الاعتراض:
هل كان والد مرزا غلام أحمد عرّافاً كما يشيع خصومكم؟ وهل فعلاً ساندَ الإنكليز بإرساله 50 رجلاً مع الخيول وذلك لقمع ثورة المسلمين؟
الرد:
حاشا لله أن يكون والد حضرته عرّافاً، فقد كان رحمه الله ثرياً صاحب أراضي وأملاك معروفة لا حاجة له للعمل في كشف الفأل والشعوذة وما إلى ذلك، بل كان رحمه الله طبيباً ماهراً وخبيراً عسكرياً. فالعرّاف لا يعني بالضرورة الشخص المشعوذ بل الطبيب الماهر في القواميس ومنها “قاموس البراق” الذي جاء فيه أن ّالعرّاف يعني physician, practitioner أي الطبيب.
جاء في كتاب (Punjab Chiefs أي “أمراء البنجاب) تأليف “سير ليبل غريفن Sir Lepel Griffin” ما يلي:
“دعا الـمهراجا رنجيت سنغ .. دعا مرزا غلام مرتضى (والد حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام) دعاه إلى قاديان وأرجع له جزءاً كبيراً من عقارات أجداده. توظف مرزا غلام مرتضى وجميع إخوته في جيش الـمهراجا رنجيت سنغ وقدموا خدمات جليلة على حدود كشمير وفي أماكن أخرى كثيرة. وقد ظلَّ مرزا غلام مرتضى يقدم خدماته العسكرية في عهد “نوال سنغ ” و”شير سنغ” وفي عصر حكم قَصر لاهور أيضا. ولقد عين مرزا غلام مرتضى قائدا لكتيبٍة في الجيش في عام 1843 وأرسل إلى بيشاور، فأدى خدمات بارزة في أحداث الفوضى التي وقعت في منطقة “هزاره”، وظل وفيا لحكومته واشترك من قبلها في مكافحة حالة التمرد التي حدثت في عام 1848. … عند إقامة الدولة الهندية الموحدة أخذت من هذه الأسرة جميع عقاراتها، إلا أن مرزا غلام مرتضى وإخوته ظلوا يأخذون راتبا تقاعديا قدره 700 روبية، كما اعترف بحقوق هذه العائلة وملكيتها على قاديان وعلى بعض القرى المجاورة لها. لقد قدمت هذه الأسرة خدمات بارزة أثناء أحداث المفسدة عام 1857 م، حيث أدخل مرزا غلام مرتضى الكثيرين في الجيش، وكان هو وابنه مرزا غلام قادر أيضا في صفوف الجيش في عهد الجنرال “نكلسون” حين قضى على 46 متمردا من كتيبة المشاة “النيتو” الذين كانوا قد هربوا من سيالكوت. لقد منح الجنرال “نكلسون” لغلام قادر شهادةً كتب فيها أن أسرته كانت أكثر أُسرِ قاديان -بمحافظة غورداسبور- وفاًء للحكومة أثناء أحداث 1857 م. توفي مرزا غلام مرتضى الذي كان أيضاً طبيباً حاذقاً في 1876، وخلَفه ابنه مرزا غلام قادر الذي كان دائما على أهبة الاستعداد لمساعدة الحكومة المحلية. وقد منح شهادات كثيرة من كبار المسؤولين الحكوميين الذين كان ِبيدهم زمام إدارة الأمور، ثم عمِل لفترة قصيرة مشرفاً في مكتب محافظة غورداسبور. وقد توفي ابنه في الصغر، فتبنى ابن أخيه مرزا سلطان أحمد الذي كان يعد رئيس الأسرة بعد وفاة غلام قادر أي منذ 1883. بدأ مرزا سلطان أحمد العمل في الوظيفة الحكومية بمنصب نائب رئيس المديرية، وهو يعمل الآن نائبا إضافيا للمفوض، كما أنه المختار لبلدة قاديان أيضا.” (أمراء البنجاب، الجزء الأول، طبعة 1919 بلاهور. انظر: سيرة المهدي صفحة 6-7)
ومن بين إنجازات حضرة مرزا غلام ﻣﺮﺗﻀﻰ والد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو بناءه للمسجد المبارك في قاديان الذي يتمتع بحجم وسعة كبيرة في وقته حيث يوجد قبر حضرته رحمه الله شاخصاً إلى اليوم في زاوية من الباحة الخارجية للمسجد. (راجع Dard, A.R. 2008. Life of Ahmad: Founder of the Ahmadiyya Movement. pp. 22–24. Tilford: Islam International. ISBN 1-85372-977-9.).
