مقتبسات من أقوال المسيح الموعود مرزا غلام أحمد عليه السلام
عن موت المسيح عيسى بن مريم عليه السلام

يقول حضرته عليه السلام:

وأيّ ذنب ينسبون إليّ من غير أني نعيت إليهم بموت عيسى، وقد ماتتْ من قبله النبيّون. أيُعرضون عن الإجماع المستند إلى النصّ الجَلِيّ، أم هم الحاكمون؟ والله، إن عيسى مات، وإنهم يعاندون الحقّ الصريح، ويقولون ما يخالف القرآن وما يخافون”. (الاستفتاء، ص 68)

ووالله ما قلتُ قولا في وفاة المسيح وعدم نزوله وقيامي مقامه إلا بعد الإلهام المتواتر المتتابع النازل كالوابل، وبعدَ مكاشفات صريحة بيّنة منيرة كفلق الصبح، وبعد عرضِ الإلهام على القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة النبوية، وبعد استخارات وتضرعات وابتهالات في حضرة رب العالمين. ثم ما استعجلتُ في أمري هذا، بل أخّرتُه إلى عَشْر سنة، بل زدتُ عليها وكنت لِحُكمٍ واضحٍ وأمرٍ صريحٍ من المنتظرين. وكنت صنّفتُ كتابا في تلك الأيام التي مضت عليها عشر سنة، وسميتُها البراهين، وكتبت فيها – بعض إلهاماتي التي أُلهمت من ربي من قبل تأليف ذلك الكتاب، وكانت من جملتها هذا الإلهام، أعني: “يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ“. وإن الله قد سمّاني في هذا عيسى، ومِن جملتها إلهام آخر خاطبني ربي فيه وقال: إني خلقتُك من جوهر عيسى، وإنك وعيسى من جوهر واحد، وكشيء واحد. ومِن جملتها إلهام سمّى فيه كلَّ من خالفني من العلماء “اليهود والنصارى”. ثم ما أُلهمتُ إلى عشر سنة بمثل هذه الإلهامات، وما كنت أدري أني أُؤمر بعد هذه المدة الطويلة وأُسمَّى مسيحا موعودا من الله تعالى، بل كنتُ خِلْتُ أن المسيح نازل من السماء كما هو مركوز في مدارك القوم، ولكني كنت أقول في نفسي تعجبا: إن الله لِم سمّاني عيسى ابن مريم في إلهامه المتواتر المتتابع، ولِم قال إنك وإنه من جوهر واحد، ولِم سمّى المخالفين “اليهود والنصارى”؟ فظهرت عليَّ معاني تلك الإلهامات والإشارات بعد عشر سنة، وبعد إشاعة “البراهين” في ألوف من الناس، وبعد إشاعة هذه الإلهامات في خَلق كثير من المسلمين والمشركين”. (حمامة البشرى، ص 44-45)

والعجب كل العجب أنهم يقولون إنا آمنّا بآيات الله ثم لا يؤمنون، ويقولون إنا نتبع صحف الله ثم لا يتبعون. ألا يقرأون في الكتاب الأعلى ما قال الله في عيسى إذ قال: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، وقال: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي)، وما قال: “إني مُحْيِيك”. فمِن أين عُلِمَ حياة المسيح بعد موته الصريح؟ يؤمنون بأنه لقي الأموات، ثم يقولون ما مات. تلك كلمٌ متهافتة متناقضة، لا ينطق بها إلا الذي ضلت حواسّه، وغرَب عقله وقياسه، وترَك طريق المهتدين”. (مكتوب أحمد، ص 7-8)

