المهام الرئيسة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم للمسيح الموعود هي ما جاءت في العديد من الأحاديث ومنها الحديث الشريف:
{يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}
(مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين)
فهذه المهام هي: كسر الصليب، وقتل الخنزير، ووضع الجزية والحروب الدينية.
وقد أنجز المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام هذه المهام على أكمل وجه، وذلك كما يلي:
أولا: كسر الصليب
فقد هزم حضرته المسيحية عند استعلائها ومهاجمتها للإسلام، وأوقف مدَّ التنصير وخاصة بين المسلمين في الهند أولا، ثم أدت حركته إلى توقف هذه الحركة تماما، بل قامت جماعته بملاحقة التنصير في أفريقيا وإيقاف هذه الحركة ثم توسُّع الجماعة وانتشارها على نطاق كبير.
كذلك فقد ترك حضرته تراثا هائلا للدفاع ضد المسيحية، بل وإبطال معتقداتها من كتبها، وترك جماعة ثبُت أنها هي وحدها الجماعة القادرة على الدفاع باستخدام هذا التراث والحجج، لأنها غير مرتبطة بأجندات أو سياسات تمنعها من ذلك. فليست المسألة مجرد تقديم هذه الحجج بل إمكانية استخدامها في كل وقت. ومن أمثلة ذلك أن الجماعة مؤخرا، قبل ما يقارب العشر سنوات، عندما بدأت حركة من الهجوم على الإسلام عند العرب، كنا نحن الوحيدين الذين تصدينا لهذه الهجمة وهزمناها بفضل الله، وعقبها دخول الآلاف من العرب في الجماعة في جميع أنحاء الوطن العربي، بينما تقاعست المؤسسات الدينية الأخرى وعجزت لأسباب كثيرة على رأسها سياساتها وأجنداتها وارتباطاتها وإملاءاتها الداخلية والخارجية.
وجدير بالذكر أن كسر الصليب قد عُبِّر عنه أيضا في أحاديث أخرى بقتل الدجال، مما يؤكد أنه والمسيحية التنصيرية شيء واحد.
ثانيا: قتل الخنزير
ومن معاني ذلك نشره الفضيلة والأخلاق الإسلامية فكرا وسلوكا وإعادة المسلمين الذين يتبعونه إليها في زمن انتشار الإباحية والفجور، وهذا ما يتضح جليا في سلوك وأخلاق الأحمديين الذين يعرفهم القاصي والداني بهذه الأخلاق الكريمة، فضلا عن أن جماعته تعاقب وتفصل كل من يتورط في جرائم أخلاقية. وعنصر الضغط بعقوبات الفصل والمنع من تقديم الخدمات الدينية، لمن يتورط في الجرائم الأخلاقية، هو عنصر فاعل للغاية في الجماعة لا يتوفر في غيرها.
ومن المعاني أيضا لقتل الخنزير أن الأعداء الفاسدين المفسدين قد هلكوا بدعاء حضرته وفي مواجهته ومواجهة جماعته، وآيات هلاكهم كانت ولا زالت بادية للعيان.
ثالثا: وضع الجزية (عندما تضع الحرب أوزارها)
وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قد جاء في زمن توقفت فيه الحروب الدينية؛ والتي تعني مهاجمة أمة لأمة في محاولة ثنيها عن إيمانها أو عقيدتها وإجبارها على دين ما. وكانت أبرز هذه الحروب الأخيرة إنما هي حرب الإسبان ضد المسلمين في الأندلس وما تبعها من الحروب الإسبانية وغيرها التي فرضت المسيحية على الشعوب المستضعفة. ثم بعدها بدأت المسيحية أسلوبا جديدا في نشر المسيحية والهجوم على الإسلام وهو بإثارة الحجج والشبهات التي جمعوها بعد تلك الفترة وبدأوا حركتهم بقوة في القرن التاسع عشر. فتصدى حضرته لهذه الحجج وأبطلها وهزم هذه الحركة هزيمة منكرة.
وتبِع ذلك أن حضرته عليه الصلاة والسلام قد صحح المفاهيم الإسلامية ووضعها في نصابها عندما اختلط الأمر على الفكر الإسلامي فيما يتعلق ببعض الأحكام التي كانت تابعة للحروب الدينية، وعلى رأسها الجزية وما يتبعها. فبيَّن حضرته أن هذه الجزية إنما تفرض على المعتدين المهزومين الذين يحاربون المسلمين حربا دينية يريدون فيها فرض الجزية على المسلمين بعد استعبادهم، وأن الجزية لا تُفرض على المعتدين إن لم تكن حربهم حربا دينية كما لا تفرض على المواطنين من أهل الكتاب. وبذلك فكأنه قد وضع وأزال هذه المسألة الخاطئة العالقة التي ما زالت تشكِّل إشكالا في الفكر الإسلامي التقليدي لعدم وضعها في نصابها.
كذلك بيَّن حضرته أن بعض أحكام الحرب الدينية إنما كانت بدافع المعاملة بالمثل لردع هذه التصرفات وإلغائها من تقاليد الحرب في العالم، كمثل مسألة السبي والاسترقاق، حيث عامل المسلمون أسرى الحرب المعتدين في تلك الفترة معاملة تشبه معاملة الرقيق من باب المعاملة بالمثل، ولكن مع حفظ حقوقهم وأعراضهم وإتاحة إمكانية تحررهم منَّا أو فداء، وهذا لكي تتوقف تلك الشعوب عن استعباد المسلمين وسبيهم، ثم بما أن هذه التصرفات قد زالت فأصبح محرَّما على المسلمين اليوم السبي أو معاملة الأسرى معاملة العبيد. وبهذا فقد حلَّ إشكالية كبرى في الفكر والشريعة ما زالت عالقة لدى الفكر التقليدي.
وبالطبع فقد بيَّن حضرته بداية أن القتال لم يفرض لنشر الإسلام، بل كان دفاعا ضد عدوان المعتدين، وأنه لا يجوز للمسلمين شنَّ حرب على الآخرين لمجرد كفرهم أو لإجبارهم على الدخول في الإسلام. ثم بيَّن حرمة الخروج على الحاكم مطلقا دون قيد أو شرط، وبيَّن بأن الإسلام لا يمنع من العيش تحت سلطة حاكم أو حكومة غير إسلامية فحسب، بل يأمر بطاعة الحكومة في غير معصية الله، ثم أن الحكومة لو أمرت بمعصية فلا نطيعها فقط في هذه المعصية، ولكن لا نشق عصا الطاعة ولا نخرج عليها بهذا المبرر أو غيره.
وبهذا فقد أزال حضرته المبررات جميعها للعنف والإرهاب والاضطراب والتمرد، ووضع الأمور في نصابها. وهذا الجانب لو فهمه المسلمون وأطاعوا حضرته فيه لزال القسط الأكبر من مشاكلهم وبدأوا يسيرون على طريق الازدهار والتقدم.
وهكذا يتضح بكل جلاء أن حضرته قد قام بهذه المهام على أكمل وجه، وهذا وحده يشكِّل الآن دليلا كافيا مبهرا على أنه هو ذلك المسيح الموعود الذي أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم وجاء ذكره في القرآن الكريم، والذي جاء في وقته تماما، ولا مسيح موعود في هذه الأمة بعده ولا قبله.