هل ياء النسبة المتصلة في شرقي دمشق تعني داخل المدينة وليس خارجها؟
سُئلت في معنى الحديث : {فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ} (صحيح مسلم, كتاب الفتن وأشراط الساعة)
بأن المعارضين من المشايخ يقولون بأن معنى “شرقيّ دمشق” هو في الجهة الشرقية من داخل المدينة وليس خارجها، وذلك بحكم ياء النسبة المتصلة في جهة الشرق، فهي حسب زعمهم تعني فقط داخل المدينة وليس خارجها، وهذا يحتّم أن ينزل المسيح في دمشق نفسها.
فأجبت: النحاة مختلفون في معنى ياء النسبة
النحاة مختلفون في معنى ياء النسبة في الجهات، هل تدل على داخل أو خارج المضاف إليه (دمشق). ومنهم من يرجّح أنها داخل الشي ومنهم من لا يرى ذلك . لدرجة أن مجمع اللغة القاهري امتنع أن يصدر قرار يؤيد أحد هذه الآراء، لاختلاف نحاة المجمع نفسه في هذا الأمر؛ مما يدل على عدم تخطئة، بل صحة وجواز أن يكون المعنى خارج (دمشق).
وفيما يلي ما قرره المجمع في كتاب الألفاظ والأساليب:
“يرى بعض النقاد أن استعمال الجهات منسوبة يدل على المكان الخارج عما أضيف إليه اسم الجهة. وقد درست اللجنة هذا وانتهت إلى أنه لا فرق في استعمال المنسوب من أسماء الجهات بين كونه جزءا من المضاف إليه وكونه خارجا عنه. وأن المدار في تعيين ذلك إنما هو على القرينة وسياق الكلام” ..
أما قرار اللجنة فكان: رأى المؤتمر صرف النظر عنه …
[ إ.ه النقل من كتاب الألفاظ والأساليب الصادر عن المجمع القاهري، ص 164]
وبناء عليه، يجوز أن نقول شرق دمشق وشرقي دمشق للدلالة على داخل دمشق وخارجها. ويكفينا على صحة ما نقول بعض الأمثلة :
1- بحث الأستاذ الشيخ عطية الصوالحي -عضو مجمع اللغة القاهري- في هذه المسألة، في مذكرة له أورد فيها طائفة من أقوال النحاة واللغويين والمفسرين، انتهى منها إلى أنه”لا فرق بين المنسوب وغير المنسوب من أسماء الجهات“. وعلى هذا يصح أن يقال: البحر المتوسط شمالي مصر أو شمالها، والسودان جنوبيّها أو جنوبها، كما يقال: دمياط شمالي مصر أو شمالها، وأسوان جنوبيها أو جنوبها. دون تفرقة: بين ما هو خارج عن حدود المضاف إليه وما هو داخل فيه. [ الألفاظ والأساليب، 164]
2- جمْع الجاحظ للمعنيين في بيت واحد من الشعر حيث قال:
لقد طفت شرقيّ البلاد وغربها … فأعيا عليّ الطبّ والمتطبّب
[كتاب الحيوان للجاحظ 7/89]
3- قول أبي حيان الأندلسي: لِأَنَّ الْكَعْبَةَ غَرْبِيُّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ [البحر المحيط في التفسير (2/ 11)] قال “غربي” والكعبة خارج بيت المقدس وليست داخلها.
4- سوسة الصين على شرقي نهر خمدان الكبير [نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق (1/ 210)] والحديث عن مدينة سوسة الصينية الواقعة خارج النهر لا في النهر نفسه .
5- وَصَارَ الفرنج فِي غربي النّيل فأحاطوا على معسكرهم خَنْدَقًا وبنوا بدائره سورا. [السلوك لمعرفة دول الملوك (1/ 309)] وقصد الكلام خارج النيل وليس بداخله.
وكل هذا يدل على أن معنى الحديث في نزول المهدي (شرقي دمشق) لا يقصد به فقط داخل المدينة نفسها وفي الجهة الشرقية فيها. بل يجوز كون المعنى خارج دمشق في الجهة الشرقية منها.
ومما يرجح قولنا أن معنى الحديث خارج دمشق، هو أن في النسبة معنى المبالغة أيضا. فعندما نقول (شرقي) ففيها معنى الشرق البعيد من المدينة (دمشق)، وهذا يتأتى ويتجلى أكثر في كون المعنى خارج المدينة وليس داخلها ، لا سيما في الحديث الشريف نفسه، حيث يقصد أقصى الشرق من دمشق، والمتمثل بقاديان دار الأمان دار نزول ومهبط المسيح عليه السلام، الواقعة في الشرق الأقصى من دمشق.
فبإختصار، ما يقوله المعارضون باقتصار معنى الحديث على (داخل دمشق وفيها) ليس صحيحا! بل من الصحيح والجائز أيضا، أن يكون معنى الحديث خارج دمشق. والأرجح هنا خارجها لدلالة المبالغة في النسبة.