وإذا قيل لهم إن الله ورسوله قد شهدا على وفاة المسيح وكذلك شهدوا عليه أكابر المؤمنين من الصحابة والتابعين وأئمة المحدثين، فكان آخر جوابهم أن الله قادر على أن يحييه بعد وفاته مرة أخرى، ولا يتفكرون أن قُدرة الله تعالى لا يتعلق بما يُخالف مواعيده الصادقه، وقد قال: (فَيُمْسِكُ الَّتي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ)، وقال: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)، وقال: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى)، ولا شك أنه من مات من الصلحاء فإنه نال حظّا من الجنة وحُرّم عليه الموتة الثانية، فكيف يجوز أن يُرَدّ عيسى إلى الدنيا ويُخرَج من حظ الجنّة ونعيمها أو يُسَدّ عليه غرفتُها ثم يُتوَفّى مرة ثانية؟ مع أن الآية المتقدمة.. أعني: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى) تدل على دوام الحياة وعدمِ ذوق الموت. وإلى هذا يُشير الاستثناء المنقطع، فإنه جرى مجرى التأكيد والتنصيص على حفظ العموم وجعَل النفي الأول العام بمنـزلة النص الذي لا يتطرق إليه استثناء البتة، إذ لو تطرّق إليه استثناء فردٍ من أفراد لكان أولى بذكره من العدول عنه إلى الاستثناء المنقطع، فاحفظْه فإنه من أسرار مفيدة للمحققين”. (حمامة البشرى، ص 114-115 الحاشية)

   “واعلم أرشدك الله أن رسولنا ﷺ ما رأى عيسى ليلة المعراج إلاّ في أرواح الأموات، وإنّ في ذلك لآية لذوي الحصاة. وكل مؤمن يُرفع روحه بعد الموت وتُفتح له أبواب السماوات، فكيف وصل المسيح إلى الموتى ومقاماتهم مع أنه كان في ربقة الحياة؟ فاعلم أنه وزر لا صدق فيه، وقد نُسج عند استهزاء اليهود ولعنهم بنص التوراة. لا يُقال أن عيسى لقى الموتى كما لقيهم نبيّنا ليلة المعراج، فإن المعراج على المذهب الصحيح كان كشفا لطيفا مع اليقظة الروحانية كما لا يخفَى على العقل الوهّاج، وما صعد إلى السماء إلاّ روح سيدنا ونبيّنا مع جسم نوراني الذي هو غير الجسم العنصري الذي ما خُلق من التُربة، وما كان لجسمٍ أرضيّ أن يُرفع إلى السماء، وعدٌ من الله ذي الجبروت والعزّة. وإن كنتَ في ريب فاقرأ: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَآءً وَأَمْوَاتًا). فانظر.. أتُكذّب القرآن لابن مريم؟ واتّق الله تُقاتا. وانظر في قوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنيِ)، ولا تؤذ ربك كما آذيتني. وقد سأل المشركون سيدنا ﷺ أن يرقى في السماء إن كان صادقا مقبولا، فقيل: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً). فما ظنّك.. أليس ابن مريم بشرا كمثل خير المرسلين؟ أو تفتري على الله وتُقدّمه على أفضل النبيين؟ ألا إنه ما صعد إلى السماء، ألا لعنة الله على الكاذبين. وشهد الله أنه قد مات ومن أصدق من رب العالمين؟ ألا تُفكّر في قوله عز اسمه: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، أو على قلبك القُفل؟ وقد انعقد الإجماع عليه قبل كل إجماع من الصحابة، ورجع الفاروق من قوله بعد سماع هذه الآية، فما لك لا ترجع من قولك وقد قرأنا عليك كثيرا من الآيات؟ أتكفر بالقرآن أو نسيت يوم المجازات؟ وقد قال الله: (فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ)، فكيف عاش عيسى إلى الألفين في السماء.. ما لكم لا تُفكّرون؟

فالحق والحق أقول: إن عيسى مات، ورُفع روحه ولحِق الأموات. وأمّا المسيح الموعود فهو منكم كما وعد الله في سورة النور، وهو أمر واضح وليس كالسرّ المستور. وإنّه “إمامُكم منكم” كما جاء في حديث البخاري والمسلم، ومن كفر بشهادة القرآن وشهادة الحديث فهو ليس بمسلم”. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية، مجلد 18 ص 364-365)

