تتركز المفاهيم المسيحية للفداء والكفارة وتأليه المسيح على النص التالي:

«إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».” (لوقا 9: 22)

لقد ورد القتل بعبارة صريحة في هذا النص، وَعَلَى هذا الأساس يبرّر الأحبة المسيحيون عقيدة التثليث بكل لواحقها وتبعاتها. ولكن ورود كلمة “القتل” هنا جائت استعارة ومجازا فحسب، والسبب في ذلك هو ثبوت نجاة المسيح عَلَيهِ السَلام من نصوص الكتاب المقدس والتوراة بالذات نجاته من الموت، أي أنه لن يُقتل حقاً بل سيتعرض للألم الشديد والإجهاد الفضيع لدرجة أنه لو قيل بأنه مات لكان صحيحاً من الناحية المجازية، وهو الأمر المتفق مع التعابير المجازية الدارجة بين الناس مثل: متُّ من الجوع، مات من التعب، قتلنا ببروده، ذبحنا بصراخه، صلبنا صلباً تحت الحر / بالانتظار .. الخ. وبعد أيام سوف يقوم من هذا الموت، أي أنه لن يموت حقيقة. أما النص الذي يمنع قتل المسيح وخاصة على الصليب فهو قول التوراة بأن الله تعالى سيستمع إلى صراخه “إلهي إلهي لماذا تركتني“، فلن يتركه بل سينجيه من الموت ! وكذلك كون الموضوع أي قتل المسيح هو مجرد ظنون لا أكثر، وغير ذلك من أدلة قاطعة لا تحتمل التأويل، نأخذ بعضا منها فقط.

المسيح يستصرخ الله للنجاة من القتل على الصليب

“حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». (متى 26: 36-38)

“ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».” (متى 26: 39)

“فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ.” (متى 26: 42-44)

“إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ.” (العبرانيين 5: 7)

فالمسيح يصلي بتكرار ويدعو الله بإلحاح وحرقة لينقذه من الصلب!

المسيح يشكر الله لنجاته من الموت:

“عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الإِنْسَانُ؟ اَللَّهُمَّ، عَلَيَّ نُذُورُكَ. أُوفِي ذَبَائِحَ شُكْرٍ لَكَ. لأَنَّكَ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ.” (اَلْمَزْمُورُُ 56)

موت المسيح هي مجرد ظنون (إشاعات)

“مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ.” (أشعياء 8:53)

أي أن من جيله من يظن وسيظن بأنه مات. فموت المسيح إذن هو مجرد ظن!

تشبيه المسيح الأمر بأنه مثل آية يونان

“حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” (متى 12: 38-40)

“وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ: «هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ. … لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا!” (لوقا 11: 29-32)

“وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” (يونان 17:1)

وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ.” (يونان 10:2)

“ثُمَّ صَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً قَائِلاً: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا الْمُنَادَاةَ الَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا». فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ الرَّبِّ. أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً ِللهِ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.” (يونان 3: 1-3)

مقارنة حسب الفهم المتأخر:

1. دخل يونان بطن الحوت حياً – بينما مات يسوع على الصليب وأدخل إلى بطن الأرض ميتا!

2. ظل يونان حياً في بطن الحوت – ظل يسوع ميتاً في بطن الأرض.

3. خرج يونان حياً بجسده من بطن الحوت – خرج يسوع من بطن الأرض بروحه فقط.

4. عاد يونان إلى قومه الذين أُرسل إليهم – بينما صعد يسوع إلى السماء دون أن ينفّذ الوعد الذي قطعه من قبل: “فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».” (متى 15: 24)

كان على يسوع بحسب الوعد أن يذهب إلى القبائل المفقودة لبني إسرائيل، كما ذهب يونان إلى قومه أهل نينوى، لا أن يصعد إلى السماء!

فأين التشابه حسب الفهم المتأخر للمسيحية!

يتم التشابه بل التماثل فقط حين تتحقق نبوءة المزامير وينجو المسيح من القتل ويصبح الأمر مجرد إشاعة وظنون!

حتى الملائكة تستغرب “لماذا تبحثون عن شخص حي بين الأموات؟” !

“وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ، قَالاَ لَهُنَّ: «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟” (لوقا 24: 4-5)

“وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ.” (لوقا 24: 23)

أما القول بالمجاز لشدة الأمر فلنأخذ عليه مثالاً من قول القديس جيروم (الذي يعتبر من أعظم الآباء في تفسير الكتاب المقدس) حيث يقول:

“عندما مات يونان الهارب في البحر خلصت السفينة التي هزتها الرياح وخلص عابدو الأوثان. … قبل آلام الرب تضرعوا إلى آلهتهم تحت تأثير الخوف (1: 10)، أما بعد الآلام فخافوه بمعنى عبدوه ومجدوه … لقد خافوه خوفًا عظيمًا أي من كل النفس ومن كل القلب ومن كل الفكر (تث 6: 5؛ مت 22: 37). وذبحوا ذبيحة؛ بالتأكيد لا تعني المعنى الحرفي، إذ لا توجد ذبائح في البحر، لكن ذبيحة الرب إنما هي الروح الأصيل، وكما قيل: “قدموا للرب ذبيحة الحمد، أوفِ للعلي نذورك” (مز 49: 14).” (تفسير الكتاب المقدس -العهد القديم- القمص تادرس يعقوب، سلسلة “من تفسير وتأملات الآباء الأولين”، يونان في البحر الثائر، يونان 1 -تفسير سفر يونان)

أي أن عبارة مات أو قُتِل أو صُلِبَ أو ذبيحة ليس بالضرورة أنها تعني الموت والقتل المادي الحقيقي بل هي تعابير مجازية لمن تعرّض للموت لدرجة لا يُتصور نجاته منه بوجود نصوص صريحة تعارض القتل بلا أدنى مجال للشك. أما الحقيقة فهي أنه عَلَيهِ السَلام قد نجى من القتل على الصليب.

صَلْب المسيح، إرادةُ مَـنْ؟

يجيبنا إثنان من تلامذة المسيح عَلَيهِ السَلام:

1. لوقا:

“كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ.” (لوقا 24 :20)

2. متّى:

“وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ. فَأجَابَ الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ مِنْ الاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟» فَقَالُوا: «بَارَابَاسَ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلَبْ!» فَقَالَ الْوَالِي:«وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخًا قَائِلِينَ: «لِيُصْلَبْ!» فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً:«إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا:«دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا».” (متى 27: 20-25)

3. يوحنا:

“فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ!». فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ».” (يوحنا 19: 5-7)

رؤساء الكهنة -أي كبار مشايخ اليهود- وليس الله تعالى من أراد صلب المسيح والعياذ بالله!

هنالك الآن أربعة مفاهيم مختلفة لحادثة الصلب:

  1. الرومان يرون الصلب أنه عقاب الخونة!
  2. اليهود يرون الصلب أنه عقاب الكفر!
  3. المسيح يرى الصلب أنه جريمة قتل تمت بخيانة تلميذه ودعا الله بحرقة لينقذه من هذه القتلة!
  4. المسيحيّون يرون الصلب أنه هدية الله لهم لمغفرة الخطايا!

فأي مفهوم هو الصحيح؟

بالتأكيد مفهوم المسيح لمن يؤمن به عَلَيهِ السَلام.

وفي الختام أضع بين ايديكم كتاب “المسيح الناصري ؑ في الهند” من تأليف المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية – يمكن تحميله بالضغط هنا، أو على الرابط هنا 

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد