاء المبتلين بالأوهام من يظن بنا أننا لا نعتقد بالأحاديث ولا بالأئمة والفقهاء. وإن كلا الوهمين لباطل.
إن الأحمدية تسلك في مسألة التقليد وعدمه مسلكاً وسطاً. ومن تعاليمها أن ما تحقق وثبت من أحاديث محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجب الأخذُ به وأن السماع لصوت غيره عندئذ إهانة لحضرته. كلا، لا يُسمع لصوت العبد ما دام السيد موجوداً ولا يلقَّى الدرس على التلميذ بحضور الأستاذ. ومهما عظم الأئمة والفقهاء في علمهم ومعرفتهم فهم على كل حال تلاميذ محمد – صلى الله عليه وسلم – وخدامه، وعزتهم إنما تكون في طاعة الرسول، وكل عظمتهم إنما في كونهم خدامًا له، فإذا ثبت شيء من قوله – صلى الله عليه وسلم – وعلامة الثبوت أن ما ينسب إليه يوافق القرآنَ الكريم – يكون قوله هو القول الفصل والحكم الأخير ولا مندوحة من قبوله والتسليم به، ولا يحق لأحد رفضُه أو أن ينبس خلافه ببنت شفة.
إن رواة الحديث بشر مثلنا منهم الصالح والطالح ومنهم قوي الذاكرة وضعيفها والذكي والبليد. فما خالف منطوقَ القرآن من رواياتهم فلا يسلَّم به لمعارضته لكتاب الله الذي هو القول الحق والحكمُ الفَصْلُ لا نحيد عنه ولا ننحاز إلى غيره، إذ ليس كلُّ رواية قطعيةَ الأسناد في صحة القول، وإن من مسلمات الأئمة المحدثين أنفسهم أن الأحاديث منها الصحيح المسند ومنها غير المسند ومنها المظنون والمشكوك والموضوع. فما دام هذا حال الروايات فما شأنها إزاء القرآن المجيد، ولا سيما إذا خالفته وعارضته؟ بيد أن أئمة الفقهاء هم أولى الناس بالاجتهاد، فإنهم قضوا أعمارهم في التدبر في القرآن الحكيم وتفحُّص الأحاديث النبوية، وخليق بهم أن يكدحوا أذهانهم ويجتهدوا حيث لا يُوجد نص صريح من كتاب الله ولا حديث مسند يوصلنا إلى القطع واليقين، أو إذا وُجد كان محتملا في ألفاظه لتأويلات شتى، وحينئذ يجب أن نرجع إلى اجتهاد المجتهدين من أئمة الفقهاء.
ولا يحق ذلك للعامي الذي لم يتدبر القرآن قط ولا الحديث ولا هو ممن أوتي من العلم والتفقه حظًّا يمكّنه من إمعان النظر، كلا – لا يحق لهذا العامي أن يتبجح ويقول: ما شأن الإمام أبي حنيفة أو الإمام الشافعي أو الإمام مالك أو غيرهم من الأئمة الكرام رضي الله عنهم، ما شأنهم حتى يرجَّح قولهم على قوله وأي حق لهم في هذا الاختصاص والترجيح؟ إنه مسلم كما هم مسلمون فلا فرق بينهم ولا فضل لأحد منهم على غيره! إن مثل هذا القول هو من السخافة بمكان وذلك لأن الطبيب هو الذي يرجَّح رأيه في التشخيص ولا رأيَ في ذلك للعامي مطلقاً. وكذا يرجَّح رأي المحامي على غيره، فلماذا إذاً لا يرجَّح في الأمور الدينية رأيُ الأئمة الذين قضوا أعمارهم في تدبر القرآن المجيد والأحاديث الشريفة، وكانوا أعلى وأرقى من ألوف الناس في قواهم الذهنية، وشهد الله لهم بتقواهم وطهارتهم بأنْ عامَلَهم بالحسنى وخَصَّهم برعايته؟
ألا إن الأحمدية لا هي بالتي تشايع أهل الحديث في كل شيء ولا هي بالمؤيدة للمقلِّدين في جميع أقوالهم على عواهنها، وإنما هي في عقائدها على أقومِ طريقٍ وأبسطِه، أي على مسلك الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – وعلى مذهبه تماماً، وذلك أن القرآن الكريم مقدَّم عندنا على كل شيء آخر. ثم تأتي الأحاديث الصحيحة في الدرجة الثانية، ثم استدلال واجتهاد العالم الماهر بفنه.
وبناء على هذه العقيدة ذاتها يسمي الأحمديون أنفسهم أحنافاً بمعنى أننا نصدق المبدأ الأساسي الذي وضعه الإمام أبو حنيفة رحمه الله تبياناً لمذهبه. وكذلك يسمون أنفسهم أهل الحديث أيضاً وذلك لأننا نرى أن قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – إذا ثبت وكان واضحاً فإنه يفوق أقوالَ بني آدم كلهم حتى وأقول الأئمة بأجمعها.
من كتاب دعوة الأحمدية وغرضها