   “وقد مُلئ القرآن من آياتٍ تشهد كلها على أن المسيح ابن مريم قد تُوفِّي، ولحق بإخوانه إبراهيم وموسى، وأخبر بوفاته رسول الله ﷺ وهو أصدق المخبرين. ألا تقرؤون في القرآن: ­(يا عيسى إني متوفيك)، (فلمّا توفيتني )؟ ألا تقرؤون: (وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)؟ ألا تقرؤون في صحيح الإمام البخاري: متوفيك: مُميتك؟ فما بقي بعد هذه الشهادات محل شك للمشككين. وبأيّ حديث تؤمنون بعد آيات رب العالمين؟” (التبليغ، ص 8-9)

   “ألا يرون أن الله أخبر من وفاة المسيح في مقامات شتى؟ والقرآن كله مملوّ من ذلك، ولا تجد فيه لإثبات حياته حرفا أو لفظا. ونهاك قول المسيح في القرآن: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم). فانظر كيف يثبت من ههنا أن المسيح توفي وخلا. ولو كان نزول المسيح ومجيئه مقدرًا ثانيا لذكر المسيح في قوله شهادتين ولقال مع قوله: كنت عليهم شهيدًا وأكون عليهم شهيدا مرة أخرى.. وما حصر في الشهادة الأولى. وقال الله تعالى: (فيها تحيون) فخصص حياة الناس بالأرض كما خصص موتهم بالثرى. أتتركون كلام الله وشهادة نبيه وتتبعون أقوالا أخر؟ بئس للظالمين بدلا!

أيها الناس.. قد أعثرني الله على هذا السر وعلّمني ما لم تعلموا، وأرسلني إليكم حكما عدلا، لأكشف عليكم ما كان عليكم مستترا. فلا تماروا ولا تجادلوا، وتدبروا في قوله: (يا عيسى إني متوفيك) ، واقرؤوا هذه الآية إلى قوله: (يوم القيامة)، ثم أَمعِنوا النظر يا أولي النهى! وانظروا كيف افتتح الله من وفاة المسيح، وذكر كل واقعة بترتيب طبعي تتعلق بعيسى، حتى اختتمها على يوم القيامة، ولم يذكر من نزول المسيح في هذه السلسلة شيئًا، وما أحدث في هذا الأمر ذكرا”. (التبليغ، ص 40-41)

   “أما تدبَّرَ آيةَ (فلمّا تَوفَّيتَني) بالفكر والإمعان؟ فإنه نصٌّ صريح على أن عيسى مات في سابق الزمان، لا أنه يموت في حين من الأحيان، فإن الصيغة تدل على الزمان الماضي، والصرف ههنا كالقاضي. ثم إن كنتَ لا ترضى بحكم الصرف، وتجعل الماضي استقبالا بتبديل الحرف، فهذا ظلمٌ منك ومن أمثالك، ومع ذلك لا يفيدك غلوُّ جدالك، وتكون في هذا أيضا من الكاذبين. فإن المسيح يقول في هذه الآيات: إن قومي قد ضلوا بعد موتي لا في الحياة، فإن كنتَ تحسب عيسى حيًّا إلى هذا الزمان في السماء، فلزِمك أن تقرّ بأن النصارى قائمون على الحق إلى هذا العصر لا من أهل الضلالة والهواء. فأين تذهب يا مسكين، وقد أحاطت عليك البراهين، وظهر الحق وأنت تكتمه كالمتجاهلين”. (مكتوب أحمد، ص 34-35)

“وما خالفْنا المكفّرين إلا في وفاة عيسى بن مريم ؏، فاغتاظوا غيظا شديدا، ومُلئوا منه كأنهم لا يؤمنون بآية: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، ولا يؤمنون بوعد الوفاة الذي قد صُرّح فيها، وكأنهم لا يعرفون آية: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني) التي فيها إشارة إلى إنجاز هذا الوعد ووقوع الموت. والآيات بيّنة منكشفة، فلعلّهم في شك من كتاب مبين، فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم بعدما كانوا مؤمنين”. (نور الحق، ص 4-5)

   “وكيف يجوز نزول المسيح ؏ على المعنى الحقيقي، واللهُ قد أخبر في كتابه العزيز أنه تُوفِّي ومات؟