أما إرسال بعض الخيالة لمساندة الجيش الإنكليزي فقد كان حضرته أميناً على البلاد من شر الهندوس والسيخ الذين طالما اضطهدوا وعذّبوا المسلمين، فلما ثاروا على الحكومة -بسبب عدل الإنكليز مع الجميع ومنع اضطهاد المسلمين- ساند والد حضرته الحكومة لكي لا تعود أيام ظلم المسلمين على يد السيخ والهندوس وأمثالهم. أما الثورة بحد ذاتها فقد حدثت لكتائب عسكرية كانت تعمل ضمن جيش البنغال التابع للجيش الإنكليزي ولم تكن ثورات شعبية إسلامية كما يتصور البعض، وبدأت الثورة أو الإنقلاب على الحكومة في 1857، ولم تكن ثورة أو انقلاباً إسلامياً بل كان تمرّداً هندوسياً شارك فيه القلة فقط من المسلمين. سبب هذا التمرد هو المساس المزعوم بالعقيدة الهندوسية حيث كان جنود الجيش البريطاني يدهنون أسلحتهم بزيوت مستخلصة من الخنازير والأبقار بالإضافة لتدنّي الأجور مما دفع لاستياء الجنود الهندوس ومن ثم التمرّد والدعوة لمحاربة الحكومة المتمثّلة بالإنكليز.
وإمعاناً في التأكيد على أنَّ الأمر كان مجرد تمرّد وخروج على النظام وليس جهاداً للمسلمين ضد الظالمين كما يشيع معارضو الجماعة الإسلامية الأحمدية لجهلهم بالتاريخ سنترك أحد أهمّ خصوم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهو الشيخ محمد حسين البطالوي زعيم ومؤسس فرقة أهل الحديث السلفية في الهند وأحد الشهود العيان في تلك الواقعة، سنتركه يـردَّ بنفسه على هذه الشبهة من باب أن الفضل ما شهدت به الأعداء. يقول الشيخ أبو سعيد البطالوي:
“لا يوجد بين معاصرينا مَن هو أعلم منا بأحوال مؤلِّفِ “البراهين الأحمدية” وأفكارِه. فوطننا واحد، بل كُنا زميلَين في الدراسة منذ مقتبل العمر حين كنا ندرس معًا “القطبي” و”شرح الملا”. ومنذ ذلك الحين لا تزال المراسلات واللقاءات مستمرّة بيننا إلى اليوم دون انقطاع لذا فإن قولنا بأننا أعلم بأحواله وأفكاره جدير بألا يُؤخذ مأخذ المبالغة. إنَّ فكرة معارضة الحكومة الإنجليزية لم تقرَب المؤلفَ وَلَمْ تخطر بباله قط، بل لا يوجد في عائلته كلها شخصٌ يُكنُّ مثل هذه الأفكار، فضلاً عنه. بل إنَّ والده المحترم والمكرَّم المرزا غلام مرتضى قد أثبتَ بعمله وعلى أرض الواقع في أثناء زوبعة التمرد أيْ مَفْسَدة عام 1857م أنه مُواسٍٍ ومخلصٌ ووفيٌّ للحكومة. حين تمرَّد المفسدون الأشرار في أثناء هذه المفسدة في “ترمون” المتصلة بغورداسبور اشترى والده المحترم -مع أنه ما كان رئيساً أو صاحب عقارات واسعة النطاق- من جيبه الخاص خمسين فرساً مع عدّة وعتاد وقدمها للحكومة عوناً لها مع فرسانٍ تحت إمرة ابنه العزيز المرزا غلام قادر المرحوم. وَقَدْ شكرته الحكومة وأعطته جائزة أيضاً اعترافاً بهذه الخدمة. وبالإضافة إلى ذلك كان المرزا المرحوم [والد المؤلف] محّلُّ تكريمٍ الحكومة ولطفها دائماً بناء على تلك الخدمات. وكان يتلقى كرسياً تقديراً واحتراماً في بلاط الحاكم. وكان الحُكام والمسئولون في المحافظة والمديرية [أي المفوضون ونائبو المفوضين] يعطونه بين الفينة والفينة شهادات توحي بتقديرهم له، وعديد من هذه الشهادات موجود عندي الآن. يتبين من هذه الشهادات أنها كُتبت بحماس قلبي شديد ولا يمكن كتابتها بحقّ أحدٍ إلا من كان مواسياً خاصاً ووفياً صادقا. كان معظم المفوضين ونائبوهم يذهبون أثناء جولاتهم الرسمية إلى بيت المرزا المحترم لمقابلته مراعاةً له مدفوعين بحسن أخلاقهم وحُبهم.” (مجلة “إشاعة السنة”، ج 7، رقم 6، المنشورة أيضاً في “شهادة القرآن” الكتاب)
إذن وبشهادة التاريخ بل وأعتى خصوم حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام فقد كان والد حضرته المحترم المكرّم المعروف بأخلاقه العالية من أشد الأمناء على النظام لدرجة عدم ادّخاره المال والنفس في سبيل المحافظة على أمن البلد ومنع المفسدة التي يحاول الخصوم تصويرها على أنها ثورة إسلامية مقدّسة! وبناء على ذلك فإن سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مفخرة لجميع الشرفاء في العالم ناصعة كالثلج صافية كالزلال، وهي من أدلة صدق مبعوث السماء الذي اختاره الله تعالى من وجهاء الناس وخيارهم كما اختار سيّده النبي الخاتم مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم القائل في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده، مسند الشاميين من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ؓ 17552:
“أنا مُحَمَّدٌ بن عبد الله بن عبد المطلب، إنَّ الله خَلَقَ الخلْقَ فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خير فرقة، ثم جعلهم قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا.“.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