لقد حمّلنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أمانة عظمى لا تخلو من حكمة وهي أن نبلّغ سلامه لعيسى عَلَيهِ السَلام. لنقرأ الحديث التالي:
“حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
“إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَ بِي عُمُرٌ أَنْ أَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنْ عَجِلَ بِي مَوْتٌ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ”.”
(أخرجه أحمد عن أبى هريرة 2/298، رقم 7957 قال الهيثمى 8/205: رجاله رجال الصحيح. وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. رواه ابن أبي شيبة وأخرجه الحاكم في مستدركه بسند صحيح.)
إن سلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لعيسى عَلَيهِ السَلام بحد ذاته يحمل في طياته لمن تدبّر حِكماً جمّة نذكر منها ما أمكن لنا:
1- إذا كان عيسى عَلَيهِ السَلام حيا في السماء فلماذا لم يبلّغه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سلامه في رحلة المعراج ؟ (ألم يلتقي به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في السماء؟)
فهذا دليل أولاً على أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يلتقي بعيسى عَلَيهِ السَلام جسديا بل روحيا ! ثانياً هو دليل على أن المقصود بالسلام هو رجل آخر مثيل لعيسى كما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مثيل لموسى عَلَيهِ السَلام.
2- لقد كان جبريل عَلَيهِ السَلام ينزل بالوحي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بشكل دائم، فلماذا لم يحمّله النبي ﷺ سلامه لعيسى عَلَيهِ السَلام ما دام حيا في السماء؟
هذا دليل على أن المقصود ليس عيسى بني اسرائيل بل عيسى هذه الأمة أي مثيله وشبيهه عَلَيهِما السَلام.
3- لقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يعلم يقينا بأنه سوف يموت ويبلّغ سَلامه لعيسى عَلَيْهِ السَلام في السماء، ولكنه أمرنا نحن بتبليغ السَلام ! لماذا؟
لانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقصد مثيل عيسى الذي من أمته و صفته آدم سبط الشعر لا عيسى الذي من بني اسرائيل و صفته أحمر جعد الشعر والذي لَحق بالأموات عَلَيهِ وَعَلَى نبينا الصَلاة وَالسَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