وقال: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)، وقال: (فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)

وقال: (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ)، وقال: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)

وقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ).. يعني ماتوا كلهم كما استدل به الصِّدّيق الأكبر عند وفاة النبي ﷺ، فما بقي شك بعد ذلك في وفاة المسيح وامتناع رجوعه إن كنتم بالله وآياته مؤمنين. وقد ختم الله برسولنا النبيين، وقد انقطع وحي النبوة، فكيف يجيء المسيح ولا نبي بعد رسولنا؟ أيجيء معطَّلا من النبوة كالمعزولين؟ وقد بشّرنا رسول الله ﷺ أن المسيح الآتي يظهر من أمته وهو أحدٌ من المسلمين. وفي الصحاح أحاديث صحيحة مرفوعة متصلة شاهدة على وفاة عيسى ؏، خصوصًا في البخاري بيان مصرح في هذا الأمر. فالعجب كل العجب على فهم رجل يشكّ في وفاته بعد كتاب الله ورسوله ويتذبذب كالمرتابين. وبأيِّ حديث بعد الله وآياته نترك متواترات القرآن؟ أنُؤْثِر الشكّ على اليقين؟

والقوم لا يتفق على صعود المسيح حيًّا إلى السماء، بل لهم آراءٌ شتّى، بعضهم يقول بالوفاة وبعضهم بالحياة. ولن تجد من النصوص الفرقانية والأحاديث النبوية دليلا على حياته، بل تسمع من الأخبار والآثار ومن كل جهة نعيَ الموت. وقد تُوفّي رسولنا ﷺ، أهو خيرٌ منه، أم هو ليس من الفانين؟ ورآه رسول الله ﷺ في ليلة المعراج في الموتى من الأنبياء عليهم السلام، أفتظن أن رسول الله ﷺ أخطأ في رؤيته، أو قال ما يُخالف الحق؟ حاشا.. بل إنه أصدق الصادقين.

فهذا هو السبب الذي ألجأنا إلى اعتراف وفاة المسيح، وشهد عليه إلهامي المتواتر المتتابع من الله تعالى. وما نرى في هذه العقيدة مخالفة بقول رسول الله ﷺ ولا بعقيدة الصحابة ولا التابعين. والصحابة كلهم كانوا يؤمنون بوفاة المسيح، وكذلك الذين جاؤوا بعدهم من عباد الله المتبصّرين. ألا تنظر صحيح البخاري كيف فسّر فيه عبد الله بن عباس ؓ آية: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ)، فقال: متوفّيك: مميتُك. وأشار الإمام البخاري إلى صحّة هذا القول بإيراده آية: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) في غير محلّه، وهذه عادة البخاري عند الاجتهاد وإظهار مذهبه كما لا يخفى على الماهرين”. (تحفة بغداد، باقة من بستان المهدي، ص 13-15)

   “واعلم أن عيسى المسيح نبي الله قد مات ولحق برسُلٍ خلوا وتركوا هذه الدنيا، وقد شهد عليه ربنا في كتابه الأجلى، وإن شئتَ فاقرأْ: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني)، ولا تتبعْ قول الذين تركوا القرآن بالهوى. وما أتوا عليه ببرهان أقوى، وقالوا وجدنا عليه آباءنا ولو كان آباؤهم بعُدوا من الهدى. وإنّا نريكم آيات الله فكيف تكفرون. هذا ما قال الله، فبأي حديث بعد كلام الله تؤمنون؟ أتتركون القرآن بأقوالٍ لا تعرفون؟ أتجعلون رزقكم أنكم تُكذّبون وتؤثرون الشك على اليقين؟ ولا قول كقول رب العالمين”. (حقيقة المهدي، باقة من بستان المهدي، ص 177-178)

   “وإذا قيل لهم أن الله قد أخبر عن وفاة المسيح في آياته المحكمات وقال: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، وقال حكاية عنه: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)، وقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، قالوا نؤمن بقصص القرآن والأحاديثُ قاضيةٌ عليه وعلى قصصه. فانظرْ كيف يتركون القرآن مع كونهم من المسلمين”. (حمامة البشرى، ص 35)

