لنقف قليلا عند حديث مشهور في كتب الشيعة فهموه خطأ فظنوا أن المهدي ولد قبل ألف عام واختفى وهو مختف إلى اليوم ينتظر لحظة الفرج ليخرج. الحقيقة أن الحديث بسيط وفيه دلالة مهمة لمعرفة الإمام المهدي لا تحتاج لمثل هذا التأويل الغريب الذي ينافي العقل والدين وكل شيء. لنقرأه معا:
قال زرارة سمعت أبا عبد الله عَلَيهِ السَلام يقول:
“إن للغلام غيبة قبل أن يقوم“.
ثم قال: “قلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟ قال: يازرارة إن أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللّهُمّ عرّفني نفسك؛ فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهم عرّفني رسولك؛ فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهم عرّفني حجّتك؛ فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني.“. (الكافي ١/٣٣٧، باب في الغيبة. كمال الدين ٢/١٢، الباب ٣٣)
من يتأمل في هذا الكلام بشكل دقيق سيدرك بأن الإمام المهدي أو القائم (أي الذي يقوم بأمر الله ﷻ) من أدلة معرفته كونه “غلام” أي أن في هذا اللفظ دلالة واضحة على تحديد هذا الإمام حيث ورد في موضع آخر أن اسمه يواطئ اسم محمد ﷺ ولا أدلّ على المواطئة من أن يكون في إسم الإمام المهدي لقب الخدمة والمواطئة أي الإيحاء بأن محمداً ﷺ سيد هذا الإمام المهدي ولذلك كان لقب “غلام” مهم جداً لإظهار هذه المواطئة فيكون الواجب أن يتلوه لفظ يدل على محمد أو أحمد ﷺ، ولما كان المبشر به من قبل عيسى عَلَيهِ السَلام هو أحمد أي النبي ﷺ فكان من الأجدر أيضا عند عودة المهدي المسيح (لا مهدي إلا عيسى) أن يكون باسم أحمد ما دام الأمر أيضا متعلقاً بالمسيح عَلَيهِ السَلام. وَعَلَى ذلك فـ “غلام محمد” أو “غلام أحمد” هي الأنسب لتبيان هذه المواطئة بصورة دقيقة ظاهرة!
الأمر الآخر هنا هو أن هذا الإمام المهدي “غلام أحمد” له غيبة، وهذا يفسره أيضا معنى كونه مُنتَظراً أي موعوداً ويعني بأن انتظاره سيكون طويلاً جداً قبل أن يقوم بأمر الله ﷻ، ومن هنا جاء معنى الغيبة فبعثته هي بعثة أخرى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” [الجمعة الآية:٣-٤]. أي أن للنبي ﷺ بعثتين اللاحقة منها في أناس ليسوا في عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. فمعنى الغيبة هنا هو طول الزمن وهذا تحقق بالأخص عند الشيعة أنفسهم إذ ينتظرون الإمام المهدي منذ قرون ويدعون لظهوره بالفرج.
من طرق معرفة الإمام المهدي والمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام القائم بأمر الله ﷻ والمكنى بـ “غلام أحمد” هو طريق الدعاء أي استخارة الله ﷻ بشأنه وحاله وهو ما قاله حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام لمعرفة صدقه:
“يا خبير أخبرني في أمر أحمد بن غلام مرتضى القادياني، أهو مردودٌ عندك أو مقبول ؟ أهو ملعونٌ عندك أو مقرون ؟ إنك تعلم ما في قلوب عبادك، ولا تُخطئ عينك، وأنت خير الشاهدين. ربنا آتنا من لدنك علماً جاذباً إلى الحق، ونظراً حافظاً من نقل الخطوات إلى خطط الخطيّات، وأدخلنا في الموفَّقين. ما كان لنا أن نقّدم بين يديك، أو نتصرف في سرائر عبادك، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وأسرافنا في أمرنا، وافتح عيوننا، ولا تجعلنا من الذين يعادون أوليائك، أو يحبون المفسدين. آمين ثم آمين.“. (مرآة كمالات الاسلام و تحفة بغداد)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