   “ألم يعلموا أن الله صرّح في القرآن العظيم بأن المتنصرين ما أشركوا وما ضلّوا إلا بعد وفاة المسيح كما يُفهَم من آية: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)؟ فلو لم يُتَوَفَّ المسيحُ إلى هذا الزمان للزم من هذا أن يكون المتنصرون على الحق إلى هذا الوقت ويكونوا مؤمنين موحِّدين”. (حمامة البشرى، ص 48)

   “ما استطاعوا أن يأتوا بآية أو حديث أو قول صحابي على صحة عقيدة الصعود بالجسم العنصري. ثم انصرفوا قبل إثبات هذا الأصل العظيم إلى عقيدة النـزول، وما عرفوا أن النـزول فرع للصعود، وثبوته فرع لثبوته، وإذا ثبت أن القرآن لا يصدِّق صعودَ عيسى بجسمه العنصري، بل يخالفه ويُبيّن وفاتَه في كثير من آياته، فتارة يقول: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، وتارة يشير إلى وفاته بقوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)، وتارة يقول: (وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) أي ماتوا كلهم – ولو لم نختَرْ هذا المعنى في هذه الآية المؤخرة يبطُل الاستدلال المطلوب – فكيف نترك القرآن وشهاداته؟ وأيّ شهادة أكبر من شهادة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ فهل تريد – أصلحك الله – دليلا أوضح من هذا؟ فالأنسب والأولى أن يُعرَض غيرُ القرآن على القرآن، ولو كان حديث رسول الله ﷺ، أو كشف وليّ، أو إلهام قُطْب، فإن القرآن كتاب قد كفَل الله صحّتَه، وقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وإنه لا يتغير بتغيُّرات الأزمنة ومرور القرون الكثيرة، ولا ينقص منه حرف ولا تزيد عليه نقطة، ولا تمسّه أيدي المخلوق، ولا يُخالطه قول الآدميين”. (حمامة البشرى، ص 60-61)

وأمّا لفظ التوفّي الذي يُفتّشونه في اللسان العربية، فاعلم أنه لا يُستعمل حقيقةً إلا للإماتة في هذه اللهجة، سيّما إذا كان فاعلُه اللهَ والمفعولُ به رجُلاً أو من النسوة، فلا يأتي إلا بمعنى قبض الروح والإماتة. وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة والأدبية، ومَن فتّش لغات العرب، وأنضى إليها رِكاب الطلب، لن يجد هذا اللفظ في مثل هذه المقامات إلا بمعنى الإماتة والإهلاك من الله رب الكائنات. وقد ذُكر هذا اللفظ مرارًا في القرآن، ووضعه الله في مواضع الإماتة وأقامه مقامها في البيان. والسرّ في ذلك أن لفظ التوفّي يقتضي وجود شيء بعد الممات، فهذا ردٌّ على الذين لا يعتقدون ببقاء الأرواح بعد الوفاة، فإن لفظ التوفّي يؤخذ من الاستيفاء، وفيه إشارة إلى أخذ شيء بعد الإماتة والإفناء، والأخذُ يدل على البقاء، فإن المعدوم لا يؤخذ ولا يليق بالأخذ والاقتناء. وهذا من العلوم الحِكَمية القرآنية، فإنه رجع القومَ إلى لسانهم المباركة الإلهامية، ليعلموا أن الأرواح باقية والمعاد حق، ولينتهوا من عقائد الدهريين والطبعيين. فلما كان الغرض من استعمال هذا اللفظ صَرْفَ القلوب إلى بقاء الأرواح، فمعنى التوفّي إماتة مع إبقاء الروح، فخُذِ الحق واتّقِ طرق الجُناح”. (مكتوب أحمد، ص 44-45)

لمّا كان الملحوظ في معنى التوفّي مفهوم الإماتة مع الإبقاء، فلأجل ذلك لا يُستعمل هذا اللفظ في غير الإنسان، بل يُستعمل في غيره لفظ الإماتة والإهلاك والإفناء. مثلاً لا يقال توفَّى اللهُ الحمارَ، أو القنفذ والأفعى والفأر، فإن أرواحها ليست بباقية كأرواح الآدميين. (مكتوب أحمد، ص 45 الحاشية)

ثم اعلم أن ادعاء الإجماع في عقيدة رفع عيسى حيًا بجسمه العنصري باطل وكذب صريح. قال ابن الأثير في كتابه “الكامل” إن أهل العلم قد اختلفوا في عيسى…. فأين ثبت الإجماع على رفعه حيًا وعدم موته؟ (حمامة البشرى، ص 183-184)

قد مات نبي الله عيسى، وأخبرنا عن موته خيرُ الخَلق وسيّدُ الورى، ثم شهد على موته كثير من أهل العلم والنهى، كما شهد شاهدٌ عند وفاة نبينا المصطفى، أعني خليفة الله الصدّيق الأتقى. وكذلك ذهب إليه كثير من الأكابر والأئمة، وما جاء لفظ “رجوع” المسيح في نبأ خير البريّة، بل لفظ “النـزول” إلى هذه الأُمّة. وشتان ما بين الرجوع وبين النـزول عند أهل المعرفة. فاتقوا الله يا معشر المؤمنين، واقبلوا الحق يا حزب الصالحين”. (مكتوب أحمد، ص 27)

أيصرّون على حياة عيسى، ويخفون إجماعًا اتفق عليه الصحابة كلّهم أجمعون؟ ويتّبعون غير سبيل قوم أدركوا صحبة رسول الله ﷺ، وكلّ واحدٍ منهم استفاض من النبيّ وتعلّمَ، وانعقد إجماعهم على موت عيسى، وهو الإجماع الأوّل بعد رسول الله ويعلمه العالمون. أنسيتم قول الله: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسل) أو أنتم للكفر متعمّدون؟ وقد مات على هذا الإجماع من كان من الصحابة، ثم صرتم شيعًا، وهبّتْ فيكم ريح التفرقة، وما أوتيتم سلطانًا على حياته، وإن أنتم إلا تظنّون”. (الاستفتاء، ص 57)

   “ألا تُفكّر في قوله عز اسمه: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، أو على قلبك القُفل؟ وقد انعقد الإجماع عليه قبل كل إجماع من الصحابة، ورجع الفاروق من قوله بعد سماع هذه الآية، فما لك لا ترجع من قولك وقد قرأنا عليك كثيرا من الآيات؟” (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية، مجلد 18 ص 365)

وأمّا قول بعض الناس من الحمقى أن الإجماع قد انعقد على رفع عيسى إلى السماوات العُلى بحياته الجسمانية لا بحياته الروحانية، فاعلم أن هذا القول فاسد ومتاع كاسد، لا يشتريه إلا من كان من الجاهلين. فإن المراد من الإجماع إجماع الصحابة، وهو ليس بثابت في هذه العقيدة، وقد قال ابن عباس: متوفّيك: مميتُك“. (إتمام الحجة، باقة من بستان المهدي، ص 54-55)

   “وقد قال ابن عباس: متوفّيك: مميتُك، فالموت ثابت وإن لم يقبل عفريتُك. وقد سمعتَ يا من آذيتني أن آية: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني) تدل بدلالة قطعية وعبارة واضحة أن الإماتة التي ثبتت من تفسير ابن عباس، قد وقعت وتمّت وليس بواقع كما ظن بعض الناس. أفأنت تظن أن النصارى ما أشركوا بربهم وليسوا في شَرَكٍ كالأسارى؟ وإن أقررت بأنهم قد ضلوا وأضلوا، فلزمك الإقرار بأن المسيح قد ماتَ وفاتَ، فإن ضلالتهم كانت موقوفة على وفاة المسيح، فتفكَّر ولا تُجادل كالوقيح. وهذا أمر قد ثبت من القرآن، ومن حديث إمام الإنس ونبيّ الجانّ، فلا تسمع رواية تخالفها، وإن الحقيقة قد انكشفت فلا تلتفت إلى من خالفها، ولا تلتفت بعدها إلى رواية والراوي، ولا تُهلك نفسَك من الدعاوي، وفكِّر كالمتواضعين.

هذا ما ذكّرناك من النبي والصحابة لنـزيل عنك غشاوة الاسترابة، وأما حقيقة إجماع الذين جاءوا بعدهم، فنُذكّرك شيئا من كَلِمِهم، وإن كنتَ من قبل من الغافلين.

فاعلم أن الإمام البخاري، الذي كان رئيس المحدِّثين من فضل البارئ، كان أول المقِرّين بوفاة المسيح، كما أشار إليه في الصحيح، فإنه جمَع الآيتين لهذا المراد، ليتظاهرا ويحصل القوة للاجتهاد. وإن كنتَ تزعم أنه ما جمع الآيتين المتباعدتين لهذه النيّة، وما كان له غرض لإثبات هذه العقيدة، فبيِّنْ لِمَ جمع الآيتين إن كنتَ من ذوي العينين؟ وإن لم تبيّن، ولن تبيّن، فاتق الله ولا تُصرّ على طرق الفاسقين. ثم بعد البخاري انظروا يا ذوي الأبصار، إلى كتابكم المسلّم “مجمَع البحار”، فإنه ذكر اختلافات في أمر عيسى ؏، وقدّم الحياة ثم قال: وقال مالك: مات. فانظروا “المجمع” يا أهل الآراء، وخذوا حظّا من الحياء، هذا هو القول الذي تكفرون به وتقطعون ما أمر الله به أن يوصل وباعدتم عن مقام الاتّقاء، أليس منكم رجل رشيد يا معشر المفتتنين؟

وجاء في الطبراني والمستدرك عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ إن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة. ثم بعد هذه الشهادات، انظروا إلى ابن القيّم المحدّث المشهود له بالتدقيقات، فإنه قال في “مدارج السالكين” إن موسى وعيسى لو كانا حيَّين ما وسعهما إلا اقتداء خاتم النبيين. ثم بعد ذلك انظروا في الرسالة “الفوز الكبير وفتح الخبير” التي هي تفسير القرآن بأقوال خير البريّة، وهي من ولي الله الدهلوي حكيم الملّة، قال: متوفّيك: مميتُك. ولم يقل غيرها من الكلمة، ولم يذكر معنى سواها اتّباعا لمعنى خرج من مشكاة النبوّة. ثم انظر في “الكشّاف”، واتق الله ولا تَخْتَرْ طرق الاعتساف كمجترئين. ثم بعد ذلك تعلمون عقيدة الفِرق المعتزلة، فإنهم لا يعتقدون بحياة عيسى، بل أقرّوا بموته وأدخلوه في العقيدة. ولا شك أنهم من المذاهب الإسلامية، فإن الأمّة قد افترقت بعد القرون الثلاثة، ولا ينكر افتراق هذه الملّة، والمعتزلة أحد من الطوائف المتفرّقة”. (إتمام الحجة، باقة من بستان المهدي، ص 55-57)

   “أيها الأخ الصالح! انظُرْ كيف أشار البخاري – رحمه الله – إلى مذهبه بجمع الآيتين في غير المحلّ وإراءة تظاهُرهما، واعترف بأن المسيح قد مات، فتدبَّرْ فإن الله يحب المتدبّرين. وما كان لي منفعةٌ وراحةٌ في ترك كتاب الله وسُنن رسوله وحملِ أوزار خسران الدنيا والآخرة، وسماع لعن اللاعنين”. (تحفة بغداد، باقة من بستان المهدي، ص 15)

وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن “مالِك” الذي كان أحد من الأئمّة الأجلّة، كان يعتقد بموت عيسى، وكذلك “ابن حزم” المشهود عليه بالعلم والتقوى، وكذلك كثير من الصالحين. فما كنتُ بدعًا في هذا وما كنت من المتفردين. وما جئت في غير وقت، ألا تعرفون وقت المجدِّدين؟” (مكتوب أحمد، ص 9)

“ولا شك أن اعتقاد نزول المسيح عند ذلك المكان يخالف أمر موته الذي يُفهَم مِن بينات نصوص القرآن. ولأجل ذلك ذهب الأئمة الأتقياء إلى موت عيسى، وقالوا إنه مات ولحق الموتى، كما هو مذهب مالك وابن حزم والإمام البخاري، وغير ذلك من أكابر المحدثين، وعليه اتفق جميع أكابر المعتزلين. وقال بعض كرام الأولياء إن حياة عيسى، ليس كحياة نبينا بل هو دون حياة إبراهيم وموسى، فأشار إلى أن حياته مِن جنس حياة الأنبياء، لا كحياة هذا العالم كما هو زعم الجهلاء. واعلم أن الإجماع ليس على حياته، بل نحن أحق أن ندّعي الإجماع على مماته كما سمعتَ آراء الأولين.

وتعلم أن أكثر أكابر الأُمّة ذهبوا إلى موته بالصراحة، والآخرون صمتوا بعدما سمعوا قول تلك الأئمة، وما هذا إلا الإجماع عند العاقلين. ثم تعلم أن كتاب الله قد صرّح هذا البيان، فمَن خالفه فقد مان، ولا نقبَل إجماعا يخالف القرآن، وحَسْبُنا كتاب الله ولا نسمع قول الآخرين. ومِن فضل الله ورحمته أن الصحابة والتابعين، والأئمة الآتون بعدهم ذهبوا إلى موت عيسى، ورآه نبينا ﷺ ليلةَ المعراج في أنبياء ماتوا ودخلوا دارا أخرى، ورؤيته ليس بباطل بل هو حق واضح وكشفٌ من الله الأعلى”. (مكتوب أحمد، ص 32-33)

   “لا شك أنه مَن آمنَ بنـزول المسيح الذي هو نبي من بني إسرائيل فقد كفَر بخاتم النبيين. فيا حسرة على قومٍ يقولون إن المسيح عيسى بن مريم نازلٌ بعد وفاة رسول الله، ويقولون إنه يجيء وينسخ من بعض أحكام الفرقان ويزيد عليها، وينـزل عليه الوحي أربعين سنة، وهو خاتم المرسلين. وقد قال رسول الله ﷺ: “لا نبي بعدي“، وسمّاه الله تعالى خاتم الأنبياء، فمِن أين يظهر نبي بعده؟ ألا تتفكرون يا معشر المسلمين؟ تتبعون الأوهام ظلما وزورًا، وتتخذون القرآن مهجورًا، وصرتم من البطّالين”. (تحفة بغداد، باقة من بستان المهدي، ص 37-38)

“اِعلموا جيدًا أنه لن ينـزل من السماء أحدٌ. إن جميع معارضينا الموجودين اليوم سوف يموتون، ولن يرى أحد منهم عيسى بن مريم نازلًا من السماء أبدًا. ثم يموت أولادهم الذين يخلفونهم، ولن يرى أحد منهم أيضًا عيسى بن مريم نازلًا من السماء. ثم يموت أولاد أولادهم، ولكنهم أيضًا لن يروا ابن مريم نازلًا من السماء. وعندها سوف يُلقي الله في قلوبهم القلقَ والاضطراب، فيقولون في أنفسهم: إن أيام غلبة الصليب قد انقضت، وأن العالم قد تغيَّر تمامًا، ولكن عيسى بن مريم لم ينـزل بعد؟‍‍‍‍ فحينئذ سوف يتنفّر العقلاء من هذه العقيدة دفعةً واحدة، ولن ينقضي القرن الثالث من هذا اليوم إلا ويستولي اليأسُ والقنوط الشديدان على كل من ينتظر نزول عيسى، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا، فيرفضون هذه العقيدة الباطلة؛ وسيكون في العالم دين واحد وسيد واحد. ما جئت إلا لزرع البَذْرة، وقد زُرعتْ هذه البَذْرة بيدي، والآن سوف تنمو وتزدهر، ولن يقدر أحد على أن يعرقل طريقها”. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية مجلد 20 ص 67)p;l

About مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

View all posts by مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام